شيطانه العاصي

بعد مرور شهر


لا تعلم عدد الأيام التي قد مرت على وجودها بهذا المكان، ربما شهر من الزمن، ربما أكثر، هي لا تعلم! لقد توقفت عن عد الأيام منذ ذلك الوداع القاسي الذي ودعت به والدتها، هي رحلت للأبد!!

تركتها وحيدة في تلك الحياة، حيث لا أحد سوى ذئاب البشر! تنفست بعمق، حاولت أن تدخل أكبر قدر من هواء البحر المشبع باليود إلى رئتيها قبل عودتها إلى العمل مرة أخرى، استراحة الغداء أوشكت على الانتهاء، ولابد أن المشرفة نعمات تبحث عنها الآن.


تنهيدة حزن خرجت منها، رغم قسوة نعمات معها إلا أن تلك القسوة تعتبر رفاهية مقابل ما كانت سوف تعانيه إن لم تأت للعمل هنا في ذلك الفندق الشهير، والفضل يعود بالطبع إلى السيد كمال، ذلك الرجل الفاضل الذي كان مديرها السابق في فندق العاصمة الذي طردت منه على يد الذئب البشري هارون!!

رغما عنها تجمعت الدمعات في مقلتيها، ذلك الرجل، أكثر إنسان تبغضه في الحياة هو في الواقع زوجها! وإن كان الأمر مازال على الورق فقط! لكنه يبقى كذلك! تمنت لو تستطيع العودة، إرجاع ذلك المال له، ثم طلب الطلاق منه، هو أمر سوف تفعله بكل تأكيد، لكن لم يحن الوقت بعد، مازال حزنها لم يجف بعد على والدتها الراحلة، الأيام ستداوي جرحها بالتأكيد، هذا ما أملته!

بخطوات سريعة خطت نحو داخل الفندق، تحاول الوصول إلى المطعم، حيث عملها كنادلة هناك، وكما توقعت تماما، هناك وجه غاضب كان في إنتظارها، يرمقها بنظرات مغتاظة، لتنظر هي له بنظرات متوسلة، فما كان منه سوى أن يزفر بضيق ويغادر بخطوات متمهلة نحو داخل غرفة الطهي.

زفرة راحة خرجت منها عقب رؤيتها للمشرفة نعمات تغادر إلى حيث غرفة الطهي، حمدت ربها أيضا، نعمات تلك المرة لم توبخها، هي في إمكانها إيقاف ذلك التسلط الذي تمارسه عليها نعمات في الحال، فقط أن ذهبت للسيد كمال وشكت له، لكنها لا تفعل، فنعمات لا تفعل ذلك معها هي فقط بل مع جميع العاملين في مطعم الفندق، مما يعني أنها سيدة صارمة في عملها لا أكثر، وذلك يستحق الاحترام.

استلمت مناوبتها في العمل، فوجئت بينما هي تخطو بتمهل نحو إحدى الطاولات بزميلها في العمل أكرم يبتسم لها بتسلية ثم يغمز لها بمرح، لتضحك هي رغما عنها من فعلته تلك، هو كان يقصد أن يخرجها من حزنها ذاك، أن يبعد تفكريها عن تسلط نعمات، وهي كانت أكثر من ممتنة على فعلته تلك.



لقد ظن أن عشاء العمل ذاك في المطعم الشهير في مدينة السلام سوف يكون مشوقا، لكنه كان مملا أيضا، العمل كله أصبح مملا بشكل لا يصدق، منذ زواج شقيقته زاد الأسبوع المنصرم وهو يعيش بمفرده في المنزل، وحينما جاءت رحلة العمل تلك ظن أنها فرصة لتغيير روتين حياته المملة، موسى تركه هو الذي يذهب في تلك الرحلة بمفرده، فهو مشغول بالتحضير لزفافه والذي سيكون بعد أقل من أسبوع من الزمن.

زفر بضيق، تمنى أن ينتهى الإجتماع سريعا، تلك الفتاة الروسية التي كانت تغازله بعينيها، تحاول أن تلمسه من أسفل المائدة جعلت غضبه وضيقه يتصاعد، لقد أصبح كارها لجنس المرأة ذاك، منذ تلك المرة التي خدعته فيها إحداهن، سرقت نقوده ورحلت، جعلته يبدو مثل الأبله، وهو بات يكره رؤيهن أمامه.

أمنيته الوحيدة هو أن يعثر عليها، ينتقم منها على فعلتها تلك، هو أصبح أحمق في عينيه هو، لا أحد فعلها قبل ذلك! خدعه ونكل بكبرياؤه! لكن هي فعلت، آه فقط لو يعثر عليها، تلك الخائنة!


حينما أعلن المحامي الخاص بشركته أن العقد أصبح جاهزا للتوقيع هو تنفس الصعداء تقريبا، زفرة راحة خرجت من فمه حينما كان هو يوقع على تلك الوثيقة، وبينما هو يفعل، إذ بضحكة عالية أستمع إليها جعلته يتشتت قليلا، رفع رأسه يريد رؤية صاحبة تلك الضحكة المثيرة، حينما فعل تجمد كل ما فيه، فصاحبة تلك الضحكة لم تكن سوى زوجته الهاربة!!


صدمة كبيرة تلقاها بينما هو يوقع ذلك العقد، عقله كاد يتوقف عن العمل، قلبه بدأت تتصارع دقاته بشكل لا يحتمل، كل ما فيه تأثر برؤيتها أمامه، تضحك لذلك الشاب الذي يبدو زميل لها في عملها، نادل مطعم، وهي على ما يبدو تعمل كذلك، الأمر الذي جعله يوقن أنها ليست هنا سوى لسبب واحد فقط، إيقاع رجل غني آخر! ثم الهروب بغنيمتها على الفور.


"الآن ليس وقت الضعف هارون"

ذلك ما أخبر به نفسه، يحاول أن يلملم شتاته، عاد يقول مرة أخرى

"سوف تحصل على انتقامك منها، لكن ليس الآن، فقط انتظر حتى يقع الصيد في المصيدة وحينها سوف تفعل بكل تأكيد! صبرا هارون العاصي!"

بهدوء شديد وقع على ذلك العقد، شاهد شريكه في الصفقة بينما هو يفعل، أنتظر في هدوء حتى مر العشاء الذي لم يتذوق منه لقمة واحدة، ثم استئذن من الجميع للعودة إلى غرفته الخاصة وكانت الحجة، وجع شديد في الرأس لا يستطيع تحمله.


عاد لغرفته الخاصة سريعا، بدأ في تنفيذ خطته التي رسمها في عقله كي يستدرجها إلى غرفته، هاتف خدمة العملاء، طلب وجبة طعام له، شدد على أن يكون النادل هو العاملة سلسبيل، حيث هناك من أوصى بدقة عملها له، الإجابة أنه بعد أقل من ربع الساعة وسوف يصل الطعام إلى غرفته الخاصة.


قرر أن يتحرر من ملابسه الخانقة تلك، ربما الحصول على حمام منعش ليس بفكرة سيئة، وبعد أقل من عشر دقائق كان يقف أمام المرآة، في يده منشفة صغيرة يجفف بها شعره، بينما جسده مغطى بمئذر حمام أبيض اللون، صنع من قطن مصري فاخر.

طرقات على باب غرفته كانت سببا في ابتسامة ساخرة ترسم على وجهه، بصوت هادئ هو قال:

"ادخل"

الطارق فعل، اطاع الأمر وفتح باب الغرفة حاملا على يده صينية كبيرة، رص على سطحها عدة أطباق من الطعام الشهي الساخن، بهدوء شديد توجه حيث أريكة تقبع بجوار الحائط، أمامها طاولة صغيرة، وضع عليها حمولته، استقام بظهره كي يحادث صاحب الغرفة، تمنى أنه فعل! فصاحب الغرفة لم يكن سوى زوجها هارون الذي تركته ورحلت!!


شهقة عالية خرجت من فمها حينما وقعت نظراتها عليه، لم تصدق ما يحدث لها الآن، كيف له أن يعرف مكانها ويأتي للانتقام منها، محال أن تكون تلك صدفة التي جمعت بينهما الآن، لابد أنه خطط لذلك!

حاولت أن تتراجع بخطوات سريعة نحو الخارج، لكن في ثانية واحدة كان يحاصرها بجسده، يمد يده نحو باب الغرفة كي يوصدها جيدا، ثم يمسك بها من رسغها يشدها نحوه، حتى ارتطم جسدها بجسده القوي الصلب، على وجهه رسمت ابتسامة ساخرة، تحمل تعبير منتصر، يخبرها أنها قد وقعت في الفخ.


حاولت أن تبدو جامدة معه، قوية غير متأثرة بما يفعل، أخبرته من بين أسنانها، راسمة على وجهها قناع الجمود:

"اتركني عليك اللعنة، ما الذي تفعله يا أحمق؟!"

قوتها تلك رغم عنه أعجبته، يبدو أن القطة لم تفقد قوتها بعد، نظر إليها بتسلية، أخبرها بنبرة متهكمة، ساخرا منها:

"عيب كبير عليك سلسبيل! هل هناك زوجة محترمة وقورة تنعت زوجها بذلك اللفظ؟! ثم ما هذا اللقاء الجاف؟! أهكذا تستقبل المرأة زوجها بعد غياب طويل عنها؟! أين هي الأحضان والقبلات التي من المفترض أن أحصل عليها سلسبيلي؟!"

كلماته تلك جعلتها تشعر بغيظ كبير، هو يتسلى بها، يحاول أن يزعزع ثقتها، ثباتها، لكنها لن تدعه يفعل ذلك بها، هي لن ترضخ لنبرة التهديد المبطنة في حديثه، هي قالت بنبرة غاضبة:

"عن أي زواج تتحدث سيد هارون؟! آه أنت تقصد تلك الوثيقة التي وقعت عليها من أجل بيع جسدي لك مقابل حفنة من المال؟! أنت رجل حقير حقا!


الألم الذي انتاب صفحة وجهها فجأة هو ما جعلها توقن أن تلك اللطمة كانت من نصيبها هي، ألم حارق تشعر به في وجنتيها اليمنى، بينما هو يصرخ في وجهها بصوت زاعق:

"أيتها الفتاة الفاسقة، تتشدقين أمامي برخصك وعهرك؟! هل ظننت أنني لن أصل إليك مرة أخرى؟! ها! تنعتيني بالحقير؟! ماذا عنك أنت؟! كم من مرة بعت جسدك الرخيص هذا من أجل حفنة أموال؟! هيا اجيبي؟! كم مرة بعت جسدك وأنت على ذمتي يا حقيرة؟! كم رجل تمتع بجسدك؟! اجيبي عليك اللعنة!"

باغتها بكلماته المهينة تلك، هو يظن أنها فتاة بائعة للهوى تغوي الرجال، فكرته عنها منذ أول لقاء بينهما لم تتغير، وما زاد الأمر ظلمة هو استسلامها المخزي له وموافقتها على الزواج منه من أجل المال، المال الذي ظنت أنها سوف تنقذ به حياة والدتها والتي رحلت حتى أن تسدد الثمن حتى!

دموع عينيها بدأ في الهطول رغما عنها، هي فتاة طاهرة، لم يدنس لها طرفا، وها هو المدعو زوجها يتهما بالعهر، عليها أن تدافع عن نفسها، لن تتركه يظن بها السوء أكثر من ذلك، بنبرة مقهورة، محترقة حد الرماد، هي قالت:

"من تظن أني أكون عليك اللعنة، أنا فتاة طاهرة عفيفة، لم أمس بعد! كف عن اتهامي بتلك الألفاظ العفنة!!"

لم تكد تكمل حديثها حتى فوجئت بقهقهات عالية كان مصدرها هو، نظرت إليه بتعجب وحيرة، وجدته يقول بنبرة ساخرة ومتهكمة:

"سلسبيل، آه يا سلسبيل، هل تظني أنني فتى غر سوف أقتنع بكلماتك تلك حول كونك عذراء لم تمس بعد! يا فتاة أخبريني بحجة أخرى أستطيع تصديقها بدلا من تلك الكذبات التي لن يصدقها سوى أحمق صغير!

لا تعلم بما تخبره حقا، لقد حاولت أن تجعله يفهم حقيقة من تكون لكنه لا يريد التصديق، ازدردت ريقها، لقد جف حلقها حقا مما يحدث، وبينما تفعل دمعات عينيها دخلت إلى فمها لتتذوق مرارة القهر والألم!


صمتها ذاك جعله يصدق أن كل اتهاماته لها حقيقة واقعة، تلك الدمعات التي تذرفها الآن ما هي إلا دموع التماسيح التي يحكون عنها، نظر إليها بسخرية، عاد يقترب منها من جديد، فهو رغم كل شيء حدث معه، هو يريدها، واللعنة عليه إن لم يفعل، يأخذ حقه فيها!

أمسك بها من كلتا يديها، زرع جسدها في جسده، مال يتذوق شفتيها في قسوة، كانت متجمدة في مكانها وكأنها صعقت من فعلته تلك معها، لم تمر ثوان حتى فوجئ بها تحاول أن تبتعد عنه، تقاومه بينما هو ينهل من ثغرها الشهي، الأمر الذي جعله يتمسك بجسدها القابع بين ذراعيه أكثر، يشدد في ضمه لها، همس لها في أذنها بنبرة خافتة:

"اتركي جسدك لي سلسبيل، أما لزوجك الأحمق أن يتمتع به كما فعل الآخرون؟!"

وعند تلك الكلمات التي خرجت من فمه، وجدت نفسها تحصل على قوة الغضب التي دفعتها لتبتعد عن مجال ذراعيه، تهبط بيدها على وجهه، تلطمه بكل قوة هي تملك بينما تخبره بنبرة مشبعة بالألم:

"يا حقير يا خسيس!"

إلى هنا ولم يعد يتحمل تلك الفتاة الفاسقة، هي تطاولت عليه في الكلمات، لطمته على وجهه، تجرأت على ذلك وهو الذي تنازل واقترب من جسدها العفن الذي اشبع الكثير غيره من قبل، وربما هي فعلت بينما كتبت على اسمه، سوف يجعلها تتمنى الموت حقا، هو لن يتراجع عن الانتقام منها مهما توسلت!


فوجئت به يصرخ في وجهها بينما يديه تمارس الانتهاك على جسدها، يحاول تجريدها من ملابسها رغم مقاومتها الشرسة له:

"يا حقيرة! يا رخيصة الثمن! تلطمين وجهي سوف أجعلك ترين حقا من هو هارون العاصي الذي جرأت على اللعب معه!"


وهنا هي توسلت، حاولت أن تركع له، تقبل يده، تتوسل له أن يتركها، لكنها لم تعلم أن شيطانه قد حضر، تلبسه بالكامل، ذلك الذي يحاول انتهاك جسده لم يكن هارون لكن كان شيطانه العاصي!!



نهاية الفصل.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي