الفصل الثاني والعشرين
تنهد ضابط الشرطة محاول تجميع بعض الكلمات التي سيخبرها أو يتحدث بها مع اللواء عامر، لا بد من أن يخبره بما يحدث لا شك في ذلك حتى وإن كان قد تقاعد على المعاش وترك الخدمة خاصة وان الأمر صار متعلق بابنه شخصيًا.
أخرج هاتفه ومن ثم بدأ في محادثة اللواء عامر:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أخبار حضرتك إيه يا فندم؟!
عامر: وعليك السلام ورحمه الله وبركاته، الحمد لله بخير، إزيك أنت يا ياسين عامل إيه؟!
ياسين: الحمد لله والله يا فندم بخير طول ما جنابك بخير.
عامر: دايم يارب تكون بخير، خير في حاجه جديدة في القضية حصلت ولا إيه؟!
ياسين بأسف: أه يا فندم، في حاجات جديدة مش حاجه واحدة للأسف .
عامر: للأسف ؟!
في إيه خير إيه حصل؟!
ياسين : في جريمة قتل جديدة حصلت في صيدلية في شارع (....) .
عامر بقلق: جريمة قتل جديدة ؟!
طيب وإيه علاقتي بيها طيب؟!
قدرت تفهم أو تعرف حاجه عنها ؟!
أنا فكرتك بتكلمني بسبب جريمة قتل البنت إللي كانت في حفل يوسف ابني مبارح.
ياسين: هو فعلًا بسببها يا فندم.
عامر بعدم فهم: إزاي؟!
فيه إيه ما تقول يا حضرة الضابط بتتكلم بسبب إيه رأسي مش متحملة الألغاز دي!
ياسين: النهاردة يا فندم حصل جريمة قتل زي ما قولت لحضرتك في صيدلية، والضحية شخص حضرتك تعرفه كويس اسمه زين مالك.
فور أن سمع عامر ذاك الاسم انتفض من موضع جلوسه وتحدث بصدمة: نعم؟!
أنت بتقول ايه؟!
ياسين بهدوء: بقول زي ما حضرتك سمعت بالظبط، الضحية زين صديق يوسف ابن حضرتك، وللأسف إن الجاني مش اكتفى بقتله، لا هو فصل رأسه عن جسمه وسبها جنبه وكمان ساب أداة الجريمة كمان وهي سكين.
وكمان ساب رسالة في ورقة جنب الضحية أعتقد إنها تخص ابن حضرتك.
عاد عامر في الجلوس مرة أخرى إلى مكانه، يكاد يفقد توازنه مما يسمعه، منذ دقائق قليلة كان يحدث تسنيم عن زين، لكنها لم تقل أبدًا أنه سيموت، هو سيغيب لفترة ما، لكن تذكر مجددٌا حينما قالت أو يغيب إلى الأبد.
لم يتخيل أبدًا أن يُقتل زين بهذا الشكل وبتلك السرعة، هو كان يعلم جيدًا أنه سيسقط أحد ما ضحية لكل ما يحدث وأن الأمر لن يخلوا من سفك الدماء، لكن ليس زين، ليست بتلك الطريقة أو بتلك السرعة.
تنهد ثم تحدث: أنا مش قادر أستوعب كل إللي بتقوله يا ياسين، الكلام ده صدمة، أنت مش عارف زين بالنسبة ليا إيه؟!
زيه زي يوسف ابني بالظبط، إزاي حصل ده ومين عمل كده؟!
طيب الرسالة إللي معاه بتقول إيه؟!
تنهد ياسين ومن ثم بدأ الحديث مرة أخرى: مقدر الموقف والحال إللي سيادتك فيه، ربنا يرحمه، أنا كلمت حضرتك عشان الموضوع مش مبشر سواء إللي حصل مبارح في الحفل أو دلوقت.
تقريبًا كل حاجه مرتبطة ببعض، الرسالة بتقول إن في حد اسمه ملك دواني بيطلب من صديق الشخص المقتول أنه يبطل يمشي في الطريق إللي هو مكمل فيه.
في اللحظه إللي هيقف فيها هينتهي كل شيء وهيسيبه في حاله، ولو أصر أنه يكمل مفيش حد هيفلت من الغضب والعقاب سواء هو أو كل إللي حوليه.
ده مضمون الرسالة إلى حد ما سيادتك، أنا بعد تجميع إللي حصل مبارح واليوم شكيت أن المقصود ده يكون ابن سيادتك.
لكن مش عارف وإيه إللي هو ماشي فيه، وكمان مين دواني ده؟!
هل رئيس عصابة وملقب نفسه بالملك ولا إيه؟!
أما عن عامر فلم يكن شاكك بالأمر، هو كان على يقين تام أن يوسف هو المقصود بتلك الرسالة، حاول إنهاء كل الأمور حتى لو اضطر للكذب، هو يعلم جيدًا أنه إن دخل يوسف في صلب الموضوع فلن ينتهي، هو كان لواء في الشرطة ويعلم جيدًا الإجراءات التي لا تنتهي، تنهد ثم تحدث: أكيد مش يوسف ابني المقصود يا ياسين، أنت عارف يوسف في حاله مش له أي خلاف أو علاقات مع حد أيًا كان.
لا لا مش يوسف ابني أكيد ممكن صاحب تان لـ زين غير يوسف.
هو له أصحاب كتير.
ياسين بهدوء: عارف يا فندم يوسف كويس، وعارف أنه مش له حد أو عدو أو حاجه، لكن لو حتى حد تان غير يوسف تفسير محاولة قتله في الحفل كان إيه؟!
صمت عامر للحظات يحاول أن يجد مبرر أو مفر من تلك الأزمة، تحدث: ومين قال إن يوسف إللي كان مقصود، في الحفل يوسف وزين كانوا مع بعض والبنت إللي كانت عايزة تنفذ الجريمة كانت بسكين وقربت منهم لكن قبل ما تعمل حاجه اتقتلت، مش عارفين مين كان مقصود منهم، ممكن زين إللي كان مقصود.
ولما فشلوا في قتله مبارح حاولوا تان وقدروا أهو بنفس الطريقة السكين والدبح، لكن من المؤكد أن يوسف بره كل الحوارات دي، حاول تبعد يوسف بره أي تفاصيل في القضية يا ياسين أنت عارف يوسف كويس وملوش في كل المشاكل دي، وأنت زي ما قولت تقريبًا هما عصابة وملقبين نفسهم باللقلب الغريب ده.
ياسين: تمام يا فندم ، تفسيرات سيادتك كلها منطقية فعلًا، شكرًا جدًا لحضرتك على كل المعلومات دي وديمًا نفضل نتعلم من خبرة سيادتك على طول، كل حاجه هتكون زي ما سيادتك بتتمنى وإن شاء الله هنعمل كل إللي نقدر عليه عشان نجيب العصابة وتنفيذ القانون والعدالة على أي حد منهم.
أنا كلمت سيادتك عشان أطلعك على كل جديد وكمان تبلغ أهل الضحية بالحادث وأنه هيتم نقله للمشرحة عشان الطب الشرعي يشوف شغله وكده.
عامر : تمام يا ياسين ربنا معاك أنت ضابط شاطر وليك مستقبل كبير بالتوفيق ولو حصل أي جديد بلغني على طول، وأنا مش عارف هجيب الخبر ده إزاي ليوسف ابني خاصة وأنه متعلق بـ زين جدًا ولا عارف حال والدته هيكون إزاي، بس إن شاء الله إللي كتبه ربك هيكون مش تقلق، كمل شغلك أنت.
ياسين: تمام يا فندم، بعتذر لو طولت على سعادتك أو خدت من وقتك كتير.
عامر: ولا يهمك يا حبيبي، يلا في أمان الله.
ياسين: في أمان الله.
أغلق ياسين المكالمة ومن ثم بدأ في تنفيذ عمله، أما عن عامر ذاك الذي جلس وكأنه أُصيب بضربة على رأسه افقدته الوعي.
لا يشعر ولا يستطيع استيعاب ما حدث للتو، هو يوم من بدايته يوم لا مثيل له، يوم حمل بين طياته كل شيء مرهق ومتعب.
لا يعلم كيف سيخبر يوسف بمثل ذاك الخبر، لا شك في أنه سيكون بمثابة ضربة قوية على رأسه، كل ذاك في كفة وأمر تلك الرسالة في كفة أخرى.
هو على يقين أن الأمر لن يمر بسلام ولكن كما قيل منذ لحظات إن استمر فيما يفعل فلن ينجو أحد من شر دواني، عقله يكاد يجن من كثرة ما يدور به.
قلقه على ابنه، موت زين، كيفية إبعاد يوسف عن هذا الطريق، لكن للأسف يعلم جيدًا أنه مهما فعل لن يستطيع إيقاف يوسف عن طريقه، تنهد محاول اطمئنان قلبه ولو بالقليل بـ أن والدته لن تتركه وحده وستحميه مهما كلفها الأمر.
تنهد بهدوء محاول تهدئة نفسه، قرر أن يهدأ لبعض الوقت ومن ثم يحاول الاتصال بيوسف لإخباره بذلك الخبر الصادم.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
هدأ المكان بأكمله، عاد كل شيء إلى طبيعته الأولى، كل شيء عاد كما كان.
سديم بجسد العجوز، آسر بجسد الطفل، يوسف بهيئته البشرية الأولى لكن بملابس بالية من أثر ما حدث، ليلى استعادت وعيها لكنها لا تتذكر سوى ارتفاع منسوب الماء في المكان حالها كحال يوسف تمامًا، لا أحد يتذكر شيء سوى تلك الجالسة ضامة رأس ليلى إلى صدرها بعد أن أفاقت من الوعي.
جالسة بعينين متحجرتين هي الوحيدة التي تتذكر كل ما حدث، ليس هذا الأمر المتعب، بل أن الأمر الذي يفتك بالفؤاد هو كيف ستخبرهم بما حدث لـ زين، كيف ستخبر ليلى بالتحديد عن هذا الأمر، هي نفسها يكاد عقلها يجن من الخبر لا تصدق ما قيل فكيف لتلك المسكينة.
فور أن بدأ يوسف يستعيد وعيه بدأ في الحديث وهو ينظر إلى ملابسه: هو، هو إيه إللي حصل؟!
إيه إللي عمل فيا كده؟!
إيه قطع هدومي؟!
تنهد العجوز متحدثًا: أنت مش فاكر أي حاجه من إللي حصل؟!
يوسف بحالة من التوهان ومحاول تذكر شيء لكن دون فائدة: لا مش فاكر حاجه.
مش فاكر غير أن المكان بدأ يتملي بالميه ومش عارف جت من فين، وأنت والطفل ده قاعدين في الأرض، جرينا على الباب اتقفل وبعد كده مش فاكر أي حاجه.
ليلى بنفس حالة يوسف تحدثت: وأنا كمان مش فاكرة أي حاجه غير ده، الميه إللي كانت في المكان.
بس جت من فين؟!
وراحت فين؟!!
يوسف: مش عارف، مش فاكر أي حاجه، حد فيكم يرد علينا يفهمنا إيه إللي حصل؟!
أنا الصداع هيموتني هيفرتك رأسي.
ما تتكلممي يا أصالة؟؟
أما عن أصالة فلا نطق ولا حركة وكأنها هي التي فقدت الوعي، وكأنها تمثال نُحت من حجر لا يسمع ولا يرى ولا يشعر ولا يتحرك.
تنهد العجوز بهدوء ثم تحدث: أنا هقول ليك على كل إللي حصل.
أما عن ملابسك إللي اتقطعت فـ ده بسببك أنت.
يوسف بصدمة: بسببي أنا؟!
إزاي؟؟
العجوز: بسبب تحولك وظهور ولو جزء بسيط من قوتك الكامنة جواك، اسمع يا يوسف الموضوع أصبح جد ومفيش أي وقت للهزار أو اللعب، أنت محرر الملك أجاويد، أنت عندك القدرة على ده وليك الطاقة في إنك قادر تعمل ده، لازم تحرر الملك أجاويد بأسرع وقت يا يوسف لأننا كلنا مش في أمان، ما بين اللحظة والتانية ممكن نموت كلنا بسبب الجن الناري وإللي بقى على يقين إنك أنت الهدف المطلوب وكل إللي حصل مبارح هو خير شاهد ودليل على أنهم عرفوك .
وطالما عرفوك يبقى مش هيسبوك يا يوسف، حتى لو فضلت الروح إللي حوليك تحميك فـ الموضوع مش هيطول، هييجي الوقت والطاقة تخلص وزي ما بنقول الكترة ديمًا بتغلب الشجاعة يا عزيزي.
حمايتك الوحيدة أصبحت في أجاويد العظيم، ده الشيء الوحيد إللي قادر على إنهاء كل إللي بيحصل ده.
يوسف بصدمة مما يسمعه نظر إلى اصالة تاره وليلى تاره والعجوز والطفل تاره أخرى، تحدث: أنا لو حلفت على مصحف إني مش فاهم أي حاجه من إللي بيحصل ده مش هتصدقني، معلش خدني على قد عقلي وفهمني براحه إيه كل ده؟!
العجوز : مفيش وقت يا يوسف مفيش وقت، بعدين هفهمك كل حاجه، دلوقت الشمس تقريبًا انتصفت السماء، في نفس ليلة اليوم لما القمر ينتصف السماء هتلاقيني عندك، بالتحديد عند بيت أصالة أنتم الكل لازم تكونوا هناك الليلة، بالتحديد أنتم التلاتة.
أنتم التلاتة يا يوسف، في اللحظة إللي القمر هيكون في منتصف السماء هكون قدامك.
وقتها هتفهم كل حاجه.
دلوقت ممكن تمشوا المقابلة انتهت على كده.
يوسف: نمشي نروح فين؟!
أنا جيت هنا عشان أعرف فين السرداب ولحد اللحظة دي معرفتش مكانه، أنا مش همشي من هنا إلا لما أعرف هو فين وأفهم كل حاجه، أنا مش هفضل مستني الوقت ده كله، أنا بكره الانتظار.
في تلك اللحظة تحدثت أصالة خارجة من صمتها: لازم نمشي يا يوسف، لازم نرجع إسكندرية دلوقت عشان في حاجه حصلت هناك، يلا نمشي وأنا هشرحلك كل حاجه في الطريق.
تحدثت ليلى وكأن قلبها كان يشعر بأن المقصود من حديثها هو زين: إيه إللي حصل؟!
إللي هيخلينا نرجع زي ما جينا وإحنا مش استفدنا حاجه؟!
إيه إللي حصل في إسكندرية يا أصالة؟!
أصالة: هقول ليكم في الطريق بس يلا نمشي من هنا.
قبل أن يجيب أحدهم على حديث أصالة أخرج هاتف يوسف صوت رنينه حمله لينظر إلى اسم المتصل ( عامر )
نظر إلى الجميع قبل أن يجيب ومن ثم تحدث ده بابا إللى بيتصل؟!
هو فيه إيه؟!
مش فاهم حاجه؟!
لكن هذه المرة وقبل أن يجيب يوسف على والده تحدث العجوز: سحابة سودة!!!
أصالة بقلق : سحابة سودة؟!
يعني إيه سحابة سودة مش فاهمه؟!
بدأت أرواح كلًا من سديم وآسر ينتفضا ويذئران بقوة، يرى كلًا منهم سحابة سوداء عملاقة تقترب من المكان ، سحابة تحمل بين طياتها قوة لم يروا لها مثيل وكأن جيش بأكمله يسير إليهم.
تحدث العجوز بصوت الروح التي بداخله: روح شر ، روح شر بتقرب من المكان ، قولت ليك امشي، قولت امشي من هنا ليه مش سمعت الكلام ليه.
انتفض جسد كلًا من ليلى ويوسف أثر ذاك الصوت، أما عن أصالة فلا شيء هي سمعته وتعرف مصدره.
يوسف: أنت مين وفي إيه؟!
تحدث الطفل هذه المرة ولكن أيضًا بروح آسر: فات الأوان ، فات الأوان يا سديم كلنا هنموت.
جلس سديم أرضًا بسرعة البرق، حركة لا يمكن أبدًا لعجوز فعلها وهو يصرح في آسر قائلًا: ارجع بقوتك بسرعة ارجع ...
جلس اثنتيهم بسرعة البرق ليعودا في التحول مرة أخرى لكن دون وجود ماء يخرج من أي مكان، الجسدان سواء العجوز أو الطفل سقطا أرضًا ليخرج منهما روحان بعلامة الوشم الأزرق على صدورهم يحملان قوة وكأنهما وحشان ضاريان.
كل تلك الأشياء تحدث وسط ذهول وصدمة كلًا من يوسف ذاك الذي لم يعد يشعر برنين هاتفه الذي ما زال يواصل الرنين مرة تلو الأخرى وليلى التي وكأنها تحجرت موضعها لا تصدق ما تراه وثبات أصالة على حالتها .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
يتبع ....
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
أخرج هاتفه ومن ثم بدأ في محادثة اللواء عامر:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أخبار حضرتك إيه يا فندم؟!
عامر: وعليك السلام ورحمه الله وبركاته، الحمد لله بخير، إزيك أنت يا ياسين عامل إيه؟!
ياسين: الحمد لله والله يا فندم بخير طول ما جنابك بخير.
عامر: دايم يارب تكون بخير، خير في حاجه جديدة في القضية حصلت ولا إيه؟!
ياسين بأسف: أه يا فندم، في حاجات جديدة مش حاجه واحدة للأسف .
عامر: للأسف ؟!
في إيه خير إيه حصل؟!
ياسين : في جريمة قتل جديدة حصلت في صيدلية في شارع (....) .
عامر بقلق: جريمة قتل جديدة ؟!
طيب وإيه علاقتي بيها طيب؟!
قدرت تفهم أو تعرف حاجه عنها ؟!
أنا فكرتك بتكلمني بسبب جريمة قتل البنت إللي كانت في حفل يوسف ابني مبارح.
ياسين: هو فعلًا بسببها يا فندم.
عامر بعدم فهم: إزاي؟!
فيه إيه ما تقول يا حضرة الضابط بتتكلم بسبب إيه رأسي مش متحملة الألغاز دي!
ياسين: النهاردة يا فندم حصل جريمة قتل زي ما قولت لحضرتك في صيدلية، والضحية شخص حضرتك تعرفه كويس اسمه زين مالك.
فور أن سمع عامر ذاك الاسم انتفض من موضع جلوسه وتحدث بصدمة: نعم؟!
أنت بتقول ايه؟!
ياسين بهدوء: بقول زي ما حضرتك سمعت بالظبط، الضحية زين صديق يوسف ابن حضرتك، وللأسف إن الجاني مش اكتفى بقتله، لا هو فصل رأسه عن جسمه وسبها جنبه وكمان ساب أداة الجريمة كمان وهي سكين.
وكمان ساب رسالة في ورقة جنب الضحية أعتقد إنها تخص ابن حضرتك.
عاد عامر في الجلوس مرة أخرى إلى مكانه، يكاد يفقد توازنه مما يسمعه، منذ دقائق قليلة كان يحدث تسنيم عن زين، لكنها لم تقل أبدًا أنه سيموت، هو سيغيب لفترة ما، لكن تذكر مجددٌا حينما قالت أو يغيب إلى الأبد.
لم يتخيل أبدًا أن يُقتل زين بهذا الشكل وبتلك السرعة، هو كان يعلم جيدًا أنه سيسقط أحد ما ضحية لكل ما يحدث وأن الأمر لن يخلوا من سفك الدماء، لكن ليس زين، ليست بتلك الطريقة أو بتلك السرعة.
تنهد ثم تحدث: أنا مش قادر أستوعب كل إللي بتقوله يا ياسين، الكلام ده صدمة، أنت مش عارف زين بالنسبة ليا إيه؟!
زيه زي يوسف ابني بالظبط، إزاي حصل ده ومين عمل كده؟!
طيب الرسالة إللي معاه بتقول إيه؟!
تنهد ياسين ومن ثم بدأ الحديث مرة أخرى: مقدر الموقف والحال إللي سيادتك فيه، ربنا يرحمه، أنا كلمت حضرتك عشان الموضوع مش مبشر سواء إللي حصل مبارح في الحفل أو دلوقت.
تقريبًا كل حاجه مرتبطة ببعض، الرسالة بتقول إن في حد اسمه ملك دواني بيطلب من صديق الشخص المقتول أنه يبطل يمشي في الطريق إللي هو مكمل فيه.
في اللحظه إللي هيقف فيها هينتهي كل شيء وهيسيبه في حاله، ولو أصر أنه يكمل مفيش حد هيفلت من الغضب والعقاب سواء هو أو كل إللي حوليه.
ده مضمون الرسالة إلى حد ما سيادتك، أنا بعد تجميع إللي حصل مبارح واليوم شكيت أن المقصود ده يكون ابن سيادتك.
لكن مش عارف وإيه إللي هو ماشي فيه، وكمان مين دواني ده؟!
هل رئيس عصابة وملقب نفسه بالملك ولا إيه؟!
أما عن عامر فلم يكن شاكك بالأمر، هو كان على يقين تام أن يوسف هو المقصود بتلك الرسالة، حاول إنهاء كل الأمور حتى لو اضطر للكذب، هو يعلم جيدًا أنه إن دخل يوسف في صلب الموضوع فلن ينتهي، هو كان لواء في الشرطة ويعلم جيدًا الإجراءات التي لا تنتهي، تنهد ثم تحدث: أكيد مش يوسف ابني المقصود يا ياسين، أنت عارف يوسف في حاله مش له أي خلاف أو علاقات مع حد أيًا كان.
لا لا مش يوسف ابني أكيد ممكن صاحب تان لـ زين غير يوسف.
هو له أصحاب كتير.
ياسين بهدوء: عارف يا فندم يوسف كويس، وعارف أنه مش له حد أو عدو أو حاجه، لكن لو حتى حد تان غير يوسف تفسير محاولة قتله في الحفل كان إيه؟!
صمت عامر للحظات يحاول أن يجد مبرر أو مفر من تلك الأزمة، تحدث: ومين قال إن يوسف إللي كان مقصود، في الحفل يوسف وزين كانوا مع بعض والبنت إللي كانت عايزة تنفذ الجريمة كانت بسكين وقربت منهم لكن قبل ما تعمل حاجه اتقتلت، مش عارفين مين كان مقصود منهم، ممكن زين إللي كان مقصود.
ولما فشلوا في قتله مبارح حاولوا تان وقدروا أهو بنفس الطريقة السكين والدبح، لكن من المؤكد أن يوسف بره كل الحوارات دي، حاول تبعد يوسف بره أي تفاصيل في القضية يا ياسين أنت عارف يوسف كويس وملوش في كل المشاكل دي، وأنت زي ما قولت تقريبًا هما عصابة وملقبين نفسهم باللقلب الغريب ده.
ياسين: تمام يا فندم ، تفسيرات سيادتك كلها منطقية فعلًا، شكرًا جدًا لحضرتك على كل المعلومات دي وديمًا نفضل نتعلم من خبرة سيادتك على طول، كل حاجه هتكون زي ما سيادتك بتتمنى وإن شاء الله هنعمل كل إللي نقدر عليه عشان نجيب العصابة وتنفيذ القانون والعدالة على أي حد منهم.
أنا كلمت سيادتك عشان أطلعك على كل جديد وكمان تبلغ أهل الضحية بالحادث وأنه هيتم نقله للمشرحة عشان الطب الشرعي يشوف شغله وكده.
عامر : تمام يا ياسين ربنا معاك أنت ضابط شاطر وليك مستقبل كبير بالتوفيق ولو حصل أي جديد بلغني على طول، وأنا مش عارف هجيب الخبر ده إزاي ليوسف ابني خاصة وأنه متعلق بـ زين جدًا ولا عارف حال والدته هيكون إزاي، بس إن شاء الله إللي كتبه ربك هيكون مش تقلق، كمل شغلك أنت.
ياسين: تمام يا فندم، بعتذر لو طولت على سعادتك أو خدت من وقتك كتير.
عامر: ولا يهمك يا حبيبي، يلا في أمان الله.
ياسين: في أمان الله.
أغلق ياسين المكالمة ومن ثم بدأ في تنفيذ عمله، أما عن عامر ذاك الذي جلس وكأنه أُصيب بضربة على رأسه افقدته الوعي.
لا يشعر ولا يستطيع استيعاب ما حدث للتو، هو يوم من بدايته يوم لا مثيل له، يوم حمل بين طياته كل شيء مرهق ومتعب.
لا يعلم كيف سيخبر يوسف بمثل ذاك الخبر، لا شك في أنه سيكون بمثابة ضربة قوية على رأسه، كل ذاك في كفة وأمر تلك الرسالة في كفة أخرى.
هو على يقين أن الأمر لن يمر بسلام ولكن كما قيل منذ لحظات إن استمر فيما يفعل فلن ينجو أحد من شر دواني، عقله يكاد يجن من كثرة ما يدور به.
قلقه على ابنه، موت زين، كيفية إبعاد يوسف عن هذا الطريق، لكن للأسف يعلم جيدًا أنه مهما فعل لن يستطيع إيقاف يوسف عن طريقه، تنهد محاول اطمئنان قلبه ولو بالقليل بـ أن والدته لن تتركه وحده وستحميه مهما كلفها الأمر.
تنهد بهدوء محاول تهدئة نفسه، قرر أن يهدأ لبعض الوقت ومن ثم يحاول الاتصال بيوسف لإخباره بذلك الخبر الصادم.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
هدأ المكان بأكمله، عاد كل شيء إلى طبيعته الأولى، كل شيء عاد كما كان.
سديم بجسد العجوز، آسر بجسد الطفل، يوسف بهيئته البشرية الأولى لكن بملابس بالية من أثر ما حدث، ليلى استعادت وعيها لكنها لا تتذكر سوى ارتفاع منسوب الماء في المكان حالها كحال يوسف تمامًا، لا أحد يتذكر شيء سوى تلك الجالسة ضامة رأس ليلى إلى صدرها بعد أن أفاقت من الوعي.
جالسة بعينين متحجرتين هي الوحيدة التي تتذكر كل ما حدث، ليس هذا الأمر المتعب، بل أن الأمر الذي يفتك بالفؤاد هو كيف ستخبرهم بما حدث لـ زين، كيف ستخبر ليلى بالتحديد عن هذا الأمر، هي نفسها يكاد عقلها يجن من الخبر لا تصدق ما قيل فكيف لتلك المسكينة.
فور أن بدأ يوسف يستعيد وعيه بدأ في الحديث وهو ينظر إلى ملابسه: هو، هو إيه إللي حصل؟!
إيه إللي عمل فيا كده؟!
إيه قطع هدومي؟!
تنهد العجوز متحدثًا: أنت مش فاكر أي حاجه من إللي حصل؟!
يوسف بحالة من التوهان ومحاول تذكر شيء لكن دون فائدة: لا مش فاكر حاجه.
مش فاكر غير أن المكان بدأ يتملي بالميه ومش عارف جت من فين، وأنت والطفل ده قاعدين في الأرض، جرينا على الباب اتقفل وبعد كده مش فاكر أي حاجه.
ليلى بنفس حالة يوسف تحدثت: وأنا كمان مش فاكرة أي حاجه غير ده، الميه إللي كانت في المكان.
بس جت من فين؟!
وراحت فين؟!!
يوسف: مش عارف، مش فاكر أي حاجه، حد فيكم يرد علينا يفهمنا إيه إللي حصل؟!
أنا الصداع هيموتني هيفرتك رأسي.
ما تتكلممي يا أصالة؟؟
أما عن أصالة فلا نطق ولا حركة وكأنها هي التي فقدت الوعي، وكأنها تمثال نُحت من حجر لا يسمع ولا يرى ولا يشعر ولا يتحرك.
تنهد العجوز بهدوء ثم تحدث: أنا هقول ليك على كل إللي حصل.
أما عن ملابسك إللي اتقطعت فـ ده بسببك أنت.
يوسف بصدمة: بسببي أنا؟!
إزاي؟؟
العجوز: بسبب تحولك وظهور ولو جزء بسيط من قوتك الكامنة جواك، اسمع يا يوسف الموضوع أصبح جد ومفيش أي وقت للهزار أو اللعب، أنت محرر الملك أجاويد، أنت عندك القدرة على ده وليك الطاقة في إنك قادر تعمل ده، لازم تحرر الملك أجاويد بأسرع وقت يا يوسف لأننا كلنا مش في أمان، ما بين اللحظة والتانية ممكن نموت كلنا بسبب الجن الناري وإللي بقى على يقين إنك أنت الهدف المطلوب وكل إللي حصل مبارح هو خير شاهد ودليل على أنهم عرفوك .
وطالما عرفوك يبقى مش هيسبوك يا يوسف، حتى لو فضلت الروح إللي حوليك تحميك فـ الموضوع مش هيطول، هييجي الوقت والطاقة تخلص وزي ما بنقول الكترة ديمًا بتغلب الشجاعة يا عزيزي.
حمايتك الوحيدة أصبحت في أجاويد العظيم، ده الشيء الوحيد إللي قادر على إنهاء كل إللي بيحصل ده.
يوسف بصدمة مما يسمعه نظر إلى اصالة تاره وليلى تاره والعجوز والطفل تاره أخرى، تحدث: أنا لو حلفت على مصحف إني مش فاهم أي حاجه من إللي بيحصل ده مش هتصدقني، معلش خدني على قد عقلي وفهمني براحه إيه كل ده؟!
العجوز : مفيش وقت يا يوسف مفيش وقت، بعدين هفهمك كل حاجه، دلوقت الشمس تقريبًا انتصفت السماء، في نفس ليلة اليوم لما القمر ينتصف السماء هتلاقيني عندك، بالتحديد عند بيت أصالة أنتم الكل لازم تكونوا هناك الليلة، بالتحديد أنتم التلاتة.
أنتم التلاتة يا يوسف، في اللحظة إللي القمر هيكون في منتصف السماء هكون قدامك.
وقتها هتفهم كل حاجه.
دلوقت ممكن تمشوا المقابلة انتهت على كده.
يوسف: نمشي نروح فين؟!
أنا جيت هنا عشان أعرف فين السرداب ولحد اللحظة دي معرفتش مكانه، أنا مش همشي من هنا إلا لما أعرف هو فين وأفهم كل حاجه، أنا مش هفضل مستني الوقت ده كله، أنا بكره الانتظار.
في تلك اللحظة تحدثت أصالة خارجة من صمتها: لازم نمشي يا يوسف، لازم نرجع إسكندرية دلوقت عشان في حاجه حصلت هناك، يلا نمشي وأنا هشرحلك كل حاجه في الطريق.
تحدثت ليلى وكأن قلبها كان يشعر بأن المقصود من حديثها هو زين: إيه إللي حصل؟!
إللي هيخلينا نرجع زي ما جينا وإحنا مش استفدنا حاجه؟!
إيه إللي حصل في إسكندرية يا أصالة؟!
أصالة: هقول ليكم في الطريق بس يلا نمشي من هنا.
قبل أن يجيب أحدهم على حديث أصالة أخرج هاتف يوسف صوت رنينه حمله لينظر إلى اسم المتصل ( عامر )
نظر إلى الجميع قبل أن يجيب ومن ثم تحدث ده بابا إللى بيتصل؟!
هو فيه إيه؟!
مش فاهم حاجه؟!
لكن هذه المرة وقبل أن يجيب يوسف على والده تحدث العجوز: سحابة سودة!!!
أصالة بقلق : سحابة سودة؟!
يعني إيه سحابة سودة مش فاهمه؟!
بدأت أرواح كلًا من سديم وآسر ينتفضا ويذئران بقوة، يرى كلًا منهم سحابة سوداء عملاقة تقترب من المكان ، سحابة تحمل بين طياتها قوة لم يروا لها مثيل وكأن جيش بأكمله يسير إليهم.
تحدث العجوز بصوت الروح التي بداخله: روح شر ، روح شر بتقرب من المكان ، قولت ليك امشي، قولت امشي من هنا ليه مش سمعت الكلام ليه.
انتفض جسد كلًا من ليلى ويوسف أثر ذاك الصوت، أما عن أصالة فلا شيء هي سمعته وتعرف مصدره.
يوسف: أنت مين وفي إيه؟!
تحدث الطفل هذه المرة ولكن أيضًا بروح آسر: فات الأوان ، فات الأوان يا سديم كلنا هنموت.
جلس سديم أرضًا بسرعة البرق، حركة لا يمكن أبدًا لعجوز فعلها وهو يصرح في آسر قائلًا: ارجع بقوتك بسرعة ارجع ...
جلس اثنتيهم بسرعة البرق ليعودا في التحول مرة أخرى لكن دون وجود ماء يخرج من أي مكان، الجسدان سواء العجوز أو الطفل سقطا أرضًا ليخرج منهما روحان بعلامة الوشم الأزرق على صدورهم يحملان قوة وكأنهما وحشان ضاريان.
كل تلك الأشياء تحدث وسط ذهول وصدمة كلًا من يوسف ذاك الذي لم يعد يشعر برنين هاتفه الذي ما زال يواصل الرنين مرة تلو الأخرى وليلى التي وكأنها تحجرت موضعها لا تصدق ما تراه وثبات أصالة على حالتها .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
يتبع ....
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~