الفصل الثاني والعشرون
جلست تحت الشجرة أتناول إفطاري، بسمة ورانيا لم تأتيا بعد، كنت أتأمل الناس، مجموعة مكونة من فتيات وصبيات يجلسون معاً، يتمازحون ويضرب الشاب الفتاة على كتفها فتضحك بمرح، كأنه لم يحدث شيء، نظرت إليهم بحدة واستنكار، لسوء الحظ أنا من أولئك الذين لا يستطيعون التحكم في تعابير وجههم عندما يحدث أمر يزعجهم أو يسعدهم، ولكن في هذه الحالة لا أبالي، لماذا أخفي نظراتي وهم لم يخجلو مما يفعلون! لم يلاحظو لي من الأساس، تجلس كل فتاة بجانب شاب، يوشكون أن يلتصقو ببعضهم البعض، شعرت بالقرف والاشمئزاز، حاولت أن أتجاوزهم فأبعدت نظري عنهم..
نظرت إلى الجانب الآخر، كان هناك شاباً ملتحياً، ابتسامته بشوشة وجذابة، تقف بجانبه فتاة صغيرة، يبدو أنها يتيمة، من أولئك الذين يتجولون في الشوارع، كانت تضحك معه بمرح طفولي، شدني المشهد جداً، أصبحت أراقبهم وابتسم كالبلهاء، لحسن الحظ أن الشاب لم يلاحظ لي..
أخرجتني رانيا من شرودي، لاحظت أنني أنظر باتجاه الشاب والطفلة، قالت بابتسامة: يوسف
قلت: هاه!
ردت: ذلك الشاب، اسمه يوسف، يسكن في نفس الحي الذي أسكن فيه، هو صديق أخي ولكنه غريب الأطوار، لا يعجبني! لا أحب الشباب المتشددين
قلت: ماذا تقصدين بمتشدد
قالت: صارم جداً، لم تقع عيني في عينه ولا مرة، حتى أنه أعطاني بعض المراجع ولكن عن طريق أخي، لم يتحدث معي أبداً، أنا أحب الرجال المتدينون، الذين يخافون الله ويلتزمون بالشرع، ولكنني لا أحب الجامدين..
لم أهتم كثيراً بمجرى الحديث، ولا يهمني من يكون ذلك الشاب، لفت ذلك المشهد انتباهي فقط..
جاءت بسمة فذهبنا أنا وهي ورانيا إلى القاعة، تبقى خمس دقائق فقط من زمن المحاضرة..
-------
وجدنا القاعة قد امتلئت فجلسنا في المقاعد الأخيرة، قالت بسمة: هذا أحسن سوف أنام وأنا مطمئنة
قلت لها: لماذا تحضرين إذا إن كنت تنوين النوم
قالت: من أجل تسجيل الحضور فقط، لكي لا أحرم من الامتحانات
قالت رانيا ضاحكة: سوف تسقطين بطريقتك هذه
قالت: دعوني وشأني، أعلم ما أفعل
قلت: حسناً، حسناً
جلسنا في المقعد قبل الأخير، وفي المقعد الأخير جلست ثلاث فتيات، أشارت لي رانيا بإن إحداهن تسمى رحيق، هي نفسها الفتاة التي اشتبكت مع الحارس ذلك اليوم..
نظرت إليها، كان ترتدي لبساً خليعاً كما أخبرتني رانيا، معظم شعرها لا يغطيه الحجاب، تنظر حولها بغرور، فجاة صرخن الثلاث فتيات بصوت مسموع، قالت إحداهن: انظري يا رحيق، إنه كراشك " الكراش لفظ يطلق على الشخص الذي يعجبك، وحسب ما أخبرتني رانيا أن الكراش ذلك الشخص الذي تظلين معجبة به ولا تخبرينه بذلك، تتغزلين فيه عن بعد، بين صديقاتك، وهناك قاعد تقول بأن الكراش لا يعترف له بالاعجاب، لا أعرف من وضع هذه القاعدة ولكنني سمعتها، في هذه الفترة البسيطة عرفت العجائب هنا"
قالت رحيق بنبرة أقل ما يقال عنها أنها..أو دعوني لا أصفها أفضل، قالت: الأسود يليق به، أنظرو إلى جمال شعره، لا يقارن بشعر شاروخان نفسه، حبيبي الأسمر، حقاً وسيم، اسم على مسمى..
ضحكتا الفتاتان الأخريات، شعرت بالقرف من حديثهن وظللن يتحدثن بصوت مزعج والطبيب يشرح ونحن لا نفهم منه شيئا بسبب إزعاجهن، حتى بسمة لم تستطع النوم، التفتت عليهن، وقالت بنبرة حاولت أن تجعلها هادئة: لو سمحتن وسمحت ظروفكن، هلا تخفضن أصواتكن؟
ردت رحيق بمياعة: هل قطعنا نومك يا قطة؟
قالت بسمة وهي تضغط على أسنانها: نعم
ردت رحيق بحدة: ليست مشكلتنا، نامي عندما تعودي إلى المنزل..
في تلك اللحظة رفعت يدي إلى الطبيب، فأشار إلي بأن أتحدث، قلت: نحن لا نسمعك جيداً، هناك ضجة كثيرة تحدث خلفنا
مسح بهن الأرض وحذرهن بحدة، وقال لهن بأنه في المرة الثانية سوف يطردهن من القاعة وسيحرمهن من محاضراته للأبد..
كتمت بسمة ضحكتها، امتعقت وجوه الفتيات، ثم صمتن وكأنهن قد ابتلعن ألسنتهن، الجبانات! كان الطبيب من ذلك النوع الصارم، الذي لو لفت أحد نظره أو أزعجه لأي سبب من الأسباب فيا ويله..
كانت رحيق وصديقاتها ينظرن إلينا بتوعد بعد أن انتهت المحاضرة، لم نعرهن أي انتباه وهذا ما أزعجهن أكثر، أميرات اللا مبالاة وتكسير أنوف المغرورات!..
-----
فتحت كتاباً بعد زمن طويل، اسمه ملهمون، محتواه واضح من عنوانه، كتاب ملهم جداً، فيه قصص تشعل الحماس في داخلك، أعجبت بإحدى القصص جداً، كان يتحدث عن فتاة اسمها ليزي، القصة طويلة ولكنني أختصرتها وكتبتها في مفكرة الهاتف، ثم خطر لي أن أنشرها في فيسبوك باللهجة العامية، كتبت: "في مدينة اوستن الامريكية، عام الف وتسعمئة وثمانية وتسعون، فتاة نحيلة اتولدت قبل موعد ولادتها باربعة أسابيع اسمها ليزي ، الاطباء م كانو متيقنين اذا حتقدر تعيش اكتر ولأ لا ، لانها اتولدت ضعيفة وعندها مرض نادر مصابين بيهو تلاتة اشخاص فقط في العالم كلو، الاطباء عجزو عن تشخيص المرض ده، وبسببو ليزي م عندها انسجة دهنية يعني جسمها ما بحتوي على دهون نهائيا وما بتقدر تزيد وزنها، بالاضافة لمعاناتها من شيخوخة الاطفال، وضغف في عملية النمو وضعف في الانسجة الداخلية ، الاطباء قالو لاهلها انو بتهم ما حتقدر تعيش حياة طبيعية بسبب مرضها واحتمال م تقدر تمشي او م تقدر تتكلم ونصحوهم يخلوها تأكل كتير على مدار اليوم عشان تقدر تعيش...
لما وصلت عمر سنتين كان وزنها 6,82كجم بس وده تقريبا وزن طفل عمرو اربعة شهور، رغم الامراض الواجهت ليزي الا انو امها حافظت على تغذيتها تغذية جيدة وكانت بتعاملها وكانها م مصابة باي مرض، تطلعها مع الاطفال عشان تلعب وتوديها اي مكان وتشتري ليها اي حاجة عايزاها ، ولانو ملابس الاطفال كانت كبيرة عليها كانت امها تشتري ليها ملابس الدُمى عشان حجمها صغير...
يوم بعد يوم كبرت ليزي ولما وصلت عمر أربع سنوات بدت عينها اليمين تضعف لحدي ما فقدتها بسبب مرض ..
قررت ليزي تدخل المدرسة زيها وزي اي طفل، تكافح رغم نظرات المستضعفين وألسنة المستهزئين الما ريحتها...
كل الحاجات دي م وقفتها عن التفوق والتميز ، اتخرجت من الثانوي بنجاح ...
في المرحلة الجامعية كتر الكلام عنها ونظرات التعجب ليها ولجسمها النحيل الما بتجاوز سبعة وعشرين كجم، ده شنو الشبح ده! ودي حتقدر تعيش لبكرة! وكيف حتستمر بينا! وكيف نتخلص منها! "انها مشمئزة" ده بعض الكلام الاتقال عنها، وفي واحد صورها فيديو مدتو ثمانية ثواني عشان يستهزأ بيها، خلال فترة قصيرة وصلت المشاهدات اكتر من أربعة مليون وكتبو آلاف من التعليقات وصفتها بانها ابشع امراة في العالم، وصفوها بالوحش وفي ناس كتبو ليها "اسدي معروف للعالم واطلقي النار على نفسك" كانت في تعليقات كتيرة ممكن تخليها تنتحر ، دخلت المعركة براها وقرت كل التعليقات لكن ليزي م سمحت للتعليقات دي تستفزها او تحطمها، بالعكس ولدت عزيمة جواها وقررت انها تحارب وترد بطريقتها، قررت تخوض المعركة من خلال تحقيق احلامها، وختت قدامها اربعة اهداف.. انها تبقى متحدثة تحفيزية وانها تصدر كتاب وتتخرج من الجامعة وتكون اسرة ووظيفة...
عملت باصرار وكافحت عشان تنتقم من المستهزئين من خلال انجازاتها، ردت بقوة على اي زول شكك بقدراتها وقدرت في عمر اثنين وعشرين سنة تبدا اول محاضراتها التحفيزية ..
في عام ألفين وعشرة، نشرت كتابها الاول وسمتو" ليزي الجميلة" وبعد فترة نشرت كتاب تاني اسمو " كن جميلا.. كن انت" وقدرت تتخرج من الجامعة واتخصصت في دراسة الاتصالات ، كونت عديد من الصداقات الحقيقية وبقى عندها كتتير من المعجبين..
نشرت فيديو بعد ما حققت اهدافها وقالت" هل تتزكرون ذلك الفيديو المروع ضدي؟ لم انحدر إلى مستوى اولئك الاشخاص وانما انتقمت من خلال انجازاتي وعزيمتي، وفي المعركة التي بيني وبين ابشع إمراة في العالم اعتقد اني انتصرت"...
قدمت ليزي اكتر من مئتين ورشة عمل عن التفرد والتعامل مع الخوف والتغلب على العقبات..
قالت "ربي رزقني باعظم نعمة في حياتي وهي مرضي"
اثبتت ليزي انو جمال الوجه لو ما كان معاهو جمال روحي فهو ناقص.."
ثم علقت: كان هذا محتوى المقال، حقاً إن المعاناة تولد الإبداع كما يقولون، والضربة التي لا تسقطك تقويك، أتمنى أن يرزقنا الله القوة لنقاتل في هذه الحياة، أتمنى ألا نسقط مهما عركتنا الحياة، ونظل أقوياء حتى الرمق الأخير، وندرك أنه مهما كانت حياتنا سيئة، وظننا بأن لا أحد يعاني مثلنا، ولا أحد يحمل مثل الألم الذي نحمله، فلنتذكر أن هناك من كان يعاني أكثر منا بكثير، وأن هناك من اختار أن يكون قوياً ويحارب حتى ينال، عزائنا أن لنا إله رحيم بعباده..
-------
كنت أتناول طعامي داخل السكن، من النساء الاتي يبعن الطعام هناك، رغم أن أمي حذرتني وأخبرتنا بأن نطبخ طعامنا لوحدنا ولكننا نكسل جداً..
كانت هناك إمرأة لطيفة تسمي أماني، لا أعرف ولكنني أحببتها وأصبحت لا أتناول طعامي إلا منها، لم أخبرها بذلك صراحة..
ذات يوم ذهبت بعيداً من طاولتها التي تضع عليها الطعام، تلفت حولي لم أجدها، كل الفتيات اشترن طعامهن من غيرها إلا أنا وقفت أنتظرها، عندما عادت، وضعت لي طعاماً كثيراً، وقالت لي بابتسامة: لاحظت أنك لا تشترين إلا مني، أحببتك يا فتاة، ما اسمك؟
قلت بابتسامة: يقين
تحدثت معها كثيرا وعرفت أنها قريبة أحد من مدينتنا، يسكن في حي قريب من حينا، كانت لطيفة، وتصرفي جعلها مسرورة جداً، رغم أنه كان تلقائيا..
ذهبت من عندها مسرورة، اشتريت من الدكان بعض الأغراض، فسألتني صاحبة البقالة سوالاً ونادتني باسمي، سررت، وتعجبت، قالت لي أن لا أتعجب فهي تعرف أسماء الكل هنا، والسكن يتكون من حوالي ثلاث مجمعات، في كل مجمع خمسون غرفة، وفي كل غرفة أربع فتيات، لكم أن تتخيلو! قلت لها بدهشة: عليك أن تشاركي في برنامج المواهب الذي يعرض على التلفاز، أنت رائعة! لديك ذاكرة عجيبة، ما شاء الله تبارك الله
ضحكت ثم قالت: الأمر ليس كذلك، ولكنه الفراغ، أظل في هذه الدكان طوال الوقت، وليس لدي شيء أفعله سوى أن أركز مع الفتيات، أحاديثهن، وملامحهن وأسمائهن، أثرثر مع كل فتاة تأتي وهذا يخفف علي قليلاً، كما أن سعاد التي تظل معي لم تأتي بعد من زيارتها لأهلها، مر شهران وأنا أجلس لوحدي هنا
انتبهت لجملتها، وتعجبت أكثر ولكنني لم أخبرها، كيف لشخص أن يظل في نفس المكان طوال اليوم ولأيام متتالية طويلة، مجرد الفكرة تجعلني أختنق، الأمر صعب للغاية، ولكنها الحياة، كثير ما نجد نفسنا في أماكن لا ننتمي إليها..
نظرت إلى الجانب الآخر، كان هناك شاباً ملتحياً، ابتسامته بشوشة وجذابة، تقف بجانبه فتاة صغيرة، يبدو أنها يتيمة، من أولئك الذين يتجولون في الشوارع، كانت تضحك معه بمرح طفولي، شدني المشهد جداً، أصبحت أراقبهم وابتسم كالبلهاء، لحسن الحظ أن الشاب لم يلاحظ لي..
أخرجتني رانيا من شرودي، لاحظت أنني أنظر باتجاه الشاب والطفلة، قالت بابتسامة: يوسف
قلت: هاه!
ردت: ذلك الشاب، اسمه يوسف، يسكن في نفس الحي الذي أسكن فيه، هو صديق أخي ولكنه غريب الأطوار، لا يعجبني! لا أحب الشباب المتشددين
قلت: ماذا تقصدين بمتشدد
قالت: صارم جداً، لم تقع عيني في عينه ولا مرة، حتى أنه أعطاني بعض المراجع ولكن عن طريق أخي، لم يتحدث معي أبداً، أنا أحب الرجال المتدينون، الذين يخافون الله ويلتزمون بالشرع، ولكنني لا أحب الجامدين..
لم أهتم كثيراً بمجرى الحديث، ولا يهمني من يكون ذلك الشاب، لفت ذلك المشهد انتباهي فقط..
جاءت بسمة فذهبنا أنا وهي ورانيا إلى القاعة، تبقى خمس دقائق فقط من زمن المحاضرة..
-------
وجدنا القاعة قد امتلئت فجلسنا في المقاعد الأخيرة، قالت بسمة: هذا أحسن سوف أنام وأنا مطمئنة
قلت لها: لماذا تحضرين إذا إن كنت تنوين النوم
قالت: من أجل تسجيل الحضور فقط، لكي لا أحرم من الامتحانات
قالت رانيا ضاحكة: سوف تسقطين بطريقتك هذه
قالت: دعوني وشأني، أعلم ما أفعل
قلت: حسناً، حسناً
جلسنا في المقعد قبل الأخير، وفي المقعد الأخير جلست ثلاث فتيات، أشارت لي رانيا بإن إحداهن تسمى رحيق، هي نفسها الفتاة التي اشتبكت مع الحارس ذلك اليوم..
نظرت إليها، كان ترتدي لبساً خليعاً كما أخبرتني رانيا، معظم شعرها لا يغطيه الحجاب، تنظر حولها بغرور، فجاة صرخن الثلاث فتيات بصوت مسموع، قالت إحداهن: انظري يا رحيق، إنه كراشك " الكراش لفظ يطلق على الشخص الذي يعجبك، وحسب ما أخبرتني رانيا أن الكراش ذلك الشخص الذي تظلين معجبة به ولا تخبرينه بذلك، تتغزلين فيه عن بعد، بين صديقاتك، وهناك قاعد تقول بأن الكراش لا يعترف له بالاعجاب، لا أعرف من وضع هذه القاعدة ولكنني سمعتها، في هذه الفترة البسيطة عرفت العجائب هنا"
قالت رحيق بنبرة أقل ما يقال عنها أنها..أو دعوني لا أصفها أفضل، قالت: الأسود يليق به، أنظرو إلى جمال شعره، لا يقارن بشعر شاروخان نفسه، حبيبي الأسمر، حقاً وسيم، اسم على مسمى..
ضحكتا الفتاتان الأخريات، شعرت بالقرف من حديثهن وظللن يتحدثن بصوت مزعج والطبيب يشرح ونحن لا نفهم منه شيئا بسبب إزعاجهن، حتى بسمة لم تستطع النوم، التفتت عليهن، وقالت بنبرة حاولت أن تجعلها هادئة: لو سمحتن وسمحت ظروفكن، هلا تخفضن أصواتكن؟
ردت رحيق بمياعة: هل قطعنا نومك يا قطة؟
قالت بسمة وهي تضغط على أسنانها: نعم
ردت رحيق بحدة: ليست مشكلتنا، نامي عندما تعودي إلى المنزل..
في تلك اللحظة رفعت يدي إلى الطبيب، فأشار إلي بأن أتحدث، قلت: نحن لا نسمعك جيداً، هناك ضجة كثيرة تحدث خلفنا
مسح بهن الأرض وحذرهن بحدة، وقال لهن بأنه في المرة الثانية سوف يطردهن من القاعة وسيحرمهن من محاضراته للأبد..
كتمت بسمة ضحكتها، امتعقت وجوه الفتيات، ثم صمتن وكأنهن قد ابتلعن ألسنتهن، الجبانات! كان الطبيب من ذلك النوع الصارم، الذي لو لفت أحد نظره أو أزعجه لأي سبب من الأسباب فيا ويله..
كانت رحيق وصديقاتها ينظرن إلينا بتوعد بعد أن انتهت المحاضرة، لم نعرهن أي انتباه وهذا ما أزعجهن أكثر، أميرات اللا مبالاة وتكسير أنوف المغرورات!..
-----
فتحت كتاباً بعد زمن طويل، اسمه ملهمون، محتواه واضح من عنوانه، كتاب ملهم جداً، فيه قصص تشعل الحماس في داخلك، أعجبت بإحدى القصص جداً، كان يتحدث عن فتاة اسمها ليزي، القصة طويلة ولكنني أختصرتها وكتبتها في مفكرة الهاتف، ثم خطر لي أن أنشرها في فيسبوك باللهجة العامية، كتبت: "في مدينة اوستن الامريكية، عام الف وتسعمئة وثمانية وتسعون، فتاة نحيلة اتولدت قبل موعد ولادتها باربعة أسابيع اسمها ليزي ، الاطباء م كانو متيقنين اذا حتقدر تعيش اكتر ولأ لا ، لانها اتولدت ضعيفة وعندها مرض نادر مصابين بيهو تلاتة اشخاص فقط في العالم كلو، الاطباء عجزو عن تشخيص المرض ده، وبسببو ليزي م عندها انسجة دهنية يعني جسمها ما بحتوي على دهون نهائيا وما بتقدر تزيد وزنها، بالاضافة لمعاناتها من شيخوخة الاطفال، وضغف في عملية النمو وضعف في الانسجة الداخلية ، الاطباء قالو لاهلها انو بتهم ما حتقدر تعيش حياة طبيعية بسبب مرضها واحتمال م تقدر تمشي او م تقدر تتكلم ونصحوهم يخلوها تأكل كتير على مدار اليوم عشان تقدر تعيش...
لما وصلت عمر سنتين كان وزنها 6,82كجم بس وده تقريبا وزن طفل عمرو اربعة شهور، رغم الامراض الواجهت ليزي الا انو امها حافظت على تغذيتها تغذية جيدة وكانت بتعاملها وكانها م مصابة باي مرض، تطلعها مع الاطفال عشان تلعب وتوديها اي مكان وتشتري ليها اي حاجة عايزاها ، ولانو ملابس الاطفال كانت كبيرة عليها كانت امها تشتري ليها ملابس الدُمى عشان حجمها صغير...
يوم بعد يوم كبرت ليزي ولما وصلت عمر أربع سنوات بدت عينها اليمين تضعف لحدي ما فقدتها بسبب مرض ..
قررت ليزي تدخل المدرسة زيها وزي اي طفل، تكافح رغم نظرات المستضعفين وألسنة المستهزئين الما ريحتها...
كل الحاجات دي م وقفتها عن التفوق والتميز ، اتخرجت من الثانوي بنجاح ...
في المرحلة الجامعية كتر الكلام عنها ونظرات التعجب ليها ولجسمها النحيل الما بتجاوز سبعة وعشرين كجم، ده شنو الشبح ده! ودي حتقدر تعيش لبكرة! وكيف حتستمر بينا! وكيف نتخلص منها! "انها مشمئزة" ده بعض الكلام الاتقال عنها، وفي واحد صورها فيديو مدتو ثمانية ثواني عشان يستهزأ بيها، خلال فترة قصيرة وصلت المشاهدات اكتر من أربعة مليون وكتبو آلاف من التعليقات وصفتها بانها ابشع امراة في العالم، وصفوها بالوحش وفي ناس كتبو ليها "اسدي معروف للعالم واطلقي النار على نفسك" كانت في تعليقات كتيرة ممكن تخليها تنتحر ، دخلت المعركة براها وقرت كل التعليقات لكن ليزي م سمحت للتعليقات دي تستفزها او تحطمها، بالعكس ولدت عزيمة جواها وقررت انها تحارب وترد بطريقتها، قررت تخوض المعركة من خلال تحقيق احلامها، وختت قدامها اربعة اهداف.. انها تبقى متحدثة تحفيزية وانها تصدر كتاب وتتخرج من الجامعة وتكون اسرة ووظيفة...
عملت باصرار وكافحت عشان تنتقم من المستهزئين من خلال انجازاتها، ردت بقوة على اي زول شكك بقدراتها وقدرت في عمر اثنين وعشرين سنة تبدا اول محاضراتها التحفيزية ..
في عام ألفين وعشرة، نشرت كتابها الاول وسمتو" ليزي الجميلة" وبعد فترة نشرت كتاب تاني اسمو " كن جميلا.. كن انت" وقدرت تتخرج من الجامعة واتخصصت في دراسة الاتصالات ، كونت عديد من الصداقات الحقيقية وبقى عندها كتتير من المعجبين..
نشرت فيديو بعد ما حققت اهدافها وقالت" هل تتزكرون ذلك الفيديو المروع ضدي؟ لم انحدر إلى مستوى اولئك الاشخاص وانما انتقمت من خلال انجازاتي وعزيمتي، وفي المعركة التي بيني وبين ابشع إمراة في العالم اعتقد اني انتصرت"...
قدمت ليزي اكتر من مئتين ورشة عمل عن التفرد والتعامل مع الخوف والتغلب على العقبات..
قالت "ربي رزقني باعظم نعمة في حياتي وهي مرضي"
اثبتت ليزي انو جمال الوجه لو ما كان معاهو جمال روحي فهو ناقص.."
ثم علقت: كان هذا محتوى المقال، حقاً إن المعاناة تولد الإبداع كما يقولون، والضربة التي لا تسقطك تقويك، أتمنى أن يرزقنا الله القوة لنقاتل في هذه الحياة، أتمنى ألا نسقط مهما عركتنا الحياة، ونظل أقوياء حتى الرمق الأخير، وندرك أنه مهما كانت حياتنا سيئة، وظننا بأن لا أحد يعاني مثلنا، ولا أحد يحمل مثل الألم الذي نحمله، فلنتذكر أن هناك من كان يعاني أكثر منا بكثير، وأن هناك من اختار أن يكون قوياً ويحارب حتى ينال، عزائنا أن لنا إله رحيم بعباده..
-------
كنت أتناول طعامي داخل السكن، من النساء الاتي يبعن الطعام هناك، رغم أن أمي حذرتني وأخبرتنا بأن نطبخ طعامنا لوحدنا ولكننا نكسل جداً..
كانت هناك إمرأة لطيفة تسمي أماني، لا أعرف ولكنني أحببتها وأصبحت لا أتناول طعامي إلا منها، لم أخبرها بذلك صراحة..
ذات يوم ذهبت بعيداً من طاولتها التي تضع عليها الطعام، تلفت حولي لم أجدها، كل الفتيات اشترن طعامهن من غيرها إلا أنا وقفت أنتظرها، عندما عادت، وضعت لي طعاماً كثيراً، وقالت لي بابتسامة: لاحظت أنك لا تشترين إلا مني، أحببتك يا فتاة، ما اسمك؟
قلت بابتسامة: يقين
تحدثت معها كثيرا وعرفت أنها قريبة أحد من مدينتنا، يسكن في حي قريب من حينا، كانت لطيفة، وتصرفي جعلها مسرورة جداً، رغم أنه كان تلقائيا..
ذهبت من عندها مسرورة، اشتريت من الدكان بعض الأغراض، فسألتني صاحبة البقالة سوالاً ونادتني باسمي، سررت، وتعجبت، قالت لي أن لا أتعجب فهي تعرف أسماء الكل هنا، والسكن يتكون من حوالي ثلاث مجمعات، في كل مجمع خمسون غرفة، وفي كل غرفة أربع فتيات، لكم أن تتخيلو! قلت لها بدهشة: عليك أن تشاركي في برنامج المواهب الذي يعرض على التلفاز، أنت رائعة! لديك ذاكرة عجيبة، ما شاء الله تبارك الله
ضحكت ثم قالت: الأمر ليس كذلك، ولكنه الفراغ، أظل في هذه الدكان طوال الوقت، وليس لدي شيء أفعله سوى أن أركز مع الفتيات، أحاديثهن، وملامحهن وأسمائهن، أثرثر مع كل فتاة تأتي وهذا يخفف علي قليلاً، كما أن سعاد التي تظل معي لم تأتي بعد من زيارتها لأهلها، مر شهران وأنا أجلس لوحدي هنا
انتبهت لجملتها، وتعجبت أكثر ولكنني لم أخبرها، كيف لشخص أن يظل في نفس المكان طوال اليوم ولأيام متتالية طويلة، مجرد الفكرة تجعلني أختنق، الأمر صعب للغاية، ولكنها الحياة، كثير ما نجد نفسنا في أماكن لا ننتمي إليها..