الفصل الخامس والعشرين
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
عاد أبلج مجددًا إلى السرداب تحديدًا إلى وادي وممالك النار حيث الملك دواني ليطلعه على ما حدث وفهم ما سوف يحدث في الأيام القادمة.
أبلج: دمت فخرًا فخامة الملك العظيم.
دواني جالسًا على كرسي عرشه: مرحبًا أبلج، عودتك لأرض النار بقت بتتكرر كتير الفترة الأخيرة، إيه الأخبار إللي جابتك؟
أبلج: سديم وآسر هما والولد إللي معاهم، هما إللي جابوني فخامة الملك.
دواني بشغف: إيه خلصتوا عليهم؟!
أبلج بأسف: لا يا فندم للأسف.
دواني بزمجرة: آمال فيه إيه مالهم التلاتة؟!
أبلج بحزن: أنا أرسلت كتيبة كاملة من الجن الناري بقيادة جويس يا جلالة الملك بعد ما تم تحديد مكان التلاتة، وطلبت من جويس أنه يخلص عليهم كلهم وينهي السلسلة دي للأبد.
دواني: اه وإيه حصل بعد كده؟!
أبلج: ولا حاجه فخامة الملك، بعد ما كل الأمور كانت بخير وأنهم هيخلصوا عليه الولد ده اتحول بشكل غير معقول وأنه قدر يسيطر على الهواء وقتل الكتيبة كاملة وكمان القائد جويس.
دواني بهدوء: سخر الهواء؟!
ملك هوائي موجود في عالم البشر؟!
بس هو كل كتايب ومعشر الجن الهوائي مات كله في حروبنا معاهم إلا ... ثم صمت عن الحديث.
انتبه أبلج لصمته فتحدث: إلا إيه جلالة الملك؟!
دواني بشرود: إلا الأميرة إللي قدرت تهرب من السرداب وتعدي منه لعالم البشر في الوقت إللي كان تم استدعاء إبان من السرداب للحرب معانا.
أبلج: معقول؟!
معقول تكون هي دي؟!
وهل هي بالقوة دي فعلًا؟!
دواني: لو هي فعلًا يبقى القوة إللي هي سخرتها أيًا كانت قوتها فـ هي مش ربع قواها الحقيقية، هي الوحيدة الباقية من السلالة الملكية للجن الهوائي الأميرة ليليان.
أبلج بصدمة: إزاي؟!
دي مصيبة وكارثة، يعني الولد ده معاه روح الأميرة ليليان وكمان هو إللي قادر يسخر الملعون أجاويد، دي قوة لو اتحدت هنبقي في مشكلة كبيرة أووي!!
الملك دواني بهدوء: ولا كارثة ولا حاجه، أنا كنت على يقين إن في يوم من الأيام الأميرة ليليان هترجع إلا أن فعلًا لو رجعت فـ دي هتكون ليا أنا، بيني وبينها تار بايت أوووي، تشرف لو رجعت تشرف.
أبلج بعدم فهم: تار بايت بينك وبين الأميرة ليليان؟!
تار إيه ده إللي ربط ملك ملوك الجن الناري بأميرة هوائية؟!
دواني: بعدين بعدين، على أي حال الموضوع كده بقى يطمن أكتر أنهم هما إللي بيكتبوا نهايتهم بأيديهم.
ابلج: برده مش فاهم، يعني إيه؟!
دواني: أفهمك، الجسد البشري له طاقة معينة مينفعش يتجاوزها، ولو فعلًا تم تجاوزها الجسد ينفجر زي بركان مليان حمم انفجر لأجزاء لا ترى.
وزي ما بتقول لو فعلًا هو حامل روح الأميرة ليليان يبقى مستحيل أنه يقدر يدمج طاقة أجاويد مع الطاقة إللي جواه، أما لو الأمر ده مجرد تخيل وأنه مش شايل أصلًا الروح فـ وقتها هيقدر يحرر أجاويد وبغض النظر عن أي حاجه فـ أمر وصولهم للعالم ده أصبح واقع لا مفر منه، بحضور أجاويد لهنا برده هيكون مرحب بيه وعشان كده نفذنا الخطة التانية.
أبلج بفرحة: يسلااام على الدماغ والتفكير، دماغ شياطنية جلالة الملك، يعني حتى لو جى أجاويد هنا هتكون نهايته برده هو وإللي معاه وده كله باسم الحب والعشرة إللي بيقولوها في عالم البشر، وكمان كده دور أبان انتهى من على باب السرداب أأمره أنه يرجع لصفوف الجيش؟!
دواني: لا أكيد تكون غبي، هو فعلًا دور أبان انتهى لكن مش من باب السرداب بس من كل حاجه، عشان أبعد أبان من السرداب الأمر هيبقى مشكوك فيه خاصة وأنه معروف من سديم وآسر، لازم أبان يموت على باب السرداب، أما أنت فـ أأمر كل الجنود بالرجوع للقلعة ويسيبوا السرداب دون حماية، أمر السرداب بالنسبة لينا انتهى إلى الحد ده، وأنت هتفضل هنا واستعد انتهت رحلتك لعالم البشر.
أبلج: بس، بس مش خسارة إننا نسيب أبان يموت؟!
يعتبر أقوى جندي موجود في الجيش؟
دواني: الحرب جولات مش جولة واحدة يا أبلج وعشان توصل للحلم الأكبر أو الهدف الأكبر فـ لازم تضحي بحاجات كتير عشان توصل للنهاية إللي بتتمناها وبتحلم بيها، اليوم هنضحي بـ أبان، بكرة نكسب الحرب.
أبلج: كلام من حلقات من نار يا جلالة الملك، كلمات تُسطر في تاريخ الجن الناري، أنا هخرج دلوقت أنفذ الأوامر وأبلغ أبان كمان أنه قريب هيسيب السرداب عشان مش يشك أن في حاجه بسبب انسحاب الجنود من المكان.
دواني بإبتسامه: وهو كذلك، لك أمر الانصراف.
بالفعل غادر أبلج المكان متجهًا إلى أرض السرداب حيث جنود النار التي سيطرت على المكان منذ آلاف السنين، بدأ تنفيذ الأمر بأمر الجنود بالمغادرة وترك المكان والعودة إلى ممالك النار إلى قلب القلعة، هي المرة الأولى التي سوف يتركون فيها أرض السرداب، المرة الأولى منذ أن احتلوها من آلاف وآلاف السنوات، الآن أصبحت أرض السرداب خالية تمامًا من أي جان ناري سوى أبان وأبلج الذي تحرك إليه جهة الباب لإخباره بأوامر الملك.
أبلج: عمت يا أقوى جنود ممالك النار.
أبان: مرحبًا بالقائد الأكبر أبلج.
أبلج: كل الأمور بخير هنا؟!
أبان: بالتأكيد سيادة القائد، فـ أبان هو من يقوم بالحراسة وبالتالي كل شيء كما تريد.
أبلج: أنا جيت عشان أسحب كل الجنود الموجودة هنا إلى أرض النار مرة تانية.
أبان بصدمة: الجنود ترجع لأرض النار ويسيبوا أرض السرداب؟!
بس ليه إيه السبب؟؟
ليه نرجع ونسيب السرداب ممكن بين لحظة والتانية حد ممكن يمر منه!!
أبلج: دي أوامر الملك، بس الجنود إللي هترجع بس مش أنت.
أبان بعدم فهم: يعني إيه مش فاهم؟!
يعني أنا هفضل هنا لوحدي؟!
أبلج: برده لأ، الملك أمر بعودة الجنود اليوم وأنت كمان هترجع بس مش اليوم، هترجع بعد يومين، الملك قرر يعينك ويرقيك كـ قائد مساعد لقائد الجيش إللي هو أنا.
أبان بفرحة سذجة: بجد؟!
الكلام ده بجد سيادة القائد؟!
أبلج بمكر: أكيد بجد، يلا استعد، أنا هرجع دلوقت للقلعة وبعد يومين بنفسي هاجي أخدك من هنا، سلام.
أبان: سلام سيادة القائد.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
وصل يوسف بسيارته إلى مركز الشرطة، تحرك جهة الضابط المتخصص بأمر قضية زين ومن ثم الفتاتين اتبعاه.
تحدث للعسكري المتواجد أمام الباب قائلًا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سيادة العقيد ياسين موجود؟!
العسكري: ايوه يا فندم نقوله مين؟!
يوسف: قول لحضرته يوسف ابن اللواء عامر.
العسكري: لحظة يا فندم هبلغ سيادته.
يوسف: اتفضل.
بالفعل دخل العسكري لإخبار ياسين بوجود يوسف في الخارج فـ أمر بدخوله.
دلف يوسف ومعه ليلى وأصالة ملقى التحية على ياسين: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إزي حضرتك يا فندم؟!
ياسين: بخير الحمد لله، اتفضلوا استريحوا، تشربوا إيه؟!
يوسف: ولا حاجه يا فندم مش حابين نتعب حضرتك.
ياسين: ولا تعب ولا حاجه يا يوسف أنت ابن الغالي، والدك زي والدي تمامًا وهو له فضل كبير أوي عليا، هطلب ليكم ليمون تروقوا دمكم.
يوسف: تمام يا فندم إللي تشوفه حضرتك.
ياسين: بلاش يا فندم دي إحنا أخوات، ومن ثم نادى على العسكري فأمره بإحضار الليمون للمتواجدين ومن بعد ذلك عاد في الحديث إلى يوسف قائلًا: ممكن تعرفني مين حضراتهم عشان أكون فاهم؟!
يوسف بترحيب: أكيد، دي أصالة مراتي، فرحنا كان مبارح بس للأسف حصل إللي حصل وحضرتك فاهم الباقي.
ياسين: أكيد يا فندم، ربنا يسعدكم يارب.
يوسف: يارب ، ودي ليلى خطيبة زين الله يرحمه، وإحنا كنا جايين عشان نشوف زين وكمان لو أمكن إننا ناخده عشان ندفنه ونكرمه واللازم يعني.
ياسين: أهلًا وسهلًا يا فندم، البقاء لله، هو الطب الشرعي خلص شغله فـ ممكن تستلموا الجثمان لكن زي ما سيادتك فاهمين لازم حد من عائلته إللي يستلم وسيادة اللواء طلب مني إن مش أبلغ والدته لحد دلوقت فـ هنعمل إيه؟!
يوسف: حضرتك لو تقدر تخدمنا في الموضوع ده وأننا ناخد الجثمان وأنا إللي هكون ضامن، أما عن والدته فـ أنا هبلغها إن شاء الله، بس هو ممكن أعرف إيه تفاصيل الجريمة؟!
ياسين: أكيد يا فندم إن شاء الله كل ما تتمنى هيحصل رد بسيط لجمايل سيادة اللواء، تفاصيل؟!
أنا الصبح كنت شغال في قضية البنت إللي ماتت في حفل فرحك إلا أن جالنا بلاغ بجريمة قتل والعادي يعني اتحركنا بسرعة لمكان الجريمة لقينا جثة السيد زين ومفصول رأسها بالشكل المتعارف عليه يعني وكمان لقينا جنبها أداة الجريمة ورسالة في ورقة.
يوسف: رسالة؟!
رسالة إيه دي؟!
ياسين: الرسالة لسه معايا لحظة أوريها لحضرتك، بالفعل أخرج الورقة من درج مكتبه ومن ثم أعطاها إلى يوسف الذي بدأ في قرائتها بعينين متجمدتين:
رسالة الملك دواني العظيم، من الملك دواني العظيم وأتباعه إليك يا البشري الملعون، توقف عما تنوي فعله وستكون بمأمن أنت وكل من حولك.
أترك كل ما يدور بذهنك وعد إلى حياتك الطبيعية وإلى عالمك ناسي كل ما حدث وما يحدث ولك كل المأمن وكل السلام.
إليك رسالة من الملك الأعظم دواني، عُد كما كنت وسنتركك في أمان لا نريد منك أو ممن حولك شيء، لكن إن استمريت فيما تفعل فلن تنجو ولن ينجو أي شخص حولك من بطشنا، هي الرسالة الأولى والأخيرة لك.
توقف عما تفعل وإلا نهايتك ونهاية كل من حولك ستكون كـ نهاية صديقك.
سلام لك ولكل من حولك إن توقفت عما تفعله وابتعدت عن هذا الطريق، و لا سلام منا ولا هدنة لك ولا لأي من حولك إن استمريت في طريقك.
فور أن انتهى يوسف من قراءة الرسالة تيقن أنه هو المقصود بكل حرف مما كُتب بها.
ليلى: وريني الرسالة دي مكتوب فيها إيه يا يوسف؟!
أعطاها يوسف الورقة لتبدأ في قرائتها هي وأصالة، عيون مصدومة من وقع ما تقرأ، كلاهما أيضًا تفهما نص الرسالة حرفيًا، إلا أن حزن ليلى كان أشد قوة، قد مات من كانت ترجوه من الدنيا بأكملها، كان سببه الأوحد هو وفاؤه وحبه لصديقه، تتذكر ذاك اليوم الذي حسدت يوسف على حب زين له، لكنها لم تكن تتخيل أبدًا أن يكون ثمن ذاك الحب هو الموت.
أنهى يوسف الأمر سريعًا قبل أن يستفيض عقل كل منهم في التعمق في التفكير المؤذي أكثر من ذلك، فتحدث: عايزين نشوف الجثمان يا فندم عشان نكرمه وندفنه.
ياسين: تمام، ممكن تتفضلوا معايا على المشرحة والبقاء لله مرة تانية.
يوسف: ونعم بالله يا فندم.
بالفعل تحركوا ثلاثتهم خلف ياسين إلى مقر المشرحة تحديدًا إلى تلك الثلاجة التي تحمل في جوفها جثمان الزين خلقًا وطباعًا وذكرى.
فتح ياسين الثلاجة ومن ثم استأذن ليتركهم على راحتهم،
اقتربوا جميعًا من الجثمان الذي وضع رجال المشرحة رأسه على جسده مجددًا.
انهارت ليلى فور أن رأت ذلك الجثمان وكأنها كانت تكذب كل ما قيل قبل ذلك حتى ترى بأم أعيُنها، إلا أنها الآن ترى حقًا زين المتمدد أمامها مفارق للحياة البائسة تلك.
تحدثت باكية موجهة حديثها ليوسف قائلة: ارتحت كده يا يوسف؟!
ارتحت لما شوفت صاحبك جثة؟!
هل دلوقت هتقتنع إنك لازم توقف عن كل إللي بتعمله؟!
بحس حتى لو هتوقف فـ التمن إللي اندفع كان غالي أووي، أوي يا يوسف؟!
التمن ده كان عمر زين، ياريت توقف ياريت كفاية كده عشان مش تخسر حد تان وأظن نص الرسالة كان واضح، لازم توقف يا يوسف لازم.
أصالة باكية: ليلى عندها حق في كل حاجه، أنت لازم توقف عشان نفسك قبل أي حاجه، ولو مش خايف على نفسك خاف علينا إحنا.
خاف على والدك على ليلى عليا أنا، أديك شوفت إللي حصل لزين.
كفاية كده بالله عليك كفاية هما قالوا لو وقفت محدش هيأذيك وهيسيبوك في حالك.
يوسف باستسلام: ربنا يقدم الصالح، روحوا انتوا للعربية وأنا هجيب جثمان زين في عربية الموتى وآجي وراكم.
أصالة: حاضر، حاضر يا يوسف.
بالفعل بدأوا في التحرك من المكان، أما عن يوسف اقترب من صديقه وقد سقطت دمعة من عينيه فتحدث قائلًا: ليه يا صاحبي؟!
ليه سيبتني لوحدي كده؟!
إحنا مش اتفقنا أننا هنعشها سوى، هنعيش الدنيا بحلوها ومرها سوى؟!
ليه كده سيبتني لوحدي ورحت؟!
عمر ده ما كان إتفاقنا أبدًا ، وعز جلال الله ما هسيب دمك بالساهل، حقك هيرجع ليك يا سيد الرجال.
بعد أن أنهى حديثه بدأ يوسف في التحرك من المكان لولا أن تسمر موضعه فور أن نظر لوجه زين للمرة الأخيرة، تسمر موضعه للحظات قبل أن يتحرك إلى الخلف بشكل غريب وكأن أحدهم دفعه بقوة في صدره لم يتوقف إلى حتى اصطدم بالحائط، حاول تهدئة دقات قلبه التي تتسارع بشكل لا يمكن السيطرة عليه، هدأ للحظات ومن ثم عاد مجددًا إلى جثمان زين ناظرًا لوجهه بهدوء للحظات هدأ فيها قلبه ثم ابتسم بحزن متحدثًا إليه وهو يغمض عينيه بكف يده: الله يرحمك يا صاحبي الله يرحمك، سلام لأجل سلام.
أنهى حديثه ومن ثم خرج من المكان ليكتب التعهد ومن ثم بدأ بالفعل في أخذ زين في سرير الموتى وبدأوا في التحرك إلى منزل زين حيث تلك المتواجدة في منزلها.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
إزيك يا عامر عامل إيه؟!
عامر: تسنيم ؟!
أنا مش بخير خالص يا تسنيم، أنا مش بخير ولا عارف أكون بخير .
تسنيم بحزن: ليه، ليه كل الحزن الموجود في صوتك ده يا عامر؟!
عامر: يوسف ماشي في طريق نهايته وحش أوي وكانت البداية بصاحبه، لما قولتي انسوا زين متخيلتش للحظة أنه يكون التوقع بالشكل ده، زين يتقتل؟!
ليه وعشان إيه، هو طيب جدًا والله ومش له في كل إللي بيحصل ده.
تسنيم بهدوء: القدر مفيش منه هروب يا عامر، القدر مفيش منه هروب.
وده كان قدر زين، الدنيا مش دايمًا هتعطيك كل حاجه لازم ييجي وقت وتاخد منك أغلى ما تملك.
وقتها بس هيبقى أما العقاب أو الثواب.
أما إنك ترضى بقدرك وتعيش الواقع ووقتها العوض هييجي أجمل وأعظم أو إنك متتقبلش الموضوع وتوقف حياتك على ذكرى فقدانك ما فقدت ووقتها العقاب بيكون أضعاف، هتفقد حاجات كتير أوي وأنت لسه في ذكراك القديمة، هتفقد كتير ووقت لما تفوق من القديم هتلاقي أنك خسرت أكتر وأكتر وتدخل في دوامة جديدة وللأسف مش هتخرج منها تان.
عامر: يوسف خسر كتير يا تسنيم، خسر كتير أوي ومن أهمهم إنتِ حضن الأم وأمان الأم، خسرك إنتِ وخسر رفاهيته وحياته الطبيعية كان دايمًا منعزل لوحده، حتى الصاحب الوحيد إللي صاحبه اليوم خسره مش عارف أنا لو مكانه رد فعلي هيكون إيه بس أكيد حزن كبير.
تسنيم بحزن: يعني أنا إللي مش خسرته يا عامر؟؟
ده ابني الوحيد لكن لازم أرضى بالقدر إللي حصل، وقت خسارتي له مش هيطول كتير على الرغم من أني معاه في كل وقت ومكان، أنا جواه ومش هسيبه يا عامر مش تقلق، لكن لازم يدخل السرداب لازم يحرر عالم أرنغل يا عامر لازم يعمل إللي أنت مش قدرت تعمله.
سيبه يحاول، سيبه يرجع أرض الماء، يرجع أرض أجداده ينتقم لأجداده إللي ماتوا كلهم بسبب غطرسة دواني.
عامر بأسف: دواني نفسه ساب رسالة له يمنعه من أنه يكمل وإلا موته هيكون زي صاحبه هو وكل إللي حوليه.
تسنيم: دواني مش هيقدر يعمل أي حاجه، ولا أي حاجه، كارته الوحيد هو الكلام والتهديد بس متقلقش، يوسف هيكون بخير هو وكل إللي حوليه أنا موجودة وأنت عارف قوتي يا عامر.
عامر بفرحة: عارف يا آخر سلالة الهواء عارف، خلي بالك من يوسف يا ليليان خلي بالك من يوسف أرجوكي، أنا مش متخيل لو حصل له أي حاجه أنا حالي هيكون إيه!
مش هكون حمل خسارته بعد خسارتك، أنا عايش في الدنيا دي كلها عشانه وله.
تسنيم: متقلقش يا عامر مش تقلق أنا مع يوسف ومش هسيبه لحد ما قوته تكون مكتملة وأنا الاميرة ليليان.
عامر: أتمنى يا تسنيم أتمنى، وأتمنى دواني ينتهي لحد كده.
تسنيم: متقلقش يا عامر نهاية دواني قربت أوي وكل إللي بيعمله ده مجرد حلاوة روح مش أكتر، أنا عارفة أن بيني وبينه تار خاص لكن برده عمره ما هيقدر يأذيني في ابني مهما حصل.
عامر: عمره ما هينسى إللي إنتِ عملتيه فيه قبل هروبك من عالم أرنغل، عمره ما هينسى إلهامِك له بالحب والمشاعر والزواج لتُتاح لكي الفرصة من غفلة ضم أبان للحرب وإبعاده عن السرداب وهروبك لهنا، عمره ما هينسى إنك فضلتي بشري عليه.
تسنيم: وأنا مش عايزاه ينسى أبدًا، عايزاه يفضل فاكر عشان نهايته قريبة.
عايزاه يفضل فاكر كويس، أما عنك فـ من اللحظة إللي اتحولت فيها واندمجت في جسم بشري وهدفي الوحيد أن أختفي لفترة قليلة وبعدين أرجع، لكن بعد ما شوفتك كل شيء اتغير، رغبتي في الرجوع لأرض الجان اتبخرت للأبد والحلم الأكبر هو أن أكون معاك وبس.
عامر: بعد موتك وفي زيارتك الأولى طلبت منك إنك ترجعي تان ليا في أي جسد بشري لكن كنتي رافضة.
تسنيم: كان غصب عني يا عامر، أنا عملت ليك إللي أقدر أعمله ومش بخلت بأي حاجه، لكن الأمر بقى متعلق بيوسف وحمايته، يوسف في المقام الأول سواء ليك أنت أو ليا.
يوسف أهم بكتير من أن أرجع في جسد بشري، أنت عارف إني جان هوائي وإن دخلت جسد مش هقدر أخرج منه وهفضل حبيسه فيه عكس معشر الجن.
أما إني أكون حرة فـ أقدر أكون معاه في كل مكان.
عامر: عندك حق، يوسف أهم من كل حاجه، بس خلي بالك منه.
تسنيم: أنا همشي دلوقت ومش تستنى يوسف يرجع، هيدخل السرداب الليلة، سلام يا عامر .
عامر بأسف: سلام يا تسنيم، سلام أميرتي.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
وصل الجميع حيث بيت زين، يوسف بسيارة الموتى وليلى وأصالة بسيارة يوسف.
تحرك يوسف باتجاه باب المنزل مشيرًا إلى كل من ليلى وأصالة بالبقاء موضعهم، هو وحده من سيدلف إلى والدة زين.
بالفعل طرق الباب مناديًا باسمه هو المتواجد.
عبير بإبتسامه: تعال يا يوسف، تعال الباب مفتوح.
دلف يوسف بهدوء وابتسامة حاول إخفاء كل ما بداخله خلفها تحدث: إزيك يا أمي وحشاني جدًا جدًا جدًا جدًا.
عبير بمكر: يا بكاش أنت، منا لو وحشاك كنت هتيجي تزورني ومش هتغيب كده، بقالك أسبوعين مش جيت تزورني وأنت عارف إني مش بقدر أمشي ولا أخرج.
يوسف بأسف: أسف ليكي يا ست الكل، بإذن الله مش هتتكرر تان وكل يوم هكون عندك كل يوم كل يوم لحد ما تزهقي مني.
شعرت عبير بشيء ما يخفيه يوسف فـ تحدثت: مالك يا يوسف ، عينك فيها دموع كتير ؟!
يوسف بمرح: لا لا ولا حاجه منا كويس أهو يا ست الكل.
عبير: أنت هتكذب عليا برده ده أنا إللي بعرف مالك من قبل ما تتكلم، أنت متعرفش أنا بحبك إزاي؟!
أنت زي زين ابني بالظبط ومفيش فرق خالص بينكم ، رغم أنه برده جزمة زيك من الصبح طلع ومش رجع والمغرب هيأذن أهو وقلبي وجعني عليه أوي أوي، حاسة إن في نار كده شاعله في قلبي من الصبح بسببه.
تنهد عامر بهدوء محاولًا اخخفاء توتره وحالته الحزينة فـ أمسك بيديها ووضع عليهما قبلة هادئة ومن ثم تحدث: سلامة قلبك يا ست الكون ، عايز أقول ليكي حاجه بس اسمعيني للآخر اتفقنا ؟!
عبير بقلق من حديث ولهجة يوسف تحدثت : فيه إيه يا يوسف أنت مخبي عني حاجه ؟!
يوسف : مش جوبتي على سؤالي هل هتسمعيني للآخر ولا أروح ؟!
عبير بقلقها : حاضر يا يوسف هسمع .
يوسف : تمام ، إنتِ دلوقت لسه قايلة إني زيي زي زين بالظبط حقيقي ولا مجرد كلام يتقال ؟!
عبير : وأنت تعرف عني كده ؟!
يعني أنت مش عارف مكانتك جوايا يا يوسف؟!
يوسف : أنا عارفها ، بس عايز أسمعها منك .
عبير : أنت ابني إللي مش خلفته صدقني ، ولو كنت اتمنيت أخ لزين مكنتش أتمنى أفضل منك .
يوسف : طيب إحنا كلنا اتخلقنا كلنا في الأرض لسبب واحد بس وهو إننا هنا أمانة جينا لطاعة ربنا وبعدين نرجع ليه تان صح ؟!
عبير : أكيد طبعًا إحنا أمانة على الأرض .
يوسف : طيب وهل لو ربنا استرد أمانته دي في أي وقت هل نزعل ؟!
للحظة توقفت عبير عن الرد تحاول فهم ما يرمى إليه يوسف حديثه ، للحظة شعرت وفهمت ما يقصده فتحدثت بصدمة: هو أنت عايز تقول إيه؟!
يوسف بحزن : أنا لسه دلوقت كنت في المشرحة ومعايا بره في العربية جثمانه.
عبير بضحكة تلقائية: مشرحة إيه وجثمان مين ؟!
لكن قبل أن يجيب يوسف بشيء نهضت من موضعها راكضة للخارج كأنها فتاة في عقدها العشرين، خرجت باتجاه السيارة بعد أن بدأ الدمع يتساقط من عينيها ولا زالت الابتسامة غير واعية لكل ما يحدث مرسومة على وجهها .
فور أن وصلت فتحت باب السيارة الخلفي لتجد جثمان ابنها مغطى بثوب أبيض .
فور أن رأت وجهه عادت خطوات متباطئة إلى الخلف واضعة يدها على فمها لا تصدق ما تراه ، تحركت ليلى بلهفة جهتها ومن خلفها أصالة .
نظرت عبير إلى ليلى تاره ومن ثم إلى زين تاره أخرى بعينين يفضحان ما بهما، وكأنها تخبرها بأنه كان يتمناها، كان يردها ولكن الآن أصبح ماذا ؟!
أصبح جثة هامدة .
تحدثت ببكاء : إنا لله وإنا إليه راجعون، إنا لله وإنا إليه راجعون .
أشار يوسف الي الفتاتين بأن يحملاها ويدخلاها المنزل مرة أخرى فور أن يحمل هو الجثمان ليدخله ومن ثم يقوم بمراسم التغسيل والدفن .
بالفعل دلفت عبير بصحبة الفتاتين ، وقام يوسف بحمل صديقه وغسله وأعلن في المكان أن العزاء قاصر فور الدفن .
وصل الجيران إلى المكان ومن ثم تم حمل جثمانه إلى أقرب مسجد ليصلى عليه بعد صلاة المغرب .
انتهت الصلاة بكل ما فيها من حزن على قلب كل من يعرفه أو سبق له معاملته فـ ها هو اليوم من كان يصلي بينهم أمس يصلى عليه اليوم ، وكأن القدر يخبرهم مجددًا أنه وإن طال عمرك سـ يصلى عليك يومًا ما ، فـ اعمل لهذا إن كنت تعقل .
تم حمله ودفنه في مقابر عائلته ليعود الجميع كل منهم إلى منزله إلى الخمسة ، عامر وعبير بالإضافة للثلاث شباب .
كل منهم في قلبه أحاديث لا تخرج منه ، فـ عامر لا يتمنى أن تكون نهايته كـ تلك النهاية المحزنة.
أما أصالة فتتمنى أن ينتهى الأمر إلى هذا الحد .
عبير بقلبها حزن يكفي العالم بأثره ، ولدها الوحيد قد فقدته من بين لحظة والثانية ، شيء لا يمكن تصديقه ، ترفض الأمر بأكمله وكأن قلبها يخبرها بأنه ما زال حي في مكان ما رغم رؤيتها لجثمانه بعينيها .
أما عن ليلى فـ كل الحزن لها ولقلبها ذاك ، كل الألم لها ولكل شيء يحدث ، تلك التي لم تتمنى غيره في حياتها شيء غيره الآن تبخر كل شيء ، تبخرت كل أحلامها وأمانيها .
ويوسف ذاك الذي ما زال هو الوحيد الذي بقى محافظًا على هدوئه الخارجي في قلبه ألغام وبركان يكاد ينفجر .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
يتبع ....
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
عاد أبلج مجددًا إلى السرداب تحديدًا إلى وادي وممالك النار حيث الملك دواني ليطلعه على ما حدث وفهم ما سوف يحدث في الأيام القادمة.
أبلج: دمت فخرًا فخامة الملك العظيم.
دواني جالسًا على كرسي عرشه: مرحبًا أبلج، عودتك لأرض النار بقت بتتكرر كتير الفترة الأخيرة، إيه الأخبار إللي جابتك؟
أبلج: سديم وآسر هما والولد إللي معاهم، هما إللي جابوني فخامة الملك.
دواني بشغف: إيه خلصتوا عليهم؟!
أبلج بأسف: لا يا فندم للأسف.
دواني بزمجرة: آمال فيه إيه مالهم التلاتة؟!
أبلج بحزن: أنا أرسلت كتيبة كاملة من الجن الناري بقيادة جويس يا جلالة الملك بعد ما تم تحديد مكان التلاتة، وطلبت من جويس أنه يخلص عليهم كلهم وينهي السلسلة دي للأبد.
دواني: اه وإيه حصل بعد كده؟!
أبلج: ولا حاجه فخامة الملك، بعد ما كل الأمور كانت بخير وأنهم هيخلصوا عليه الولد ده اتحول بشكل غير معقول وأنه قدر يسيطر على الهواء وقتل الكتيبة كاملة وكمان القائد جويس.
دواني بهدوء: سخر الهواء؟!
ملك هوائي موجود في عالم البشر؟!
بس هو كل كتايب ومعشر الجن الهوائي مات كله في حروبنا معاهم إلا ... ثم صمت عن الحديث.
انتبه أبلج لصمته فتحدث: إلا إيه جلالة الملك؟!
دواني بشرود: إلا الأميرة إللي قدرت تهرب من السرداب وتعدي منه لعالم البشر في الوقت إللي كان تم استدعاء إبان من السرداب للحرب معانا.
أبلج: معقول؟!
معقول تكون هي دي؟!
وهل هي بالقوة دي فعلًا؟!
دواني: لو هي فعلًا يبقى القوة إللي هي سخرتها أيًا كانت قوتها فـ هي مش ربع قواها الحقيقية، هي الوحيدة الباقية من السلالة الملكية للجن الهوائي الأميرة ليليان.
أبلج بصدمة: إزاي؟!
دي مصيبة وكارثة، يعني الولد ده معاه روح الأميرة ليليان وكمان هو إللي قادر يسخر الملعون أجاويد، دي قوة لو اتحدت هنبقي في مشكلة كبيرة أووي!!
الملك دواني بهدوء: ولا كارثة ولا حاجه، أنا كنت على يقين إن في يوم من الأيام الأميرة ليليان هترجع إلا أن فعلًا لو رجعت فـ دي هتكون ليا أنا، بيني وبينها تار بايت أوووي، تشرف لو رجعت تشرف.
أبلج بعدم فهم: تار بايت بينك وبين الأميرة ليليان؟!
تار إيه ده إللي ربط ملك ملوك الجن الناري بأميرة هوائية؟!
دواني: بعدين بعدين، على أي حال الموضوع كده بقى يطمن أكتر أنهم هما إللي بيكتبوا نهايتهم بأيديهم.
ابلج: برده مش فاهم، يعني إيه؟!
دواني: أفهمك، الجسد البشري له طاقة معينة مينفعش يتجاوزها، ولو فعلًا تم تجاوزها الجسد ينفجر زي بركان مليان حمم انفجر لأجزاء لا ترى.
وزي ما بتقول لو فعلًا هو حامل روح الأميرة ليليان يبقى مستحيل أنه يقدر يدمج طاقة أجاويد مع الطاقة إللي جواه، أما لو الأمر ده مجرد تخيل وأنه مش شايل أصلًا الروح فـ وقتها هيقدر يحرر أجاويد وبغض النظر عن أي حاجه فـ أمر وصولهم للعالم ده أصبح واقع لا مفر منه، بحضور أجاويد لهنا برده هيكون مرحب بيه وعشان كده نفذنا الخطة التانية.
أبلج بفرحة: يسلااام على الدماغ والتفكير، دماغ شياطنية جلالة الملك، يعني حتى لو جى أجاويد هنا هتكون نهايته برده هو وإللي معاه وده كله باسم الحب والعشرة إللي بيقولوها في عالم البشر، وكمان كده دور أبان انتهى من على باب السرداب أأمره أنه يرجع لصفوف الجيش؟!
دواني: لا أكيد تكون غبي، هو فعلًا دور أبان انتهى لكن مش من باب السرداب بس من كل حاجه، عشان أبعد أبان من السرداب الأمر هيبقى مشكوك فيه خاصة وأنه معروف من سديم وآسر، لازم أبان يموت على باب السرداب، أما أنت فـ أأمر كل الجنود بالرجوع للقلعة ويسيبوا السرداب دون حماية، أمر السرداب بالنسبة لينا انتهى إلى الحد ده، وأنت هتفضل هنا واستعد انتهت رحلتك لعالم البشر.
أبلج: بس، بس مش خسارة إننا نسيب أبان يموت؟!
يعتبر أقوى جندي موجود في الجيش؟
دواني: الحرب جولات مش جولة واحدة يا أبلج وعشان توصل للحلم الأكبر أو الهدف الأكبر فـ لازم تضحي بحاجات كتير عشان توصل للنهاية إللي بتتمناها وبتحلم بيها، اليوم هنضحي بـ أبان، بكرة نكسب الحرب.
أبلج: كلام من حلقات من نار يا جلالة الملك، كلمات تُسطر في تاريخ الجن الناري، أنا هخرج دلوقت أنفذ الأوامر وأبلغ أبان كمان أنه قريب هيسيب السرداب عشان مش يشك أن في حاجه بسبب انسحاب الجنود من المكان.
دواني بإبتسامه: وهو كذلك، لك أمر الانصراف.
بالفعل غادر أبلج المكان متجهًا إلى أرض السرداب حيث جنود النار التي سيطرت على المكان منذ آلاف السنين، بدأ تنفيذ الأمر بأمر الجنود بالمغادرة وترك المكان والعودة إلى ممالك النار إلى قلب القلعة، هي المرة الأولى التي سوف يتركون فيها أرض السرداب، المرة الأولى منذ أن احتلوها من آلاف وآلاف السنوات، الآن أصبحت أرض السرداب خالية تمامًا من أي جان ناري سوى أبان وأبلج الذي تحرك إليه جهة الباب لإخباره بأوامر الملك.
أبلج: عمت يا أقوى جنود ممالك النار.
أبان: مرحبًا بالقائد الأكبر أبلج.
أبلج: كل الأمور بخير هنا؟!
أبان: بالتأكيد سيادة القائد، فـ أبان هو من يقوم بالحراسة وبالتالي كل شيء كما تريد.
أبلج: أنا جيت عشان أسحب كل الجنود الموجودة هنا إلى أرض النار مرة تانية.
أبان بصدمة: الجنود ترجع لأرض النار ويسيبوا أرض السرداب؟!
بس ليه إيه السبب؟؟
ليه نرجع ونسيب السرداب ممكن بين لحظة والتانية حد ممكن يمر منه!!
أبلج: دي أوامر الملك، بس الجنود إللي هترجع بس مش أنت.
أبان بعدم فهم: يعني إيه مش فاهم؟!
يعني أنا هفضل هنا لوحدي؟!
أبلج: برده لأ، الملك أمر بعودة الجنود اليوم وأنت كمان هترجع بس مش اليوم، هترجع بعد يومين، الملك قرر يعينك ويرقيك كـ قائد مساعد لقائد الجيش إللي هو أنا.
أبان بفرحة سذجة: بجد؟!
الكلام ده بجد سيادة القائد؟!
أبلج بمكر: أكيد بجد، يلا استعد، أنا هرجع دلوقت للقلعة وبعد يومين بنفسي هاجي أخدك من هنا، سلام.
أبان: سلام سيادة القائد.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
وصل يوسف بسيارته إلى مركز الشرطة، تحرك جهة الضابط المتخصص بأمر قضية زين ومن ثم الفتاتين اتبعاه.
تحدث للعسكري المتواجد أمام الباب قائلًا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سيادة العقيد ياسين موجود؟!
العسكري: ايوه يا فندم نقوله مين؟!
يوسف: قول لحضرته يوسف ابن اللواء عامر.
العسكري: لحظة يا فندم هبلغ سيادته.
يوسف: اتفضل.
بالفعل دخل العسكري لإخبار ياسين بوجود يوسف في الخارج فـ أمر بدخوله.
دلف يوسف ومعه ليلى وأصالة ملقى التحية على ياسين: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إزي حضرتك يا فندم؟!
ياسين: بخير الحمد لله، اتفضلوا استريحوا، تشربوا إيه؟!
يوسف: ولا حاجه يا فندم مش حابين نتعب حضرتك.
ياسين: ولا تعب ولا حاجه يا يوسف أنت ابن الغالي، والدك زي والدي تمامًا وهو له فضل كبير أوي عليا، هطلب ليكم ليمون تروقوا دمكم.
يوسف: تمام يا فندم إللي تشوفه حضرتك.
ياسين: بلاش يا فندم دي إحنا أخوات، ومن ثم نادى على العسكري فأمره بإحضار الليمون للمتواجدين ومن بعد ذلك عاد في الحديث إلى يوسف قائلًا: ممكن تعرفني مين حضراتهم عشان أكون فاهم؟!
يوسف بترحيب: أكيد، دي أصالة مراتي، فرحنا كان مبارح بس للأسف حصل إللي حصل وحضرتك فاهم الباقي.
ياسين: أكيد يا فندم، ربنا يسعدكم يارب.
يوسف: يارب ، ودي ليلى خطيبة زين الله يرحمه، وإحنا كنا جايين عشان نشوف زين وكمان لو أمكن إننا ناخده عشان ندفنه ونكرمه واللازم يعني.
ياسين: أهلًا وسهلًا يا فندم، البقاء لله، هو الطب الشرعي خلص شغله فـ ممكن تستلموا الجثمان لكن زي ما سيادتك فاهمين لازم حد من عائلته إللي يستلم وسيادة اللواء طلب مني إن مش أبلغ والدته لحد دلوقت فـ هنعمل إيه؟!
يوسف: حضرتك لو تقدر تخدمنا في الموضوع ده وأننا ناخد الجثمان وأنا إللي هكون ضامن، أما عن والدته فـ أنا هبلغها إن شاء الله، بس هو ممكن أعرف إيه تفاصيل الجريمة؟!
ياسين: أكيد يا فندم إن شاء الله كل ما تتمنى هيحصل رد بسيط لجمايل سيادة اللواء، تفاصيل؟!
أنا الصبح كنت شغال في قضية البنت إللي ماتت في حفل فرحك إلا أن جالنا بلاغ بجريمة قتل والعادي يعني اتحركنا بسرعة لمكان الجريمة لقينا جثة السيد زين ومفصول رأسها بالشكل المتعارف عليه يعني وكمان لقينا جنبها أداة الجريمة ورسالة في ورقة.
يوسف: رسالة؟!
رسالة إيه دي؟!
ياسين: الرسالة لسه معايا لحظة أوريها لحضرتك، بالفعل أخرج الورقة من درج مكتبه ومن ثم أعطاها إلى يوسف الذي بدأ في قرائتها بعينين متجمدتين:
رسالة الملك دواني العظيم، من الملك دواني العظيم وأتباعه إليك يا البشري الملعون، توقف عما تنوي فعله وستكون بمأمن أنت وكل من حولك.
أترك كل ما يدور بذهنك وعد إلى حياتك الطبيعية وإلى عالمك ناسي كل ما حدث وما يحدث ولك كل المأمن وكل السلام.
إليك رسالة من الملك الأعظم دواني، عُد كما كنت وسنتركك في أمان لا نريد منك أو ممن حولك شيء، لكن إن استمريت فيما تفعل فلن تنجو ولن ينجو أي شخص حولك من بطشنا، هي الرسالة الأولى والأخيرة لك.
توقف عما تفعل وإلا نهايتك ونهاية كل من حولك ستكون كـ نهاية صديقك.
سلام لك ولكل من حولك إن توقفت عما تفعله وابتعدت عن هذا الطريق، و لا سلام منا ولا هدنة لك ولا لأي من حولك إن استمريت في طريقك.
فور أن انتهى يوسف من قراءة الرسالة تيقن أنه هو المقصود بكل حرف مما كُتب بها.
ليلى: وريني الرسالة دي مكتوب فيها إيه يا يوسف؟!
أعطاها يوسف الورقة لتبدأ في قرائتها هي وأصالة، عيون مصدومة من وقع ما تقرأ، كلاهما أيضًا تفهما نص الرسالة حرفيًا، إلا أن حزن ليلى كان أشد قوة، قد مات من كانت ترجوه من الدنيا بأكملها، كان سببه الأوحد هو وفاؤه وحبه لصديقه، تتذكر ذاك اليوم الذي حسدت يوسف على حب زين له، لكنها لم تكن تتخيل أبدًا أن يكون ثمن ذاك الحب هو الموت.
أنهى يوسف الأمر سريعًا قبل أن يستفيض عقل كل منهم في التعمق في التفكير المؤذي أكثر من ذلك، فتحدث: عايزين نشوف الجثمان يا فندم عشان نكرمه وندفنه.
ياسين: تمام، ممكن تتفضلوا معايا على المشرحة والبقاء لله مرة تانية.
يوسف: ونعم بالله يا فندم.
بالفعل تحركوا ثلاثتهم خلف ياسين إلى مقر المشرحة تحديدًا إلى تلك الثلاجة التي تحمل في جوفها جثمان الزين خلقًا وطباعًا وذكرى.
فتح ياسين الثلاجة ومن ثم استأذن ليتركهم على راحتهم،
اقتربوا جميعًا من الجثمان الذي وضع رجال المشرحة رأسه على جسده مجددًا.
انهارت ليلى فور أن رأت ذلك الجثمان وكأنها كانت تكذب كل ما قيل قبل ذلك حتى ترى بأم أعيُنها، إلا أنها الآن ترى حقًا زين المتمدد أمامها مفارق للحياة البائسة تلك.
تحدثت باكية موجهة حديثها ليوسف قائلة: ارتحت كده يا يوسف؟!
ارتحت لما شوفت صاحبك جثة؟!
هل دلوقت هتقتنع إنك لازم توقف عن كل إللي بتعمله؟!
بحس حتى لو هتوقف فـ التمن إللي اندفع كان غالي أووي، أوي يا يوسف؟!
التمن ده كان عمر زين، ياريت توقف ياريت كفاية كده عشان مش تخسر حد تان وأظن نص الرسالة كان واضح، لازم توقف يا يوسف لازم.
أصالة باكية: ليلى عندها حق في كل حاجه، أنت لازم توقف عشان نفسك قبل أي حاجه، ولو مش خايف على نفسك خاف علينا إحنا.
خاف على والدك على ليلى عليا أنا، أديك شوفت إللي حصل لزين.
كفاية كده بالله عليك كفاية هما قالوا لو وقفت محدش هيأذيك وهيسيبوك في حالك.
يوسف باستسلام: ربنا يقدم الصالح، روحوا انتوا للعربية وأنا هجيب جثمان زين في عربية الموتى وآجي وراكم.
أصالة: حاضر، حاضر يا يوسف.
بالفعل بدأوا في التحرك من المكان، أما عن يوسف اقترب من صديقه وقد سقطت دمعة من عينيه فتحدث قائلًا: ليه يا صاحبي؟!
ليه سيبتني لوحدي كده؟!
إحنا مش اتفقنا أننا هنعشها سوى، هنعيش الدنيا بحلوها ومرها سوى؟!
ليه كده سيبتني لوحدي ورحت؟!
عمر ده ما كان إتفاقنا أبدًا ، وعز جلال الله ما هسيب دمك بالساهل، حقك هيرجع ليك يا سيد الرجال.
بعد أن أنهى حديثه بدأ يوسف في التحرك من المكان لولا أن تسمر موضعه فور أن نظر لوجه زين للمرة الأخيرة، تسمر موضعه للحظات قبل أن يتحرك إلى الخلف بشكل غريب وكأن أحدهم دفعه بقوة في صدره لم يتوقف إلى حتى اصطدم بالحائط، حاول تهدئة دقات قلبه التي تتسارع بشكل لا يمكن السيطرة عليه، هدأ للحظات ومن ثم عاد مجددًا إلى جثمان زين ناظرًا لوجهه بهدوء للحظات هدأ فيها قلبه ثم ابتسم بحزن متحدثًا إليه وهو يغمض عينيه بكف يده: الله يرحمك يا صاحبي الله يرحمك، سلام لأجل سلام.
أنهى حديثه ومن ثم خرج من المكان ليكتب التعهد ومن ثم بدأ بالفعل في أخذ زين في سرير الموتى وبدأوا في التحرك إلى منزل زين حيث تلك المتواجدة في منزلها.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
إزيك يا عامر عامل إيه؟!
عامر: تسنيم ؟!
أنا مش بخير خالص يا تسنيم، أنا مش بخير ولا عارف أكون بخير .
تسنيم بحزن: ليه، ليه كل الحزن الموجود في صوتك ده يا عامر؟!
عامر: يوسف ماشي في طريق نهايته وحش أوي وكانت البداية بصاحبه، لما قولتي انسوا زين متخيلتش للحظة أنه يكون التوقع بالشكل ده، زين يتقتل؟!
ليه وعشان إيه، هو طيب جدًا والله ومش له في كل إللي بيحصل ده.
تسنيم بهدوء: القدر مفيش منه هروب يا عامر، القدر مفيش منه هروب.
وده كان قدر زين، الدنيا مش دايمًا هتعطيك كل حاجه لازم ييجي وقت وتاخد منك أغلى ما تملك.
وقتها بس هيبقى أما العقاب أو الثواب.
أما إنك ترضى بقدرك وتعيش الواقع ووقتها العوض هييجي أجمل وأعظم أو إنك متتقبلش الموضوع وتوقف حياتك على ذكرى فقدانك ما فقدت ووقتها العقاب بيكون أضعاف، هتفقد حاجات كتير أوي وأنت لسه في ذكراك القديمة، هتفقد كتير ووقت لما تفوق من القديم هتلاقي أنك خسرت أكتر وأكتر وتدخل في دوامة جديدة وللأسف مش هتخرج منها تان.
عامر: يوسف خسر كتير يا تسنيم، خسر كتير أوي ومن أهمهم إنتِ حضن الأم وأمان الأم، خسرك إنتِ وخسر رفاهيته وحياته الطبيعية كان دايمًا منعزل لوحده، حتى الصاحب الوحيد إللي صاحبه اليوم خسره مش عارف أنا لو مكانه رد فعلي هيكون إيه بس أكيد حزن كبير.
تسنيم بحزن: يعني أنا إللي مش خسرته يا عامر؟؟
ده ابني الوحيد لكن لازم أرضى بالقدر إللي حصل، وقت خسارتي له مش هيطول كتير على الرغم من أني معاه في كل وقت ومكان، أنا جواه ومش هسيبه يا عامر مش تقلق، لكن لازم يدخل السرداب لازم يحرر عالم أرنغل يا عامر لازم يعمل إللي أنت مش قدرت تعمله.
سيبه يحاول، سيبه يرجع أرض الماء، يرجع أرض أجداده ينتقم لأجداده إللي ماتوا كلهم بسبب غطرسة دواني.
عامر بأسف: دواني نفسه ساب رسالة له يمنعه من أنه يكمل وإلا موته هيكون زي صاحبه هو وكل إللي حوليه.
تسنيم: دواني مش هيقدر يعمل أي حاجه، ولا أي حاجه، كارته الوحيد هو الكلام والتهديد بس متقلقش، يوسف هيكون بخير هو وكل إللي حوليه أنا موجودة وأنت عارف قوتي يا عامر.
عامر بفرحة: عارف يا آخر سلالة الهواء عارف، خلي بالك من يوسف يا ليليان خلي بالك من يوسف أرجوكي، أنا مش متخيل لو حصل له أي حاجه أنا حالي هيكون إيه!
مش هكون حمل خسارته بعد خسارتك، أنا عايش في الدنيا دي كلها عشانه وله.
تسنيم: متقلقش يا عامر مش تقلق أنا مع يوسف ومش هسيبه لحد ما قوته تكون مكتملة وأنا الاميرة ليليان.
عامر: أتمنى يا تسنيم أتمنى، وأتمنى دواني ينتهي لحد كده.
تسنيم: متقلقش يا عامر نهاية دواني قربت أوي وكل إللي بيعمله ده مجرد حلاوة روح مش أكتر، أنا عارفة أن بيني وبينه تار خاص لكن برده عمره ما هيقدر يأذيني في ابني مهما حصل.
عامر: عمره ما هينسى إللي إنتِ عملتيه فيه قبل هروبك من عالم أرنغل، عمره ما هينسى إلهامِك له بالحب والمشاعر والزواج لتُتاح لكي الفرصة من غفلة ضم أبان للحرب وإبعاده عن السرداب وهروبك لهنا، عمره ما هينسى إنك فضلتي بشري عليه.
تسنيم: وأنا مش عايزاه ينسى أبدًا، عايزاه يفضل فاكر عشان نهايته قريبة.
عايزاه يفضل فاكر كويس، أما عنك فـ من اللحظة إللي اتحولت فيها واندمجت في جسم بشري وهدفي الوحيد أن أختفي لفترة قليلة وبعدين أرجع، لكن بعد ما شوفتك كل شيء اتغير، رغبتي في الرجوع لأرض الجان اتبخرت للأبد والحلم الأكبر هو أن أكون معاك وبس.
عامر: بعد موتك وفي زيارتك الأولى طلبت منك إنك ترجعي تان ليا في أي جسد بشري لكن كنتي رافضة.
تسنيم: كان غصب عني يا عامر، أنا عملت ليك إللي أقدر أعمله ومش بخلت بأي حاجه، لكن الأمر بقى متعلق بيوسف وحمايته، يوسف في المقام الأول سواء ليك أنت أو ليا.
يوسف أهم بكتير من أن أرجع في جسد بشري، أنت عارف إني جان هوائي وإن دخلت جسد مش هقدر أخرج منه وهفضل حبيسه فيه عكس معشر الجن.
أما إني أكون حرة فـ أقدر أكون معاه في كل مكان.
عامر: عندك حق، يوسف أهم من كل حاجه، بس خلي بالك منه.
تسنيم: أنا همشي دلوقت ومش تستنى يوسف يرجع، هيدخل السرداب الليلة، سلام يا عامر .
عامر بأسف: سلام يا تسنيم، سلام أميرتي.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
وصل الجميع حيث بيت زين، يوسف بسيارة الموتى وليلى وأصالة بسيارة يوسف.
تحرك يوسف باتجاه باب المنزل مشيرًا إلى كل من ليلى وأصالة بالبقاء موضعهم، هو وحده من سيدلف إلى والدة زين.
بالفعل طرق الباب مناديًا باسمه هو المتواجد.
عبير بإبتسامه: تعال يا يوسف، تعال الباب مفتوح.
دلف يوسف بهدوء وابتسامة حاول إخفاء كل ما بداخله خلفها تحدث: إزيك يا أمي وحشاني جدًا جدًا جدًا جدًا.
عبير بمكر: يا بكاش أنت، منا لو وحشاك كنت هتيجي تزورني ومش هتغيب كده، بقالك أسبوعين مش جيت تزورني وأنت عارف إني مش بقدر أمشي ولا أخرج.
يوسف بأسف: أسف ليكي يا ست الكل، بإذن الله مش هتتكرر تان وكل يوم هكون عندك كل يوم كل يوم لحد ما تزهقي مني.
شعرت عبير بشيء ما يخفيه يوسف فـ تحدثت: مالك يا يوسف ، عينك فيها دموع كتير ؟!
يوسف بمرح: لا لا ولا حاجه منا كويس أهو يا ست الكل.
عبير: أنت هتكذب عليا برده ده أنا إللي بعرف مالك من قبل ما تتكلم، أنت متعرفش أنا بحبك إزاي؟!
أنت زي زين ابني بالظبط ومفيش فرق خالص بينكم ، رغم أنه برده جزمة زيك من الصبح طلع ومش رجع والمغرب هيأذن أهو وقلبي وجعني عليه أوي أوي، حاسة إن في نار كده شاعله في قلبي من الصبح بسببه.
تنهد عامر بهدوء محاولًا اخخفاء توتره وحالته الحزينة فـ أمسك بيديها ووضع عليهما قبلة هادئة ومن ثم تحدث: سلامة قلبك يا ست الكون ، عايز أقول ليكي حاجه بس اسمعيني للآخر اتفقنا ؟!
عبير بقلق من حديث ولهجة يوسف تحدثت : فيه إيه يا يوسف أنت مخبي عني حاجه ؟!
يوسف : مش جوبتي على سؤالي هل هتسمعيني للآخر ولا أروح ؟!
عبير بقلقها : حاضر يا يوسف هسمع .
يوسف : تمام ، إنتِ دلوقت لسه قايلة إني زيي زي زين بالظبط حقيقي ولا مجرد كلام يتقال ؟!
عبير : وأنت تعرف عني كده ؟!
يعني أنت مش عارف مكانتك جوايا يا يوسف؟!
يوسف : أنا عارفها ، بس عايز أسمعها منك .
عبير : أنت ابني إللي مش خلفته صدقني ، ولو كنت اتمنيت أخ لزين مكنتش أتمنى أفضل منك .
يوسف : طيب إحنا كلنا اتخلقنا كلنا في الأرض لسبب واحد بس وهو إننا هنا أمانة جينا لطاعة ربنا وبعدين نرجع ليه تان صح ؟!
عبير : أكيد طبعًا إحنا أمانة على الأرض .
يوسف : طيب وهل لو ربنا استرد أمانته دي في أي وقت هل نزعل ؟!
للحظة توقفت عبير عن الرد تحاول فهم ما يرمى إليه يوسف حديثه ، للحظة شعرت وفهمت ما يقصده فتحدثت بصدمة: هو أنت عايز تقول إيه؟!
يوسف بحزن : أنا لسه دلوقت كنت في المشرحة ومعايا بره في العربية جثمانه.
عبير بضحكة تلقائية: مشرحة إيه وجثمان مين ؟!
لكن قبل أن يجيب يوسف بشيء نهضت من موضعها راكضة للخارج كأنها فتاة في عقدها العشرين، خرجت باتجاه السيارة بعد أن بدأ الدمع يتساقط من عينيها ولا زالت الابتسامة غير واعية لكل ما يحدث مرسومة على وجهها .
فور أن وصلت فتحت باب السيارة الخلفي لتجد جثمان ابنها مغطى بثوب أبيض .
فور أن رأت وجهه عادت خطوات متباطئة إلى الخلف واضعة يدها على فمها لا تصدق ما تراه ، تحركت ليلى بلهفة جهتها ومن خلفها أصالة .
نظرت عبير إلى ليلى تاره ومن ثم إلى زين تاره أخرى بعينين يفضحان ما بهما، وكأنها تخبرها بأنه كان يتمناها، كان يردها ولكن الآن أصبح ماذا ؟!
أصبح جثة هامدة .
تحدثت ببكاء : إنا لله وإنا إليه راجعون، إنا لله وإنا إليه راجعون .
أشار يوسف الي الفتاتين بأن يحملاها ويدخلاها المنزل مرة أخرى فور أن يحمل هو الجثمان ليدخله ومن ثم يقوم بمراسم التغسيل والدفن .
بالفعل دلفت عبير بصحبة الفتاتين ، وقام يوسف بحمل صديقه وغسله وأعلن في المكان أن العزاء قاصر فور الدفن .
وصل الجيران إلى المكان ومن ثم تم حمل جثمانه إلى أقرب مسجد ليصلى عليه بعد صلاة المغرب .
انتهت الصلاة بكل ما فيها من حزن على قلب كل من يعرفه أو سبق له معاملته فـ ها هو اليوم من كان يصلي بينهم أمس يصلى عليه اليوم ، وكأن القدر يخبرهم مجددًا أنه وإن طال عمرك سـ يصلى عليك يومًا ما ، فـ اعمل لهذا إن كنت تعقل .
تم حمله ودفنه في مقابر عائلته ليعود الجميع كل منهم إلى منزله إلى الخمسة ، عامر وعبير بالإضافة للثلاث شباب .
كل منهم في قلبه أحاديث لا تخرج منه ، فـ عامر لا يتمنى أن تكون نهايته كـ تلك النهاية المحزنة.
أما أصالة فتتمنى أن ينتهى الأمر إلى هذا الحد .
عبير بقلبها حزن يكفي العالم بأثره ، ولدها الوحيد قد فقدته من بين لحظة والثانية ، شيء لا يمكن تصديقه ، ترفض الأمر بأكمله وكأن قلبها يخبرها بأنه ما زال حي في مكان ما رغم رؤيتها لجثمانه بعينيها .
أما عن ليلى فـ كل الحزن لها ولقلبها ذاك ، كل الألم لها ولكل شيء يحدث ، تلك التي لم تتمنى غيره في حياتها شيء غيره الآن تبخر كل شيء ، تبخرت كل أحلامها وأمانيها .
ويوسف ذاك الذي ما زال هو الوحيد الذي بقى محافظًا على هدوئه الخارجي في قلبه ألغام وبركان يكاد ينفجر .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
يتبع ....
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~