الفصل الثامن والعشرين
في القصر الملكي الذي ينتصف قلعة النار ، تحديدًا في الباحة المتواجدة في منتصف القصر يقف الملك دواني بشموخ يفكر في أمر مُلكه، جيشه الذي لا يُرى آخره من ضخامته وكثرة عدده، مُلكه الذي لا يمكن حصره فقد شبه سيطر على العالم بأكمله إلا جزء بسيط من ممالك الماء، يفكر فيما حدث قبل ذلك وما الذي سيحدث عما قريب ، ماضيه الذي لا يفارق ذكراه، ماضيه في تلك التي لم تكتفي بهروبها فقط بل أنها أخذت مع هروبها كل شيء من الروح الطيبة بداخله ، تلك الأميرة التي لم يرى في عالمه غيرها لم يكن بحاجة من عالمه إلا هي، تلك التي كان كفيل بأن يترك كل شيء لأجلها إلا أنها لم تهتم فـ فرت هاربة إلى عالم البشر ليس ذلك فقط بل أنها تزوجت من بشري، بشري لا يمكنه فعل أي شيء ، يتذكر ما قد شعر به وقتها من حالة الحزن التي كانت هي البداية للفتك بكل عشيرة الهواء، ليس فقط عشيرة الهواء بل وبكل شيء يقف أمامه، الفتك بالعالم بأسره لا رحمة، لا تعاطف فقط حرق وقتل وسفك الدماء لأي كائن طالته اليد .
يفكر في أمر ذاك الذي يقترب من العودة لا مفر، ينتظر بين اللحظة والأخرى سماع خبر تحرره من جزيرة النار لتكون هي الخطوة الأولى لعودته ، خطته التي وضعها بحبكة لا يمكن له أن يُفلت منها، أمور كثيرة تدور برأسه دون توقف ذاك الملك الذي أنشأ السرداب، الملك هتان حتى هو الآخر لم يفلت من بطشه ومات على يده لم يبقى من قومه إلا القليل متوحدين والكثير متفرقين ، أما عن أمر المتفرقين فلا يشغل لهم بال فـ إبادتهم أمر هيِّن جدًا، فقط أولئك القلة الذين ما زالوا واقفين ومتحدين خلف أميرتهم ما زالوا يقاومون خلف أسوار مملكتهم ، لكن لوقت أو لآخر ستفلح خطة وينتهي كل شيء .
أفاق من شروده أخيرًا على صوت القائد أبلج متحدثًا: جلالة الملك في أخبار مش كويسة .
تحدث الملك دواني دون أن يلتفت إلى أبلج ناظرًا إلى اللاشيء أمامه قائلًا: أخبار إيه يا أبلج؟!
تنهد أبلج بحزن قائلًا: جزيرة النار بقت خالية جلالة الملك .
الملك دواني بشروده: اتحرر ؟؟
أبلج: من شوية لسه وصلاني أخبار أنه قدر يتحرر ويغادر جزيرة النار ، وده معناه أنه قريب أوي هيرجع .
الملك دواني: كنت متأكد أن ده هيحصل سواء دلوقت أو بعدين، في النهاية كان لازم يخرج، اليوم هيرجع لعالمنا.
انتبه أبلج للهدوء الذي يتحدث به دواني
فـ أجاب: جلالتك مش قلقان؟!
يعني أقصد أن رجوع الملعون ده فيه خطر كبير أوي علينا وعلى مُلكنا.
الملك دواني: مين قال إني مش قلقان؟!
لكن في إيه هيفيد القلق أو الخوف؟!
صمت للحظات أمسك بالتاج المتواجد على رأسه ووضعه أمام عينه ثم عاد في الحديث قائلًا: تفتكر كل المُلك إللي كونته ده والمكانة إللي وصلت ليها دي أني شبه ملك العالم كله، ممكن ييجي اليوم وأفرط في أي حاجة منه؟!
تحدث أبلج بثقة: أكيد لأ، مستحيل يعني .
الملك دواني: جاوبت على سؤالك بنفسك ، أنا أكتر حد قلقان من عودة أجاويد وأنا أكتر حد مش عايزه يرجع ومستعد أنه يعمل أي حاجة في الدنيا عشان يخلص منه، بس العصبية مش هتفيد في الوقت ده، الأمر بقى واقع .
أجاويد اتحرر ومن المؤكد أنه النهاردة هيكون موجود في مملكة الماء ومن بين اللحظة والتانية توقع هجوم علينا .
أبلج ضاحكًا: جنود الماء هما إللي هيهاجمونا؟
دول مش ربع الجيش بتاعنا ، هو بقاؤهم وأمانهم الوحيد أنهم يفضلوا ورا أسوارهم وكمان الوضع ده مش هيطول .
الملك دواني: رجوع أجاويد هيقلب كل حاجة في حربنا معاهم، المجموعة إللي مستخبية ورا أسوارهم هما إللي هيخرجوا ويهاجموا .
ده كله كوم وأقوى مجموعة فيهم كوم ، إن قدر أنه يوحد كل معشر الماء هنا لازم تخاف .
وكل ده برده كوم والأميرة ليليان كوم تان خااالص .
أبلج بعدم فهم: إزاي مش فاهم ؟؟
دواني: معنى أن الولد ده قدر يحضر ويحرر أجاويد يبقى مش هو الشخص إللي حامل روح الأميرة ليليان وإن في حد تان في عالم البشر معاه الروح دي، متنساش أبدًا ولا تستهين بقوتها، دي آخر سلالة الهواء لو اتحدت في صف أجاويد الموضوع هيبقى صعب أوي .
أبلج : طيب جلالة الملك ما ممكن إحنا نقدر نضم الأميرة ليليان لصفنا بأي شكل من الأشكال وبكده قوتنا هتزاداد بشكل كبير ؟؟
الملك دواني ضاحكًا : نضم الأميرة ليليان لصفنا؟!
ده شئ مستحيل الحدوث يا أبلج .
أبلج : ليه مستحيل ؟!
الملك دواني : ببساطه عشان كل اللي عملناه في عشيره الهواء ده جزء والجزء الأكبر أن الشخص اللي حامل روح اجاويد دلوقت هو ابنها ، يوسف ابن الأميرة ليليان .
أبلج بصدمه : نعم ؟!
مين ابن مين ؟!
الملك دواني : من اليوم إللي هربت فيه الأميرة ليليان من عالمنا وراحت عالم البشر بعتت وراها كتيرررر من مجموعات الاستطلاع لحد ما عرفت مكانها والجسد إللي لبسته والشخص إللي أتجوزته ، تفتكر إن عدى يوم واحد عليا من غير ما أعرف إيه إللي بيعملوه؟!
أنا كنت عارف كل حاجه بتحصل وبراقبهم كويس جدا ، يوسف إللي معاه روح اجاويد هو ابن الأميرة ليليان وبالتالي مستحيل أنها تسيب ابنها لوحده ، من اللحظه إللي قولت ليا عن طريقه قتل الولد لجويس والمجموعة وأنا تيقنت مين إللي عمل كده وأسلوب مين ده .
كان جالي الف فرصه اخلص عليهم كلهم لكن معرفش إيه الشئ إللي كان بمنعني في كده .
على أي حال مستحيل الأميرة ليليان تكون في صفنا وقريب أو بعيد هيتحدوا ، قوتهم هتبقى مضاعفه
تحدث أبلج بغضب: ليه كل الاحترام ده يا جلالة الملك، ليه بتعمل ليهم كل الحساب ده جلالتك لو بس أمرت أننا نهجم عليهم هنبدهم كلهم مش هيفضل منهم أي حد على وجه الأرض، لكن حقيقي مش عارف إيه السبب إللي جاعل جلالتك بتحترمهم بالشكل ده .
تحرك الملك دواني دالفًا للقصر متحدثًا: عدم إدراكك لقوة خصمك معناها نهايتك يا أبلج ، أعلِن في الجيش حالة الطوارئ .
أنهى حديثه مغادرًا المكان عائدًا إلى غرفته ، أما عن أبلج فلم يكن مقتنعًا بأي شيء مما تحدث به الملك دواني ، مُصرًا على أنه يملك القوة والبطش بقوة الجيش وكثرة عدده وأنه لا يجب عمل كل تلك الحسابات لشخص واحد حتى وإن اتحدت معه أميرة الهواء تلك، تنهد باستسلام ومن ثم بدأ في التحرك لتنفيذ أوامر الملك دواني بإعلان حالة الطوارئ في الجيش بأكمله، هو الأمر الذي بدأ يدق ناقوس القلق بين الجنود، للمرة الأولى تعلن حالة الطوارئ بين صفوف الجيش من آلاف السنين، بدأ يتسرب القلق والخوف بشكل كبير حتى ظهرت الهمهمات بين الجنود بعودة أجاويد وأن الجميع في ممالك النار بدأ يرتعب خوفًا من مجرد فكرة اقتراب عودته .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
وصلت أصالة بصحبة البقية إلى تلك الصيدلية التي بها مخزن السرداب، بطريقة أو بأخرى استطاع سديم فتح الباب دون أن يُحدث ضجة أو صخب في المكان لـ تدلف أصالة مستندة يوسف ومعها آسر إلى الداخل ومن ثم أغلق سديم الباب مجددًا ، تحركوا بهدوء حيث ذلك المخزن ، بدأت أصالة تتحرك بناظريها يُمنى و يُسرى في المكان ، هو في حد ذاته شيء مرعب أكثر من تلك المكتبة القديمة، آثار للمياه المتواجدة في أرض المكان وكأنه مستنقع طين، بعض الأثاث المُتهالِك المتواجد في أركان المكان ، خفافيش ظلام بدأ صوتها يصدى في أرجاء المخزن ، لكن دون أي وجود لأي باب ، لا يوجد في المكان أي باب للسرداب ، هو باب واحد فقط الذي دلفت منه .
تحدثت إلى سديم قائلة: فين السرداب ؟! مش شايفة أي حاجة هنا لا باب لسرداب و لا أي علامة على حاجة ، بس شوية ميه في الأرض وشوية حاجات قديمة هناك في الركن إللي هناك ده !!
ابتسم سديم ثم تحدث: الأول بس حاولي تفوقي يوسف وبعد كدة هقولك فين السرداب .
أصالة: حاضر ، بالفعل بدأت أصالة في إفاقة يوسف بهدوء حتى استعاد وعيه سريعًا لينظر حوله مندهشًا مما يراه ، آخر ما يتذكره هو تواجده في منزل أصالة فما الذي أتى به إلى هنا ؟؟
تحدث: أنا فين ؟!
سديم: حمد لله على السلامة، إحنا هنا على باب السرداب ، جاهز يا يوسف؟!
اعتدل في موضوعه ناظرًا إلى المكان لا يرى أي باب ولا أي علامة فأجاب: اه جاهز بس فين؟!
مش شايف أي باب يعني؟!
أصالة: هو ده إللي لسه حالًا كنت بقول عليه .
ابتسم سديم ثم أشار الى آسر فتحرك بهدوء جهة تلك الأشياء المتهالكة المتواجدة بركن المخزن حتى أبعدها جميعًا ليظهر من خلفها باب عملاق بالحائط .
نظر يوسف إلى أصالة بدهشة وكأنه يخبرها أنه أخيرًا وبعد كل العناء الذي عاشه فيما قبل قد وصل إلى ما كان يبحث، هذا هو السرداب الذي ظلَّ يبحث عنه لـ أيام طوال .
ذاك السرداب الذي من أجله فقد أعز وأغلى ما يملك.
سرداب الموتى الذي فقد لأجله صديقه باسم الموت .
ابتسم ثم تحدث لـ أصالة: السرداب يا أصالة!!؟
أجابته بابتسامة حاولت إخفاء كم الرعب الذي بدأ يتسرب بداخلها خوفًا من اقتراب موتها كما أخبرها كل من سديم وآسر، فتحدثت: أخيرًا، مبارك يا يوسف مبارك تحقيقك كل إللي عشت تدور عليه.
مبارك قدرتك على تحرير أجاويد ، مبارك كل حاجة وصلت ليها يا حبيبي .
يوسف بفرحة فلا يعلم خطر دخول أصالة ولا يدرك ما الذي سيحدث فور دلوفها معه دون روح تحميها، أو أنه يعلم جيدًا الخطر، إلا أن الفرحة بما وصل إليه قد أنسته ما سوف سيحدث فـ تحدث: مبارك علينا إحنا الاتنين .
آسر وكأنه يقصد أصالة بحديثه قائلًا: جاهزين للدخول؟!
ابتسمت أصالة فاهمة ما يرمي آسر ثم تحدثت: اه جاهزين .
بدأ كل من آسر وسديم يعاودا الجلوس أرضًا للتحدث ببعض الكلمات والحركات غير المفهومة، كل ما استطاع يوسف وأصالة تخمينه هو أن ما يقولانه هي طلاسم وتعاويذ لفتح الباب وبالفعل بعد وقت قصير بدأ الباب في التحرك ليظهر من خلفه ثقبٌ أسود عملاق بإمكانه ابتلاعهم جميعًا، علامات الخوف والدهشة زادت على وجه أصالة أما عن ذاك الذي ظل واقفًا بشموخه وكأنه خُلق ليكون ملكًا لم يهاب شيء، لم تظهر على ملامحه إلا الابتسامة التي زينت وجهه كـ بداية لحلم طال تنفيذه .
أخيرًا تحرك سديم من موضعه فأتبعه آسر هو الآخر .
تحدث الأول بصوت مجهد: دلوقت كل حاجة بقت واضحة مش فاضل بينك وبين السرداب إللي عشت تدور عليه إلا خطوات بسيطة ، لكن قبل ما تفكر تدخل هفكرك تان بكل شيء هيكون موجود قدامك من لحظة دخولك السرداب للحظة إللي هتخرج منه فيها للعالم التان.
ابتسم يوسف وتحدث: أنا مش ناسي أي حاجة وعلى استعداد كمان لأي شيء ممكن يحصل.
أصالة: معلش يا يوسف سيبه يفكرنا مش هنخسر أي حاجة.
يوسف: حاضر .
تحدث سديم: الثقب الأسود ده هو بداية دخول السرداب يا يوسف، أو هو الظلمة الأولى من ظلمات السرداب دي مفيهاش أي خطر لكن ما بعد كدة ظلمة الماء وظلمة النار .
زي ما قولت ليك أنت حامل روح ملك مائي وده هيمر بيك من ظلمة الماء وفي ظلمة النار العكس صحيح أن إللي هتمر بيه، ويبقى طلاسم السرداب ودي أنا وسديم قادرين نفكها ونمهد الطريق ليك لآخر نقطة في السرداب وهي باب عالم أرنغل وأنت مش محتاج أفكرك مين هناك أو قوته إزاي، أنا أو سديم مش هنقدر نعمل ليك أي حاجة في المعركة دي ، كل إللي هنقدر نعمله هو أننا نقف نتفرج بس مش أكتر، في عالمنا معارك الملوك محدش بيدخل فيها أيًا كان، ده أسف شرف المعركة، أنتم الاتنين وجهًا لوجه، دي تقريبًا كل حاجة .
لكن خوفي الوحيد هيكون من حاجة واحدة بس في المعركة دي .
يوسف بعدم فهم: إيه خوفك ؟!
سديم بأسف: أن لو قوتك مش كاملة للأسف مش هتقدر عليه ووقتها كل أحلامنا وأملنا هتتبخر بلا عودة، أرجوك حلم شعب كامل عايز يتحرر بين ايدك .
حلم شعب كامل نفسه ينهي كل الظلم والكبت إللي شافه على مر آلاف السنين بين ايدك ، انهي أسطورة أبان لحد كدة ..
تحدث يوسف بغرور لم يكن متواجدًا فيه من قبل قائلًا: متخافش، أنا قدها وأنا قادر أخلص على أي حد بالقوة إللي موجودة معايا ، أنا الملك الأعظم الأقوى، يلا بينا .
سديم: يلا بينا، أشار لآسر بأن يحضر شعلة من النار لتنير لهم طريقهم في ظلمة النار تلك ، بالفعل أحضرها ومن ثم دلفوا جميعًا إلى السرداب، داخل يوسف شعور لا يمكن أبدًا أن يضاهيه شيء، للحظة الأولى التي تطئ أقدامه أرض السرداب، نظر إلى أصالة بفرحة تكاد تتراقص في عينيه ثم همس لها قائلًا: بقينا في السرداب يا أصالة!
أنا مش مصدق نفسي ولا مصدق أي حاجة من كل إللي بتحصل دي حاسس إني بحلم .
اقتربت منه ثم تشبثت في ذراعه بقوة وأمالت برأسها أيضًا على كتفه ثم تحدثت: ربنا يديم فرحك يا حبيبي ، بتمنى تقدر تكمل المشوار وتوصل لكل إللي نفسك فيه، أنت تستاهل كل خير وفضلت تسعى ورا حلمك لحد ما بتحقق قدام عينك خطوة بخطوة، أنا معاك بقلبي وروحي قبل جسدي، حتى لو حصل ليا أي حاجة اتأكد إني معاك دايمًا وأبدًا.
يوسف: إيه لزمة الكلام ده ، إن شاء الله هتبقي بخير إنتِ ناسيه أن معايا أجاويد ولا إيه، هيقدر يحميني أنا وإنتِ مش تقلقي.
أصالة: إن شاء الله يا يوسف بتمنى .
في تلك اللحظة بدأ يظهر في الأفق شعاع نور ، فتحدث يوسف إلى سديم: إيه النور إللي هناك ده؟
سديم: دي بداية الظلمة التانية بحيرة من الماء المسموم لكن مش بحيرة ماء بشكل عرضي في الأرض، دي بشكل طولي من أرض السرداب إللي ماشيين عليها دي لحد سقف السرداب بارتفاعه ده ما يقارب أربعة متر.
يوسف بعدم فهم: يعني إيه ماء مسموم ، وعمقها كام، يعني عشان نمر منها كام متر؟!
تحدث آسر هذه المرة قائلًا: ماء مسموم ده اتعمل بتعويذة فيها سُم مميت للجن الناري ، تعويذة قادرة على حرقه فور أن يدخلها لو مش معاه بشري، البشري فقط جسده مش بتأثر بالتعويذة دي إلا أن مسافة المتين متر عمق البحيرة مستحيل شخص بشري يقدر يتحمل أنه يمر المسافة دي كلها دون تنفس، في الوضع ده سواء الجن المائي وإللي هو أصله من الميه مش بتأثر بالموضوع لا هو ولا الجسد البشري إللي هو فيه ، أما الجن الناري فـ الشيء الوحيد إللي بيقدر يعمله هو أنه بيمد الجسد البشري بطاقة أكبر تُمكِّنه من المرور من البحيرة هل في شيء مش واضح ؟!
وتمام نفس الموضوع في بحيرة النار ودي برده مصممة بشكل شعاعي، أو نار غير حارقة للجسد البشري لكن حارقة للجن المائي وده إللي برده بيكون فيه استحالة لمرور جن مائي منها دون جسد بشري، أظن دلوقت وضح ليه محتاج الجن لجسد بشري ؟!
وليه الجسد البشري محتاج لجن؟!
يوسف: اه اه فهمت ، بس الموضوع سهل أهو إحنا الكل معانا روح وجن مائـ......
لكنه توقف عن الحديث فور أن تذكر تلك التي تتشبث بذراعه، هي لا تحمل من الأساس أي روح أو جن سواء كان مائي أو ناري وبالتالي فـ أن أمر عبورها السرداب أو الظلمات بالمعني الأدق شيء لا يمكن حدوثه.
تحدث آسر: سكتت ليه، كمل كلامك، ولا لسه فاكر أن أصالة دون روح أو جن ؟!
تقريبًا بدأ الغرور يسيطر عليك يا يوسف وده شيء كنت خايف منه أوي، بدأ يسيطر عليك لدرجة إنك نسيت أمر إللي معاك .
رغرغت عيني يوسف بالدمع ثم تحدث: أنا ، أنا فعلًا نسيت بس أنا مش كان قصدي .
أصالة من غير روح ، لازم ترجع مش لازم تكمل معانا.
سديم: مبقاش ينفع رجوع ، دخول السرداب ملوش رجوع ، الباب اتقفل ومش هيتفتح إلا بعد شهر كامل من اللحظة دي ومع اكتمال القمر.
تحدث يوسف بغضب: إزاي يعني إزاي ، أنا مش هسيبها تموت ، أنا مش هكمل، لازم تخرجوها من هنا بأي شكل اتصرفوا .
آسر: للأسف مبقاش ينفع ، وهي عارفة ده كويس .
أخيرًا تحدثت أصالة: خلاص يا يوسف مبقاش ينفع، أنا دخلت وأنا عارفة أن دي نهايتي وأنا موافقة وراضية بكدة، بس عشان موتي أو موت زين مش يكون ببلاش ومن غير تمن لازم تكمل وتوصل لحلمك، لازم تكمل وتبقى الملك وتحرر العالم من الجن الناري لازم تكمل يا يوسف.
يوسف باكيًا: أنا مستحيل أن أكون السبب في موتك ولا هقدر أن أعمل كدة، إنتِ لأ يا أصالة إنتِ مش لازم تسيبيني لوحدي بالله ، أنا من غيرك ولا أي حاجة .
أصالة: من شوية قولت ليك يا يوسف أنا معاك دايمًا وأبدًا ، معاك بروحي وقلبي .
سديم: أنا أسف لو هقطع كلامكم لكن مفيش وقت لازم نتحرك بسرعة.
نظر يوسف إلى أصالة بحالته التي لا يُرثى لها تلك، يود ولو ينفجر المكان بأكمله حتى يعود بها من حيث أتى أو يموت معها ، لا يحتمل أبدًا موت شخص جديد بسبب ذاك السرداب اللعين وكأنه بدأ يتيقن بذلك المسمى الذي لُقِب به، سرداب الموتى .
نعم هو كذلك سرداب لا يحمل بين أسراره إلا موت فقط.
حاولت أصالة تهدئته فـ مسحت دمعه بيديها متحدثة بحنية: متقلقش ، ثق في نفسك، في قوتك وقبل كل ده ثق أن ربنا مش هيعمل إلا الصح، أنا واثقة في أي شيء بعمله ربنا وراضية بيه، أهم حاجة أنت لازم تثق بنفسك عشان تقدر تخرج أقوى ما لديك .
يوسف: أنا واثق ، أنا معنديش مشكلة، عندي القدرة أن أطلع كل طاقتي ، أنا بس خايف عليكي إنتي؟!
أصالة: متقلقش سيبها تيجي زي ما ربنا كاتبها، يلا بينا عشان مش نتأخر .
بالفعل بدأوا جميعًا في الاقتراب من شعاع الضوء ذاك رويدًا، فور أن وصلوا إليه طلب سديم من يوسف أن يتحول إلى قوته القصوى أما عن آسر فهو في تحوله للجن بجسد الطفل لا مشكلة في ذلك .
ابتعدت أصالة قليلًا عن يوسف حتى يبدأ تحوله، لحظات قليلة كانت هادئة قبل أن يعود الأسد الحبيس ذاك في الزئير بشكل قوي لتنتفخ عضلات جسده مجددًا ويستعيد هيئته التي كان عليها من قبل ذاك الكائن العملاق ، إلا أنه وكما فعل مسبقًا بدأ يثور في المكان، يتحرك بسرعة لا تقارن كـ وحش فتَّاك غير مُروَّض، أسد جائع تُرِك طليق في الأدغال .
لكن هذه المرة كانت قوته وسرعة تحركه أكبر مما ظهر عليها من قبل لدرجة أن سديم وآسر التصقا بجدار السرداب خوفًا من أن يصيبهم بطش ذاك الوحش الطليق، زئير وحركات سريعة، شيء يبث الرعب بين القلب، إلا أن تلك التي وقفت ثابتة موضعها لا تعلم بأي شكل أو من أين بكل ذاك الثبات، تود أن تهرول من المكان بأكمله خوفًا من ذاك المخلوق إلا أن و دون إرادتها قدميها ثابتتين على الأرض، قلب يرتعب خوفًا وجسد ثابت لا يهاب ما يحدث ، تحركت بثبات تام جهة يوسف لتقف أمامه مباشرة، فور أن اقتربت منه هدأ زئيره بشكل لا إيرادي حتى بدأ ينبطح على الأرض كـ هر أليف مطيع، مسحت على رأسه ليهدأ بشكل تام وكأن يديها تحمل مسكنًا له.
كانت دهشة وصدمة سديم وآسر هذه المرة لا تُوصَف حتى تحدث آسر بشيء من الجنون: إزاي؟!
إنتِ بتعملي كدة إزاي؟!
أجابت أصالة بهدوء: مش عارفة، مش عارفة من فين القوة أو الطاقة دي لكن أنا قادرة أحس وأفهم كل إللي بيدور جواه، وكأنه بيتكلم معايا رغم أن مفيش كلام ، قادرة أسمع كل حاجة بتدور جواه مش عارفة إزاي !!
هدأ سديم قليلًا ثم اقترب هو الآخر بهدوء من يوسف أو جسد وقوة أجاويد إلا أنه فور أن اقترب منه زأر أجاويد في وجهه بشكل مفزع حتى أن نابيه العملاقين قد ظهرا بقوة وحِدة حتى أن تحدثت أصالة: اهدأ ، اهدأ ، وبالفعل استجاب لها وعاد إلى هدوئه .
سديم: هو في إيه؟!
أصالة: هو خايف منك ، ابعد شوية وسيبه لحد ما يهدى ويقدر يستوعب وجودك ووجود آسر، تقريبًا تحوّله بيستنزف كم كبير من طاقته فـ بتعب أعاصبه إلا أنه بيكون خايف من وجود أي حد حوليه بسبب وجوده آلاف السنين لوحده في جزيرة النار .
آسر بصدمة: إيه الثقة إللي بتتكلمي بيها دي وإيه كم المعلومات دي، وليه مش خايف منك إنتِ؟؟
رغم أننا من عشيرته وإنتِ لا؟!
ابتسمت أصالة ومن ثم أجابت: بجد مش عندي إجابة، لكن زي ما قولت ليك أنا قادرة أحس بكل حاجة جواه وتقريبًا هو كمان حاسس بيا .
بالفعل لحظات بسيطة حتى بدأ أجاويد يستعيد وعيه لينهض من موضعه بشموخ وزائرة قوية يعلن منها استعادة وعيه.
تحدثت أصالة: الحمد لله إنك بخير ، إحنا بقينا في السرداب .
تحدث بصوته العملاق: عايز أرجع لعالمي ، عايز أرجع لممالك الماء .
سديم: إحنا في الطريق ، يلا عشان نمر من بحيرة الماء .
أجاويد: يلا بينا .
فور أن تحدث تحرك متقدمهم جهة البحيرة من ثم اتبعه سديم وآسر، أما عن تلك التي تحركت من خلفهم بخطوات متثاقلة كـ ذاك الذي يسير جهة موته بقدميه.
توقف أجاويد للحظة ناظرًا لها، بداخله شيء غريب جهتها، لا يعلم ماذا ولكن هنالك شيء غريب يثور بروحه بسببها ابتسم ثم بدأ في دخول البحيرة.
دلف خلفه سديم ومن ثم آسر .
قرأت أصالة الفاتحة ومن ثم نطقت بالشهادتين ثم بدأت هي الأخرى في الدلوف ، كتمت أنفاسها ومن ثم بدأت تسبح خلفهم في الماء.
إلا أنه وكما قال سديم مسبقًا لن تتحمل كثيرًا وبدأ الأكسجين والهواء يتسرب منها وينفذ حتى بدأت في الغرق ، لا مكان ولا مجال للرجوع ولا حتى المساعدة.
صراخ غير مسموع يخرج منها تحت أنظار عيني أجاويد الذي يبكي متسمرًا في مكانه ليس بمقدوره فعل أي شيء .
حتى أن سديم أمره بالسير إلى الأمام فـ أمرها قد انتهى إلى هذا الحد وأن التأخير ليس لصالحهم .
رفض أجاويد التحرك من موضعه ثم بدأ يهرول جهتها يحاول ضم بعض الهواء إلى رئتيها إلا أنه من أين للهواء في وسط تلك المياه التي تحاوطهم من كل مكان ، للحظة بدأ جسد أصالة يهدأ ، لم يعد يخرج أي نفس منها، الجسد بدأ يرتفع إلى أعلى المكان، وسط بكاء أجاويد الذي لا يُرى بسبب المياه المتواجدة بها، إلا أنه صرخ بأقصى قوته صرخة هزت المياه المتواجد بها ، صراخ بكاء وحزن يخرج من صميم القلب ثم سقط على ركبتيه برأس منحني إلى الأرض .
أما عن سديم وآسر ينظران إلى جسد أصالة ذاك الذي يرتفع إلى أعلى الماء بعينين جاحظتين، لا يصدقان ما تراه أعينهم كـ شيء من الخيال، شيء لا يمكن أن يصدق ، للحظة يعود جسد أصالة في الحركة مرة أخرى
كـ شخص كان في غيبوبة الموت وبعد فقدان الأمل في حياته واعتباره من عداد الموتى عاد مجددًا إلى الحركة والحياة .
بشيء جنوني بدأ يظهر حول جسدها فقاعة عملاقة من الهواء، ليعود إليها النفس والهواء بشكل طبيعي، كـ دائرة فارغة في منتصف الماء، دائرة لا يظهر بها إلا أصالة فقط.
أفاقت بصعوبة مما حدث لها في ظل صدمة ودهشة سديم وآسر وذاك الذي سقط أرضًا
مازال لم يرى ما يحدث إلا أنه لم ينهض إلى أن أتاه صوت أصالة: يوسف ، يوسف .
انتبه إلى الصوت الذي ناداه لينظر أعلى ويجد تلك التى تتحرك وتقترب بالفقاعة وكأنها متحكمة فيها بشكل سَلِس جدًا .
نهض من موضعه سريعًا يقترب منها زائرًا بقوة ومتحدثًا: أصالة، الحمد لله إنك بخير ، إيه الفقاعة دي وإيه إللي حصل إنتِ كويسة؟!
أصالة بابتسامة: أنا بخير الحمد لله، معرفش إيه دي أو جت إزاي لكن أنا قادرة أتنفس كويس مليانة هوا .
يوسف بفرحة: الحمد لله ، الحمد لله إنك بخير، يلا يلا ينمشي ونخرج من البحيرة دي بسرعة.
سديم في ظل صدمته مما يحدث، للمرة الأولى يرى شيء هكذا للحظة شعر أنها تمتلك قوة خارقة، فـ أين لها مما حدث من الأساس، إلا أنه بالفعل تحرك سريعًا حتى قطعوا البحيرة ليصلوا إلى بحيرة النار مارِّين بها بنفس ما حدث في بحيرة الماء إلا أصالة، فتلك الفقاعة التي حاوطتها ما زالت تحميها.
أخيرًا خرجوا جميعًا من الظلمات الثلاثة حتى تبخرت تلك الفقاعة التي كانت حولها تهرول بسرعة البرق ملقية بنفسها بين أحضان يوسف.
ضمها بهدوء وسط جسده المتحول ذاك قائلًا: روحي كانت هتروح معاكي لو كان حصل ليكي حاجة.
أصالة: مكنتش متخيلة أن ممكن أعدي ، أنا مش عارفة إيه إللي حصل من الأساس .
يوسف: ولا حد فينا عارف إللي حصل لكن مش مهم، المهم إنك بخير .
سديم بابتسامة: حمد لله على سلامتك يا أصالة، للمرة الأولى من يوم ما اتعمل السرداب ده، بشري يمر منه دون روح، إلا أني حاسس إن في روح بتحميكي بس مش عارف إيه هي.
المهم بعد ما يقرب متين متر مننا باب السرداب وأبان ، جاهز يا يوسف أو من أول دلوقت اسم يوسف هيختفي اسمك أجاويد ، جلالة الملك الأعظم أجاويد.
نظر إلى أصالة ومن ثم عاد النظر إلى سديم متحدثًا: متقلقش هقضي عليه بسهولة.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
يتبع ...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
يفكر في أمر ذاك الذي يقترب من العودة لا مفر، ينتظر بين اللحظة والأخرى سماع خبر تحرره من جزيرة النار لتكون هي الخطوة الأولى لعودته ، خطته التي وضعها بحبكة لا يمكن له أن يُفلت منها، أمور كثيرة تدور برأسه دون توقف ذاك الملك الذي أنشأ السرداب، الملك هتان حتى هو الآخر لم يفلت من بطشه ومات على يده لم يبقى من قومه إلا القليل متوحدين والكثير متفرقين ، أما عن أمر المتفرقين فلا يشغل لهم بال فـ إبادتهم أمر هيِّن جدًا، فقط أولئك القلة الذين ما زالوا واقفين ومتحدين خلف أميرتهم ما زالوا يقاومون خلف أسوار مملكتهم ، لكن لوقت أو لآخر ستفلح خطة وينتهي كل شيء .
أفاق من شروده أخيرًا على صوت القائد أبلج متحدثًا: جلالة الملك في أخبار مش كويسة .
تحدث الملك دواني دون أن يلتفت إلى أبلج ناظرًا إلى اللاشيء أمامه قائلًا: أخبار إيه يا أبلج؟!
تنهد أبلج بحزن قائلًا: جزيرة النار بقت خالية جلالة الملك .
الملك دواني بشروده: اتحرر ؟؟
أبلج: من شوية لسه وصلاني أخبار أنه قدر يتحرر ويغادر جزيرة النار ، وده معناه أنه قريب أوي هيرجع .
الملك دواني: كنت متأكد أن ده هيحصل سواء دلوقت أو بعدين، في النهاية كان لازم يخرج، اليوم هيرجع لعالمنا.
انتبه أبلج للهدوء الذي يتحدث به دواني
فـ أجاب: جلالتك مش قلقان؟!
يعني أقصد أن رجوع الملعون ده فيه خطر كبير أوي علينا وعلى مُلكنا.
الملك دواني: مين قال إني مش قلقان؟!
لكن في إيه هيفيد القلق أو الخوف؟!
صمت للحظات أمسك بالتاج المتواجد على رأسه ووضعه أمام عينه ثم عاد في الحديث قائلًا: تفتكر كل المُلك إللي كونته ده والمكانة إللي وصلت ليها دي أني شبه ملك العالم كله، ممكن ييجي اليوم وأفرط في أي حاجة منه؟!
تحدث أبلج بثقة: أكيد لأ، مستحيل يعني .
الملك دواني: جاوبت على سؤالك بنفسك ، أنا أكتر حد قلقان من عودة أجاويد وأنا أكتر حد مش عايزه يرجع ومستعد أنه يعمل أي حاجة في الدنيا عشان يخلص منه، بس العصبية مش هتفيد في الوقت ده، الأمر بقى واقع .
أجاويد اتحرر ومن المؤكد أنه النهاردة هيكون موجود في مملكة الماء ومن بين اللحظة والتانية توقع هجوم علينا .
أبلج ضاحكًا: جنود الماء هما إللي هيهاجمونا؟
دول مش ربع الجيش بتاعنا ، هو بقاؤهم وأمانهم الوحيد أنهم يفضلوا ورا أسوارهم وكمان الوضع ده مش هيطول .
الملك دواني: رجوع أجاويد هيقلب كل حاجة في حربنا معاهم، المجموعة إللي مستخبية ورا أسوارهم هما إللي هيخرجوا ويهاجموا .
ده كله كوم وأقوى مجموعة فيهم كوم ، إن قدر أنه يوحد كل معشر الماء هنا لازم تخاف .
وكل ده برده كوم والأميرة ليليان كوم تان خااالص .
أبلج بعدم فهم: إزاي مش فاهم ؟؟
دواني: معنى أن الولد ده قدر يحضر ويحرر أجاويد يبقى مش هو الشخص إللي حامل روح الأميرة ليليان وإن في حد تان في عالم البشر معاه الروح دي، متنساش أبدًا ولا تستهين بقوتها، دي آخر سلالة الهواء لو اتحدت في صف أجاويد الموضوع هيبقى صعب أوي .
أبلج : طيب جلالة الملك ما ممكن إحنا نقدر نضم الأميرة ليليان لصفنا بأي شكل من الأشكال وبكده قوتنا هتزاداد بشكل كبير ؟؟
الملك دواني ضاحكًا : نضم الأميرة ليليان لصفنا؟!
ده شئ مستحيل الحدوث يا أبلج .
أبلج : ليه مستحيل ؟!
الملك دواني : ببساطه عشان كل اللي عملناه في عشيره الهواء ده جزء والجزء الأكبر أن الشخص اللي حامل روح اجاويد دلوقت هو ابنها ، يوسف ابن الأميرة ليليان .
أبلج بصدمه : نعم ؟!
مين ابن مين ؟!
الملك دواني : من اليوم إللي هربت فيه الأميرة ليليان من عالمنا وراحت عالم البشر بعتت وراها كتيرررر من مجموعات الاستطلاع لحد ما عرفت مكانها والجسد إللي لبسته والشخص إللي أتجوزته ، تفتكر إن عدى يوم واحد عليا من غير ما أعرف إيه إللي بيعملوه؟!
أنا كنت عارف كل حاجه بتحصل وبراقبهم كويس جدا ، يوسف إللي معاه روح اجاويد هو ابن الأميرة ليليان وبالتالي مستحيل أنها تسيب ابنها لوحده ، من اللحظه إللي قولت ليا عن طريقه قتل الولد لجويس والمجموعة وأنا تيقنت مين إللي عمل كده وأسلوب مين ده .
كان جالي الف فرصه اخلص عليهم كلهم لكن معرفش إيه الشئ إللي كان بمنعني في كده .
على أي حال مستحيل الأميرة ليليان تكون في صفنا وقريب أو بعيد هيتحدوا ، قوتهم هتبقى مضاعفه
تحدث أبلج بغضب: ليه كل الاحترام ده يا جلالة الملك، ليه بتعمل ليهم كل الحساب ده جلالتك لو بس أمرت أننا نهجم عليهم هنبدهم كلهم مش هيفضل منهم أي حد على وجه الأرض، لكن حقيقي مش عارف إيه السبب إللي جاعل جلالتك بتحترمهم بالشكل ده .
تحرك الملك دواني دالفًا للقصر متحدثًا: عدم إدراكك لقوة خصمك معناها نهايتك يا أبلج ، أعلِن في الجيش حالة الطوارئ .
أنهى حديثه مغادرًا المكان عائدًا إلى غرفته ، أما عن أبلج فلم يكن مقتنعًا بأي شيء مما تحدث به الملك دواني ، مُصرًا على أنه يملك القوة والبطش بقوة الجيش وكثرة عدده وأنه لا يجب عمل كل تلك الحسابات لشخص واحد حتى وإن اتحدت معه أميرة الهواء تلك، تنهد باستسلام ومن ثم بدأ في التحرك لتنفيذ أوامر الملك دواني بإعلان حالة الطوارئ في الجيش بأكمله، هو الأمر الذي بدأ يدق ناقوس القلق بين الجنود، للمرة الأولى تعلن حالة الطوارئ بين صفوف الجيش من آلاف السنين، بدأ يتسرب القلق والخوف بشكل كبير حتى ظهرت الهمهمات بين الجنود بعودة أجاويد وأن الجميع في ممالك النار بدأ يرتعب خوفًا من مجرد فكرة اقتراب عودته .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
وصلت أصالة بصحبة البقية إلى تلك الصيدلية التي بها مخزن السرداب، بطريقة أو بأخرى استطاع سديم فتح الباب دون أن يُحدث ضجة أو صخب في المكان لـ تدلف أصالة مستندة يوسف ومعها آسر إلى الداخل ومن ثم أغلق سديم الباب مجددًا ، تحركوا بهدوء حيث ذلك المخزن ، بدأت أصالة تتحرك بناظريها يُمنى و يُسرى في المكان ، هو في حد ذاته شيء مرعب أكثر من تلك المكتبة القديمة، آثار للمياه المتواجدة في أرض المكان وكأنه مستنقع طين، بعض الأثاث المُتهالِك المتواجد في أركان المكان ، خفافيش ظلام بدأ صوتها يصدى في أرجاء المخزن ، لكن دون أي وجود لأي باب ، لا يوجد في المكان أي باب للسرداب ، هو باب واحد فقط الذي دلفت منه .
تحدثت إلى سديم قائلة: فين السرداب ؟! مش شايفة أي حاجة هنا لا باب لسرداب و لا أي علامة على حاجة ، بس شوية ميه في الأرض وشوية حاجات قديمة هناك في الركن إللي هناك ده !!
ابتسم سديم ثم تحدث: الأول بس حاولي تفوقي يوسف وبعد كدة هقولك فين السرداب .
أصالة: حاضر ، بالفعل بدأت أصالة في إفاقة يوسف بهدوء حتى استعاد وعيه سريعًا لينظر حوله مندهشًا مما يراه ، آخر ما يتذكره هو تواجده في منزل أصالة فما الذي أتى به إلى هنا ؟؟
تحدث: أنا فين ؟!
سديم: حمد لله على السلامة، إحنا هنا على باب السرداب ، جاهز يا يوسف؟!
اعتدل في موضوعه ناظرًا إلى المكان لا يرى أي باب ولا أي علامة فأجاب: اه جاهز بس فين؟!
مش شايف أي باب يعني؟!
أصالة: هو ده إللي لسه حالًا كنت بقول عليه .
ابتسم سديم ثم أشار الى آسر فتحرك بهدوء جهة تلك الأشياء المتهالكة المتواجدة بركن المخزن حتى أبعدها جميعًا ليظهر من خلفها باب عملاق بالحائط .
نظر يوسف إلى أصالة بدهشة وكأنه يخبرها أنه أخيرًا وبعد كل العناء الذي عاشه فيما قبل قد وصل إلى ما كان يبحث، هذا هو السرداب الذي ظلَّ يبحث عنه لـ أيام طوال .
ذاك السرداب الذي من أجله فقد أعز وأغلى ما يملك.
سرداب الموتى الذي فقد لأجله صديقه باسم الموت .
ابتسم ثم تحدث لـ أصالة: السرداب يا أصالة!!؟
أجابته بابتسامة حاولت إخفاء كم الرعب الذي بدأ يتسرب بداخلها خوفًا من اقتراب موتها كما أخبرها كل من سديم وآسر، فتحدثت: أخيرًا، مبارك يا يوسف مبارك تحقيقك كل إللي عشت تدور عليه.
مبارك قدرتك على تحرير أجاويد ، مبارك كل حاجة وصلت ليها يا حبيبي .
يوسف بفرحة فلا يعلم خطر دخول أصالة ولا يدرك ما الذي سيحدث فور دلوفها معه دون روح تحميها، أو أنه يعلم جيدًا الخطر، إلا أن الفرحة بما وصل إليه قد أنسته ما سوف سيحدث فـ تحدث: مبارك علينا إحنا الاتنين .
آسر وكأنه يقصد أصالة بحديثه قائلًا: جاهزين للدخول؟!
ابتسمت أصالة فاهمة ما يرمي آسر ثم تحدثت: اه جاهزين .
بدأ كل من آسر وسديم يعاودا الجلوس أرضًا للتحدث ببعض الكلمات والحركات غير المفهومة، كل ما استطاع يوسف وأصالة تخمينه هو أن ما يقولانه هي طلاسم وتعاويذ لفتح الباب وبالفعل بعد وقت قصير بدأ الباب في التحرك ليظهر من خلفه ثقبٌ أسود عملاق بإمكانه ابتلاعهم جميعًا، علامات الخوف والدهشة زادت على وجه أصالة أما عن ذاك الذي ظل واقفًا بشموخه وكأنه خُلق ليكون ملكًا لم يهاب شيء، لم تظهر على ملامحه إلا الابتسامة التي زينت وجهه كـ بداية لحلم طال تنفيذه .
أخيرًا تحرك سديم من موضعه فأتبعه آسر هو الآخر .
تحدث الأول بصوت مجهد: دلوقت كل حاجة بقت واضحة مش فاضل بينك وبين السرداب إللي عشت تدور عليه إلا خطوات بسيطة ، لكن قبل ما تفكر تدخل هفكرك تان بكل شيء هيكون موجود قدامك من لحظة دخولك السرداب للحظة إللي هتخرج منه فيها للعالم التان.
ابتسم يوسف وتحدث: أنا مش ناسي أي حاجة وعلى استعداد كمان لأي شيء ممكن يحصل.
أصالة: معلش يا يوسف سيبه يفكرنا مش هنخسر أي حاجة.
يوسف: حاضر .
تحدث سديم: الثقب الأسود ده هو بداية دخول السرداب يا يوسف، أو هو الظلمة الأولى من ظلمات السرداب دي مفيهاش أي خطر لكن ما بعد كدة ظلمة الماء وظلمة النار .
زي ما قولت ليك أنت حامل روح ملك مائي وده هيمر بيك من ظلمة الماء وفي ظلمة النار العكس صحيح أن إللي هتمر بيه، ويبقى طلاسم السرداب ودي أنا وسديم قادرين نفكها ونمهد الطريق ليك لآخر نقطة في السرداب وهي باب عالم أرنغل وأنت مش محتاج أفكرك مين هناك أو قوته إزاي، أنا أو سديم مش هنقدر نعمل ليك أي حاجة في المعركة دي ، كل إللي هنقدر نعمله هو أننا نقف نتفرج بس مش أكتر، في عالمنا معارك الملوك محدش بيدخل فيها أيًا كان، ده أسف شرف المعركة، أنتم الاتنين وجهًا لوجه، دي تقريبًا كل حاجة .
لكن خوفي الوحيد هيكون من حاجة واحدة بس في المعركة دي .
يوسف بعدم فهم: إيه خوفك ؟!
سديم بأسف: أن لو قوتك مش كاملة للأسف مش هتقدر عليه ووقتها كل أحلامنا وأملنا هتتبخر بلا عودة، أرجوك حلم شعب كامل عايز يتحرر بين ايدك .
حلم شعب كامل نفسه ينهي كل الظلم والكبت إللي شافه على مر آلاف السنين بين ايدك ، انهي أسطورة أبان لحد كدة ..
تحدث يوسف بغرور لم يكن متواجدًا فيه من قبل قائلًا: متخافش، أنا قدها وأنا قادر أخلص على أي حد بالقوة إللي موجودة معايا ، أنا الملك الأعظم الأقوى، يلا بينا .
سديم: يلا بينا، أشار لآسر بأن يحضر شعلة من النار لتنير لهم طريقهم في ظلمة النار تلك ، بالفعل أحضرها ومن ثم دلفوا جميعًا إلى السرداب، داخل يوسف شعور لا يمكن أبدًا أن يضاهيه شيء، للحظة الأولى التي تطئ أقدامه أرض السرداب، نظر إلى أصالة بفرحة تكاد تتراقص في عينيه ثم همس لها قائلًا: بقينا في السرداب يا أصالة!
أنا مش مصدق نفسي ولا مصدق أي حاجة من كل إللي بتحصل دي حاسس إني بحلم .
اقتربت منه ثم تشبثت في ذراعه بقوة وأمالت برأسها أيضًا على كتفه ثم تحدثت: ربنا يديم فرحك يا حبيبي ، بتمنى تقدر تكمل المشوار وتوصل لكل إللي نفسك فيه، أنت تستاهل كل خير وفضلت تسعى ورا حلمك لحد ما بتحقق قدام عينك خطوة بخطوة، أنا معاك بقلبي وروحي قبل جسدي، حتى لو حصل ليا أي حاجة اتأكد إني معاك دايمًا وأبدًا.
يوسف: إيه لزمة الكلام ده ، إن شاء الله هتبقي بخير إنتِ ناسيه أن معايا أجاويد ولا إيه، هيقدر يحميني أنا وإنتِ مش تقلقي.
أصالة: إن شاء الله يا يوسف بتمنى .
في تلك اللحظة بدأ يظهر في الأفق شعاع نور ، فتحدث يوسف إلى سديم: إيه النور إللي هناك ده؟
سديم: دي بداية الظلمة التانية بحيرة من الماء المسموم لكن مش بحيرة ماء بشكل عرضي في الأرض، دي بشكل طولي من أرض السرداب إللي ماشيين عليها دي لحد سقف السرداب بارتفاعه ده ما يقارب أربعة متر.
يوسف بعدم فهم: يعني إيه ماء مسموم ، وعمقها كام، يعني عشان نمر منها كام متر؟!
تحدث آسر هذه المرة قائلًا: ماء مسموم ده اتعمل بتعويذة فيها سُم مميت للجن الناري ، تعويذة قادرة على حرقه فور أن يدخلها لو مش معاه بشري، البشري فقط جسده مش بتأثر بالتعويذة دي إلا أن مسافة المتين متر عمق البحيرة مستحيل شخص بشري يقدر يتحمل أنه يمر المسافة دي كلها دون تنفس، في الوضع ده سواء الجن المائي وإللي هو أصله من الميه مش بتأثر بالموضوع لا هو ولا الجسد البشري إللي هو فيه ، أما الجن الناري فـ الشيء الوحيد إللي بيقدر يعمله هو أنه بيمد الجسد البشري بطاقة أكبر تُمكِّنه من المرور من البحيرة هل في شيء مش واضح ؟!
وتمام نفس الموضوع في بحيرة النار ودي برده مصممة بشكل شعاعي، أو نار غير حارقة للجسد البشري لكن حارقة للجن المائي وده إللي برده بيكون فيه استحالة لمرور جن مائي منها دون جسد بشري، أظن دلوقت وضح ليه محتاج الجن لجسد بشري ؟!
وليه الجسد البشري محتاج لجن؟!
يوسف: اه اه فهمت ، بس الموضوع سهل أهو إحنا الكل معانا روح وجن مائـ......
لكنه توقف عن الحديث فور أن تذكر تلك التي تتشبث بذراعه، هي لا تحمل من الأساس أي روح أو جن سواء كان مائي أو ناري وبالتالي فـ أن أمر عبورها السرداب أو الظلمات بالمعني الأدق شيء لا يمكن حدوثه.
تحدث آسر: سكتت ليه، كمل كلامك، ولا لسه فاكر أن أصالة دون روح أو جن ؟!
تقريبًا بدأ الغرور يسيطر عليك يا يوسف وده شيء كنت خايف منه أوي، بدأ يسيطر عليك لدرجة إنك نسيت أمر إللي معاك .
رغرغت عيني يوسف بالدمع ثم تحدث: أنا ، أنا فعلًا نسيت بس أنا مش كان قصدي .
أصالة من غير روح ، لازم ترجع مش لازم تكمل معانا.
سديم: مبقاش ينفع رجوع ، دخول السرداب ملوش رجوع ، الباب اتقفل ومش هيتفتح إلا بعد شهر كامل من اللحظة دي ومع اكتمال القمر.
تحدث يوسف بغضب: إزاي يعني إزاي ، أنا مش هسيبها تموت ، أنا مش هكمل، لازم تخرجوها من هنا بأي شكل اتصرفوا .
آسر: للأسف مبقاش ينفع ، وهي عارفة ده كويس .
أخيرًا تحدثت أصالة: خلاص يا يوسف مبقاش ينفع، أنا دخلت وأنا عارفة أن دي نهايتي وأنا موافقة وراضية بكدة، بس عشان موتي أو موت زين مش يكون ببلاش ومن غير تمن لازم تكمل وتوصل لحلمك، لازم تكمل وتبقى الملك وتحرر العالم من الجن الناري لازم تكمل يا يوسف.
يوسف باكيًا: أنا مستحيل أن أكون السبب في موتك ولا هقدر أن أعمل كدة، إنتِ لأ يا أصالة إنتِ مش لازم تسيبيني لوحدي بالله ، أنا من غيرك ولا أي حاجة .
أصالة: من شوية قولت ليك يا يوسف أنا معاك دايمًا وأبدًا ، معاك بروحي وقلبي .
سديم: أنا أسف لو هقطع كلامكم لكن مفيش وقت لازم نتحرك بسرعة.
نظر يوسف إلى أصالة بحالته التي لا يُرثى لها تلك، يود ولو ينفجر المكان بأكمله حتى يعود بها من حيث أتى أو يموت معها ، لا يحتمل أبدًا موت شخص جديد بسبب ذاك السرداب اللعين وكأنه بدأ يتيقن بذلك المسمى الذي لُقِب به، سرداب الموتى .
نعم هو كذلك سرداب لا يحمل بين أسراره إلا موت فقط.
حاولت أصالة تهدئته فـ مسحت دمعه بيديها متحدثة بحنية: متقلقش ، ثق في نفسك، في قوتك وقبل كل ده ثق أن ربنا مش هيعمل إلا الصح، أنا واثقة في أي شيء بعمله ربنا وراضية بيه، أهم حاجة أنت لازم تثق بنفسك عشان تقدر تخرج أقوى ما لديك .
يوسف: أنا واثق ، أنا معنديش مشكلة، عندي القدرة أن أطلع كل طاقتي ، أنا بس خايف عليكي إنتي؟!
أصالة: متقلقش سيبها تيجي زي ما ربنا كاتبها، يلا بينا عشان مش نتأخر .
بالفعل بدأوا جميعًا في الاقتراب من شعاع الضوء ذاك رويدًا، فور أن وصلوا إليه طلب سديم من يوسف أن يتحول إلى قوته القصوى أما عن آسر فهو في تحوله للجن بجسد الطفل لا مشكلة في ذلك .
ابتعدت أصالة قليلًا عن يوسف حتى يبدأ تحوله، لحظات قليلة كانت هادئة قبل أن يعود الأسد الحبيس ذاك في الزئير بشكل قوي لتنتفخ عضلات جسده مجددًا ويستعيد هيئته التي كان عليها من قبل ذاك الكائن العملاق ، إلا أنه وكما فعل مسبقًا بدأ يثور في المكان، يتحرك بسرعة لا تقارن كـ وحش فتَّاك غير مُروَّض، أسد جائع تُرِك طليق في الأدغال .
لكن هذه المرة كانت قوته وسرعة تحركه أكبر مما ظهر عليها من قبل لدرجة أن سديم وآسر التصقا بجدار السرداب خوفًا من أن يصيبهم بطش ذاك الوحش الطليق، زئير وحركات سريعة، شيء يبث الرعب بين القلب، إلا أن تلك التي وقفت ثابتة موضعها لا تعلم بأي شكل أو من أين بكل ذاك الثبات، تود أن تهرول من المكان بأكمله خوفًا من ذاك المخلوق إلا أن و دون إرادتها قدميها ثابتتين على الأرض، قلب يرتعب خوفًا وجسد ثابت لا يهاب ما يحدث ، تحركت بثبات تام جهة يوسف لتقف أمامه مباشرة، فور أن اقتربت منه هدأ زئيره بشكل لا إيرادي حتى بدأ ينبطح على الأرض كـ هر أليف مطيع، مسحت على رأسه ليهدأ بشكل تام وكأن يديها تحمل مسكنًا له.
كانت دهشة وصدمة سديم وآسر هذه المرة لا تُوصَف حتى تحدث آسر بشيء من الجنون: إزاي؟!
إنتِ بتعملي كدة إزاي؟!
أجابت أصالة بهدوء: مش عارفة، مش عارفة من فين القوة أو الطاقة دي لكن أنا قادرة أحس وأفهم كل إللي بيدور جواه، وكأنه بيتكلم معايا رغم أن مفيش كلام ، قادرة أسمع كل حاجة بتدور جواه مش عارفة إزاي !!
هدأ سديم قليلًا ثم اقترب هو الآخر بهدوء من يوسف أو جسد وقوة أجاويد إلا أنه فور أن اقترب منه زأر أجاويد في وجهه بشكل مفزع حتى أن نابيه العملاقين قد ظهرا بقوة وحِدة حتى أن تحدثت أصالة: اهدأ ، اهدأ ، وبالفعل استجاب لها وعاد إلى هدوئه .
سديم: هو في إيه؟!
أصالة: هو خايف منك ، ابعد شوية وسيبه لحد ما يهدى ويقدر يستوعب وجودك ووجود آسر، تقريبًا تحوّله بيستنزف كم كبير من طاقته فـ بتعب أعاصبه إلا أنه بيكون خايف من وجود أي حد حوليه بسبب وجوده آلاف السنين لوحده في جزيرة النار .
آسر بصدمة: إيه الثقة إللي بتتكلمي بيها دي وإيه كم المعلومات دي، وليه مش خايف منك إنتِ؟؟
رغم أننا من عشيرته وإنتِ لا؟!
ابتسمت أصالة ومن ثم أجابت: بجد مش عندي إجابة، لكن زي ما قولت ليك أنا قادرة أحس بكل حاجة جواه وتقريبًا هو كمان حاسس بيا .
بالفعل لحظات بسيطة حتى بدأ أجاويد يستعيد وعيه لينهض من موضعه بشموخ وزائرة قوية يعلن منها استعادة وعيه.
تحدثت أصالة: الحمد لله إنك بخير ، إحنا بقينا في السرداب .
تحدث بصوته العملاق: عايز أرجع لعالمي ، عايز أرجع لممالك الماء .
سديم: إحنا في الطريق ، يلا عشان نمر من بحيرة الماء .
أجاويد: يلا بينا .
فور أن تحدث تحرك متقدمهم جهة البحيرة من ثم اتبعه سديم وآسر، أما عن تلك التي تحركت من خلفهم بخطوات متثاقلة كـ ذاك الذي يسير جهة موته بقدميه.
توقف أجاويد للحظة ناظرًا لها، بداخله شيء غريب جهتها، لا يعلم ماذا ولكن هنالك شيء غريب يثور بروحه بسببها ابتسم ثم بدأ في دخول البحيرة.
دلف خلفه سديم ومن ثم آسر .
قرأت أصالة الفاتحة ومن ثم نطقت بالشهادتين ثم بدأت هي الأخرى في الدلوف ، كتمت أنفاسها ومن ثم بدأت تسبح خلفهم في الماء.
إلا أنه وكما قال سديم مسبقًا لن تتحمل كثيرًا وبدأ الأكسجين والهواء يتسرب منها وينفذ حتى بدأت في الغرق ، لا مكان ولا مجال للرجوع ولا حتى المساعدة.
صراخ غير مسموع يخرج منها تحت أنظار عيني أجاويد الذي يبكي متسمرًا في مكانه ليس بمقدوره فعل أي شيء .
حتى أن سديم أمره بالسير إلى الأمام فـ أمرها قد انتهى إلى هذا الحد وأن التأخير ليس لصالحهم .
رفض أجاويد التحرك من موضعه ثم بدأ يهرول جهتها يحاول ضم بعض الهواء إلى رئتيها إلا أنه من أين للهواء في وسط تلك المياه التي تحاوطهم من كل مكان ، للحظة بدأ جسد أصالة يهدأ ، لم يعد يخرج أي نفس منها، الجسد بدأ يرتفع إلى أعلى المكان، وسط بكاء أجاويد الذي لا يُرى بسبب المياه المتواجدة بها، إلا أنه صرخ بأقصى قوته صرخة هزت المياه المتواجد بها ، صراخ بكاء وحزن يخرج من صميم القلب ثم سقط على ركبتيه برأس منحني إلى الأرض .
أما عن سديم وآسر ينظران إلى جسد أصالة ذاك الذي يرتفع إلى أعلى الماء بعينين جاحظتين، لا يصدقان ما تراه أعينهم كـ شيء من الخيال، شيء لا يمكن أن يصدق ، للحظة يعود جسد أصالة في الحركة مرة أخرى
كـ شخص كان في غيبوبة الموت وبعد فقدان الأمل في حياته واعتباره من عداد الموتى عاد مجددًا إلى الحركة والحياة .
بشيء جنوني بدأ يظهر حول جسدها فقاعة عملاقة من الهواء، ليعود إليها النفس والهواء بشكل طبيعي، كـ دائرة فارغة في منتصف الماء، دائرة لا يظهر بها إلا أصالة فقط.
أفاقت بصعوبة مما حدث لها في ظل صدمة ودهشة سديم وآسر وذاك الذي سقط أرضًا
مازال لم يرى ما يحدث إلا أنه لم ينهض إلى أن أتاه صوت أصالة: يوسف ، يوسف .
انتبه إلى الصوت الذي ناداه لينظر أعلى ويجد تلك التى تتحرك وتقترب بالفقاعة وكأنها متحكمة فيها بشكل سَلِس جدًا .
نهض من موضعه سريعًا يقترب منها زائرًا بقوة ومتحدثًا: أصالة، الحمد لله إنك بخير ، إيه الفقاعة دي وإيه إللي حصل إنتِ كويسة؟!
أصالة بابتسامة: أنا بخير الحمد لله، معرفش إيه دي أو جت إزاي لكن أنا قادرة أتنفس كويس مليانة هوا .
يوسف بفرحة: الحمد لله ، الحمد لله إنك بخير، يلا يلا ينمشي ونخرج من البحيرة دي بسرعة.
سديم في ظل صدمته مما يحدث، للمرة الأولى يرى شيء هكذا للحظة شعر أنها تمتلك قوة خارقة، فـ أين لها مما حدث من الأساس، إلا أنه بالفعل تحرك سريعًا حتى قطعوا البحيرة ليصلوا إلى بحيرة النار مارِّين بها بنفس ما حدث في بحيرة الماء إلا أصالة، فتلك الفقاعة التي حاوطتها ما زالت تحميها.
أخيرًا خرجوا جميعًا من الظلمات الثلاثة حتى تبخرت تلك الفقاعة التي كانت حولها تهرول بسرعة البرق ملقية بنفسها بين أحضان يوسف.
ضمها بهدوء وسط جسده المتحول ذاك قائلًا: روحي كانت هتروح معاكي لو كان حصل ليكي حاجة.
أصالة: مكنتش متخيلة أن ممكن أعدي ، أنا مش عارفة إيه إللي حصل من الأساس .
يوسف: ولا حد فينا عارف إللي حصل لكن مش مهم، المهم إنك بخير .
سديم بابتسامة: حمد لله على سلامتك يا أصالة، للمرة الأولى من يوم ما اتعمل السرداب ده، بشري يمر منه دون روح، إلا أني حاسس إن في روح بتحميكي بس مش عارف إيه هي.
المهم بعد ما يقرب متين متر مننا باب السرداب وأبان ، جاهز يا يوسف أو من أول دلوقت اسم يوسف هيختفي اسمك أجاويد ، جلالة الملك الأعظم أجاويد.
نظر إلى أصالة ومن ثم عاد النظر إلى سديم متحدثًا: متقلقش هقضي عليه بسهولة.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
يتبع ...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~