الفصل العاشر اشتباه

لقد سمعت چيلان صوتًا صادرًا من الساعة الخاصة بجلال يشبه رنين المنبه، تلى ذلك نهوض جلال من مقعده بشكل مفاجيء، نظر إلى چيلان وقال:
-چيلان، اعتذر إليكِ سوف أذهب إلى المرحاض ولن اتأخر عليكِ.

علت الابتسامة وجه چيلان وقالت:
-جلال، لا عليك تفضل.

ذهب جلال إلى المرحاض ولكن فجأة تذكرت چيلان تلك الساعة التي تحدثت عنها شقيقتها وعد في مذكراتها فهمست قائلة:
-لا يمكن أن يكون جلال هو نفسه السفاح، فليس معنى أنه يرتدي ساعة تصدر رنينًا وتصادف ذلك رغبته في الذهاب إلى المرحاض بأن يكون هو نفسه سليم.

أخذت چيلان تفكر قليلًا ثم قالت:
-هل يمكن أن يكون قد اكتشف هويتي عندما كنت فاقدة للوعي ولذلك قرر دعوتي على العشاء؛ ليتقرب مني كما يفعل مع جميع ضحاياه؟

نظر جلال إلى چيلان ولاحظ عليها الشرود فعلق قائلًا:
-چيلان، اراكِ شاردة وقد بدى عليكِ الضيق، هل فعلت شيء أغضبك أم إنكِ شعرتي بالملل لتأخري عنك قليلًا، اعتذر إليكِ عن ذلك؟

انتبهت چيلان وابتسمت ابتسامة مفتعلة ثم قالت:
-لا لم اغضب لذلك ولكن أشعر إنني لست على ما يرام.

جلس جلال وتناول كوبًا من الماء البارد
ثم تحدث إليها وقال:
-لعل ذلك بسبب التقيوء وربما بسبب الجوع.

وببراعة المحقق فقد حاولت چيلان عدم إثارة شك جلال نحوها فقالت:
-جلال، لفت انتباهي ساعة اليد التي تقوم بإرتدائها يبدو عليها إنها عريقة وقيمة جداً.

نظر جلال إلى الساعة وعلق قائلًا:
-أجل إنها هدية من ولدي وقد ورثها عن والده تستطيعين أن تقولي إنها إرث عائلي.

أومئت چيلان برأسها وقالت:
-يبدو عليك أنك تعتز بالأشياء الموروثة، فأنا أيضًا أحتفظ بأشيائي التي ورثتها عن جدتي واعتز بها، لكنني لا أخفي إعجابي بساعتك هذه.

علت الابتسامة وجه جلال وعلق قائلًا:
-لو لم تكْ هذه الساعة هدية من والدي لما ترددت بإهدئها لكِ.

ابتلعت چيلان ريقها ثم علقت قائلة:
-عندما ابديت لك إعجابي بها لم أتخيل أن امتلك مثلها شكراً لك.

نظرت چيلان إليه ولاحظت ارتدائه قلادة أسفل القميص الذي يرتديه، شعرت بالريبة وكاد الشك أن يفتك بها فتحدث إليه وقالت؛
-وماذا عن القلادة التي ترتديها في عنقك؟

ضحك جلال ولمعت عيناه ثم قال:
-چي چي، أنتِ لماحة للغاية هذه...

وهنا قاطعت چيلان جلال وقالت:
-چي چي! جلال لماذا دعوتني بچي چي؟!

شعر جلال بالدهشة وعلق قائلًا:
-وما الغريب في ذلك چيلان چي چي؟!

أومأت چيلان برأسها ونظرت إلى النادل الذي أحضر الطعام ووقف يرص الأطباق على الطاولة.

انصرف النادل بعد أن أنهى عمله، نظر جلال إلى چيلان وقال:
-هل اغضبك أن دعوتك بچي چي اعتذر عن ذلك؟

ابتسمت چيلان وقالت:
-لا لم اغضب ولكن لم يدعوني أحد بهذا الأسم منذ أن توفيت شقيقتي.

وبشيء من الفضول علق جلال وقال:
-هل يمكنني أن أعرف سبب وفاتها؟

لم تتردد چيلان وقالت:
-كانت مريضة إنه قضاء الله.

أومىء جلال برأسه وقال:
-أجل إنه قضاء الله رحمة الله عليها، هيا فلنتناول عشاءنا وهو ساخن.

بدأت چيلان في تناول العشاء وهي تنتظر الفرصة للحديث مرة أخرى عن تلك القلادة.

نظرت إليه وقالت:
-جلال، لدي فضول لأن أرى هذه القلادة ولكن إن كنت لا ترغب في ذلك أو تعتبرها شيء خاص بك فإنني أعتذر عن فضولي هذا.

ابتسم جلال وقام بخلع القلادة من عنقه ثم قال:
-ها هي القلادة ربما تجدينها غريبة بعض الشيء لكنني أحبها كثيراً وأعتز بها فوجودها حول عنقي يشعرني بالإرتياح بالإضافة إلى أنها تجلب لي الحظ.

نظرت چيلان إليه وقد بدى عليها التعجب وقالت:
-هل تعتقد حقًا أن مجرد قلادة كهذه يمكنها أن تجلب السعادة والحظ لك؟!

ابتسم جلال وعلق قائلًا:
-أعلم أن هذا ربما يكون شيئًا غريبًا بالنسبة لكِ، لكنني بالفعل اعتز بها للدرجة التي جعلتها لا تفارق عنقي.

أمسك جلال بالقلادة ونظر إليها ثم علت الابتسامة وجه وعلق قائلًا:
-لا تتعجبي كثيراً فأحيانًا قد يتعلق الغريق بقشة ظنًا منه أنها ربما تكون سبب نجاته، لقد حصلت على هذه القلادة في وقت كانت الدنيا سوداء في عيني.

نظرت چيلان إليه وقد دفعها فضولها أن تحدثت إليه قائلة:
-هل يمكنني أن أعرف ما الذي حدث معك لتقول أن الدنيا كانت سوداء بعينك؟! ومن أين حصلت على هذه القلادة الغريبة؟

نظر جلال إلى چيلان وعلق قائلًا:
-چيلان، الليلة ليست بالوقت المناسب للحديث عن تلك الأيام القاسية، سوف أخبرك في وقت آخر، فلن أتسبب في افساد العشاء عليكي بذكرياتي المؤلمة.

لم تصر چيلان على معرفة ما حدث مع جلال في تلك الفترة وهمست في نفسها وقالت:
-لم يكْ علي أن أتدخل في حياته بهذا الشكل واطرح عليه العديد من الأسئلة؛ خاصة إننا لم نتعرف سوى بالأمس القريب.

وعلى الرغم من كثرة التساؤلات التي تشغل عقل چيلان إلا أنها قررت المغادرة عقب انتهائها من تناول العشاء، فتحدثت إلى جلال وقالت:
-جلال، أود أن اشكرك على هذا العشاء الرائع والإستقبال الحار الذي استقبلتني به، أما الآن فعلي أن أغادر.

جلال وقد بدى عليه الإنزعاج علق قائلًا:
-چيلان، ولما العجلة ألديكِ مانع في قضاء بضعة لحظات معي فلم أكْ أعلم إنني شخص ممل إلى هذه الدرجة؟!

وبابتسامة مصطنعة علقت چيلان وقالت:
-جلال، أنت حقًا شخص رائع والوقت يمر معك سريعًا ولكنني سوف أسافر صباح الغد ولابد من الإعداد لذلك.

جلال وقد بدى عليه الضيق نظر إلى چيلان وتسائل قائلًا:
-إلى أين؟!

همست چيلان في نفسها وقالت:
-لقد وعدت أمي لقضاء بعض الوقت في الساحل الشمالي، أعتذر إليك فلم يجب علي أن اشك فيك.

ثم نظرت إليه وقالت:
-سوف أسافر إلى الساحل الشمالي أنا ووالدتي؛ نحن بحاجة إلى تغيير الجو وحتى تتحسن الحالة الصحية لوالدتي فمنذ وفاة شقيقتي وهي تمر بأوقات صعيبة.

أومىء جلال برأسه وقال:
-اتمنى لك قضاء وقتًا ممتعًا ولكن هل يمكنني رؤيتك بعد عودتك؟

ابتسمت چيلان بدهاء وعلقت قائلة:
-جلال، هل يمكنني أن أعرف ما الذي تريده مني؟!

علت الابتسامة وجه جلال وعلق قائلًا:
-أقسم لكِ إنني لا أعرف الإجابة عن سؤالك هذا سوى إنني منذ أن رأيتك في المرة الأولى وأنا أشعر بشيء يجذبني إليكِ، أشعر كأنني رأيتك من قبل وأنكِ لست بغريبة عني.

ضحكت چيلان وقالت:
-في بعض الأحيان ينتابنا هذا الشعور عند رؤيتنا لبعض الوجوه ولكنني على يقين إننا لم نتقابل من قبل؛ لأنني أعيش في أمريكا وأقضي هنا أجازة قصيرة وسوف أعود إلى أمريكا عقب انتهائها.

شعر جلال بصدمة كبيرة عقب سماعه لتلك الكلمات، لم يعرف ما الذي عليه قوله، وقبل أن ينطق بكلمة واحدة فوجىء بجيلان تنهض من مجلسها وتقول:
-جلال، كنت سعيدة بالتعرف عليك خلال الفترة القصيرة التي أقضيها هنا في مصر، لقد تركت لي ذكرى طيبة.

لم يجد جلال أمامها سوى أن علق قائلًا:
-أنا الذي أشكرك على الموافقة على تناول العشاء معي الليلة، ولكن هل يمكنني رؤيتك مرة أخرى قبل عودتك لأمريكا؟

ابتسمت چيلان وقالت:
-لا أعلم ما الذي يخفيه لنا القدر، لا أستطيع أن أعدك بذلك فأنا لا أعلم ما الذي سيحدث في الأيام المقبلة.

غادرت چيلان المطعم استقلت سيارتها عائدة إلى منزلها، بينما جلس جلال حزينًا لقد كانت لديه مشاعر طيبة تجاه چيلان وكان يأمل أن تتطور العلاقة بينما، لكنه لم يكْ يتوقع أنها تعيش في أمريكا وأنها هنا لقضاء عطلتها وستعود إلى هناك عندما تنتهي ولن يراها مرة أخرى.

جميع من بالمطعم ينظرون إليه ويتسائل بعضهم البعض:
-لقد غادرت الفتاة ولكنه لازال جالسًا شاردًا ترى ما الذي حدث؟!

ظل جلال على هذه الحالة من الشرود ولم يقطع شروده سوى رنين هاتفه.

نظر إلى الهاتف وتجاهل الرد على المتصل.

لم يكف المتصل عن الاتصال به فاضطر جلال للرد عليه قائلًا:
-مهران، ألم تكف عن ازعاجي بإتصالاتك المتكررة؟!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي