الفصل السادس والعشرين
بعد أن انتهت مراسم دفن وعزاء زين توجه الثلاثة شبان إلى بيت أصالة، هو المكان الذي أصبح فارغًا الآن يستطيعون التحدث فيه بحرية دون قلق أو توتر.
تحدث يوسف ناهيًا حالة الصمت تلك قائلاً: إيه إللي مفروض يتعمل دلوقت؟؟
زين مات، مات وملوش ذنب في أي حاجة، في المشرحة وافقتكم على أننا ننهي الموضوع لحد كدة بس عشان نسكت وندفن زين، دلوقت كل حاجة خلصت، هل عايزين فعلًا نقف لحد كدة؟!
ليلى: اه يا يوسف لازم نقف لحد كدة ولازم أنت نفسك تقف لحد كدة وتخاف على إللي حوليك والرسالة إللي اتسابت مع زين خير دليل وخير إنذار.
ابتسم يوسف بحزن وأجاب: طيب سيبي الكلام ده لأصالة يا ليلى، يعني مفروض تقول أصالة الكلام ده مش إنتِ، إنتِ تقريبًا خسرتي كل حاجة.
عايزة تسيبي دم زين؟!
عايزة تفرطي في دمه وتسيبيه كدة بالساهل؟!
تنهدت بحزن ثم تحدثت: مغلوبة على أمري يا يوسف أعمل إيه؟!
زي ما قولت كدة زين مات الله يرحمه ومعاه فعلًا فقدت كل حاجة، زين كان كل حاجة ليا لكن هو مات بسبب السعي ورا الزفت السرداب رغم أنه كان ماشي وراك وملوش أي ذنب إلا أنه صاحبك، لكن أنا خايفة عليك ومش عايزة أصالة تحس ولو ربع إللي في قلبي دلوقت على زين.
يوسف بهدوء: وإنتِ يا أصالة إيه رأيك في الكلام ده؟!
ابتسمت بحزن قائلة: أنا؟!
هو أنا ليا رأي؟؟
يوسف بعدم فهم: يعني إيه؟! أكيد طبعًا إحنا بنتناقش.
أصالة: لا يا يوسف إحنا مش بنتناقش، أنت واخد قرارك ومجهزه وزي ما قولت من شوية إنك سمعت الكلام في المشرحة عشان تعدي الموقف بس، أما أنت واخد القرار إنك تكمل فـ أكيد أي كلام هقوله أو ليلى هتقوله عمره ما هيغير في رأيك للأسف فـ أنا مش عارفة، مش عارفة أقولك كفاية ولا عارفة أقولك كمل رغم كل الخطر إللي بيحصل وهيحصل.
لكن أنا معاك، معاك في أي حاجة تعملها سواء هتكمل أنا معاك هتقف برده أنا معاك.
تحدثت ليلى بغضب: إنتِ إيه إللي بتقوليه ده يا أصالة؟!
هو إنتِ كدة بتنصحيه وتبعديه عن الموضوع ولا بتعملي إيه؟!
إنتوا إيه يا جدعان إنتوا إيه؟؟
إنتوا إزاي مش حاسين بكل الخطر إللي بيحصل ده وبكل رعونة ولا مبالاة عايزين تكملوا؟!
بص يا يوسف أنا من لحظة إللي حصل مش عايزة أقولك الكلمة دي لكن فاض بيا.
أنت السبب في موت زين، أنت السبب يا يوسف زين مكنش له علاقة بكل الحاجات دي وأنت إللي مشيته وراك لحد ما مات.
زين لما لقينا الكتاب خبَّاه عنك عشان كان خايف أوي عليك وأنت مقدَّرتش ده ولما عرفت أنه خباه زعلت، رغم أنه عمل كدة عشان بيحبك وخايف عليك.
وأهو في الآخر إيه؟!
إنتوا الاتنين موجودين مع بعض عادي جدًا وبتتكلموا بلا مبالاة وعادي مش حاسين بحاجة.
أما أنا؟! فـ زي ما قولت من شوية خسرت كل حاجة في شخص زين .
عايزين تكملوا؟!
كملوا لكن ابعدوني عن كل إللي بيحصل ده، سيبوني في حالي ربنا يتولاني على أيامي الجاية إنتوا مع بعض ربنا يخليكم لبعض مش صغيرين وعارفين إللي بتعملوه، أما أنا؟!
ههه ربنا يتولى قلبي وحالي، ربنا يسامحكم على كل إللي حصل وبيحصل، سلام.
غادرت المكان بحالتها الباكية تلك بعد أن أنهت حديثها دون أن تنتظر إجابة أو حديث من أحد، حتى أن يوسف حاول إيقافها إلا أنها لم تعره انتباه وغادرت المكان بأثره.
عاد يوسف إلي حيث أصالة ومن ثم ألقى بجسده على أحد المقاعد الموجودة كـ جبل ينهار تمامًا ماسكًا رأسه بين كفيه، اقتربت منه أصالة بهدوء فـ جلست أمامه رافعة رأسه بيديها لتتقابل أعينهم وتحدثت: مش عارفة أقول ليك إيه ولا قادرة أن أتكلم أصلًا، هو كدة قدره ونهاية عمره متشيلش نفسك الذنب.
تحدث ببكاء: لا يا أصالة أنا السبب، أنا السبب في موته باستمراري في الموضوع ده، لو كنت وقفت كان زمانه عايش، هي حقها تقول كدة حقها.
أصالة: الأعمار بيد الله، ودي كانت نهايته ونهاية عمره أنت مش في يدك حاجة، اسمعني لازم تقوى، اقوى على الأقل عشاني والله أنا معاك في أي حاجة، حتى لو كان موتي برده أنا معاك.
يوسف: عمري ما هسامح نفسي أبدًا لو مخدتش بحقه، لازم أكمل لازم .
أصالة: وأنا والله العظيم معاك، معاك في أي حاجة أنت هتعملها.
بعد أن أنهت حديثها مالت برأسها إلى صدره فضمها بحنان.
وكأن كلًا منهما يحاول أن يستمد قوته من الآخر، كلًا منهما في قلبه رعب بسبب ما هو قادم لكن لا يستطيع التراجع.
وكأن الحياة أقسمت على أن تسجن قلبيهما في جزيرة الأحزان لا فرح يقترب ولا سعادة تزور الجزيرة، هما عروسان أو بالمسمى فقط أنهم عروسان.
تحدث يوسف بهدوء: بحسك أمي يا أصالة.
بحسك أمي في كل حاجة بتعمليها، يمكن مش فاكر شكل أو ملامح أمي لكن كل لحظة بتمر وإنتِ قريبة مني بحسك هي.
أصالة بابتسامة وهي موضعها: لو أنا أمك فـ أنت ليا كل الدنيا وكل حاجة.
يوسف: ربنا ما يحرمني من وجودك يا ست البنات يارب ويديمك سند وعون ليا.
أصالة: ويديم وجودك يارب، ثم اعتدلت من موضعها وتحدثت: العجوز قال أنه هييجي مع انتصاف القمر في السما وتقريبًا قريب ينتصف هنعمل إيه؟!
يوسف: الأول تعالي احكي ليا إللي حصل في المكتبة لحظة ما فقدت الوعي، وإزاي كلنا فقدنا الوعي وإنتِ وحدك إللي فضلتي وشوفتي كل حاجة؟!
ابتسمت أصالة وتحدثت: مش عارفة حقيقي إزاي أنا إللي فضلت بوعيي دونًا عنكم إنتوا الاتنين بس التفسير الوحيد إللي جى في بالي هو نظرات الطفل.
يوسف بعدم فهم: نظرات طفل إيه؟!
أصالة: الطفل إللي كان بروح آسر من لحظة ما دخل الغرفة وكانت عينه عليا للحظة حسيت إني شوفته قبل كدة معرفش الشعور ده جى من فين رغم إني عمري ما شوفته إلا إن ده إللي حسيته، حتى أن في اللحظة إللي جت عيني في عينه حسيت بحاجة غريبة في جسمي كله كأنه سحرني أو عمل فيا حاجة أنا عيني مغفلتش رغم كل إللي حصل، أعتقد أنه هو السبب.
يوسف: ممكن فعلًا، المهم بقى إيه إللي حصل وإيه إللي قطع هدومي بالشكل ده؟!
بدأت أصالة في قص كل ما حدث على يوسف هو الذي يستمع بعينين مصدومتين لا يكاد يصدق ما يسمع وكأنها أشياء لا تحدث إلا في الأفلام الأمريكية أو الاحلام .
مع استمرار أصالة في الحديث يستمر معها صدمة ودهشة يوسف مما يسمع حتى انتهت مما تقول فتحدث:
إيه الحاجات إللي إنتِ بتقوليها دي يا أصالة، أنا حسيت نفسي في فيلم أمريكي فنتازي، إنتِ بتتكلمي بجد؟!
أصالة: والله ما بكذب عليك في أي حاجة من إللي بقولها، كل ده حصل حتى أن سديم كمان قال إن كل ده جزء بسيط من قوتك مش القوة الكاملة.
يوسف بصدمة: ده كله ومش قوتي الكاملة، على كدة أنا لوحدي قادر أسيطر على العالم.
في تلك اللحظة تدخل سديم في الحديث قائلاً: إلا في الخير، إلا في الخير يا يوسف.
قوتك دي مينفعش تستغل إلا في الخير والسلام، غير كدة وفي أي مرة هتحاول تستخدم القوة في الشر هتتبخر ومش هتبقى موجودة أبدًا.
التفت يوسف إلى الصوت الذي يأتي من أحد أركان المكان حاله كحال نظرات أصالة القلقة فبدأ سديم في الظهور بهدوء وتحدث: متخافوش أنا سديم.
يوسف: أنت هنا من إمتى؟!
سديم : هنا من اللحظة إللي بدأت أصالة تحكي ليك عن إللي حصل، وبالمناسبة هي صادقة في كل كلمة قالتها.
تحدثت أصالة: طيب يعني إيه موضوع إن القوة تروح لو استخدمت في الشر دي؟!
سديم: يعني زي ما قولت، واضحة يا أصالة، القوة إللي عند يوسف زي ما قال بالظبط يقدر يسيطر بيها على العالم كله بدون ما يقدر عليه حد، لكن للأسف القوة دي إن استخدمت في الشر هتنتهي للأبد عكس استخدمها في الخير، إن في كل مرة تستخدم قوتك لمساعدة حد بتزيد الضعف أنت متخيل؟!
يوسف: أنا مش فاهم حاجة، إنتِ فاهمة حاجة يا أصالة؟؟
أصالة: ولا أنا فاهمة حاجة.
يوسف: طيب إيه السبب مثلًا أنها تختفي لو استخدمت في الشر أو أنها تزيد لو استخدمت في الخير.
سديم: حقيقي أنا مش عندي إجابة للسؤال ده، لكن ممكن تكون الإجابة كانت عند الملك هتان.
المهم بعيد عن كل الحاجات دي أنت جاهز؟!
تنهد يوسف قائلًا: اه جاهز، فين السرداب وإزاي هحرر أجاويد من جزيرة النار؟
سديم: السرداب قريب من المكان هنا، تحرير الملك أجاويد!
فـ دي الخطوة الأولى وإللي هنبدأ بيها دلوقت مستعد؟!
نظر يوسف إلى أصالة بهدوء ثم أعاد بناظريه إلى سديم متحدثًا: اه جاهز يلا نبدأ.
سديم: وهو كذلك .... بدأ في المناداه على آسر فـ خرج هو الآخر من أحد أركان المكان ملقى السلام عليهم.
تحدث يوسف: هو إنتوا الاتنين هنا؟!
آسر: أكيد ، يلا نبدأ.
يوسف: يلا.
أمر سديم أصالة بمغادرة المكان أو الدخول إلى أحد الغرف المتواجدة في المنزل دون الخروج منها إلا عند الطلب، أماءت بالموافقة ومن ثم غادرت المكان.
أمسك سديم يد يوسف ومن ثم أجلسه أرضًا وتحدث: اسمع يا يوسف، انسى كل حاجة في حياتك قبل كدة أي حاجة أيًا كانت، وعايزك تصفي دماغك خاااالص من أي تفكير.
عايز كيانك وطاقتك كلها تكون معايا عشان ميحصلش أي مشكلة أو خطأ زي ما حصل قبل كدة، ركز أوي معايا عشان نقدر ننجح المرة دي.
يوسف بهدوء: تمام أنا جاهز إن شاء الله.
سديم: تمام وإحنا جاهزين، أنت هتبدأ تقرأ الطلاسم والتعاويذ لتحضير الملك أجاويد وفي اللحظة إللي هيبدأ فيها في الظهور هبدأ أنا وآسر الاندماج وطاعة أمره، لكن ركز ركز أوي عشان الملك يتحرر من جزيرة النار لازم يكون بكامل قوته هو شخصيًا وقوتك أنت كمان، ركز في أن قوتك أنت هي الأهم.
في اللحظة إللي قوتك كلها هتتجمع وبدأ فيها الملك بالظهور هنبدأ نندمج أنا وآسر عشان نساعده كـ قوة إضافية من فتح فجوة بين الجزيرة وبينا يقدر يخرج منها تمام ولا في مشكلة لحد كدة؟!
يوسف: لا مفيش أي مشكلة، ربنا يستر، أبدأ؟!
سديم بتنهيده: ابدأ.
أمسك يوسف بورقة وضعها أمامه وبدأ يقرأ منها بعض الكلمات غير المفهومة يحرك يده بحركات سريعة، حتى أنه للحظة بدأ يظهر من بين يديه دخان مصطحب بماء، في تلك اللحظة بدأ جسد يوسف يتضخم كما حدث من قبل، لكن هذه المرة كان تضخمه أضعاف الأضعاف فيما كان عليه قبل ذلك.
عيني آسر لا تفارقه وكأنه يتمنى أن لا يكون حاملًا لروح جن هوائي، كلما تضخم جسده كلما زاد الرعب في قلبه من أن ينفجر الجسد بسبب القوة التي يحملها، أما عن سديم يقف ثابت يركز فقط في اللحظة التي سيبدأ الملك أجاويد في الظهور ليندمج ويبدأ في تحريره.
للحظة توقف جسد يوسف عن التضخم، تمزقت ملابسه كما حدث من قبل ظهر الوشم الأزرق الذي يتوسط صدره بعينيه الزرقاوين وكأنهما قطرات ماء، صمت حل على المكان للحظات فور أن يذئر يوسف رافعًا رأسه إلى أعلى ممددًا يديه جانبه، يذئر كـ أسد وسط الأدغال يستدعي قطيعه.
صوت يهز المكان من شدته، صوت وصل إلى أذان تلك الجالسة في الغرفة المجاورة يزداد بكاؤها كلما زاد صوت الذئير خوفًا أو قلقًا من أن يحدث مكروه ليوسف.
أصوات لم تكن متواجدة في محاولته الأولى لتحضير أجاويد.
بدأ الذئير يهدأ بشكل تدريجي، ذاك الأمر الذي انتبه إليه سديم فـ صرخ في آسر قائلًا: استعد يا آسر بدء الظهور للملك استعد.
فور أن اختفى صوت الذئير تمامًا ذاك الأمر الذي صاحبه هدوء تام لجسد يوسف وكأنه ذاك الهدوء الذي يسبق العاصفة.
انحني برأسه الذي كان يرفعها إلى أعلى ناظرًا إلى سديم وآسر للحظات ثم بدأ التحول الحقيقي، ذئير قوي يهز المكان، أمسك عنقه بيديه وكأنه يحاول شنق نفسه حركات سريعة في المكان، يضرب رأسه بالحائط، هدوء للحظات ومن ثم مُعاودة الأمر مرة أخرى ومن ثم هدوء أخير بعده، بدأ يضرب بيديه الأرض فانفجر الماء من تلك النقطة التي ضربها ليحاوطه بشكل دائري يصل حتى سقف المكان، في تلك اللحظة صرخ سديم في آسر مجددًا بأنه الآن وقت الاندماج.
بين طرفة عين والأخرى اتجه كل من سديم وآسر إلى دائرة الماء التي تحاوط يوسف يخرج منها أصوات وكأنها حرب مشتعلة، أصوات صراخ وصخب، هدأت الأصوات للحظات فور أن ظهرت ألسنة لهب حول دائرة الماء ومن ثم اختفت سريعًا فـ عادت أصوات الصراخ مجددًا.
ومن ثم تهدأ بشكل تام، هدوء صاحبه عودة سديم وآسر بشكل مرهق إلى حدٍ كبير، بدأت دائرة الماء في الاختفاء تدريجيًا حتى يظهر بداخلها ما كانوا ينتظروه، يظهر من داخلها كائن بجسد لونه كـ لون الماء تمامًا أزرق بشكل كامل إلا وشم بطول صدره باللون الأزرق، أصلع الرأس في منتصفها خط باللون الأبيض أيضًا.
لم يكن أبدًا شبيه بمعشر البشر أو معشر الجان، يشبه الأسد تمامًا بنابيه الطويلين وقوته إلا أنه أكثر ضخامة أضعاف حجم الأسد، أملس تمامًا دون وجود أي شعر في جسده.
ابتسم سديم بفرحة إلى آسر ومن ثم اقترب إلى ذاك الكائن منحني له تقديرًا واحترامًا قائلًا: أهلًا بعودتك جلالة الملك العظيم.
الآن أصبحت حرًا وبقوتك كلها، أهلًا بك.
اقترب آسر هو الآخر منه وفعل كما فعل سديم تمامًا.
لم يتحدث أجاويد بأي شيء ، حتى عاود سديم الحديث مجددًا: آلاف السنين عايشين في ذل وقهر منتظرين قدومك، آلاف السنين بنتقتل ونتباد من معشر النار دون قوة لردعهم في انتظار عودتك.
آسر: مات الملك هتان وهو ينتظر عودتك، دُمرت ممالك الماء وتفرقت وإحنا في انتظار تحريرك من جزيرة النار ، واليوم بعد آلاف السنين قدرنا نحررك جلالة الملك الأعظم.
سديم: أخيرًا بقينا قادرين نرجع لأرض أرنغل، أرض مُلكك، دلوقت قادرين نرجع نحرر أرضنا من معشر النار ونرد ليهم كل حاجة وحشة عملوها معانا.
أيضًا لم يجب أجاويد بشيء وكأنه ما زال في دوامته لا يفهم شيء ، في غمضة عين بدأ يتحرك في المكان بشكل جنوني وبسرعة كـ سرعة الرياح، حركات غير مفهومة حتى توقف ومن ثم عاد في الذئير مجددًا بقوة أكبر مما كان.
نظر سديم إلى آسر بصدمة لا يستطيع فهم ما يحدث، الرعب بدأ يتسلل إلى قلبيهم خوفًا من عدم القدرة على السيطرة على الملك أجاويد.
ذئير مستمر كـ أسد جريح يحمل بين ذئيره نبضات حزن وبكاء لم يشعر بها سديم أو آسر هو الآخر إلا أن تلك الجالسة في غرفتها شعرت به، شعرت بغصات القلب الحزينة تلك المتواجدة في زئيره فـ خرجت من غرفتها مهرولة حيث يتواجد ، اقتربت منه بثبات دون خوف من الهيئة التي عليها، حتى أن آسر وسديم نفسيهما كانا خائفين من الاقتراب منه مندهشان من تلك القوة التي تواجدت في قلب أصالة وثباتها في التحرك جهته.
استمرت في الاقتراب منه حتى بدأ ينظر إليها بعينين ثابتتين.
اقتربت بهدوء حتى أصبحت ملامسة له تمامًا فبدأت تتحسس جسده بهدوء كـ طفلة تداعب هرتها بمرح دون أي خوف، استجاب أجاويد لتلك اللمسات فبدأ يهدأ حتى استرخى جسده بالكامل على الأرض في ظل ذهول وصدمة آسر وسديم.
لم يستطيع الصمت أكثر من ذلك فتحدث سديم: مش فاهم حاجة، هو إيه إللي بيحصل؟!
أجابت أصالة دون أن تنظر إليه مستمرة فيما تفعل: صوت وجع وبكى خرج منه، دلوقت بيدور في ذكرياته كل الحاجات القديمة، عقله بيعرض له كل الأذى والوحشية إللي شافها في جزيرة النار وكمان وكأنه مش مصدق أنه اتحرر، سيبه يهدى .
آسر بصدمة: إنتِ عرفتي ده إزاي؟!
اصالة: مش عارفة ، بس حاسة إني شايفة كل حاجة هو بيفكر فيها وكأنها بتتعرض قدامي معرفش إزاي.
سديم بهدوء: كويس كويس، أنا كنت شكيت للحظهخ أنه هيخلص علينا، كويس إنك قدرتي تراوضيه.
لحظات وبدأ أجاويد في الحركة مجددًا لكن عيناه لا تفارق أصالة، فتحدثت أصالة: اهدى ، كل شيء هيكون بخير اهدى .
تحدث أجاويد للمرة الأولى بصوت ضخم: أنا عايز أرجع، عايز أرجع لأرضي.
أصالة: هترجع بس لازم تهدى.
حرك ناظريه إلى سديم وآسر فـ تحدث: إنتوا مين؟!
ابتسم سديم متحدثًا: الأمير سديم أحد ملوك الجن المائي خادمك المخلص جلالة الملك وده آسر مساعدي الخاص .
أجاويد: أنا ملك؟!
سديم: جلالتك أعظم ملوك الجن جلالة الملك الأعظم.
نظر أجاويد إلى أصالة لا يفهم ما يقال ثم تحدث: يعني إيه؟!
أنا عايز أرجع لعالم الجن، أنا مش ملك ، أنا عايز أرجع مملكة الماء تان.
تنهد سديم ثم بدأ يقص عليه كل ما حدث من اللحظة التي تم حبسه فيها في جزيرة النار إلى اللحظة التي تم تحريره فيها الآن وسط دهشة وصدمة لا يكاد يصدق ما يسمع، هو بعقله لا يتذكر إلا بعض الذكريات البسيطة عن عالم الجن وذكريات كثيرة مريرة في جزيرة النار ، استمر سديم في قص ما حدث وشرح له أنه هو الملك الأعظم المنتظر هو ذاك الذي يحمل داخله القوة القادرة على هزم ملوك النار .
أخيرًا بدأ يقتنع بما يقال وتحدث: عايز أروح السرداب ، عايز أرجع دلوقت حالًا.
ابتسم سديم وتحدث: حالًا هنروح .
بالفعل بدأ الجميع يستعد للتوجه إلى السرداب، إلا أن جسد يوسف بدأ ينكمش مرة أخرى ليعود لحجمه الطبيعي من جديد ، فور أن عاد لطبيعته سقط أرضًا من شدة الإرهاق وكم الطاقة التي فقدها فيما حدث .
ضمته أصالة إليها بسرعة وبشكل قلق تحدثت : يوسف يوسف ، مالك يا يوسف ؟!
تحدث سديم : مش تقلقي هو بخير ، بس الطاقة إللي استخدمها في تحريره كانت كبيرة شوية وهيفوق ، مجرد ما نوصل السرداب هيفوق .
أصالة بقلق : أنت متأكد ؟!
سديم : اه أنا متأكد ، إنتِ إللي للمرة الأخيرة متأكدة من إللي عايزة تعمليه ؟!
أصالة بصرامة: ممكن مش عنت تسأل السؤال ده ؟!
قولت ليك لو فيها موتي أنا مش هسيبه لوحده .
تحدث آسر هامسًا لسديم : أظن أننا أكتر ناس محتاجين وجودها خاصة بعد إللي حصل وقدرتها على السيطرة عليه .
تحدث سديم : أيًا كان وجودها فـ هيكون مؤقت لأنها لو فكرت تدخل هتموت .
آسر : عارف ، لكن حتى لو كدة كدة هنموت هي قادرة تسيطر عليه لما يفوق .
سديم باستسلام: ماشي ، يلا هنتحرك لـ صيدلية موجودة قريب من هنا، تحديدًا الصيدلية إللي كان بشتغل فيها زين ، فيها مخزن السرداب موجود جواه .
وبالفعل بدأ الجميع يتحرك إلى ذاك المكان عاد سديم وآسر إلى هيئتهم البشرية وحملا يوسف إلى السيارة ومن ثم اتجهوا بصحبة أصالة إلى ذاك المكان حيث السرداب ، حيث العودة إلى عالم أرنغل ، حيث الموت وما ينتظرهم جميعًا داخل السرداب ، وما ينتظرهم أيضًا إن استطاعوا المرور .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
يتبع ..
تحدث يوسف ناهيًا حالة الصمت تلك قائلاً: إيه إللي مفروض يتعمل دلوقت؟؟
زين مات، مات وملوش ذنب في أي حاجة، في المشرحة وافقتكم على أننا ننهي الموضوع لحد كدة بس عشان نسكت وندفن زين، دلوقت كل حاجة خلصت، هل عايزين فعلًا نقف لحد كدة؟!
ليلى: اه يا يوسف لازم نقف لحد كدة ولازم أنت نفسك تقف لحد كدة وتخاف على إللي حوليك والرسالة إللي اتسابت مع زين خير دليل وخير إنذار.
ابتسم يوسف بحزن وأجاب: طيب سيبي الكلام ده لأصالة يا ليلى، يعني مفروض تقول أصالة الكلام ده مش إنتِ، إنتِ تقريبًا خسرتي كل حاجة.
عايزة تسيبي دم زين؟!
عايزة تفرطي في دمه وتسيبيه كدة بالساهل؟!
تنهدت بحزن ثم تحدثت: مغلوبة على أمري يا يوسف أعمل إيه؟!
زي ما قولت كدة زين مات الله يرحمه ومعاه فعلًا فقدت كل حاجة، زين كان كل حاجة ليا لكن هو مات بسبب السعي ورا الزفت السرداب رغم أنه كان ماشي وراك وملوش أي ذنب إلا أنه صاحبك، لكن أنا خايفة عليك ومش عايزة أصالة تحس ولو ربع إللي في قلبي دلوقت على زين.
يوسف بهدوء: وإنتِ يا أصالة إيه رأيك في الكلام ده؟!
ابتسمت بحزن قائلة: أنا؟!
هو أنا ليا رأي؟؟
يوسف بعدم فهم: يعني إيه؟! أكيد طبعًا إحنا بنتناقش.
أصالة: لا يا يوسف إحنا مش بنتناقش، أنت واخد قرارك ومجهزه وزي ما قولت من شوية إنك سمعت الكلام في المشرحة عشان تعدي الموقف بس، أما أنت واخد القرار إنك تكمل فـ أكيد أي كلام هقوله أو ليلى هتقوله عمره ما هيغير في رأيك للأسف فـ أنا مش عارفة، مش عارفة أقولك كفاية ولا عارفة أقولك كمل رغم كل الخطر إللي بيحصل وهيحصل.
لكن أنا معاك، معاك في أي حاجة تعملها سواء هتكمل أنا معاك هتقف برده أنا معاك.
تحدثت ليلى بغضب: إنتِ إيه إللي بتقوليه ده يا أصالة؟!
هو إنتِ كدة بتنصحيه وتبعديه عن الموضوع ولا بتعملي إيه؟!
إنتوا إيه يا جدعان إنتوا إيه؟؟
إنتوا إزاي مش حاسين بكل الخطر إللي بيحصل ده وبكل رعونة ولا مبالاة عايزين تكملوا؟!
بص يا يوسف أنا من لحظة إللي حصل مش عايزة أقولك الكلمة دي لكن فاض بيا.
أنت السبب في موت زين، أنت السبب يا يوسف زين مكنش له علاقة بكل الحاجات دي وأنت إللي مشيته وراك لحد ما مات.
زين لما لقينا الكتاب خبَّاه عنك عشان كان خايف أوي عليك وأنت مقدَّرتش ده ولما عرفت أنه خباه زعلت، رغم أنه عمل كدة عشان بيحبك وخايف عليك.
وأهو في الآخر إيه؟!
إنتوا الاتنين موجودين مع بعض عادي جدًا وبتتكلموا بلا مبالاة وعادي مش حاسين بحاجة.
أما أنا؟! فـ زي ما قولت من شوية خسرت كل حاجة في شخص زين .
عايزين تكملوا؟!
كملوا لكن ابعدوني عن كل إللي بيحصل ده، سيبوني في حالي ربنا يتولاني على أيامي الجاية إنتوا مع بعض ربنا يخليكم لبعض مش صغيرين وعارفين إللي بتعملوه، أما أنا؟!
ههه ربنا يتولى قلبي وحالي، ربنا يسامحكم على كل إللي حصل وبيحصل، سلام.
غادرت المكان بحالتها الباكية تلك بعد أن أنهت حديثها دون أن تنتظر إجابة أو حديث من أحد، حتى أن يوسف حاول إيقافها إلا أنها لم تعره انتباه وغادرت المكان بأثره.
عاد يوسف إلي حيث أصالة ومن ثم ألقى بجسده على أحد المقاعد الموجودة كـ جبل ينهار تمامًا ماسكًا رأسه بين كفيه، اقتربت منه أصالة بهدوء فـ جلست أمامه رافعة رأسه بيديها لتتقابل أعينهم وتحدثت: مش عارفة أقول ليك إيه ولا قادرة أن أتكلم أصلًا، هو كدة قدره ونهاية عمره متشيلش نفسك الذنب.
تحدث ببكاء: لا يا أصالة أنا السبب، أنا السبب في موته باستمراري في الموضوع ده، لو كنت وقفت كان زمانه عايش، هي حقها تقول كدة حقها.
أصالة: الأعمار بيد الله، ودي كانت نهايته ونهاية عمره أنت مش في يدك حاجة، اسمعني لازم تقوى، اقوى على الأقل عشاني والله أنا معاك في أي حاجة، حتى لو كان موتي برده أنا معاك.
يوسف: عمري ما هسامح نفسي أبدًا لو مخدتش بحقه، لازم أكمل لازم .
أصالة: وأنا والله العظيم معاك، معاك في أي حاجة أنت هتعملها.
بعد أن أنهت حديثها مالت برأسها إلى صدره فضمها بحنان.
وكأن كلًا منهما يحاول أن يستمد قوته من الآخر، كلًا منهما في قلبه رعب بسبب ما هو قادم لكن لا يستطيع التراجع.
وكأن الحياة أقسمت على أن تسجن قلبيهما في جزيرة الأحزان لا فرح يقترب ولا سعادة تزور الجزيرة، هما عروسان أو بالمسمى فقط أنهم عروسان.
تحدث يوسف بهدوء: بحسك أمي يا أصالة.
بحسك أمي في كل حاجة بتعمليها، يمكن مش فاكر شكل أو ملامح أمي لكن كل لحظة بتمر وإنتِ قريبة مني بحسك هي.
أصالة بابتسامة وهي موضعها: لو أنا أمك فـ أنت ليا كل الدنيا وكل حاجة.
يوسف: ربنا ما يحرمني من وجودك يا ست البنات يارب ويديمك سند وعون ليا.
أصالة: ويديم وجودك يارب، ثم اعتدلت من موضعها وتحدثت: العجوز قال أنه هييجي مع انتصاف القمر في السما وتقريبًا قريب ينتصف هنعمل إيه؟!
يوسف: الأول تعالي احكي ليا إللي حصل في المكتبة لحظة ما فقدت الوعي، وإزاي كلنا فقدنا الوعي وإنتِ وحدك إللي فضلتي وشوفتي كل حاجة؟!
ابتسمت أصالة وتحدثت: مش عارفة حقيقي إزاي أنا إللي فضلت بوعيي دونًا عنكم إنتوا الاتنين بس التفسير الوحيد إللي جى في بالي هو نظرات الطفل.
يوسف بعدم فهم: نظرات طفل إيه؟!
أصالة: الطفل إللي كان بروح آسر من لحظة ما دخل الغرفة وكانت عينه عليا للحظة حسيت إني شوفته قبل كدة معرفش الشعور ده جى من فين رغم إني عمري ما شوفته إلا إن ده إللي حسيته، حتى أن في اللحظة إللي جت عيني في عينه حسيت بحاجة غريبة في جسمي كله كأنه سحرني أو عمل فيا حاجة أنا عيني مغفلتش رغم كل إللي حصل، أعتقد أنه هو السبب.
يوسف: ممكن فعلًا، المهم بقى إيه إللي حصل وإيه إللي قطع هدومي بالشكل ده؟!
بدأت أصالة في قص كل ما حدث على يوسف هو الذي يستمع بعينين مصدومتين لا يكاد يصدق ما يسمع وكأنها أشياء لا تحدث إلا في الأفلام الأمريكية أو الاحلام .
مع استمرار أصالة في الحديث يستمر معها صدمة ودهشة يوسف مما يسمع حتى انتهت مما تقول فتحدث:
إيه الحاجات إللي إنتِ بتقوليها دي يا أصالة، أنا حسيت نفسي في فيلم أمريكي فنتازي، إنتِ بتتكلمي بجد؟!
أصالة: والله ما بكذب عليك في أي حاجة من إللي بقولها، كل ده حصل حتى أن سديم كمان قال إن كل ده جزء بسيط من قوتك مش القوة الكاملة.
يوسف بصدمة: ده كله ومش قوتي الكاملة، على كدة أنا لوحدي قادر أسيطر على العالم.
في تلك اللحظة تدخل سديم في الحديث قائلاً: إلا في الخير، إلا في الخير يا يوسف.
قوتك دي مينفعش تستغل إلا في الخير والسلام، غير كدة وفي أي مرة هتحاول تستخدم القوة في الشر هتتبخر ومش هتبقى موجودة أبدًا.
التفت يوسف إلى الصوت الذي يأتي من أحد أركان المكان حاله كحال نظرات أصالة القلقة فبدأ سديم في الظهور بهدوء وتحدث: متخافوش أنا سديم.
يوسف: أنت هنا من إمتى؟!
سديم : هنا من اللحظة إللي بدأت أصالة تحكي ليك عن إللي حصل، وبالمناسبة هي صادقة في كل كلمة قالتها.
تحدثت أصالة: طيب يعني إيه موضوع إن القوة تروح لو استخدمت في الشر دي؟!
سديم: يعني زي ما قولت، واضحة يا أصالة، القوة إللي عند يوسف زي ما قال بالظبط يقدر يسيطر بيها على العالم كله بدون ما يقدر عليه حد، لكن للأسف القوة دي إن استخدمت في الشر هتنتهي للأبد عكس استخدمها في الخير، إن في كل مرة تستخدم قوتك لمساعدة حد بتزيد الضعف أنت متخيل؟!
يوسف: أنا مش فاهم حاجة، إنتِ فاهمة حاجة يا أصالة؟؟
أصالة: ولا أنا فاهمة حاجة.
يوسف: طيب إيه السبب مثلًا أنها تختفي لو استخدمت في الشر أو أنها تزيد لو استخدمت في الخير.
سديم: حقيقي أنا مش عندي إجابة للسؤال ده، لكن ممكن تكون الإجابة كانت عند الملك هتان.
المهم بعيد عن كل الحاجات دي أنت جاهز؟!
تنهد يوسف قائلًا: اه جاهز، فين السرداب وإزاي هحرر أجاويد من جزيرة النار؟
سديم: السرداب قريب من المكان هنا، تحرير الملك أجاويد!
فـ دي الخطوة الأولى وإللي هنبدأ بيها دلوقت مستعد؟!
نظر يوسف إلى أصالة بهدوء ثم أعاد بناظريه إلى سديم متحدثًا: اه جاهز يلا نبدأ.
سديم: وهو كذلك .... بدأ في المناداه على آسر فـ خرج هو الآخر من أحد أركان المكان ملقى السلام عليهم.
تحدث يوسف: هو إنتوا الاتنين هنا؟!
آسر: أكيد ، يلا نبدأ.
يوسف: يلا.
أمر سديم أصالة بمغادرة المكان أو الدخول إلى أحد الغرف المتواجدة في المنزل دون الخروج منها إلا عند الطلب، أماءت بالموافقة ومن ثم غادرت المكان.
أمسك سديم يد يوسف ومن ثم أجلسه أرضًا وتحدث: اسمع يا يوسف، انسى كل حاجة في حياتك قبل كدة أي حاجة أيًا كانت، وعايزك تصفي دماغك خاااالص من أي تفكير.
عايز كيانك وطاقتك كلها تكون معايا عشان ميحصلش أي مشكلة أو خطأ زي ما حصل قبل كدة، ركز أوي معايا عشان نقدر ننجح المرة دي.
يوسف بهدوء: تمام أنا جاهز إن شاء الله.
سديم: تمام وإحنا جاهزين، أنت هتبدأ تقرأ الطلاسم والتعاويذ لتحضير الملك أجاويد وفي اللحظة إللي هيبدأ فيها في الظهور هبدأ أنا وآسر الاندماج وطاعة أمره، لكن ركز ركز أوي عشان الملك يتحرر من جزيرة النار لازم يكون بكامل قوته هو شخصيًا وقوتك أنت كمان، ركز في أن قوتك أنت هي الأهم.
في اللحظة إللي قوتك كلها هتتجمع وبدأ فيها الملك بالظهور هنبدأ نندمج أنا وآسر عشان نساعده كـ قوة إضافية من فتح فجوة بين الجزيرة وبينا يقدر يخرج منها تمام ولا في مشكلة لحد كدة؟!
يوسف: لا مفيش أي مشكلة، ربنا يستر، أبدأ؟!
سديم بتنهيده: ابدأ.
أمسك يوسف بورقة وضعها أمامه وبدأ يقرأ منها بعض الكلمات غير المفهومة يحرك يده بحركات سريعة، حتى أنه للحظة بدأ يظهر من بين يديه دخان مصطحب بماء، في تلك اللحظة بدأ جسد يوسف يتضخم كما حدث من قبل، لكن هذه المرة كان تضخمه أضعاف الأضعاف فيما كان عليه قبل ذلك.
عيني آسر لا تفارقه وكأنه يتمنى أن لا يكون حاملًا لروح جن هوائي، كلما تضخم جسده كلما زاد الرعب في قلبه من أن ينفجر الجسد بسبب القوة التي يحملها، أما عن سديم يقف ثابت يركز فقط في اللحظة التي سيبدأ الملك أجاويد في الظهور ليندمج ويبدأ في تحريره.
للحظة توقف جسد يوسف عن التضخم، تمزقت ملابسه كما حدث من قبل ظهر الوشم الأزرق الذي يتوسط صدره بعينيه الزرقاوين وكأنهما قطرات ماء، صمت حل على المكان للحظات فور أن يذئر يوسف رافعًا رأسه إلى أعلى ممددًا يديه جانبه، يذئر كـ أسد وسط الأدغال يستدعي قطيعه.
صوت يهز المكان من شدته، صوت وصل إلى أذان تلك الجالسة في الغرفة المجاورة يزداد بكاؤها كلما زاد صوت الذئير خوفًا أو قلقًا من أن يحدث مكروه ليوسف.
أصوات لم تكن متواجدة في محاولته الأولى لتحضير أجاويد.
بدأ الذئير يهدأ بشكل تدريجي، ذاك الأمر الذي انتبه إليه سديم فـ صرخ في آسر قائلًا: استعد يا آسر بدء الظهور للملك استعد.
فور أن اختفى صوت الذئير تمامًا ذاك الأمر الذي صاحبه هدوء تام لجسد يوسف وكأنه ذاك الهدوء الذي يسبق العاصفة.
انحني برأسه الذي كان يرفعها إلى أعلى ناظرًا إلى سديم وآسر للحظات ثم بدأ التحول الحقيقي، ذئير قوي يهز المكان، أمسك عنقه بيديه وكأنه يحاول شنق نفسه حركات سريعة في المكان، يضرب رأسه بالحائط، هدوء للحظات ومن ثم مُعاودة الأمر مرة أخرى ومن ثم هدوء أخير بعده، بدأ يضرب بيديه الأرض فانفجر الماء من تلك النقطة التي ضربها ليحاوطه بشكل دائري يصل حتى سقف المكان، في تلك اللحظة صرخ سديم في آسر مجددًا بأنه الآن وقت الاندماج.
بين طرفة عين والأخرى اتجه كل من سديم وآسر إلى دائرة الماء التي تحاوط يوسف يخرج منها أصوات وكأنها حرب مشتعلة، أصوات صراخ وصخب، هدأت الأصوات للحظات فور أن ظهرت ألسنة لهب حول دائرة الماء ومن ثم اختفت سريعًا فـ عادت أصوات الصراخ مجددًا.
ومن ثم تهدأ بشكل تام، هدوء صاحبه عودة سديم وآسر بشكل مرهق إلى حدٍ كبير، بدأت دائرة الماء في الاختفاء تدريجيًا حتى يظهر بداخلها ما كانوا ينتظروه، يظهر من داخلها كائن بجسد لونه كـ لون الماء تمامًا أزرق بشكل كامل إلا وشم بطول صدره باللون الأزرق، أصلع الرأس في منتصفها خط باللون الأبيض أيضًا.
لم يكن أبدًا شبيه بمعشر البشر أو معشر الجان، يشبه الأسد تمامًا بنابيه الطويلين وقوته إلا أنه أكثر ضخامة أضعاف حجم الأسد، أملس تمامًا دون وجود أي شعر في جسده.
ابتسم سديم بفرحة إلى آسر ومن ثم اقترب إلى ذاك الكائن منحني له تقديرًا واحترامًا قائلًا: أهلًا بعودتك جلالة الملك العظيم.
الآن أصبحت حرًا وبقوتك كلها، أهلًا بك.
اقترب آسر هو الآخر منه وفعل كما فعل سديم تمامًا.
لم يتحدث أجاويد بأي شيء ، حتى عاود سديم الحديث مجددًا: آلاف السنين عايشين في ذل وقهر منتظرين قدومك، آلاف السنين بنتقتل ونتباد من معشر النار دون قوة لردعهم في انتظار عودتك.
آسر: مات الملك هتان وهو ينتظر عودتك، دُمرت ممالك الماء وتفرقت وإحنا في انتظار تحريرك من جزيرة النار ، واليوم بعد آلاف السنين قدرنا نحررك جلالة الملك الأعظم.
سديم: أخيرًا بقينا قادرين نرجع لأرض أرنغل، أرض مُلكك، دلوقت قادرين نرجع نحرر أرضنا من معشر النار ونرد ليهم كل حاجة وحشة عملوها معانا.
أيضًا لم يجب أجاويد بشيء وكأنه ما زال في دوامته لا يفهم شيء ، في غمضة عين بدأ يتحرك في المكان بشكل جنوني وبسرعة كـ سرعة الرياح، حركات غير مفهومة حتى توقف ومن ثم عاد في الذئير مجددًا بقوة أكبر مما كان.
نظر سديم إلى آسر بصدمة لا يستطيع فهم ما يحدث، الرعب بدأ يتسلل إلى قلبيهم خوفًا من عدم القدرة على السيطرة على الملك أجاويد.
ذئير مستمر كـ أسد جريح يحمل بين ذئيره نبضات حزن وبكاء لم يشعر بها سديم أو آسر هو الآخر إلا أن تلك الجالسة في غرفتها شعرت به، شعرت بغصات القلب الحزينة تلك المتواجدة في زئيره فـ خرجت من غرفتها مهرولة حيث يتواجد ، اقتربت منه بثبات دون خوف من الهيئة التي عليها، حتى أن آسر وسديم نفسيهما كانا خائفين من الاقتراب منه مندهشان من تلك القوة التي تواجدت في قلب أصالة وثباتها في التحرك جهته.
استمرت في الاقتراب منه حتى بدأ ينظر إليها بعينين ثابتتين.
اقتربت بهدوء حتى أصبحت ملامسة له تمامًا فبدأت تتحسس جسده بهدوء كـ طفلة تداعب هرتها بمرح دون أي خوف، استجاب أجاويد لتلك اللمسات فبدأ يهدأ حتى استرخى جسده بالكامل على الأرض في ظل ذهول وصدمة آسر وسديم.
لم يستطيع الصمت أكثر من ذلك فتحدث سديم: مش فاهم حاجة، هو إيه إللي بيحصل؟!
أجابت أصالة دون أن تنظر إليه مستمرة فيما تفعل: صوت وجع وبكى خرج منه، دلوقت بيدور في ذكرياته كل الحاجات القديمة، عقله بيعرض له كل الأذى والوحشية إللي شافها في جزيرة النار وكمان وكأنه مش مصدق أنه اتحرر، سيبه يهدى .
آسر بصدمة: إنتِ عرفتي ده إزاي؟!
اصالة: مش عارفة ، بس حاسة إني شايفة كل حاجة هو بيفكر فيها وكأنها بتتعرض قدامي معرفش إزاي.
سديم بهدوء: كويس كويس، أنا كنت شكيت للحظهخ أنه هيخلص علينا، كويس إنك قدرتي تراوضيه.
لحظات وبدأ أجاويد في الحركة مجددًا لكن عيناه لا تفارق أصالة، فتحدثت أصالة: اهدى ، كل شيء هيكون بخير اهدى .
تحدث أجاويد للمرة الأولى بصوت ضخم: أنا عايز أرجع، عايز أرجع لأرضي.
أصالة: هترجع بس لازم تهدى.
حرك ناظريه إلى سديم وآسر فـ تحدث: إنتوا مين؟!
ابتسم سديم متحدثًا: الأمير سديم أحد ملوك الجن المائي خادمك المخلص جلالة الملك وده آسر مساعدي الخاص .
أجاويد: أنا ملك؟!
سديم: جلالتك أعظم ملوك الجن جلالة الملك الأعظم.
نظر أجاويد إلى أصالة لا يفهم ما يقال ثم تحدث: يعني إيه؟!
أنا عايز أرجع لعالم الجن، أنا مش ملك ، أنا عايز أرجع مملكة الماء تان.
تنهد سديم ثم بدأ يقص عليه كل ما حدث من اللحظة التي تم حبسه فيها في جزيرة النار إلى اللحظة التي تم تحريره فيها الآن وسط دهشة وصدمة لا يكاد يصدق ما يسمع، هو بعقله لا يتذكر إلا بعض الذكريات البسيطة عن عالم الجن وذكريات كثيرة مريرة في جزيرة النار ، استمر سديم في قص ما حدث وشرح له أنه هو الملك الأعظم المنتظر هو ذاك الذي يحمل داخله القوة القادرة على هزم ملوك النار .
أخيرًا بدأ يقتنع بما يقال وتحدث: عايز أروح السرداب ، عايز أرجع دلوقت حالًا.
ابتسم سديم وتحدث: حالًا هنروح .
بالفعل بدأ الجميع يستعد للتوجه إلى السرداب، إلا أن جسد يوسف بدأ ينكمش مرة أخرى ليعود لحجمه الطبيعي من جديد ، فور أن عاد لطبيعته سقط أرضًا من شدة الإرهاق وكم الطاقة التي فقدها فيما حدث .
ضمته أصالة إليها بسرعة وبشكل قلق تحدثت : يوسف يوسف ، مالك يا يوسف ؟!
تحدث سديم : مش تقلقي هو بخير ، بس الطاقة إللي استخدمها في تحريره كانت كبيرة شوية وهيفوق ، مجرد ما نوصل السرداب هيفوق .
أصالة بقلق : أنت متأكد ؟!
سديم : اه أنا متأكد ، إنتِ إللي للمرة الأخيرة متأكدة من إللي عايزة تعمليه ؟!
أصالة بصرامة: ممكن مش عنت تسأل السؤال ده ؟!
قولت ليك لو فيها موتي أنا مش هسيبه لوحده .
تحدث آسر هامسًا لسديم : أظن أننا أكتر ناس محتاجين وجودها خاصة بعد إللي حصل وقدرتها على السيطرة عليه .
تحدث سديم : أيًا كان وجودها فـ هيكون مؤقت لأنها لو فكرت تدخل هتموت .
آسر : عارف ، لكن حتى لو كدة كدة هنموت هي قادرة تسيطر عليه لما يفوق .
سديم باستسلام: ماشي ، يلا هنتحرك لـ صيدلية موجودة قريب من هنا، تحديدًا الصيدلية إللي كان بشتغل فيها زين ، فيها مخزن السرداب موجود جواه .
وبالفعل بدأ الجميع يتحرك إلى ذاك المكان عاد سديم وآسر إلى هيئتهم البشرية وحملا يوسف إلى السيارة ومن ثم اتجهوا بصحبة أصالة إلى ذاك المكان حيث السرداب ، حيث العودة إلى عالم أرنغل ، حيث الموت وما ينتظرهم جميعًا داخل السرداب ، وما ينتظرهم أيضًا إن استطاعوا المرور .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
يتبع ..