الفصل السادس عشر

ازمنة الحب المتصاعده

لمريم عبدالرحمن 

**********
تلاشى حديثها كعادتة لا يهتم مطلقاً بحديث لن يفيده بشئ، زفر بملل قائلاً:
-بصوا بقا يا عيال انتوا انا جيبت اخري منكم اتلموا معايا كده و اقعدوا فهموني اي اللي بيحصل ؟
جلس الجميع و هم في يقين تام أنه الشخص الصحيح الأحق بمساعدتهم، كانت عيونها لم تفلت عنه و كأنها تعتقد بأن تلك الاحداث تهيؤات، صمت ثم صمت و لا أحد ينطق فصرخ بوجههم:
-مش هشحت الكلام منكوا اخلصوا.
تقدمت هي بالحديث قائلة:
-بص يا يونس...
قاطعها بدهشة:
-يا بنتي هو انا بلعب معاكي في الشارع! أنا محقق!
رفعت احدى حاجبيها بعدم فهم:
-نعم؟
-نعم الله عليكي ياختي اتفضلي اتنيلي اتكلمي.
لتؤردف بشجاعة و هي ملامح وجهها تدل على التعجب:
-يا يونس... بيه... انت من ساعة ما دخلت مشوفناش منك احترام و اسلوب كويس عشان احترمك.

كادوا أن يضحكوا لكن صمتوا عندما نظر للجميع بحدة، اقترب من تلك الفتاة المتمردة الجميلة، متمردة و جميلة! لطيف ذلك اللقب لها، ألجم لسانه عن لفظه السئ الذي أراد إخراجه، هدأ قليلاً ثم أردف:
-مدام ... اسمك اي؟
-أنسة! أنسة منة.
قالتها بحدة فتظاهر بعدم المعرفة لذلك:
-سوري يا مد..اقصد يا أنسة منة أصل شكلك ميدلش على كده خالص.
أردفت بسخرية:
-طبعاً.
-خدي بالك يا أنسة منة لو بتحاولي تتوهي عن موضوعنا الاساسي تبقي هبلة.
-يونس... متقلقش انا محتاجاك عشان انت الوحيد اللي هتساعدني و هتساعدهم و انا اكتر زاحده هساعدك في القضية دي، انا كنز ليك و انت كنز ليا.
-يونس! تاني!
-انت قولتلي هبلة و سكت.
مسح بيديه على وجهه بملل و نفاذ صبر قائلاً من اسفل ضروسه:
-أنسة منه اتفضلي اتكلمي.
صمتت قليلاً لا تعلم من اين تبدأ! اردفت بهدوء:
-لوحدنا.
اشار بإصبعه تجاهها قائلاً:
-اهو انتي بالذات مش هقعد معاكي لوحدي.
ضحك الجميع و هم يدخلون لغرفتهم! لكن لم يخيب سمعهم من خلف الباب أبداً، جلست بجانبه تطالعه بإبتسامه و أخذت بشهيق و زفير بينما هو ابتعد عنها بخوف:
-مش مرتاحلك.
صرخت بوجهه قائلة:
-انا بقرب و باخد نفس عشان احكيلك.
صرخ هو الاخر بوجهها:
-ما انتي بقالك ساعة اتنيلي انطقي بقا.
-أنا من البحيرة، جيت فترة عيشت مع عمي اتعلم في الجامعة و زي المعتاد روحت ازور اهلي اول ما اتخرجت لكن ابويا كان عنده إصرار إنه يجوزني و مرجعش القاهره اتجوزت واحد اسمه أسر...

و قصت عليه ما في الأمر من غموض، شعر و كأنها تستنجد به من حديثها كان لحديثها له معنى أخر معه، ينظر لشفتيها التي تتحدث و الشغف التي تقص به! كيف لها أن تصدق دخول شخص قائلاً إنه محقق و تقص عليه جريمته التي ارتكبتها! أخرجت كل ما بداخلها و شعرت بالراحة الأن.. نظرت له و كأنها تنتظر منه إجابةٍ ما.. أشار إلى عقلها مستهزءاً:
-عقلك كان فين و كل الحاجات دي بتحصل؟
-مش فاهمه قصدك؟
-في حاجات تاهت منك يا منة انتي مخدتيش بالك منها لإنك عبيطة!
-افندم؟
-بقول عبيطة...
رفعت اصبعها موجهه بتحذير:
-بقولك اي يا جدع انت والله العظيم انا جبت اخري و هقوم امشي.
لم يكترث لها، شعور يجتاحه بأن الأمر إزداد غموضاً و لكن قبل ذلك عليه بذلك السؤال الغامض:
-منة.. انا اول ما دخلت البيت قولتيلي يونس! عرفتيني منين؟
إرتبكت و نظرت في جانب أخر يكفي أن لا يكون في وجهه، أردفت بإرتباك:
-عادي.. سمعت عنك ده انت محقف مشهور في القاهره كلها و شكلك شاطر.
لم يمنع ضحكاته و هو يقول استهزاءاً:
-انتي بتقولي اي ؟ انا لسه جاي مصر من يومين بالظبط و بقالي 7 سنين مجتهاش.
يا لها من لعنة! زفرت بضيق و هي تنهض تبحث عن حقيبتها:
-انا خلصت كلام.
أخابسه الشديده أمسكت بيداها و هو يسحبها على الاريكة قائلاً بغضب:
-وانا مخلصتش كلام، أولاً بعيد عن موضوعي تماماً أحب ألفت نظرك لحاجه! مين قال لأسر انكم في الوقت ده تحديداً هتبقوا في بيت دكتور جاسر!

أجابته بغموض:
-قصدك اي؟
-ممكن يكون ده انتقام أسر هو اللي عمله منك و من علي.
خرجت نبراتها المتعجرفة لتقول:
-بقولك اتقتل قدام عيني دول أسر اتفهه من انه يلعب لعبة قذرة زي دي و مش هو اللي قتل دكتور جاسر.
-بكره تعرفي إني كنت على حق و إن أسر ده هو السبب او ليه ايد في الشغل ده.
إختلست نظراتها على تلك الاوراق الموضوعة داخل معطفها، ارتبكت و قررت أن لا تخبره الأن، ليس في يدها حيلة لكن بالتأكيد من الواجب إخفاء بعض الاشياء عنه! رغماً عن تلك المرة الاولى لتراه واقعياً لكن لم تكن تلك المرة الاولى التي تشعر بجانبه بالاطمئنان و الدفء، نهضت و هي تتنهد قائلة بنبرة هادئة:
-انا لازم اروّح انا اتأخرت اوي.
أدار وجهه ليأخذ السلاح الموضوع أرضاً ليؤردف بإستهزاء:
-السلاح ده يلزمني.
أجابته بهز رأسها إيماءةً على حديثه، إقتربت من باب المنزل و قبل أن تصع يداها على مقبض الباب نظرت له بتردد و كأن يوجد شئ ما بداخلها لم تقوله، نظرت له بتردد قائلة:
-هشوفك تاني امتا؟
-أنا أما أعوز اشوفك هشوفك.

إرتسم على وجهها إبتسامه لا تعلم ما سببها لتخرج من ذلك المنزل و هي لا تعلم هل هي سعيدة أم حزينة أم ما شعورها تحديداً! ضمت حاجبيها بضيق فجأة لتقول بهمس:
-ده متجوز!
زفرت بضيق و هي تلعن ماذا تفعل بذلك الرجل الوهمي الذي عشقته بدون أن تراه حتى! متزوج، متعجرف، محقق، ثابت، و بالأخص عيونه جميلة و تلهمها كالسحر و تفقدها عواقبها، من هذه الحالة التي هي عليها ظلت تفكر به حتى وصلت لمنزل صديقتها التي تمكث فيه حتى أنها وصلت بسرعة شديدة من كثرة التفكير فيه! دقت باب المنزل و دلفت و لم تحدث أحد أبداً، خلعت معطفها و بتلك الاوراق الموجودة به جلست على فراشها، ترددت مراتٍ عديدة لفتح تلك الملفات المرفقة، حذاري أن تكون لعنة جديدة و لم يطيل ترددها ذلك عندما حلست صديقتها بمرح أمامها قائلة:
-روحتي فين و رجعتي متأخر كده ليه؟
إلتفتت لها و هي تمط شفتيها قائلة بنغمٍ يقوده العشق:
-معرفش..
أصدرت الأخرى ضحكات قائلة:
-متعرفيش ازاي يعني؟
وضعت الملفات جانبها و هي تقترب منها بمرح بنبرتها الوهميه التي تتحدث بها عنه:
-مش هتصدقي! أنا شوفته بعيني دول.
اتسعت عيناها لتقول بصراخ:
-يونس!!!
هزت رأسها إيماءةً لتؤردف بمرح:
-وطي صوتك هتفضحينا.

__________________________________
بعد انتهاء يوم البارحة الذي بات طويلاً على جميعهم، و بات على جزء أخر منهم تحقيق الأحلام، قصت "منة" ما حدث معها و رؤيتها لعشقها الوهمي لصديقتها و لكن سرعان ما قالت لها أن "آدم" هو الأنسب لها و أن تتذكر دائماً قول مفسرة الأحلام بأنها يجب ألا تتعلق به لإنه سيتركها، كما أنه رجل متزوج و بالتأكيد لديه أطفال.
غفوت و هي تفكر به و تلك الملفات أيضا بجانبها على الفراش، تستيقظ في السابعة صباحاً عندما دق المنبه معلناً الذهاب لعملها، نظرت نظرة أخيرة للملفات الموضوعة على الفراش و أخذتها لتقرأها بالعمل فبالتأكيد سيكون لها وقتٍ فارغ تلقي نظره عليه.

في منزل "يونس" إرتدى قميصه و هو يرتشف القهوة سريعاً مع قراءة ملف عمل هام بطريقة سريعه أيضاً، وقفت أمامه زوجته متحدثة بنبرة هادئة:
-عملتلك فطار خفيف.
ليؤردف دون النظر لها:
-مش جعان.
-مينفعس تنزل كده هتـ...
صرخ بوجهها ملقياً ذلك الملف في وجهها:
-ما قلتلك مش عايز اي الارف اللي على الصبح ده.
وضع كوب القهوه على المنضدة و خرح من المنزل بأكمله مستهدفاً عمل "منة" فهي الوحيدة الذي ستدله على قاتل الطبيب.
منهمكه في عملها ترصد الاوراق يمينها و يسارها لتأتي فتاة تضع يديها على كفيها قائلة:
-خدي استراحة من الشغل يا منة شيفاكي من ساعة ما دخلتي بتشتغلي.
نظرت لها بابتسامة و وقع النظر بها على حقيبتها و على الملفات الموضوعة بداخلها، هزت رأسها بإيماءة:
عندك حق أنا محتاجه راحة.
سرعان ما ءهبت تلك الفتاة سحبت هي الاوراق المحيرة و الغامضة من حقيبتها زفرت بضيق و هي تفتحها لتبدأ بقراءة تلك المستندات.. إتسعت عيناها لتقول بدهشة:
-آدم!!

يتبع...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي