سليل غزال باكٍ

صوت رنين جرس باب المنزل وصل إلى سمعه بينما هو قابع على الأريكة يشاهد التلفاز، مباراة كرة قدم لفريقه المفضل معادة، حاجبيه ارتفعا في تعجب، متسألا في نفسه من الذي قد يجئ إلى منزلهم في ذلك الوقت من الليل، استقام واقفا، نهض كي يسرع لفتح باب المنزل لذاك الطارق.

وحينما فتح الباب و رأها تقف أمامه بزهوها المعتاد، كانت هي! ثمرته التي نضجت وأضحت شهية! لكنها تريد أن تهدي نفسها إلى غيره! إلى أخيه هو الأكبر!! زاد يشتهيه لكنه محرم عليه! فهي لم تكن تريده! أبدا!

بصوت ساخر ومتهكم قال:

-  أهلا أهلا آنسة زاد! ترى ما الحظ السعيد الذي دفعك للمجئ إلى منزلنا المتواضع؟!

كلمات قالها ساخرا، مناوشا، رغم أنه كان يعلم الإجابة جيدا، وجدها تجب على سؤاله بغطرسة كالعادة، حين قالت بنبرة متهكمة:

"ابتعد عن الباب أيها الأحمق ودعني أمر! ثم إنك تعلم جيدا لما أنا هنا في ذاك المنزل والذي ليس متواضعا على الإطلاق!! شقة ضخمة في برج شهير لا تمت للتواضع بأي صلة!! إن لم أكن أعرفك جيدا لقلت أنك تتفاخر ليس إلا!"

سمح لها بالدلوف بينما يستمع إلى ثرثرتها تلك! اجتاحتها نظرات عينيه، لقد كانت اليوم تتأنق بشكل مبالغ فيه عن المعتاد! ثوب بلون أحمر لفوق الركبة يطوق جسدها الشهي! تجعلها قابلة للإلتهام في أعين أي رجل ذو دما حار، واللعنة هو كان كذلك وأكثر!! هو كان يحبها!!

لاحظت هي نظرات عينيه الجريئة إلى جسدها، شعرت بالضيق بعض الشيء، أخبرته بنبرة حادة وغاضبة:

"إلى ماذا تنظر أيها الأبله!! لماذا تتلصص على جسدي بتلك النظرات الوقحة!"

ضحك، هو ضحك حقا بصوت عال من سؤالها الغاضب ذاك! أخبرها بنبرة ساخرة ومتهكمة كعادته معها:

"أحقا أنا فعلت ذلك؟! ولكني أرى أنك دعوتني أنا وألف رجل أخرين لفعل ذلك!"

"فعل ماذا يا أحمق؟!"

صرخت في وجهه بتلك الكلمات بعدما سخر منها بتلك الطريقة الفجة، لكنه لم يتحمل صراخها أو تطاول لسانها عليه، طوقها بيده من خصرها، قربها نحوه بقوة حتى التصقت به، نظر إليها بنظرات صقر جارح يتربص بفريسة بدت سهلة له، أخبرها بنبرة ماكرة، بينما يوهمها أنه سوف يفعلها، يقبل شفتيها!

"أن أنظر إلى حنايا جسدك السخية التي يظهرها أو يحاول أن يخفيها ذلك الثوب المتبجح العاري! مما يجعلني أتساءل ماذا كانت ردة فعل أخيك هارون حينما رآك ترتدين هذا الثوب الفاحش؟!"

حاولت أن تبتعد عنه، وضعت يدها على صدرها كي تدفعه بعيدا، لم تعلم أنها بتلك الحركة البسيطة قد وضعت مزيدا من الوقود فوق النار!! لكنه رغم ذلك حاول أن يتماسك! تلك الحسنات التي وهبتها له لعبته المفضلة الملاكمة! محاولة التماسك، الصبر على الخصم! والقدرة على كبح جماح النفس!!

قرب رأسه منها، زفر بجانب أذنها، همس بها:

"تختبرين صبري زاد! وأنا لست برجل صلب إن كنت تعلمين ذلك! لا تلعبين بالنار يا صغيرة حتى لا تحترقي!"

وهي حقا خافت! لأول مرة في علاقتهما سويا، مناوشتها له على الدوام، شعرت بالخوف منه! تركها لتبتعد عنه بخطوات واسعة، ترمقه بنظرات يملؤها الكره، الغضب، نظر إليها بسخرية، أبتعد راحلا عنها بخطوات سريعة، لقد كانت رأسه تؤلمه حقا والآن هي تحتاج إلى جرعة إدمانها الخاص، كوب قهوة مركز!!


رمقته بينما هو يرحل بنظرات بدت غاضبة تخفي وراءها خوفها الوليد منه، لولا أنها تريد مقابلة موسى بشدة لم تكن لتظل هنا في ذاك المنزل دقيقة واحدة بعد!! لقد جاءت من أجل الاحتفال مع موسى بيوم مولده! لكنه لم يكن في المنزل حينما أتت، كان معاذ فقط! والآن هي تحتار، هل تظل هنا وتنتظره؟! أم ترحل وتنفد من ذلك الفخ من الخوف!!

اختارت أن تنتظر عودة ذلك الأحمق من الداخل، شاهدته للتو يدخل إلى غرفة الطهي، ربما يحضر لنفسه شيء ما من هناك، هكذا هي خمنت، خطت نحو الأريكة، جلست عليها، شاهدت هاتفه المحمول بجوارها، رمقته بنظرات مزدرءة، ثم حولت رأسها لتنظر نحو شاشة التلفاز، شخرت بصوت عال، لقد كان معاذ شابا نموذجيا، يشاهد مباراة كرة قدم كأي شاب عادي!!

صوت وصول رسالة إلى الهاتف المحمول القابع بجوارها جذب انتباهها، عادت لتنظر نحوه من جديد، ثم هناك فكرة ماكرة جالت في تفكيرها، معاذ ليس هنا بل في غرفة الطهي، والهاتف بحانبها، لا ضير من أن تحمله بيدها، تقرأ شيئا من كلمات تلك الرسالة! لربما تستفيد منها في وقت لاحق!

تتخذه كسلاح لها ضده! وكادت تفعلها، مدت يدها، حملت الهاتف، نظرت إلى شاشته المضيئة! لكن فجأة! يد ضخمة استولت على يدها، اختطفت الهاتف من داخلها، بينما يرمقها بنظرات لو كانت تقتل لكانت هي الآن في عداد الموتى!!

حاولت أن تتامسك، تجد حيلة ما تجعلها تنفد من تلك الكارثة التي وضعت نفسها بداخلها، أجلت حلقها، أخبرته بنبرة متلعثمة:

"لقد كان هاتفك المحمول يرن، فأردت أن أرى من المتصل كي أخبرك بذلك حينما تعود من الداخل!"

نظر إليها بنظرات ساخرة، هو علم ما كانت تنتويه حقا، لكنه أراد أن يسايرها في ما تفعل لذا هو قال:

"حقا! كم أنت ملاك حقيقي زاد! يالي من محظوظ كي أحظى باهتمامك الكبير ذاك!"

نبرة صوته الساخرة منها جعلتها رغما عنها تفقد تماسكها، تشعر بالغضب منه، تستقيم واقفة، اقتربت منه من جديد، أشارت إليه بأصبع السبابة خاصتها بينما تزعق في وجهه بصوت عال:

"لقد أخبرتك لما فعلت ذلك! فلما نظراتك وطريقتك الساخرة مني في الحديث تلك!! لا أعلم لما تفعل ذلك معي معاذ! لطالما تسألت عن السبب وراء ذلك!! لكن ألا تعلم! هذا لا يهم الآن! إنك مجرد أحمق متغطرس لا يقدر على شئ سوى التبجح في الكلام!"

حديثها الزاعق في وجه أجج المزيد من الغضب في داخله، أقترب منها حتى التصق بها، أمسك بإصبع السبابة خاصتها ثم ثناه لها مما جعلها تصرخ في وجع!! تسأل في نبرة غاضبة:


"أحقا لا تعلمين لما أفعل ذلك!! إنني أشك أنها خطة منك كي تشعري بمزيد من التسلية زاد!! ثم أنت تعلمين جيدا أنني أكثر من ذلك المتبجح الذي تنعتينني به!! أنا أستطيع أن أفعل الكثير، وفي تلك اللحظة تقريبا استطيع أخذك هنا على تلك الأريكة دون أن تستطيعين منعي أو إبعادي عما أريد!"

أخبرها بتلك الكلمات ثم تركها مبتعدا عنها بعدة خطوات للوراء، رامقا إياها بنظرات ساخرة.


كلماته أشعلت النار في هشيم روحها، كبرياؤها، تسألت أنى لها أن يخبرها بتلك الكلمات الوقحة عن أخذه لها بتلك السهولة وكأنها عاهرة التقطها من الشارع!!

حالما تركها لم تستطع أن تمنع نفسها من لطمه على وجهه بكل قوة هي تملك من جسدها دون ذرة ندم واحدة بينما تصرخ في وجهه:

"أيها السافر الوقح! كيف تجرؤ على التحدث معي كما تتحدث مع العاهرات اللاتي تعرفهن! أنت تعلم جيدا أنك تحاول إخافتي لا أكثر وأنك لن تستطيع لمسي أو وضع إصبع واحدا علي حتى، فموس،،"

لقد كانت تلك أكبر خطأ ترتكبه في حياتها، تلطمه على وجهه تنعته بتلك الألفاظ، تسخر منه، ثم تذكر اسم أخيه على سمعه، لم يستطع أن يتمالك نفسه، وجده نفسه يجذبها بقوة نحوه، بغل شديد وضع شفتيه على شفتيه وبدأ في عقابها بقبلة قاسية!

بينما هي تحاول أن تبتعد بوجهها عن وجهه لكنه كان قد أحكم إمساكه برأسها بيده من الخلف فلم تستطع الحركة، شيطان نفسه قد حضر، بدأ يضع المزيد من الحطب في أفكاره، لقد تحدته، تجرأت عليه، وهو لن يغفر لها ذاك ابدأ، سوف يجعلها تدفع كل كلمة نطقت بها والثمن سوف يكون مضاعفا، سوف يكون جسدها!

حملها بين يديه بينما تقاوم بكل قوة هي تلك، سار بها بخطوات سريعة نحو غرفة نومه، وضعها على الفراش بينما مازال يحكم إمساكه بها، قاومته، حاولت الابتعاد، ركلته، حاولت عضه، لكن كانت كطفل صغير يتعامل مع عملاق ضخم!

صوت تمزق ثوبها على في المكان، صوت سحاب بنطال طار في الهواء من القوة أعقبه، لم تكد تمر ثوان حتى صدح صوت صرختها هي أعلاهما جميعا بينما يتم اجتياح جسدها كفتاة عذراء لكنها لم تعد كذلك!! هي زاد أضحت طعام عفن!!


وفي لحظة اجتياح كاملة، هو أخذها، صارت ملكه، صارت اولى خطاياه على الأرض، بل هي أكبرها على الإطلاق!! سأل نفسه بينما ينظر نحوها بندم حارق، هل أحبها يوما؟! والإجابة كانت لا!! لأنه إن كان قد أحبها لم يكن ليفعل بها هذا أبدا! لم يكن يدعها تسقط في الهاوية بيده هو!!!

"معاذ"

وهي!! لم تعد هي! تلك القابعة على الفراش ببقايا ثوب ممزق لا يسمن ولا يغن من شرف! لم يتبق منها سوى أطلال، حينما افترسها في لحظة غضب هي أضحت أطلال!! بقايا زاد مسه العفن!!

"زاد"


ملف هام قد نسيه في المنزل أرغمه على العودة مرة أخرى بعد رحيله، رغم أن السهرة تلك التي ينوي أن يقضيها بصحبة صديقه هارون وشريكه في نفس ذات الوقت هو ومجموعة من الأصدقاء الأخرين كانت من أجل أن يحتفل معهم بيوم مولده، لكن حب العمل الذي يجري في دمه جعله يريد مناقشة أمر صفقة ما مع أحد الأصدقاء الحاضرين، تلك فرصة هو لن يفوتها أبدا!

صوت سليل غزال باك وصل إلى سمعه بينما يدلف إلى الردهة فورا، تعجب من الأمر، لقد ترك شقيقه الأصغر معاذ بمفرده قبل هبوطه من المنزل، إذا صوت من هذا الذي في صحبته؟! هو صوت أنثوي بكل تأكيد! وما يثير العجب أنه بكاء و نحيب منهزم.

ساقته قدماه إلى حيث تقبع غرفة أخيه، لمح بابها المفتوح من بعيد، ومع تقدمه في السير بدأت الصورة تتضح أمام نظراته أكثر فأكثر، حتى صعق مما رأى! هناك على فراش أخيه، فتاة ذات ثوب ممزق، عارية سوى من خرقة صغيرة وهو يعتليها، كوحش يفترس فريسته!!

الصدمة جمدته لبعض الوقت! لم يعلم كم مرت من ثوان حينما وجد نفسه يركض نحوهما بسرعة كبيرة، يمسك بأخيه من الخلف يبعده بكل ما أوتي من قوة عن الفتاة المغدور بها والتي لم تكن سوى زاد شقيقة صديقه الصغرى!!

نظر نحوها بغير تصديق، الفتاة اغتصبت والمغتصب لم يكن سوى شقيقه هو! عريها آثار الحمية في نفسه، بحث عن شيء يواري جسدها عن الأعين، شرشف فراش قابع على أرض الغرفة وقع عليه بصره، اسرع في جلبه ووضعه عليها، ليلتفت بعدها إلى أخيه و جحيم غضب مشتعل في داخله من فعلته، ليجد أخيه يجلس أرضا، يضع كلتا يداه على رأسه، يبكي بحرقة كطفل صغير أخذت منه لعبته عنوة!

"لقد قتلتها أخي! لقد قتلتها! زاد ماتت! فسدت وأنا الذئب الذي أفترسها!!"

رغم كلمات أخيه النادمة، بكاؤه الحار، لكن ذلك لن يشفع له، وجد نفسه يقترب منه، يميل عليه، يمسك به من تلابيبه، يرفعه كي يستقيم واقفا، ثم أخذ يكيل له اللكمات في أنحاء وجهه، ختمها بلطمة صدح صداها في أركان المنزل بأكمله، بينما يصرخ في وجهه

"يا نذل! يا خسيس! شقيقها ائتمننا على عرضه ونحن نفعل به ذلك! آه يا كلب يا نجس، لقد نجست فتاة طاهرة كانت كمثل شقيقة صغرى لي بفعلتك يا حقير! من أنت لتفعل بها هذا؟! بالتأكيد أنت ليس أخي! هل هذا تأثير مخدر سام قد تعاطيته يا نجس؟!"

مهما سيقال من كلمات، من اتهامات بالخسة والنذالة! أن تكيل له اللكمات! يلطم على وجهه آلاف المرات! ذلك لن يمحو أبدا خطيئته! فليفعل به أخيه ما يفعل، لن يحاول أن يدافع عن نفسه! هو يعلم أنه يستحق ذلك وأكثر! لا شيء سوف يعوضها هي عن ما فقدت!!


استسلام شقيقه بتلك الطريقة لضرباته القوية تلك يثبت له شيء واحد! شقيقه تحت تأثير مخدر من النوع الرخيص الذي يذهب العقل، هو سمع عنه مؤخرا، لكن لم يعلم أن أخيه سوف يصل إلى هذا المستوى من الحضيض ويفعلها، ومن سوء حظ زاد أنها قد جاءت إلى منزلهم في ذلك الوقت!! الغضب اشتعل في نفسه من جديد، بقوة كبرى طرح أخيه أرضا، وضع يديه على رأسه، بدأ يدور في الغرفة كنمر حبيس قفصه، زعق بصوت عال بينما يلف حول نفسه بلا هدى

"ماذا أفعل؟! ماذا علي أن أفعل؟! إن علم هارون بما حدث لشقيقته وإغتصاب معاذ لها هو سوف يقتله على الفور بدون ذرة شفقة! أنا كنت سوف افعلها لو كنت في محله! لكن معاذ أخي ولا استطيع أن أراه يقتل أمام عيني مهما كانت فعلته خسيسة ونجسة! ماذا أفعل؟! الهمني يارب الصواب! أرجوك يا ربي ارجوك !!"


رنين هاتفه المحمول أخرجه من حالته، بسرعة كبيرة استل الهاتف من جيب معطف السترة خاصته، نظر إلى شاشته، ها هو هارون يتصل به ليسأل عن سبب تأخره بالقدوم إليهم بالطبع! ماذا يفعل الآن في تلك الكارثة أيضًا؟!
هل يجيب عليه أن يدع الرنين يتواصل حتى يفقد هارون الأمل في رده؟! لكن إن فعل ذلك سوف يشعر هارون بالقلق عليه ولربما قدم إلى منزله! من الأفضل أن يحاول أن يتماسك قليلا ثم يجيب عليه بطريقة هادئة، يتحجج بسبب ما سوف يجعله يتأخر على تلك السهرة الهامة، وهذا ما فعل، حينما فتح المكالمة و أجاب بصوت هادئ

"أجل هارون؛ لا تقلق هناك أمر بسيط قد عطلني عن القدوم إليكم! لا تخاف يا رجل بالطبع سوف أت إلى تلك السهرة! في النهاية أليست قد أقيمت من أجلي أنا فكيف لي أن أفوتها! لا تقلق في أقل من ساعة سوف أصل إليكم! أعدك بذلك! حسنا! إلى اللقاء"


المكالمة دارت بسلاسة على نحو لا يصدق، يبقى أمر تلك الكارثة التي أمامه، لا يعلم كيف سوف يصلحها، وجه أحدهم جاء في ذهنه، امرأة ليس بينهما ود كبير، لكن صلة قرابة كبرى، رجوة ابنة خاله! هي التي سوف تستطيع مساعدته بكل تأكيد، ولحسن الحظ هي لا تسكن بعيدا عن هنا، فقط بضع أدوار أسفل منهم!

سوف يضغط على كبريائه من أجل هدف نبيل، نظر إلى هاتفه، بحث عن رقمها الذي لابد أنه مسجل على ذاكرة الهاتف، ها هو قد وجده، رقمها وأمامه اسم مجنونة العائلة.

نهاية الفصل
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي