الفصل الثالث رجل الوشم

وقفت چيلان في ذهول وصدمة مما رأته، لا تعرف من أين جاءت تلك السيارة ولماذا تعمدت أن تصدم هبة بهذه الطريقة القاسية؟! فالطريق واسع وكان بسهولة يستطيع أن يتفادى الإصطدام بها.

توقف سائق السيارة لبرهة ثم غادر مسرعًا.

أسرعت چيلان إلى هبة لتجد الدماء تتدفق من رأسها بشدة.

احتضنتها چيلان وصاحت بصوت مرتفع:
-النجدة، نحتاج إلى مساعدة.

أسرع بعض المارة نحوها فتحدثت إليهم:
-فليتصل أحدكم بسيارة الإسعاف.
وبالفعل قام أحدهم بالاتصال بسيارة الإسعاف واخذ يصيح قائلًا:
-نريد بعض القطن والضمادات.

أسرعت سيدة كانت تقف في شرفتها ورأت الحادث بإحضار بعض الإسعافات الاولية، نظرت إلى هبة وقالت:
-ابنتي، لا تقلقي سوف تكونين بخير.

لم تبالي هبة بما تقوله تلك المرأة، ونظرت إلى چيلان ثم تحدثت بصعوبة بالغة:
-چيلان، لم يعد هناك متسع من الوقت، إنه هو، لقد رأيته قبل أن يصدمني.

تزايدت دقات قلب چيلان، وشعرت بحرارة جسدها ترتفع، فأسرعت قائلة:
-من الذي رأيتيه؟!

نظرت المرأة إلى هبة وقالت:
-ابنتي، كفي عن الحديث إلى أن تصل سيارة الاسعاف، عليكِ أن تبقي هادئة.

تجاهلت هبة حديث المرأة وقامت بالضغط على يد چيلان وقالت بصوت متقطع:
-جيلان، إنه رجل الوشم..ابحثي عنه في مذكرات وعد...

تعجبت چيلان وعلقت قائلة:
-أية مذكرات ليس من عادة وعد أن تكتب مذكراتها؟!

لم  ترد هبة على حديث چيلان فقد صعدت روحها إلى بارئها.
وصلت سيارة الاسعاف فأسرعت چيلان إلى المسعف، جذبته من ملابسه وقالت:
-سيدي، أسرع لقد فقدت وعيها.

أسرع المسعف إلى هبة التى افترشت الأرض اثر ما تلقته من صدمة قوية، قام بفحصها ثم نظر إلى چيلان وقد بدى عليه التأثر وقال:
-سيدتي، البقاء لله.

انهمرت الدموع من عيني چيلان وصاحت بصوت مرتفع:
-إلهي ما الذي يحدث معنا؟! هبة استيقظي واخبريني من يكون ذلك المجرم؟!

أسرعت المرأة إلى چيلان محاولة تهدئتها وقالت:
-ابنتي، لا تفجعي إنه قضاء الله وقدره.

نظرت چيلان إلى المرأة بوجه تملأه الدموع وقالت:
-بالأمس شقيقتي واليوم صديقتها المقربة.

تعجبت المرأة وقالت:
-إنها مشيئة الله  ان تلحق الصديقة بصديقتها، ولكن لن اخفي عليكِ كنت بالشرفة عندما وقعت الحادثة لقد تعمد سائق السيارة اصطدامها.

أومأت چيلان برأسها وقالت:
-أعلم ذلك، لقد رأيت السيارة تنحرف تجاهها، لابد أن أجد ذلك المجرم.

وصلت الشرطة وبدأت التحقيق في الواقعة وأخذ أقوال الشهود، كما تم نقل جثمان هبة إلى المشرحة للتعرف على أسباب الوفاة.

علم المقدم مروان الخولي بما حدث فقام باستدعاء چيلان لأخذ أقوالها.

ما إن وصلت چيلان إلى مكتب المقدم مروان الخولي، نظر إليها ثم أشار لها بالجلوس، استدعى الساعي ثم حدثه قائلًا:
-قم بإحضار كوبًا من عصير الليمون للآنسة چيلان.

انصرف الساعي لإحضار العصير بينما حاول المقدم مروان أن يخرج چيلان من حالة الصدمة التي بدت عليها فحدثها:
- چيلان، لقد علمت إنكِ كنتِ تدرسين القانون الجنائي في جامعة تكساس أليس كذلك؟

نظرت چيلان إلى المقدم مروان الخولي وعلقت قائلة:
—أجل سيدي.

حضر الساعي بالعصير فأشار له المقدم مروان بأن يضعه أمام چيلان ثم واصل حديثه قائلًا:
-تفضلي بإحتساء الليمون سيعمل على تهدئتك.

ارتشفت چيلان بعض قطرات من عصير الليمون، ثم نظرت إلى المقدم مروان وقالت:
-شكرًا لك سيدي.

أومىء المقدم مروان برأسه ثم تحدث إليها:
-هل يمكنني أن أعرف ما الذي جاء بكِ من أمريكا في هذا الوقت تحديدًا؟!

نظرت چيلان إليه وقد بدى عليها التعجب ثم علقت قائلة:
-وهل يسأل المرء عندما يعود إلى وطنه وأهله عن السبب؟! ولكنني سأجيبك.
لقد عدت في اجازة قصير؛ أردت أن اخبر والدتي وشقيقتي بأنه قد تم تعيني كمحققة فيدرالية.

نظر المقدم مروان إليها وقد بدى عليه التعجب والذهول ثم تحدث وقال:
—محققة فيدرالية هل حقًا ما تقولين؟!

أومأت چيلان برأسها وقالت:
-أجل سيدي.
ابتسم المقدم مروان وعلق قائلًا:
-لا داعي لان تقولي سيدي؛ لقد صرنا زملاء، ولكن بما إنه تم تعينك كمحققة فأنتِ تملكين مقومات ومهارات خاصة، فيمكننا أن نتعاون لكشف حقيقة ما يحدث.

نظرت چيلان إلى المقدم مروان الخولي وقالت:
-سيدي المقدم، بالأمس فقدت أعز وأقرب انسانة إلى قلبي شقيقتي، واليوم لحقت بها صديقتها المقربة ولا أعرف ما الذي يحدث، إنني لست بوضع يجعلني ابحث عن السبب فهذا عملك أنت، كل ما أود طلبه منك هو اصدار أمر بدفن شقيقتي.

نظر المقدم مروان إلى چيلان نظرة مغلولة ثم قال:
-بالطبع هذا عملي، ولكن اصدار أمر بدفن شقيقتك هو من شأن النيابة العامة.

أومأت چيلان برأسها ووقفت في مكانها ثم قالت:
-حسنًا، سوف أذهب لأقوم بعمل جميع الإجراءت الخاصة بدفن شقيقتي بما في ذلك تصريح النيابة العامة.

شعر المقدم مروان بالضيق فتحدث قائلًا:
-لن تغادري مكتبي قبل أن أقوم بأخذ أقوالك فيما حدث اليوم.

نظرت چيلان إليه وقالت:
-حسنًا، ما الذي تريد أن تعرفه؟

ابتسم المقدم ابتسامة ماكرة وقال:
-كل شيء، أريد أن أعرف كل شيء.

قصت چيلان ما حدث لهبة دون أن تخبره بالكلمات الأخيرة التي تلفظت بها هبة قبل وفاتها.

انهت چيلان الإدلاء بأقوالها ثم غادرت مكتب المقدم مروان الخولي واتجهت إلى النيابة العامة وهي تقول:
-لن أتعاون مع أي شخص لكشف الحقيقة وراء ما حدث، سوف أكتشف كل شيء بنفسي وسوف أعاقب من تسبب في خسارة وعد لحياتها.

فيلا وحيد عمران.
غادرت الأم غرفتها، أسرعت إليها رضا وقالت:
-سيدتي، هل أضع الغداء على المائدة؟
نظرت السيدة حبيبة إليها وقالت:
-لا سوف انتظر چيلان، لا أعلم سبب تأخيرها كل هذا الوقت، رضا لقد سمعت صوت ضجيج في الشارع الخلفي ولكنني لم استطيع أن أنظر من الشرفة، الا تعلمين ما الذي حدث هناك؟

أومأت رضا برأسها وقالت:
-اجل سيدتي إنهم يقولون أن سيارة قد قامت بالإصطدام بفتاة وأنها قد فارقت الحياة.

تأثرت السيدة حبيبة وقالت:
-أسأل الله أن يربط على قلب والدتها وأن يتغمدها برحمته، أخشى أن تكون ابنتي چيلان، يارب سلم.

دلفت چيلان إلى داخل المنزل فاسرعت إليها والدتها وتحدثت قائلة:
-چيلان، ما كل هذا التأخير؟ لقد شعرت بالقلق عليكِ خاصة عندما أخبرتني رضا بأن سيارة قد اصطدمت بفتاة بالشارع الخلفي.

تلالات الدموع في عيني چيلان وقالت:
-أمي، لا داعي للقلق إنني بخير وقد قمت بإنهاء كافة الإجراءات الخاصة بدفن وعد.
دنت الأم من ابنتها وقامت بمعانقتها ولكنها لاحظت بعض آثار الدماء على ملابسها فعلقت قائلة:
-چيلان، ما الذي حدث هل انتِ بخير؟

ترددت چيلان في اخبار والدتها بما حدث، ولكنها في النهاية اضطرت لإخبارها.

شعرت الأم بالحزن الشديد لما حدث وقالت:
-لابد أنها كانت في طريقها إلى هنا لتقوم بتعزيتي، مسكينة تلك الفتاة.

لم تقوم چيلان بإخبار والدتها بكل ما تعرفه وقررت تأجيل كل شيء؛ حتى تتم مراسم دفن شقيقتها.

في اليوم التالي.
حضر جميع الأهل والأقارب مراسم الدفن وتم تشيع جنازة وعد إلى مثواها الاخير.

كانت حالة الأم سيئة للغاية ولم تستطيع رؤية ابنتها وهي تواري الثرى، فاضطرت چيلان أن تبقيها بعيدًا حتى انتهاء مراسم الدفن والعزاء.

بعد انتهاء مراسم الدفن وقفت چيلان أمام قبر شقيقتها وهمست قائلة:
-أعدك بإنني سأجد من تسبب في موتك بهذه الطريقة وسوف أجعله يدفع حياته ثمنًا لذلك.

فيلا وحيد عمران.
عادت الأسرة إلى المنزل چيلان ورضا تمسكان بالسيدة حبيبة التي بدت متعبة وحزينة للغاية.

طلب الأم من ابنتها أن تذهب إلى غرفتها لتنال قسطًا من الراحة.

قامت چيلان باصطحاب والدتها إلى غرفتها وبعد أن  اطمئنت إلى نومها غادرت الغرفة واتجهت إلى غرفة شقيقتها وعد.

دلفت چيلان إلى داخل الغرفة وتحدثت قائلة:
-ترى أين وضعت وعد تلك المذكرات، وما الذي دفع وعد إلى كتابة مذكراتها ؟ لابد أن ابحث عنها حتى أجدها.

ظلت تبحث في جميع انحاء الغرفة ولكن دون جدوى حتى أصابها التعب والإجهاد.

لجأت إلى فراش وعد وأغمضت عينيها فاخذتها غفوة.

لم يمضي ويمضي وقت طويل حتى استيقظت چيلان من غفلتها وقالت:
-لابد أن أواصل البحث عن تلك. المذكرات.
أعادت البحث في خزانة وعد الخاصة ولكنها لم تجد شيء.

جلست على المكتب الخاص بشقيقتها وطاطأت رأسها لأسفل وقد قامت بإسنادها بيديها وجلست تفكر وتقول:
-أين أخفت وعد تلك المذكرات؟!

شردت چيلان قليلًا وتذكرت عندما
كانت تتحدث مع شقيقتها وعد قبل سفرها لأمريكا، حينها تحدثت وعد وقالت: "چي چي هل تعلمين أنني لدي مخبأ سري أقوم بإخفاء الاشياء التي لا أريد أن اطلعكم عليها".

حينها ابتسمت چيلان وعلقت قائلة:
-وما الذي تخفينه عني؟!

نظرت وعد إلى شقيقتها وقالت:
-لا، لن أخبرك الآن ربما يأتي يومًا وتكتشفينه بنفسك.

فلم يكْ من چيلان سوى أنها ردت عليها قائلة:
-ليس هناك داعيًا بأن تخفي أشيائك في مكان سري، فنحن كأسرة نحترم حريتك الشخصية ولن يقوم أحد بالبحث خلفك فيما تخفينه.

تذكرت چيلان أن وعد عندما أخبرتها بذلك المكان السري نظرت إلى خزانة الملابس بحركة لا إرادية.

أسرعت چيلان إلى الخزانة وقامت بفتحها والبحث بداخلها مجددًا  وهي تردد:
-مخبأ سري علي بالبحث على مخبأ سري.

في البداية لم تجد شيء لكنها قبل أن تغلق الخزانة نظرت إلى رف في نهاية الدولاب فوجدت أنه قد تم تركيبه بشكل خاطيء، كأن الذي قام بتركيبه كان على عجلة من أمره.

أسرعت چيلان بجذب ذلك الرف نحوها لينكشف عن مفكرة وبعض اللوحات التي قامت وعد برسمها وبعض النقود والمتعلقات الخاصة بها.

لم تهتم چيلان بتلك الأشياء وأمسكت المفكرة ثم قالت:
-أشعر إنني في طريقي إليكِ يا رجل الوشم.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي