الفصل الثاني و العشرون

_____________________

هو رجل المواجهة ..قائد الحرب ومنظمها ومفتعلها ..حيث دور الجندي المجهول لا يناسبه ..
يحترق قلبه برفقة الروح في اعماق اخاديد بركانية قاسية ..شعور الموت اهون مما يشعر به الان ..ينهش داخله الخوف والقلق عليها ..التقط هاتفه يجري اتصالا ما " معجزة" ...(فبعد يومين من عذاب مضني تلقى رسالة نصية تحمل فقط رقما ما .. ليتصل بالرقم وعبر مكالمة جماعية يجريها احدهم يتلقى هو مهاتفته )
: حياة ترجع .. قولي انت فين ..هاجيلك اصفي حسابي معاك ..
قالها عبر الهاتف بغضب مكبوت ..حيث روحه بين يدي وغد ..قهقه مراد عبر الهاتف باستفزاز
: مش عرض مغري ده !..اللي بين ايديا مغري اكتر ..
الان باتت شكوكه بانه الفاعل مأكده ..كاد يسحق اسنانه  والهاتف بين يديه ضاغطا عليهما بغضب ..بينما قبضة يديه الاخرى تخدش الحائط امامه بعنف ، ادرك مقصده  ..
: قسما بالله يا مراد ..لو شعرة منها اتأذت لهوريك الجحيم في حياتك ..هتتمنى الموت مش هتطوله  ..
: تؤ تؤ تؤ ..مش كده يا قيصو ..ولا اقولك يا ميزو ...
يبدو انه يعلم الكثير ..أطلق العنان لضحكاته مرة أخرى مردفا ..
: كان ليك امانة عندي و دلوقت راحت خلاص ..اعتبرها امانة لحد ما تشرف عندي هنا ..
نظر إلى السقف يهتف بخفوت محدثا نفسه بخلل ..
: بكل اسف هي لا تصلح طعاما للأسود ..لكن ذلك لا ينفي انها قابلة للالتهام ..
: حياة لسة في مصر .. ابعتلي مكانك .. ترجع البيت  ..بعدها جهز كفنك ..
: اممم ،اللعبة كده مملة ..هضيفلك شوية إثارة ..و هقولك معلومات كمان علشان تعرف اني fair .. هي فعلا لسة في مصر .. قاعدة عند واحد في شقته ..
هز رأسه بتلذذ تتسع عينيه بخلل لم يراه قصي لكنه استشعره عبر الهاتف من خلال نبرته الهامسة
: هسيب الباقي لخيالك وهكلمك بعد يومين ..Enjoy

اغلق الخط  على ضحكاته التي علت شيئا فشيئا يلقي بالهاتف أرضا بعنف ..تحترق انفاسه جوار روحه يخلل شعره بهيستريا ..تنتفخ اوداجه تكاد توشك على الانفجار .. ليصرخ بجنون حارق كان لها هي فقط الفضل في ظهوره
: هقتلك يامراااد.. هقتلك ...
________________________

بكاء بمذاق الاشراق ..وجدت الحورية بحرها المناسب  بيئتها المناسبة ..ذلك الدفئ الذي طالما افتقدته وجدته اخيرا بين احضان من تنتمي إليهم ..تلصقها فاطمة فوق قلبها مباشرة ..وكأن خفقاته تسألها هل تعرفتي على نبضاتي  ..ها هنا جواري عندما كانت اول رفيق لك ..خفقات الام وكأن قلبها ينتفض مقبلا اياها شوقا ..تخرجها فقط لتقبل شفتيها كل انشا بوجهها ثم تلصقها بأحضانها مجددا ..وهي تتشبث بها كطفلة ضائعة ...
: عارفة اول مرة خدتيني فيها في حضنك ..اتمنيت انك تكوني امي اللي ماشوفتهاش طول عمري ..امي اللي طول عمرهم بيقولولي انها ماتت بسببي وهي بتولدني ..
: حرموكي مني وحرموني منك يا ضنايا .. سامحيني يا بنتي ..سامحيني يا حبيبتي والله ما كنت اعرف ..ما كنتش اعرف ..
انخرطا سويا في بكائهما  ..بينما الواقفة بزهول امامهما تمرر نظرها بينهم بعدم تصديق ..لتترك حور احضان فاطمة تمسح دمعاتها بكلتا يديها مبتسمة باتساع تقف امام اختها الكبرى ..
: كنت بحسدك اوي عليها ..كنت بقول جوايا يا بختها بيها وبعيلتها لما اشوف حنيتهم عليكي ..
انسالت دموع قمر فوج وجنتيها تتلقفها بين احضانها برحابة اخوية ..يقف هو بجوار باب الغرفة يسترق النظرات اليها برغبه ملحة في اسكات شهقات بكائها في عناق بين ذراعيه ...وفي خضم المشاعر المتلاطمة كأمواج البحر ..لمحت عينيها رغبته ..اختلج خافقهما باضطراب ..و بلغة اخرى .."شعاع اول شرارة حب" ..
فلنعتبرها كذلك ...
________________________
خيوط الشمس تنسج انغام الصباح فوق الدنيا ..وهي تجلس بشرفة واسعة مزينة بالورود والشجيرات اللطيفة ..تحتسي كوب قهوة داكنة ..تستأنس بمذاقها برفقة الصباح ..تحسنت حالتها النفسية كثيرا بهذا المكان الرائع ..هنا تغرد الطيور ناعمة بالحرية  ..لا تستغيث .. حيث لا وجود للصقور بينهم ..حتى تلك الذكريات الكسيرة لم تعد لها رغبة لاستعادتها ..لا تستحق حتى ان تصفها بمرارة قهوتها الحبيبة ..اخترق الهدوء من حولها صوته الحاني بمرح ..
: فراشة ياناس ..فراشة قاعدة وسط الورد ..
ابتسم تلقي عليه تحية الصباح فبادلها اياها بقبلة فوق جبينها ..جلس امامها ينظر اليها بتوتر رغم محاولاته في اخفائه ..لاحظته ..
: مالك يا آدم .. في حاجة
: لا ابدا ..
تنهدت بتأمل تنظر إلى السماء لتنقل نظراتها إليه مرة اخرى عندما تحدث بتردد قائلا
: المحامي بتاعنا كلمني انهارده ..بيقول ان سالم ابن عمنا اتعرض للقتل ..بين الحياة والموت دلوقت  ..
ورغما عنها تجبرها الذكريات على استعادة قتامتها ..نظرت إليه بمعالم وجه جامدة غير مقرؤة .. ليكمل هو ..
: طالب يشوفك قبل ما يموت ..
اتسعت عينيها باعتراض ..بعصبيه ..تمرر جوار حروفها سخرية بمذاق قهوتها ...
: علشان ايه يشوفني ..طبعا عايزني اسامحه  ..علشان اسامحه مش كده ؟ عايز يستسمحني بعد اللي عمله فيا ..ده دمرني ..دمرني ..
اخذت عبراتها تتناثر فوق وجنتاها قسرا ..ليتحرك ادم من مقعده جالسا امامها ارضا يحتضن وجهها بين يديه ..
: سارة يا حبيبتي اهدي ..مش عايزة تنزلي ماحدش هيجبرك .. انا بس حبيت اعرفك علشان ده موضوع يخصك مش اكتر ...خصوصا ..اا ..
صمت .. وفي صمته الغامض قلقت الشمس ..
: في ايه يا ادم اتكلم ..
: حمزة متهم بقتل سالم  ومقبوض عليه يا سارة ..مستعد يخرجه بس لو وافقتي على طلبه ..
القلب العاشق يثور عبر اشتداد خفقاته بعنف .. عينيها صدمة هائلة ..صورتة بجوار اسمه يتقافزان سويا بداخل قلبها ..وهنا تقبع الخطة " السالمية " في اعادة الشمس ...
---------------
نعتقد انه المسار الصحيح ..فنخوض الدرب بمثابرة ..ونكتشف بالمنتصف ضعفنا ..نشتهي العودة ولا نعود ..و في النهاية ، نخاف .. يتهشم المعتقد ..تتبخر المثابرة ..يتلاحم الخوف والضعف ليكونا ابا وام لمولود يملئنا التعلق به ..الندم ..
~~~
جلست تضم ركبتيها تحتضن جسدها ككل ..في ظلام القاع كانت قاناديل عينيها جاحظة ..جامدة دموعها كالجليد ..تتمنى فقط لو لم تفعل ..لو لم ترحل ..خوف آخر طغى بقسوة على جميع مخاوفها ..هي ليست وحدها وفقط ..بل هي محتجزة من قبل قاتل مأجور على حد تعبيرها .. وبكل سذاجة قدمت له الفرصة ،برغبتها ...
Flash back

انتباهة متأخرة ..استفاقة عقل .. لاحظت كبر فعلتها حيث وجودها بمنزل رجل غريب ..وضع غير لائق ،لكن دفعها اضطرارها وحاجتها لطلب مساعدته بدون نية مسبقة .. حيث لا مكان لها ولا مأوى .. استعدت للرحيل ،اخذت الصغيرة من يديها بعد وقت طويل من الوداع والدموع
: ماتعيطيش بقى مش اتفقنا اني هجيلك تاني ..وعد ..
مسحت عينيها تحتضنها وقبلة أخيرة منها فوق وجنة الصغيرة الباكية .. ثم خرجت من الشقة تطرق باب الشقة المواجهة..فتح الباب ..ولم ترى اسنانه التي كاد يسحقها غضبا من اجباره على فعل ما لا يريد .. خطت الصغيرة الباكية تقف جوار ابيها الذي ينظر إلى عيني الواقفة امامه بترقب غامض
: متشكرة جدا لحضرتك على مساعدتي ..انا مضطرة امشي اتفضل مفتاح الشقة وشكرا مرة تانية يا باش مهندس ..
بابتسامة شكر ممتنة باهتة ونظرات خجلة تتحولت إلى أخرى مستغربة ..حيث نظر إلى ابنته وقد تغيرت نبرته ..او ظهرت على حقيقتها
: استنيني في اوضتك يا حياة ..
ركضت الصغيرة نحو غرفتها فسريعا اغلق الباب .. قبض على معصم يديها بقوة يجرها خلفه بعنف ثم دفعها إلى داخل الشقة الاخرى ..وجحوظ عينيها الذي بدا بوضوح انه سيرافقها لعدة ايام بين خوف واكتشاف وجوه أخرى ..
: مافيش خروج من هنا ، ومش عايز اسئلة كتير ..وما تحاوليش تستغيثي بحد علشان احنا الشقة الوحيدة اللي ساكنة في المكان هنا ..
لكنته باتت غير طبيعيه ..عينيه بدت غريبة بشكل مخيف..لم يكن ذلك الرجل اللطيف الذي تمنت بداخلها ان يحمل قصي بعضا من لطفه ..قصي ..توقفت افكارها عند ذكر اسمه داخلها ..لتتسائل ..هل له ان يأتي الان فتختبئ من العالم بأسره داخل دفئ احضانه ..بنبرة خائفة ردت
: ايه اللي بيحصل ده ..انت مين ..؟
زفر بغضب ..حقا هو لا يريد إلحاق اذى بها ..ويجهل السبب ..
: قولت مش عايز اسئلة ..وفري على نفسك وعليا حاجات مش عايزها تحصل ياحياة ..
لفظ كلماته ببعض الحدة والمثير من الغضب، اذدردت ريقها تتحرك نحو الباب باندفاع
: انا عايزة امشي من هنا ..انت مش خاطفني لو سمحت خرجني من هنا ..
لحقها يحاصرها بين لمعة الشر والرفق بعينيه وبين الباب الذي اغلقه بالمفتاح جيدا ..لم تمتلك القدرة الكافية من الجهد لدفعه ..هي تغرق باعماق خوف الان ..اخرج هاتفه يتحدث بروية ناظرا نحو حدقة عينيها مباشرة ..
: روحي الشقة خدي حياة خليها عندك ..لحد ما اجي اخدها ..
حدث بها جليسة ابنته ثم اغلق الهاتف ،قلبها يرتعد خوفا لم تعد تقوى حتى على الوقوف ..تذرف دموع لها اكثر من مذاق ..خوف ..ندم ..حسرة تلف فؤادها الذابل ..نهاية ..حيث هي بنهاية المسار ولا سبيل للعودة
: انتي فعلا مخطوفة يا حياة ..مش عايز اي تهور ،و تنفذي المطلوب منك .
في ظلام القاع فقدت شيئا ما ..واكتسبت اشياء عدة..ربما ظلامها احلك ، اكتشفت الحياة ..الحياة كما لم تعرفها من قبل ....
Back
فتح باب الغرفة ليجدها تجلس فوق الفراش كما هي ..شعور غير معتاد يلح عليه بفك أسرها و ضرب تعليمات مراد بعرض الحائط بل وتهشيم الحائط فوق رأسه ..هي صغيرة ..بريئة اكثر مما يجب ..وفى عالمهم الضاغي امثالها يسحقون تحت الاقدام بلا دية في سبيل بلوف الغاية ..
: بردوا مش عايزة تاكلي ..
وهي لا تعاند ..هي فقط بائسة بقدر بؤس محاولة هروبها نحو بقعة معتمة حيث اللا ضوء ..اوليس كان بقائها بينهم افضل مما هي عليه الان .. بنبرة متحشرجة تحدثت ..
: مش عايزة ..
بدت الحروف وكأنها تكره الخروج على لسانها ..ونصف آخر يكتشفه مع طول مدة بقائه معها ..نصف لاعلاقة له بالنبل او الحقارة ..نصف يشمل ذلك الخافق بيساره فقط ..
: اللي انتي بتعمليه ده مش هيغير حاجة ..كلي يا حياة وبطلي دلع ..
بشرود تنظر امامها وكأنها لم تسمع شيئا ..باتت هي محاصرة في حلقة دائرية مكونة من عدة اشباح ..
: هتقتلني امتى ..؟
ارتجف شيئا ما داخله بقسوة ارتطام ..هينيه مثبته عليها بغموض ..بينما هي رفعت وجهها إليه مردفة
: اكيد في الآخر هموت ..هتقتلني امتى ..؟
: كل حاجة وليها وقتها  ..
اجابها وهو يحضر كرسي يجلس عليه بالعكس ..كانت الخطة تسير في مسارها الطبيعي ..حيث يضغط على اعصاب ذلك الشخص المسمى قصي بتلك الرسائل ..والذي بالمناسبة لا يطيقه بدوره ،ربما لو كان هو هدف الخطة وليس هي لكان استمتع قليلا ..فيضغط بدافع خوفه، عليها ،فيضيق بها الحال ذرعا وتتركه هاربة ..تقدمت الخطة سريعا ..حيث كان لسوء الفهم دورا كبيرا في تقدمها ..
: نفسي اشوفهم ..وحشوني اوي ..نفسي اسمع صوتهم لاخر مرة ..
حدثت بها نفسها باكية ..رمش عدة مرات بتفكير ..ليستقيم فجأة مغادرا دون لفظ كلمة اخرى ..نظرت هي في أثره تتساقط دموعها بانتظار الهلاك .. ليعود بعد دقائق يشرع في ارتداء سترته
: قومي ..
انتبهت له بارتياع ..
: هنروح فين ...؟
لم يجيبها ..فقط انحني جاذبا اياها إلى الخارج ثم إلى سيارته وهي تتبعه باستسلام يائسة ...
_____________
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي