الفصل السادس والعشرون

: انا هموت هنا ..؟ هتموتني هنا خلاص !
اتسعت عينيها بصدمة ، بعدم تصديق ..عندما آتاها صوته الجاد ..
: لاء ..مش هتموتي هنا ..هترجعي ياحياة ..
-------------
خفقاته تسابق الريح وكأنها باحثة عن القلب لتخفق الحياة بداخله  ..تاكل عجلات سيارته الطريق من تحتها بينما جسده متصلب ،
عينيه غابات مظلمة متشابكة الاغصان ،جارحة، بل قاتلة لمن يحاول الاقتراب ..
مكالمة كانت لها  عدة وجوه اخرى ..
سكين حاد نُحر بها عجزه ..
صاعق انعاش لأمل كان على وشك الفناء بداخلة ..
انتفاضة عاشق لم تذق عينيه طعما للدموع منذ زمن ..
هشم قوانين الوقت حيثت وصل في وقت قياسي ..
لحظة حياة ...
يراها امامه على بعد أمتار ..
لحظة احتراق ..
تقف بين يدي رجل آخر  ..
لحظة انتباه ..صفعة ..
رجل يعرفه ..رجل نال شكه ..ونال هو منه الخديعة ..
( الباش مهندس علاء ) ..
ماهو الا احد اذرع مراد الممتدة في كل مكان ..
اما عنها ..فلم  تتمهل  .. امتلئت عينيها بالدموع موازاة لرؤيته ..امانها ومأمنها ونصف عالمها ..منقذها ..
نفضت يديها من قبضة علاء وفقط سلمت لقلبها مفاتيح العقل واستسلمت لرغبة اللجوء ..
ركضت كمن يركض نحو اوطانه ..
نشيج قارب للانتحاب ..وارتطام ..
كان عناقها له اشبه بارتطام قطبي مغناطيس نزع توا حاجز العزل بينهما .. هنا ملجئها رغم انف حدود المعقول والا معقول
تتعلق ذراعيها برقبته في تشبث
،تبكي  ..
هو دفنها بصدره وكفى شعورا انها بين ذراعيه ليهدأ من نيران عشقه المتقدة ..
نفذت رائحتها نحو قلبه فهدأت خفقاته في سلام ..
شعلة الغضب مازالت تشتعل بعينيه الزيتونية موجهة نحو الماثل امامه الذي يشعل سيجار ما بمعالم وجه تبدو جامدة، بينما باطنها احتراق لا يدركه سواه  ..
بذراع واحدة شدد من ضمها لصدره  ..والأخرى تلمس بها سلاحه الذي اخفاه داخل سترته من الخلف ..انطلقت حروفه بجفاء معاكس لدفء ضمة يديه لها ..
: اركبي العربية
لم تترك أحضانه حتى مع اعادة الامر عليها  ..نزعها كالروح من بين احضانه..
  يمرر لمحة فقط فوق هزيع عينيها.. ثم وضعها داخل السيارة مغلقا الباب بعدما همس لها بأذنيها قابضا فوق يديها بسلسلة مفاتيحه ..
: دوري العربية واطلعي ..
تجمدت داخل السيارة بعد همسه الصارم ..تنظر إليه عبر النافذة وهو يبتعد عنها نحو علاء ..
انتفضت تشهق بفزع عندما رفع كلا منهم سلاحه بوجه الآخر في ذات اللحظة ...
__________
غضب ضاري يطل من عينيه ..بينمت يواجهه علاء بابتسامة مستهينة ..
رصاصتين على وشك الالتقاء ،بداخل "مسدس" كل منها ..
: نزل سلاحك .انا لو عايز اقتلك ماكنتش سبتك تيجي لحد هنا ..
قالها  بسخرية واقعية ..اما هو تجاور حروفه شظايا حرب برزت حواد سيوفها
: كنت عارف ..كنت عارف ان مراد له كلاب في كل حتة ..
احتدت نظرته باعتراض ..لم ولن يكن احد كلاب مراد ..
..لكن قوانين اللعبة تتبع ..
وبتعبير آخر  " المصلحة تحكم "
: لو انا زي ما بتقول ماكانتش فضلت عايشة ..
لفظ كلماته مشيرا نحو حياة في اشارة منه لبداية حرب ..
بحركة مدروسة اثارت اعجابه قبل ان تثير غضبه ،باغته بها قصي حين انتزع سلاحه من بين يديه يهاجمه
بضربة رأس فولازية ترنح أثرها خطوة واحدة منحنيا بابتسامة قاتمة ..
في قانون ما ..سالب وسالب لا ينجذبان ..
وبقانون موازي  ..
عاشق وعاشق ..يتعاركان ..
هو مدفوع بطاقة غضب تفوق حد السماء ..لم يكن التهور من سمات افعاله ..لكنه معها وبها يكتشف كل جديد ..
كان له الغلبة ..وكان صوتها بمثابة خدش فوهة البركان
: قصي حرام عليك هتموته ..
صرخت بخوف حقيقي   ..
خرجت من السيارة تصرخ لانقاذ حياة حقير من بين يديه ..على حد تعبيره ..
دفعه قصي ليسقط أرضا ..
بخطوات غاضبة سحق الرمال تحت قدميه وصولا لها ..فوهة البركان تخرج باطنها المنصهر جوار حروفه الزاعقة بوجهها ..
: انتي ايه اللي خرجك ..على العربية ماتخرجيش ..
عينيه كالجمر المشتعل ..انفاسه المحترقة لسعت بشرتها الرطبة بفعل دمعاتها المتساقطة ..
تصلبت امامه متسعة العينين ..اذدردت ريقها بجفاء كما جفت الدماء بعروقها ..
بنظرات مرتعشة تكاد تخرج عن محجرها حركت رأسها نافية ببطء ..
التفت قصي خلفه نحو نظراتها ليرى علاء ممسكا بسلاحه لاهثا تتدفق الدماء من انفه بغزارة ،تخالط حبيبات الرمال الدماء فوق وجهه كالقناع ..ومن بين انفاسه اللاهثة تحدث ..
: قولتلك لو عايز اقتلك ماكنتش وصلت هنا ...
صمت يلتقط انفاسه بينما اخفى قصي حياة خلف ظهره ..
اكمل ..
: مراد مفكر اني خلاص قتلتها ..دلوقت مستنيك تروحله علشان يخلص عليك ..
شهقت باكية تتمسك بملابسه من الخلف ..
اصغى قصي بتعقل إلى ما يقول ..ليردف علاء
: انا دوري خلاص خلص ..
أضاف بابتسامة يشوبها السخرية
: دلوقت دورك انت .. مش لازم يعرف انها لسة عايشة ..
من المفترض ان يهدأ ..ان يتنفس الصعداء شاكرا لوجود من يحاول مساعدته ..لكنه لم يفعل ..فقط اخذ يتسائل بجحيمية .. لماذا يفعل شخص بمثله ذلك ..؟ لماذا يقدم المساعدة ومن أجل من ؟
والاجابة حرب وبروز سيوف عاشق تتعطش للارتواء بدماء احدهم
وقد لمح احدهم سهام التسائل المشتعلة بعينيه ..
لن يقتله امامها ..فقط في فرصة أخرى سيفعل ..
هكذا حدث نفسه بما املاه عليه عقله
التفت يجذبها من يديها بقسوة نحو سيارته ..قسوة لم تعهدها عليه من قبل ..دفعها لتركب ثم بصمت تام اهدى له نظرة داكنة كالرماد ،
جلس فوق المقود يحرك سيارته للذهاب بها نحو زجهة مجهولة ..
وفي حركة عفوية منها نظرت خلفها ..نحوه ..
: بصي قدامك ..
زعقة بمثابة صفعة ..جعلت نظراتها تتصلب إلى الامام برعب ..اذدردت ريقها تندفه خفقاتها تشتد بسرعة صاروخية  ..،لم ينظر إليها .. شظايا نارية تتناثر من عينيه ..قسوة لم تعهده بها من قبل ..
قسوة عاشق لا تستحق سواها كما يمليه عقله ...
وخلفهم نظرات داكنة كالرماد ..و صفحة تطوى..تطوى للأبد ..
________________________
هي بتلة في مهب ريح عاصفة تصبُ بقلب الجبل ..حيث بركان بانتظارها ..
تبكي والسبب انه لم يحدثها بكلمة منذ ان زعق بها اثناء ذهابهم ..لم تعبأ بكونها كانت على وشك موت ،
هي معه وكفى ..
برفقته الان وهو لم يحدثها وتلك هي مآساتها الآن ..
اما عنه فالشيطان يحول  نياط العشق وغضبه ، يغزل له افكارا من نار ..
توقف بالسيارة امام ذلك الكوخ الذي يطل على بحر ازرق ثائر ..
كوخ خشبي بمكان نائي يحتضنه من الخلف جبل ومن الامام ذلك البحر وكأنه طفلهما الصغير  ..
تخطو اقدامها الكوخ للمرة الثانية ..في الاولى كانت تجهل ذريعة بقائها به برفقة عنايات ..
اما الان تدرك تماما ما تقبل عليه ..
اغمضت عينيها بيأس ..باستسلام ..وقد لفظت آخر دموعها ..تساقطت فوق وجنتها ببطء  ..
وكأن الدموع تدرك ايضا النهاية ..
عينيه هلاك ..لذلك لم ينظر إليها ،ف3ط فتح الباب في امر صامت منه بالنزول ..
وبكل ترحاب اذعنت بخطوات تعلم مسارها جيدا نحو الكوخ ..
صراع بين اعصار غضبه الذي يحاول كبح جماحه نحوها ..وبين جميع حواسه التي تلح عليه باعتصارها في عناق ابدي كنمط جديد للعقاب ..
انتفضت تنظر إليه عندما اغلق الباب بعنف .. كم تمنت لو لم تلتفت ..حيث واجه هزيع الليل بعينيها وهج شهاب النار بعينيه..
نبرته ضربة مطرقة فوق طاولة العدالة قبل نص الحكم
: حد قربلك ..؟
واجابتها نافية
: لاء
نصب عقله قاضيا ..اما عن القلب فجوارها في قفص الاتهام ..
: ايه اللي حصل بعد ما سيبتك في اوضتك ونزلت للمأذون ..؟
بؤس العالم امتصته حروفها كالإسفنجة ليخرج صوتها منكسرا تسرد له ماحدث بالتفصيل ..
انتهت ..ولم تنتهي عينيها من غزل خيوط الدموع الحارة فوق وجنتها ..
انتهت ولم يجد هو في اجابتها ما يطفأ نيرانه المشتعلة بداخله ..
يخطو كليث غاضب يمنة ويسارا يزئر غضبه للخروج ..
: قولتلك لو مش موافقة على الجواز قوليلي وانا المسؤل قدام ابويا ..
خرجت حروفه هادئة ..هادئة تماما كهدوء ما قبل العاصفة ..فمرحبا بها ..
اهتزت حبات الحصى فوق الجبال من حوله أثر صوته ..
: بتعذبينا لييييه ..؟
لم تنطفض ..بل انصهرت خوفا ..شعرت وكأن قلبها تضخم اثر احتباس نبضاتها بداخله ..
: بتمشي وتعرضي نفسك للخطر ليه ..
اقترب منها بقسوة يعتصر ذراعها تحت قبضته ..يتحدث من
: مافكرتيش فينا .. في خالك اللي العجز في عيونه كل يوم بيقتله وهو مش قادر يعمل حاجة ..
تبكي بكاء حار ..تنتحب بصوت عال ،اهتزت حدقتيه بتراجع  لثوان ثم عادت للاشتعال مرة اخرى ..
: مافكرتيش في الست اللي اعتبرتك بنتها قلبها بيتقطع عليكي كل يوم ..
والمقصلة ..القشة التي قسمت ظهر البعير ،شرارة اشتعال صاروخ البؤس بداخلها ..
: مافكرتيش فيا ..؟
خرجت منه بخفوت ..بعتاب مرير ..لتنفجر هي نافضة يديها بعنف ..صارخة
: انا مافكرتش غير فيكم ..مافكرتش غير في خالي وفي عجزة في انه يخلص مني ..
نظر اليها بجمود لم تهتز خلجة واحدة منه امام انهيارها ..
: و شاف في جوازي منك الحل المناسب لوجودي الغير مرغوب فيه وسطكم ..مافكرتش غير فيك وفي الست اللي ربتني زي ما بتقول ..
تتذوق ملوحة دموعها في محاولة فاشلة منها لاسكاتها ..بينما هو ينظر اليها وكانه يخبرها بان ما تتحدث به هراء ..كل ما تدعية الان ذرائع مهترأة لا معنى لها ..من وجهة نظره ..حقيقة الامر لم تعلمها بعد
وهي لن تبوح بتفاصيل ما استمعت اليه ..لن تكون سما يدس في علاقة ابن بوالدته ..خصوصا انها علاقة لها نوعها الخاص ..مرارتها الخاصة وألمها الخاص ..قطع الصمت الذي عم المكان حولهم سوى من شهقاتها الحارة صوت هاتفه ..انتبهت هي بعينيها الدامعة نحو الهاتف ..اختلجت خفقاتها شوقا عندما تحدث قصي ..
: ايوة يابابا ..معايا ..هي كويسة ما تقلقش ..
وعندما همت لطلب محادثته شاهدت خطوط باطن كفه الممدود اما امام عينيها كحاجزا منيع ..منعا صارما قاسيا ظالما كما تنعته نظرة عينيها  .. اشارة مفادها لن يحدث ..
ما ان انتهت المكالمة تحدثت بنبرة قتلته اصابته في صميم قلبه لكن عفوا ..فالقلب جوارها في قفص الاتهام ..
: ليه ما سبتنيش اكلمهم ؟ ..وحشوني اوي ..
القاضي لم يكن عادلا لكلاهما ..القاضي اخذ دور الجلاد ..
: انتي مش هتشوفيهم تاني ياحياة ..
جحوظ عينيها أفصح عن صدمة حكمه الطاغي فوق رأسها
: دي كانت رغبتك ..وانا بنفذهالك ..
_____________________
: انا ماليش دعوة بحسابتكم دي انا عايزة اشوف بنتي دلوقت حالا ..
هتفت بها حنان باكية امام منصور الذي تنفس الصعدتء بعد مكالمته لقصي ..بلغ منه الخوف والقلق مبلغا عندما أخبره قصي انه ذاهب لستعادتها ولو كلفه الامر حياته ..
: اهدي ياحنان هي بخير ، وجودها هنا دلوقت هيضرها
: طب اكلمها ..اسمع صوتها بس ..ريح قلبي يامنصور من القلق ..
هو يثق بولده ثقة عمياء ..عندما كان غريبا وضع ثقته به ولم يخذله ..ما بال الثقة عندما اصبح ولده ..وزوجه
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي