الفصل الثالث والعشرين
جلس سديم أرضًا بسرعة البرق، حركة لا يمكن أبدًا لعجوز فعلها وهو يصرح في آسر قائلًا: ارجع بقوتك بسرعة ارجع ...
جلس اثنتيهم بسرعة البرق ليعودا في التحول مرة أخرى لكن دون وجود ماء يخرج من أي مكان، الجسدان سواء العجوز أو الطفل سقطا أرضًا ليخرج منهما روحان بعلامة الوشم الأزرق على صدورهم يحملان قوة وكأنهما وحشان ضاريان.
كل تلك الأشياء تحدث وسط ذهول وصدمة كلًا من يوسف ذاك الذي لم يعد يشعر برنين هاتفه الذي ما زال يواصل الرنين مرة تلو الأخرى وليلى التي وكأنها تحجرت موضعها لا تصدق ما تراه وثبات أصالة على حالتها .
بداء الدخان يزداد في القوه ، فقط لا يراه إلا سديم وأسر ولكن يوسف يشعر بالقليل منه ، رائحه الشر التي بدءت تجتاح المكان .
اسر بلهفه : مش هنقدر عليهم يا سديم مش هنقدر ، لازم نهرب أو نروح لأي مكان بسرعه بعيد عن هنا .
سديم : فات الاوان يا أسر ، زي ما احنا قادرين نشم ريحهم ونحس بقربهم هنا كمان حاسين بقربنا وشامين ريحنا ، وبعدين انت مش بتهرب من بشري عشان تختفي أو تفلت ، انت بتهرب من جان زيه زيك عارف كل خبايك وهو اسرع كمان منك .
اسر : وايه العمل طيب ؟!
سديم : مفيش حاجه ممكن نعملها إلا أننا نقاتل ، لازم نقاتل مهما كان التمن ، هيكون التمن غالي اوي لكن مفيش كل تان .
تنهد أسر وكأنه هو الآخر يشعر وكأن نهايته قد اقتربت ، أجله دنى ووصل قطار عمره إلى المحطه الاخيره ، تحدث بهدوء : حتى لو فيها الموت سيدي هنقاتل ، لكن بتمنى لو حصل ليا حاجه أنت تكمل المشوار ، لازم أرضنا تتحرر .
سديم : عشناها سوى وهنموت سوى ، استعد .
كل تلك الأحاديث التي تدور تحت أعين كل من يوسف واصالة وايضًا ليلى .
يترقبون ما يحدث ، لا يفهموا ما يقال واي دخان هذا واي رائحه شر الذين يتحدثون عنها إلا أن يوسف يشعر بشئ ما ، شئ خطأ في المكان لكن لا يستطيع تحديد ما هو .
فقط لحظات بسيطه حتى تحول المكان بأكمله إلى باحه من السواد التام ، تلك الغرفه الصغيره المتواجدون بها أصبحت شي من الظلام الحالك حتى أن أي منهم لا يستطيع رؤيه كفي يديه إن وضعها أمام عينه .
تحدثت ليلى بصراخ : اصاااالة ، يووووسف ، انتوا فين أنا مش شايفه حاجه .
تحدثت أصالة بصوت عالٍ : ولا أنا كمان شايفه حاجه حظ يولع النور يا جماعه ، انت فين يا يوسف ؟!
تنهد يوسف بهدوء : أنا موجود ، لكن تقريبا ده مش بسبب النور ، حاسس بحاجه غلط بتحصل ، جسمي بتنفض معرفش ليه ، في حاجه غريبه جوايا .
قلقت أصالة عليه من أن تتحول روحه مجددًا فحاولت أن تقترب منه متبعة رنين صوته حتى وصلت إليه بالفعل ، تشبثت بزراعه حتى كادت تخلعه ثم تحدثت : أهدى ، أهدى كل حاجه هتبقي كويسه ، لازم نمشي من المكان ده ، لازم نمشي بأي شكل .
اقتربت ليلى هي الآخر منهم وتحدثت : فعلا لازم نمشي أنا مش قادره اسيطر على اعصابي من الخوف ، كفايه لحد كده لازم نمشي .
ضمهم يوسف إلى صدره بهدوء وتحدث : خليكم جنب بعض ، مش تسيبوا بعض ، أعتقد أن فعلا زي ما قالوا إن الوقت فات ومش بقى ينفع نمشي .
قبل أن يجيب اي منهم بدأ نور أحمر يتسرب إلى المكان وكأنه لون السنه لهب تشتعل بقوه ، شئ من الخيال والرعب ، نار تتحرك في الافق حتى أصبحت داخل الغرفه أكثر من عشرون شعله من النيران تغطي المكان ، بحركات تلقائيه تراجع يوسف إلى الخلف في صدمة لا يصدق ما يراه حتى أن الفتاتان اختبئ خلف ظهره كطفلتين يهربان مش شئ ما خلف ظهر أبيهم .
تحرك سديم حتى توقف في منتصف الغرفه في وجه الشعله التي تنتصف العشرين ثم تحدث : كنت على يقين إننا هنتقابل في يوم من الأيام ، بس الغريب إن اليوم طال جدًا لكن أهو اتقابلنا برده .
تحولت الشعله بين طرفه عين والأخرى إلى شئ احمر وكأنه وحش مفترس تلمس رأسه سقف الغرفه بقرنان حمر وعينان يشتعلان تان انساب حمراء أيضًا طويله خالي الصدر بوشم احمر ، تحدث : الغريب أن أنت لحد دلوقت لسه عايش ، لكن دا كل ما تعرفوا تعملوا معشر الماء الهروب ومن ثم الهروب فـ الهروب ، لكن مهما طال هروبكم نهايتكم محتومه هي الموت يا سديم ، واهو جي اليوم اللي في نهايتك ، صمت للحظات ناظر إلى الفتيه ثم تحدث : الواضح أن مش نهايتك بس ، ده نهايه كل حاجه ليها علاقه بعشيرتك ، الحبايب متجمعين هنا اهو .
شكلي جيت في وقت مش مناسب او حاجه .
تحدث أسر : طول عمرك هتفضل متغطرس يا جويس ، طول عمرك هتفضل بغرورك وكبرياءك ده لحد ما تموت وتكون نهياتك بأبشع شكل ممكن .
أبتسم جويس بمكر : مين بتكلم ؟؟
اسر إللي بتكلم ده ؟! الخادم بتكلم ؟؟ خادم سديم بتكلم ؟!
اسر : أنا لو خادم لـ سيدي يبقى انت اي؟!
طيب انا طول آلاف سنيني في خدمه سيدي عمره ما حسسني للحظه إني أقل منه أو اني خدام ليه ودايما معاملته لا توصف ولو عشت مليار سنه هفضل خدام ليه ، أما انت يا خادم الابلج ؟!
خادم ؟!
لا اكيد انت عبد الابلج اهانات وكل اسوء انواع المعامله حالك ايه؟!
جويس بغضب : بس يا خادم بس ، أنا مش جاي هنا عشان اتناقش معاكم ، أنا جاي هنا عشان اخلص عليكم انتم الاتنين ، لكن بما أن كمان الولد إللي بتحموه ومستنين المعجزه على ايده موجود هنا فـ انا هخلص عليه هو كمان زي ما عملت في صاحبه بالظبط .
تلك الكلمه التي توقعت على قلب ليلى كـ رصاصه قاتله فتحدثت : صاحبه ؟!
صاحبه مين وعملت إيه؟!
نظر جويس إلى ليلى بمكر ثم تحدث : ليلى ؟!
ليلى بنفسها هنا ، ازيك مش فكراني ؟!
ليلى بتوتر من ذاك السؤال الغريب : فكراك؟! هو انا عمري شوفتك ؟!
بس انت بتقول عملت في صاحبه ، عملت ايه في صاحبه ؟!
للحظه تحول جويس الى جسد العجوز ثم عاد إلى هيئته بسرعه ، فور أن رأت ليلى هذا تحدثت بصدمه : بياع الغزل!
زين ؟؟
زين كان شاكك فيك ؟! دلوقت عرفت ليه كان بسال عليك ، انت بياع الغزل ؟!
انت عملت ايه في زين ؟؟
فين زين ؟!
جويس بكبرياء : اااه أنا بياع الغزل أنا ، زين ؟!
زين اتقتل بالسكين إللي الين كانت عايزه تقتل بيها يوسف أو سلمى بالتحديد ، اندبح زي الفرخه .
حاولت ليلى إن تستعب ما يقال الا أن عقلها لم يكن بالقدر الكافي لاستيعاب هذا الحديث فتحدثت ضاحكه : انت بتقول ايه انت عبيط ؟!
انت هتقتل زين ؟!
شكلك مجنون ، واصلا تقتله ليه يعني هو عمل ليك ايه او بينك وبينه ايه ، هو مش له دعوه بأي حاجه .
اكيد انت بتهزر يعني ، زين مش ليه أي دعوه بكل اللي بيحصل ده عشان يموت .
في هذه اللحظه تحدثت أصالة : هو على حق ، زين مات يا ليلى ، مات .
في تلك اللحظه انفجرت ليلى كـ بالون مملوء بالماء اصطدم بشئ حد فإنفجر ، تحدثت ببكاء كـ سيل جارف : انت تسكتي أنت ، انت إيه عرفك اصلا انت معانا من الصبح ، زين مات ليه وازاي؟!
زين مات ليه حد يرد عليا ، زين عمل ايه عشان يموت ؟!
زين ذنبه ايه ما تردوا عليا ؟!
ما ترد يا يوسف ؟!
صاحبك بيقول أنهم دبحوه زي الفرخه ، رد عليهم قول أي حاجه اتكلم .
مش ده صاحبك برده ؟!
صاحبك اللي فضل معاك للاخر ؟!
رد ؟؟
أما عن يوسف فتحجر موضعه لا يستطيع تجميع اي حديث كأنه فقد النطق أو الحركه ، بحاول اعاده الحديث في عقله مجددًا .
من ذاك الذي قُتل ؟!
من ؟!
عادت ليلى في العويل مجددٌا : ما ترد يا يوسف ، ما حد يرد عليا يا جماعه حد يكلمني ويقولي أن الكلام ده كذب ومش حصل ، زين بخير مش مات .
جويس بكبرياءه : كان نفسي اكمل معاكم الحلفة الحزينه الكئيبه دي لكن معلش مش عندي وقت لسماع الكلام ده ، عندي أوامر أن اخلص عليكم فـ لازم اخلص عشان ورايا شغل تان .
فور أن أنهى حديثه وقف بكبرياء رافعًا يديه الاثنين إلى السماء فتحولت الشعل التاريخ المتواجده في المكان إلى كائنات وجان وحشي شبيه له إلا أنهم أقل منه ضخامه وقوه .
عاود الحديث مرة أخرى قائلًا : خلصوا عليهم ....
إلا أنه وقبل أن يكمل حديثه توقف باقي ما يريد في حلقه فور أن سمع الاصوات التي تأتي من جهه يوسف ، توقف في صدمه حاله كحال كل المتواجدين ، شئ من الفزع والصدمه بدى على وجوههم جليًا ، حتى أسر وسديم كانت. الصدمه ظاهره على وجوههم ، بدء يوسف يعود إلى هيئته التي كان عليها منذ لحظات إلا أن في هذه المرة كانت القوه أضعاف ما كان عليه ، الشئ الذي انتاب خوف سديم هو عدم ظهر الماء في تحوله وذاك يعني أن ما تحول اليه ليس بالملك أجاويد .
قوه رهيبه تحول إليها يوسف دون أيضًا وشم الصدر الازرق حتى أن جويس من شده الصدمه بدأ يصيح في جنوده ببدء الهجوم عليه .
إلا أنه وقبل أن يستجمع الجنود قواهم النارية بدء يوسف في الحركه بشكل سريع وكأنه بسرعه الريح ، لا ام يكن شبيه للامر ، هو حقًا يتحرك بسرعه الريح حتى أنه توقف فجاءه ومن ثم بدء يحرك يديه بشكل دائري سريع فتجمعت دائره أسفل يده من الهواء وكأنها عاصفه تزداد في الحجم بشكل غير طبيعي وسط زهول كل الحاضرين حتى جويس نفسه .
وبين طرفه عين والأخرى حرك يوسف يده بتلك العاصفه التي صنعها فـ بدءت تبتلع الجند العشرون وكأنها مغناطيس أو جازبيه قويه تجزبهم فقط دون غيرهم لا يمكن رؤيه ما بداخلها فقط هي أصوات صراخ اي جندي يدخل إليها دقائق معدوده انتهى كل شئ ، انتهت العاصفه التي صنعها ، جويس وحده من بقى من جند النار ، الجند العشرون فقط من تم إفتراسهم من قبل تلك الدوامه .
الصدمه التي ظهرت على ملامح جويس كانت كفيله بتفسير. كل شئ في قلبه ، هي صدمه لا تقل شئ عن الملامح التي ظهرت عليها وجوه البقيه سواء أصالة أو ليلى أو سديم وأسر بالتحديد هما الاثنين يعلمان أن تلك القوه أبدًا ليست من قوى الجن المائي ، قوة سببها الأساسي هو الجن الهوائي ، هو فقط من لديه القدره على تسخير الرياح والهواء بهذا الشكل ولكن كيف ومن اين أتى بتلك القوة؟!
للحظات بدء صوت يوسف يتحول هو الآخر كـ صوت أسد ذائر تمامًا تحدث : لكل بدايه نهايه وبدايه نهايتكم بدأت من اللحظه دي ، ليه قتلتوا زين ؟!
زين ملوش اي دعوه بكل اللي بيحصل ولا ليه ذنب في اللي حصل ليه .
ليه عملتوا معاه كده ؟؟
من اللحظه دي كل حاجه هتتغير ، اللحظه دي هيبدء كتابه تاريخ جديد لعالم جديد ، هنا بدءت الحكايه ومش هتكون أبدًا النهايه ، جاءكم من الفراغ اتحاد الهواء بالماء .
لتكن النهايه لكل ناري .
أما جويس فوقف موضعه وكأن قدماه تتخبط في بعضهما البعض ، يرتعش جسده مما يراه إلا أن الأمر لم يطل كثيرًا حتى ظهرت مخالب طويله من أطراف يد يوسف وكأنها سيوف أطرافها تلمع وفي لحظه بحركه واحده أطاح برأس جويس من أعلى جسده ومن ثم قطع جسده اربًا بمخالبه تلك التي ظهرت قائلًا : الا صديقي ، الا زين أنا اللي هندمكم كلكم على اللي حصل أنا ، أنا اللي هجيب راس ملككم تحت رجلي أنا .
فور أن أنهى حديثه بدء جسده يعود إلى طبيعته بروح ونفس مرهق جدًا ، يكاد يلتقط أنفاسه بصعوبه .
هرولت أصالة إليه بسرعه وتبعتها ليلى هي الأخرى ، فتحدثت الاولى بقلق : يوسف ؟!
يوسف انت بخير ؟!
يوسف بصوت مرهق : اه انا بخير ، بخير ، شوفتي اللي حصل ؟؟
أصالة باكيه : شوفت ، انت فاكر إيه إللي حصل دلوقت ؟!
يوسف : اه فاكر ، فاكر كل اللي حصل ، بس من فين جت الطاقه دي ؟؟
وازاي أنا كنت بالحجم ده ؟!
صمت للحظه ناظرًا إلى يده ثم تحدث : ازاي طلعت ليا المخالب ؟!
ازاي سخرت الهوا ؟!
أصالة : مش عارفه ، مش عارفه حاجه مش بقيت عارفه حاجه يا يوسف أنا جسمي كله بترعب مبقتش قادره اتحمل .
يوسف : أهدي ، بس القوه دي جت من فين ؟؟ هل ده اجاويد ؟!
وازاي فاكر اللي حصل المره دي ومش فاكر اللي حصل في الميه ؟؟
تحدث سديم : ده مش الملك اجاويد ،دي مش قوة الجن المائي من الأساس .
يوسف بدهشه: امال أي ده ؟!
قوة ايه او جت ليا إزاي ؟!
سديم : أنا نفسي مش عارف من فين ليك كل القوة دي ، لكن أنا عارف قوة مين ، دي قوة ملوك الهواء .
الجن الهوائي هو إللي ليه القدره على تحويل وتسخير الهوا بالشكل ده ، لكن جت ليك إزاي هو ده السؤال ؟!
ازااااي ومن فين ؟؟
تحدثت أصالة : بلا إزاي بلا من فين كفايه كده النهارده ، يلا يا يوسف نمشي من هنا عشان خاطري ، كفايه ابوس ايدك يلا نمشي .
تحدث يوسف بهدوء : حاضر هنمشي ، لكن عيناه وقعت على تلك التي تدمع عينيها في صمت ، يعلم جيدًا ما تشعر به وما يدور بعقلها ، هو كذلك صديقه المقرب والاوحد .
إعتدل يوسف من موضعه ثم اقترب منها وضمها إلى صدره بهدوء فـ استسلمت له وزاد بكاها ، تحدث : الله يا يرحمه يا ليلى ، الله يرحمه ، عارف أنه مش ليه أي ذنب في كل اللي حصل ولا كان يستاهل نهايه زي دي .
عارف اني انا السبب في موته ، لكن صدقيني ورحمه زين ، ورحمه زين يا ليلى ما هسيب حقه حتى لو كان موتي مقابل لده .
زاد صوت بكاء ليلى دون أن تتفوه بأي شئ ، فـ عاود يوسف حديثه مرة أخرى قائلًا : كفايه بالله عليكي ، عشان خاطري كفايه ، أنا عارف إن مهما قولت او مهما حاول اطيب بخاطرك الكلام مش هيكون كافي ولا هيغير حاجه وبرده زي ما عارف ان الكلام مش هيغير حاجه البكى كمان مش هغير ، هيسبب تعب وحزن في القلب بس ، هيكبر القلب والملامح قبل أوانها .
يلا عشان نمشي ، يلا عشان ندفن زين يا ليلى يلا .
،في تلك اللحظه وبعد تلك الجملة زاد بكاءها أضعاف وكأن قلبها يصرخ رافض ما يقال ، رافض خبر موت ذاك الذي سكن القلب ولم يفارقه حتى بعد أن توفى .
جلس اثنتيهم بسرعة البرق ليعودا في التحول مرة أخرى لكن دون وجود ماء يخرج من أي مكان، الجسدان سواء العجوز أو الطفل سقطا أرضًا ليخرج منهما روحان بعلامة الوشم الأزرق على صدورهم يحملان قوة وكأنهما وحشان ضاريان.
كل تلك الأشياء تحدث وسط ذهول وصدمة كلًا من يوسف ذاك الذي لم يعد يشعر برنين هاتفه الذي ما زال يواصل الرنين مرة تلو الأخرى وليلى التي وكأنها تحجرت موضعها لا تصدق ما تراه وثبات أصالة على حالتها .
بداء الدخان يزداد في القوه ، فقط لا يراه إلا سديم وأسر ولكن يوسف يشعر بالقليل منه ، رائحه الشر التي بدءت تجتاح المكان .
اسر بلهفه : مش هنقدر عليهم يا سديم مش هنقدر ، لازم نهرب أو نروح لأي مكان بسرعه بعيد عن هنا .
سديم : فات الاوان يا أسر ، زي ما احنا قادرين نشم ريحهم ونحس بقربهم هنا كمان حاسين بقربنا وشامين ريحنا ، وبعدين انت مش بتهرب من بشري عشان تختفي أو تفلت ، انت بتهرب من جان زيه زيك عارف كل خبايك وهو اسرع كمان منك .
اسر : وايه العمل طيب ؟!
سديم : مفيش حاجه ممكن نعملها إلا أننا نقاتل ، لازم نقاتل مهما كان التمن ، هيكون التمن غالي اوي لكن مفيش كل تان .
تنهد أسر وكأنه هو الآخر يشعر وكأن نهايته قد اقتربت ، أجله دنى ووصل قطار عمره إلى المحطه الاخيره ، تحدث بهدوء : حتى لو فيها الموت سيدي هنقاتل ، لكن بتمنى لو حصل ليا حاجه أنت تكمل المشوار ، لازم أرضنا تتحرر .
سديم : عشناها سوى وهنموت سوى ، استعد .
كل تلك الأحاديث التي تدور تحت أعين كل من يوسف واصالة وايضًا ليلى .
يترقبون ما يحدث ، لا يفهموا ما يقال واي دخان هذا واي رائحه شر الذين يتحدثون عنها إلا أن يوسف يشعر بشئ ما ، شئ خطأ في المكان لكن لا يستطيع تحديد ما هو .
فقط لحظات بسيطه حتى تحول المكان بأكمله إلى باحه من السواد التام ، تلك الغرفه الصغيره المتواجدون بها أصبحت شي من الظلام الحالك حتى أن أي منهم لا يستطيع رؤيه كفي يديه إن وضعها أمام عينه .
تحدثت ليلى بصراخ : اصاااالة ، يووووسف ، انتوا فين أنا مش شايفه حاجه .
تحدثت أصالة بصوت عالٍ : ولا أنا كمان شايفه حاجه حظ يولع النور يا جماعه ، انت فين يا يوسف ؟!
تنهد يوسف بهدوء : أنا موجود ، لكن تقريبا ده مش بسبب النور ، حاسس بحاجه غلط بتحصل ، جسمي بتنفض معرفش ليه ، في حاجه غريبه جوايا .
قلقت أصالة عليه من أن تتحول روحه مجددًا فحاولت أن تقترب منه متبعة رنين صوته حتى وصلت إليه بالفعل ، تشبثت بزراعه حتى كادت تخلعه ثم تحدثت : أهدى ، أهدى كل حاجه هتبقي كويسه ، لازم نمشي من المكان ده ، لازم نمشي بأي شكل .
اقتربت ليلى هي الآخر منهم وتحدثت : فعلا لازم نمشي أنا مش قادره اسيطر على اعصابي من الخوف ، كفايه لحد كده لازم نمشي .
ضمهم يوسف إلى صدره بهدوء وتحدث : خليكم جنب بعض ، مش تسيبوا بعض ، أعتقد أن فعلا زي ما قالوا إن الوقت فات ومش بقى ينفع نمشي .
قبل أن يجيب اي منهم بدأ نور أحمر يتسرب إلى المكان وكأنه لون السنه لهب تشتعل بقوه ، شئ من الخيال والرعب ، نار تتحرك في الافق حتى أصبحت داخل الغرفه أكثر من عشرون شعله من النيران تغطي المكان ، بحركات تلقائيه تراجع يوسف إلى الخلف في صدمة لا يصدق ما يراه حتى أن الفتاتان اختبئ خلف ظهره كطفلتين يهربان مش شئ ما خلف ظهر أبيهم .
تحرك سديم حتى توقف في منتصف الغرفه في وجه الشعله التي تنتصف العشرين ثم تحدث : كنت على يقين إننا هنتقابل في يوم من الأيام ، بس الغريب إن اليوم طال جدًا لكن أهو اتقابلنا برده .
تحولت الشعله بين طرفه عين والأخرى إلى شئ احمر وكأنه وحش مفترس تلمس رأسه سقف الغرفه بقرنان حمر وعينان يشتعلان تان انساب حمراء أيضًا طويله خالي الصدر بوشم احمر ، تحدث : الغريب أن أنت لحد دلوقت لسه عايش ، لكن دا كل ما تعرفوا تعملوا معشر الماء الهروب ومن ثم الهروب فـ الهروب ، لكن مهما طال هروبكم نهايتكم محتومه هي الموت يا سديم ، واهو جي اليوم اللي في نهايتك ، صمت للحظات ناظر إلى الفتيه ثم تحدث : الواضح أن مش نهايتك بس ، ده نهايه كل حاجه ليها علاقه بعشيرتك ، الحبايب متجمعين هنا اهو .
شكلي جيت في وقت مش مناسب او حاجه .
تحدث أسر : طول عمرك هتفضل متغطرس يا جويس ، طول عمرك هتفضل بغرورك وكبرياءك ده لحد ما تموت وتكون نهياتك بأبشع شكل ممكن .
أبتسم جويس بمكر : مين بتكلم ؟؟
اسر إللي بتكلم ده ؟! الخادم بتكلم ؟؟ خادم سديم بتكلم ؟!
اسر : أنا لو خادم لـ سيدي يبقى انت اي؟!
طيب انا طول آلاف سنيني في خدمه سيدي عمره ما حسسني للحظه إني أقل منه أو اني خدام ليه ودايما معاملته لا توصف ولو عشت مليار سنه هفضل خدام ليه ، أما انت يا خادم الابلج ؟!
خادم ؟!
لا اكيد انت عبد الابلج اهانات وكل اسوء انواع المعامله حالك ايه؟!
جويس بغضب : بس يا خادم بس ، أنا مش جاي هنا عشان اتناقش معاكم ، أنا جاي هنا عشان اخلص عليكم انتم الاتنين ، لكن بما أن كمان الولد إللي بتحموه ومستنين المعجزه على ايده موجود هنا فـ انا هخلص عليه هو كمان زي ما عملت في صاحبه بالظبط .
تلك الكلمه التي توقعت على قلب ليلى كـ رصاصه قاتله فتحدثت : صاحبه ؟!
صاحبه مين وعملت إيه؟!
نظر جويس إلى ليلى بمكر ثم تحدث : ليلى ؟!
ليلى بنفسها هنا ، ازيك مش فكراني ؟!
ليلى بتوتر من ذاك السؤال الغريب : فكراك؟! هو انا عمري شوفتك ؟!
بس انت بتقول عملت في صاحبه ، عملت ايه في صاحبه ؟!
للحظه تحول جويس الى جسد العجوز ثم عاد إلى هيئته بسرعه ، فور أن رأت ليلى هذا تحدثت بصدمه : بياع الغزل!
زين ؟؟
زين كان شاكك فيك ؟! دلوقت عرفت ليه كان بسال عليك ، انت بياع الغزل ؟!
انت عملت ايه في زين ؟؟
فين زين ؟!
جويس بكبرياء : اااه أنا بياع الغزل أنا ، زين ؟!
زين اتقتل بالسكين إللي الين كانت عايزه تقتل بيها يوسف أو سلمى بالتحديد ، اندبح زي الفرخه .
حاولت ليلى إن تستعب ما يقال الا أن عقلها لم يكن بالقدر الكافي لاستيعاب هذا الحديث فتحدثت ضاحكه : انت بتقول ايه انت عبيط ؟!
انت هتقتل زين ؟!
شكلك مجنون ، واصلا تقتله ليه يعني هو عمل ليك ايه او بينك وبينه ايه ، هو مش له دعوه بأي حاجه .
اكيد انت بتهزر يعني ، زين مش ليه أي دعوه بكل اللي بيحصل ده عشان يموت .
في هذه اللحظه تحدثت أصالة : هو على حق ، زين مات يا ليلى ، مات .
في تلك اللحظه انفجرت ليلى كـ بالون مملوء بالماء اصطدم بشئ حد فإنفجر ، تحدثت ببكاء كـ سيل جارف : انت تسكتي أنت ، انت إيه عرفك اصلا انت معانا من الصبح ، زين مات ليه وازاي؟!
زين مات ليه حد يرد عليا ، زين عمل ايه عشان يموت ؟!
زين ذنبه ايه ما تردوا عليا ؟!
ما ترد يا يوسف ؟!
صاحبك بيقول أنهم دبحوه زي الفرخه ، رد عليهم قول أي حاجه اتكلم .
مش ده صاحبك برده ؟!
صاحبك اللي فضل معاك للاخر ؟!
رد ؟؟
أما عن يوسف فتحجر موضعه لا يستطيع تجميع اي حديث كأنه فقد النطق أو الحركه ، بحاول اعاده الحديث في عقله مجددًا .
من ذاك الذي قُتل ؟!
من ؟!
عادت ليلى في العويل مجددٌا : ما ترد يا يوسف ، ما حد يرد عليا يا جماعه حد يكلمني ويقولي أن الكلام ده كذب ومش حصل ، زين بخير مش مات .
جويس بكبرياءه : كان نفسي اكمل معاكم الحلفة الحزينه الكئيبه دي لكن معلش مش عندي وقت لسماع الكلام ده ، عندي أوامر أن اخلص عليكم فـ لازم اخلص عشان ورايا شغل تان .
فور أن أنهى حديثه وقف بكبرياء رافعًا يديه الاثنين إلى السماء فتحولت الشعل التاريخ المتواجده في المكان إلى كائنات وجان وحشي شبيه له إلا أنهم أقل منه ضخامه وقوه .
عاود الحديث مرة أخرى قائلًا : خلصوا عليهم ....
إلا أنه وقبل أن يكمل حديثه توقف باقي ما يريد في حلقه فور أن سمع الاصوات التي تأتي من جهه يوسف ، توقف في صدمه حاله كحال كل المتواجدين ، شئ من الفزع والصدمه بدى على وجوههم جليًا ، حتى أسر وسديم كانت. الصدمه ظاهره على وجوههم ، بدء يوسف يعود إلى هيئته التي كان عليها منذ لحظات إلا أن في هذه المرة كانت القوه أضعاف ما كان عليه ، الشئ الذي انتاب خوف سديم هو عدم ظهر الماء في تحوله وذاك يعني أن ما تحول اليه ليس بالملك أجاويد .
قوه رهيبه تحول إليها يوسف دون أيضًا وشم الصدر الازرق حتى أن جويس من شده الصدمه بدأ يصيح في جنوده ببدء الهجوم عليه .
إلا أنه وقبل أن يستجمع الجنود قواهم النارية بدء يوسف في الحركه بشكل سريع وكأنه بسرعه الريح ، لا ام يكن شبيه للامر ، هو حقًا يتحرك بسرعه الريح حتى أنه توقف فجاءه ومن ثم بدء يحرك يديه بشكل دائري سريع فتجمعت دائره أسفل يده من الهواء وكأنها عاصفه تزداد في الحجم بشكل غير طبيعي وسط زهول كل الحاضرين حتى جويس نفسه .
وبين طرفه عين والأخرى حرك يوسف يده بتلك العاصفه التي صنعها فـ بدءت تبتلع الجند العشرون وكأنها مغناطيس أو جازبيه قويه تجزبهم فقط دون غيرهم لا يمكن رؤيه ما بداخلها فقط هي أصوات صراخ اي جندي يدخل إليها دقائق معدوده انتهى كل شئ ، انتهت العاصفه التي صنعها ، جويس وحده من بقى من جند النار ، الجند العشرون فقط من تم إفتراسهم من قبل تلك الدوامه .
الصدمه التي ظهرت على ملامح جويس كانت كفيله بتفسير. كل شئ في قلبه ، هي صدمه لا تقل شئ عن الملامح التي ظهرت عليها وجوه البقيه سواء أصالة أو ليلى أو سديم وأسر بالتحديد هما الاثنين يعلمان أن تلك القوه أبدًا ليست من قوى الجن المائي ، قوة سببها الأساسي هو الجن الهوائي ، هو فقط من لديه القدره على تسخير الرياح والهواء بهذا الشكل ولكن كيف ومن اين أتى بتلك القوة؟!
للحظات بدء صوت يوسف يتحول هو الآخر كـ صوت أسد ذائر تمامًا تحدث : لكل بدايه نهايه وبدايه نهايتكم بدأت من اللحظه دي ، ليه قتلتوا زين ؟!
زين ملوش اي دعوه بكل اللي بيحصل ولا ليه ذنب في اللي حصل ليه .
ليه عملتوا معاه كده ؟؟
من اللحظه دي كل حاجه هتتغير ، اللحظه دي هيبدء كتابه تاريخ جديد لعالم جديد ، هنا بدءت الحكايه ومش هتكون أبدًا النهايه ، جاءكم من الفراغ اتحاد الهواء بالماء .
لتكن النهايه لكل ناري .
أما جويس فوقف موضعه وكأن قدماه تتخبط في بعضهما البعض ، يرتعش جسده مما يراه إلا أن الأمر لم يطل كثيرًا حتى ظهرت مخالب طويله من أطراف يد يوسف وكأنها سيوف أطرافها تلمع وفي لحظه بحركه واحده أطاح برأس جويس من أعلى جسده ومن ثم قطع جسده اربًا بمخالبه تلك التي ظهرت قائلًا : الا صديقي ، الا زين أنا اللي هندمكم كلكم على اللي حصل أنا ، أنا اللي هجيب راس ملككم تحت رجلي أنا .
فور أن أنهى حديثه بدء جسده يعود إلى طبيعته بروح ونفس مرهق جدًا ، يكاد يلتقط أنفاسه بصعوبه .
هرولت أصالة إليه بسرعه وتبعتها ليلى هي الأخرى ، فتحدثت الاولى بقلق : يوسف ؟!
يوسف انت بخير ؟!
يوسف بصوت مرهق : اه انا بخير ، بخير ، شوفتي اللي حصل ؟؟
أصالة باكيه : شوفت ، انت فاكر إيه إللي حصل دلوقت ؟!
يوسف : اه فاكر ، فاكر كل اللي حصل ، بس من فين جت الطاقه دي ؟؟
وازاي أنا كنت بالحجم ده ؟!
صمت للحظه ناظرًا إلى يده ثم تحدث : ازاي طلعت ليا المخالب ؟!
ازاي سخرت الهوا ؟!
أصالة : مش عارفه ، مش عارفه حاجه مش بقيت عارفه حاجه يا يوسف أنا جسمي كله بترعب مبقتش قادره اتحمل .
يوسف : أهدي ، بس القوه دي جت من فين ؟؟ هل ده اجاويد ؟!
وازاي فاكر اللي حصل المره دي ومش فاكر اللي حصل في الميه ؟؟
تحدث سديم : ده مش الملك اجاويد ،دي مش قوة الجن المائي من الأساس .
يوسف بدهشه: امال أي ده ؟!
قوة ايه او جت ليا إزاي ؟!
سديم : أنا نفسي مش عارف من فين ليك كل القوة دي ، لكن أنا عارف قوة مين ، دي قوة ملوك الهواء .
الجن الهوائي هو إللي ليه القدره على تحويل وتسخير الهوا بالشكل ده ، لكن جت ليك إزاي هو ده السؤال ؟!
ازااااي ومن فين ؟؟
تحدثت أصالة : بلا إزاي بلا من فين كفايه كده النهارده ، يلا يا يوسف نمشي من هنا عشان خاطري ، كفايه ابوس ايدك يلا نمشي .
تحدث يوسف بهدوء : حاضر هنمشي ، لكن عيناه وقعت على تلك التي تدمع عينيها في صمت ، يعلم جيدًا ما تشعر به وما يدور بعقلها ، هو كذلك صديقه المقرب والاوحد .
إعتدل يوسف من موضعه ثم اقترب منها وضمها إلى صدره بهدوء فـ استسلمت له وزاد بكاها ، تحدث : الله يا يرحمه يا ليلى ، الله يرحمه ، عارف أنه مش ليه أي ذنب في كل اللي حصل ولا كان يستاهل نهايه زي دي .
عارف اني انا السبب في موته ، لكن صدقيني ورحمه زين ، ورحمه زين يا ليلى ما هسيب حقه حتى لو كان موتي مقابل لده .
زاد صوت بكاء ليلى دون أن تتفوه بأي شئ ، فـ عاود يوسف حديثه مرة أخرى قائلًا : كفايه بالله عليكي ، عشان خاطري كفايه ، أنا عارف إن مهما قولت او مهما حاول اطيب بخاطرك الكلام مش هيكون كافي ولا هيغير حاجه وبرده زي ما عارف ان الكلام مش هيغير حاجه البكى كمان مش هغير ، هيسبب تعب وحزن في القلب بس ، هيكبر القلب والملامح قبل أوانها .
يلا عشان نمشي ، يلا عشان ندفن زين يا ليلى يلا .
،في تلك اللحظه وبعد تلك الجملة زاد بكاءها أضعاف وكأن قلبها يصرخ رافض ما يقال ، رافض خبر موت ذاك الذي سكن القلب ولم يفارقه حتى بعد أن توفى .