الفصل التاسع والعشرين

سديم بابتسامة: حمدلله على سلامتك يا أصالة، للمرة الأولى من يوم ما اتعمل السرداب ده، بشري يمر منه دون روح، إلا أني حاسس إن في روح بتحميكي بس مش عارف إيه هي.
المهم بعد ما يقرب متين متر مننا باب السرداب وأبان، جاهز يا يوسف أو من أول دلوقت اسم يوسف هيختفي اسمك أجاويد، جلالة الملك الأعظم أجاويد.

نظر إلى أصالة ومن ثم عاد النظر إلى سديم متحدثًا: متقلقش هقضي عليه بسهولة.

آسر: مش عارف ليه مش متطمن، فيه حاجة جوايا قلقاني جدًا .
نظر له سديم بعدم فهم ثم تحدث: مش متطمن ليه!!
فيه حاجة؟؟
آسر: لا مفيش حاجة لكن مش عارف، بتمنى الأمور تعدي على خير والثقة الزايدة دي تكون لمصلحتنا مش ضددنا.

يوسف: أكيد إن شاء الله هتكون لينا مش تقلق أنت، يلا بينا نتحرك.

بدأ سديم في التحرك متقدمًا المجموعة حركات هادئة ومتزنة خاصة ومع اقترابهم من الباب خطوة وراء الأخرى.
لم تكن المسافة كبيرة أو الوقت الذي قطعوه فيها كبير، فقد وصلوا إلى الباب.

الباب الذي يُخفي خلفه الكثير والكثير من الأمور والأشياء المخيفة، يكفي فقط أنه وفور أن يتم فتحه سيكون الصدام مع أقوى جنود النار الرصد المخصص لحماية السرداب أبان.

تنهد سديم تلك التنهيدة التي أتت من أعماق قلبه قائلًا: جاهز يا جلالة الملك؟!
نظر يوسف إلى أصالة بابتسامة كأنه يحاول أن يستمد منها قوة إضافية فوق قوته ثم أماء إلى سديم بالإيجاب.

أشار الأخير إلى آسر ليقترب منه ويعاودا الجلوس أرضًا لتكرار الأمر الذي فعلوه في المخزن عند الباب الآخر للسرداب.

لكن قبل أن يبدئا في فعل شيء، هذه المرة سمع الجميع صوت الباب يُفتح بصوته العالي ليخرج من خلفه ذاك العملاق أبان بقوته الجثمانية وضخامة هيئته، لتكون نظرات سديم وآسر هي الدهشة والتحجر من الحال والهيئة التي صار عليها أبان، حينما غادروا أرض أرنغل لم يكن أبدًا بكل تلك القوة والهيبة.
أما عن نظرات أصالة فكانت الأكثر تعبيرًا ووضوحًا لهذا الوحش الذي شبه أغلق الباب بجثمانة العملاق لتخرج منها تلك الشهقة التي تبعها حركة يدها السريعة على فمها، وكأنها تخبر نفسها مَنْ هذا العملاق؟!
من أين أتى هذا المخلوق المرعب؟! جسده يكاد يكون ضعف هيئة وقوة أجاويد الجسدية.

لكن أجاويد لم يغير ما رآه شيء من ثقته بنفسه وعزيمته، حتى وإن كان أقل منه في القوة الجثمانية، إلا أن لديه من الثقة والثبات ما يرسخ في داخله أنه الأقوى.

ابتسم أبان ساخرًا: يااااه يا سديم أنا تقريبًا كنت قربت أنسى شكلك أنت والخادم بتاعك.
بس كنت متأكد أنه هييجي اليوم إللي موتكم أنتم الاتنين هيكون على ايدي، زيكم زي أي حد من كتيبتك.

تنهد سديم ثم تحدث: لسه زي ما أنت يا أبان مغرور زيك زي كل قبيلتك، طول عمركم عايشين في غرور بأي حاجة.

أبان: ده مش غرور يا جندي الماء، دي ثقة في النفس، دايمًا إحنا الأقوى وإحنا الأفضل وكل شيء في العالم ده لينا، لكن مفيش حاجة لسه زي ما هي، أنا مش زي ما كنت زمان يا سديم، كل جندي كنت بقتله من كتيبتك كانت طاقتي بتزيد، طاقتي وقوتي دلوقت أقوى من قوى ملوكك يا جندي.

سديم: واضح يا أبان واضح، واضح أن الجندي القديم لجيش النار، الجندي الشجاع المخلص بقى وحش كاسح.
واخد بالي يا أبان، واخد بالي جدًا، بس ممكن أسألك سؤال؟!

أبان ساخرًا: هعتبره طلبك الأخير قبل الموت، أنت وكل إللي معاك ، اسأل!؟

سديم بحزن: تفتكر أبان دلوقت أفضل ولا أبان القديم؟!
صمت أبان للحظات ثم تحدث بتوتر: يعني إيه مش فاهم ؟!
أكيد طبعًا أبان دلوقت أفضل بكتير، أبان دلوقت معاه القوة، معاه السيطرة، أبان دلوقت قادر على تحطيم كل شيء، قتل أي شخص، أبان قريب هيكون الجان التانِ في جيش النار .

ابتسم سديم بحسرة ثم تحدث: غلطان، غلطان أوي يا صديقي، أبان القديم أفضل ألف مليون مرة من الشخص إللي موجود دلوقت، وكان مكنش له حروب، كلنا كنا عايشين في سلام، ممالك العالم ده كله كانوا عايشين في سلام.
كنت صديقي المفضل والأوحد يا أبان، أنت كنت الشيء الوحيد الجميل في حياتي، كل حاجة زمان كانت أفضل، كل حاجة قبل الحرب كانت أجمل.
أبان زمان كان جان أكتر شيء بيكرهه في حياته الحرب، كان بيخاف من القول وبيخاف من الموت، كنت قائد في جيش الماء، وصديقي أبان كان مسالم.
أبان زمان كان أفضل بكتير صدقني، أبان إللي كان بيخاف عليا من مجرد التدريبات إللي بتدربها، إللي كان يفضل يستناني أخلص التدريب، إللي كان داعمي ومشجعي الأول والأخير .
أبان صاحب أطيب وأطهر قلب في العالم، أبان زمان كان أفضل بكتير أوي صدقني، أما الجان الموجود دلوقت مجرد آلة بيحركها دواني بسهولة جدًا، مجرد آلة لا قيمة لها كل شوية يعطيها أوامر وهي معندهاش حرية الاختيار أو الرفض، آلة مجبرة على التنفيذ.
الجان الموجود دلوقت هو مجرد أداة للموت وسفك الدماء وبس، فـ أي مقارنة عايز تعملها؟!
أي مقارنة؟!
إيه إللي غيرك بالشكل ده يا صاحبي؟! إيه غيرك كدة؟؟
تحدث أبان بغضب: وأنت يهمك في إيه كل ده؟!
يهمك في إيه يا سديم؟!
أنا زمان كنت أفرق معاك في حاجة؟؟
زمان كنت أنا الجان الضعيف، أنا الجان إللي دايمًا بحاول أبعد عن المشاكل وعن أي حاجة وبرده كنت بكون الوحش والغلط، أنا زمان كنت الطيب والخواف والجبان وبرده مش كنت بفضل في حالي وكنت بعاني .
ما أنت كمان كنت صديقي الوحيد لكن عملت ليا إيه؟!
قدَّرت أي حاجة من إللي كنت بعملها ليك؟!
مقدرتش أي حاجة يا سديم مقدرتش أي حاجة، دايمًا كنت انا الغلط، أنا إللي أشيل ذنب أي حاجة تحصل حتى لو مش ليا ذنب فيها.
أنا اتقتل ولادي وزوجتي قدام عيني من قبائل الماء، من عشيرتك يا سديم.
ماتوا قدام عيوني وأنا مش قادر أعمل ليهم أي حاجة.
أما أنا دلوقت؟!
أنا الأقوى، أنا الأضخم، أنا إللي قادر آخد حق ولادي ومراتي من كل جندي مائي، أنا إللي قادر أدوس على القلب في كل مرة يحن، قادر أعيد ذكرياتي القاتلة، موت ولادي وموت مراتي ، أنا إللي عانيت من الحرب دي، أنا أكتر واحد اتأذى منها يا سديم أنا ومش هتراجع للحظة في إني أقتل أي جان مائي، أيًا كان يا سديم أيًا كان.

سديم بحسرة: يخسارة يا صاحبي والله ، عمرك ما كنت كدة، بس لازم تعرف أننا مش إحنا إللي بدأنا الحرب، ملكك هو اللي بدأ.
زمان كنا عايشين في سلام، لكن ملكك هو إللي قضى على السلام والأمان في عالم الجن، طمعه وجشعه هما إللي قضوا على الخير والسلام هنا ، إحنا كنا مجرد جنود بندافع عن أرضنا وأنت عارف كدة كويس.

أبان بغضب أكثر: تدافع عن أرضك من الجنود إللي بيحاربوك، إنما تقتلوا أطفال ليه؟! تقتلوا جنيات ليه؟!
ليه يا سديم ليه؟؟
الأطفال هيحاربوا؟! هيأذوكوا؟!
سديم : مكنش مقصود يا أبان صدقني، زي ما في الوحش في جنود النار في الوحش في جنود الماء، ودول كانوا قلة جدًا، وجنود النار مش سابوا لا كبير ولا صغير في أرضنا.
قتلوا كل إللي كان موجود.

أبان: أنا مليش دعوة، أنا ليا بنفسي، بكل إللي حصل ليا، كفاية لحد كدة، انتهى الكلام يا سديم، استعدوا للموت.

في تلك اللحظة همست أصالة إلى سديم ويوسف قائلة: حاسة إني قادرة أسيطر عليه، قادرة أقرأ أفكاره، شايفة جواه روح طيبة لوثتها كل الحاجات إللي موجودة حوليها.

نظر إليها يوسف بعدم فهم: قادرة تسيطري
عليه؟! إزاي؟!

سديم: عندك حق ، هو غير الشخص إللي باين عليه ده.

أصالة: مش عارفة، بس حاسة إني قادرة أسيطر على روحه، حاسة بكل إللي بيحصل وبيدور جواه وبكل الهيجان إللي حاصل في روحه، ذكريات حزينة كتير بتدور جواه.

يوسف: بلاش إنتِ يا أصالة عشان خاطري، أنا مش حمل يحصل ليكي شيء، أنا قادر أقضي عليه وبسهولة أيًا كانت قوته.

سديم : ملوش لزمة الحرب أو القتال لو هي هتقدر تتحكم في روحه.

تحدث يوسف هذه المرة بغضب: انتهى الكلام، ابعدي إنتِ يا أصالة عشاني، أنا قادر أقتله ، اسمعوا الكلام أنا الملك.
تنحى سديم جانبًا ليعود بجوار آسر الذي يقف في صمت تام، لا يود أن يحدث مكروه لأبان رغم علمه أنه لو اتيحت الفرصة لأبان بقتلهم جميعًا لن يتردد في ذلك .
بدأ جسد أبان في التحول بشكل أكبر مما كان عليه جسده يشتعل بالنيران، خروج مخلب حاد من طرف يده.
اقترب يوسف ليصبح في مقابلته صارخًا بقوة كأنه يستجمع كل طاقته، بالفعل بدأ جسده يزداد في الحجم، لكنه لم يصل إلى حجم أبان ومن ثم خرجت ثلاث مخالب من أطراف يده، تحدث إلى أبان قائلًا: سمعت كتير عنك، سمعت إنك الوحش المرعب الموجود في السرداب، أن مفيش أي جان بقدر يمر منك أو يهزمك، لكن اليوم هو اليوم الأخير ليك مش في السرداب بس، لأ في العالم بأسره، أعرفك بنفسي، أنا الملك المنتظر، أنا أجاويد العظيم.
بعد أن أنهى تلك الجملة لم ينتظر ردًا من أبان،
فـ بدأ في الهجوم عليه بسرعة البرق مسددًا ضربة إلى وجهه، إلا أن أبان تفاد الضربة بمهارة رائعة ومن ثم سدد ضربة إلى بقبضة يده إلى صدر أجاويد دون أن يتفوه بشيء كانت كفيلة بإسقاطه أرضًا إلى خلف ما يقرب مسافة عشر أمتار .
كانت ضربة كفيلة برسم علامات الصدمة والدهشة على وجوه الثلاثة الواقفين يشاهدون النزال .
عاد أجاويد ليقف على قدميه مجددًا بكبرياء الملوك بعد تلك الضربة التي سُددت له بمهارة كبيرة لن يستطع تفاديها، تحدث قائلًا: مش وحش، ضربة مش وحشة لكن أنا الأقوى، ثم بدأ مجددًا في الهجوم على ذاك الذي يقف في ثبات بابتسامة دون أن يتحرك من موضعه.
بدأ أجاويد في تسديد الضربات السريعة إلى أبان، إلا أنه كان يتفادى كل الضربات بمهارة لا توصف دون أن يتحرك من موضعه، فقط كان يميل جسده يمينًا ويسارًا متفاديًا هجوم أجاويد حتى بدأ يشعر بنفاذ طاقة ذاك المستمر في الهجوم دون توقف فسدد هذه المرة ضربة على أحد مخالب أجاويد ليحطمه تمامًا ومن ثم سدد ضربة جديدة إلى صدره أطاحت به مجددًا.

ضربة كانت كفيلة بإثارة الرعب داخل أجاويد بعد أن تم تحطيم أحد مخالبه.

تحدث آسر بحزن: ده إللي كنت خايف منه، الثقة الزيادة عمرها ما هتخليه يكسب النزال ده، طاقته لسه مش كملت ولا عمرها هتكمل بالشكل ده.
الغرور هيقتله.
تحدث أبان لأول مره منذ أن بدأ النزال قائلًا بسخرية: لو أعرف أن الملك إللي الكل خايف من وجوده ضعيف بالشكل ده مكنتش تعبت نفسي في حراسة سرداب لآلاف السنين.
هي دي كل قوة الملك الأعظم للماء؟!
تلك الجملة التي استفزت أجاويد فـ عاود في الهجوم مجددًا بغضب زائد، هي هذه المرة بدأ أبان في التحرك وكأنه اكتفى من الدفاع مقررًا الهجوم، بالفعل بدأ الهجوم هذه المرة من الجانبين، ضربات أجاويد التي يستطيع أبان تفاديها بشكل مستمر ، بعض الضربات التي ليس لها تأثير ، أما ضربات أبان فكانت جُلها تُصيب أجاويد تقريبًا .
لم يستمر النزال لوقت طويل حتى سقط أجاويد بعد أن خارت قوته، نفذت قوته بأكملها دون أن يستطيع فعل شيء ، حتى أنه لم يصب أبان بضرر يذكر .
اقترب منه الأخير وكأنه قرر إنهاء الأمر وتدمير تلك الأسطورة الزائفة ، تلك الأسطورة التي ظلت قبائل الماء ترددها آلاف السنين .
يقترب منه رافعًا مخلبه العملاق إلى السماء يستعد إلى أن يطيح برأسه من أعلى جسده تحت أنظار كل من سديم وآسر ، يقفان متفرجان لا يمكنهم التدخل في النزال من قريب أو بعيد ، فقط كل ما يمكنهم فعله هو المشاهدة وحسب.

اقترب أبان من أجاويد حتى صار واقفًا بجانب رأسه تمامًا تحدث بسخرية: كنت أتمنى تكون النهاية مشوقة أكتر من كدة، أو حتى فيه بعض الإثارة في الموضوع، لكن أنه يخلص بسرعة كدة؟!
أنا نفسي مش استمتعت لكن ما علينا، يلا ابتسم فـ أنت ميت.
أنهى جملته ضاحكًا بصوتٍ عالٍ حتى أنه بدأ يسدد ضربته القاضية إلى الملقى تحت قدميه، إلا ودون أي مقدمات تعلقت يده في الهواء وكأنها تجمدت.
تلك القبضة التي كانت تستعد لتنفيذ القاضية، تجمدت في الهواء دون أن تسقط إلى أجاويد ، تجمد أبان بأكمله في موضعه للحظات ظن فيها الجميع أنه قد مات، إلا أنه وبعد ثوان معدودة بدأ يعود إلى الخلف بشكل مفاجيء، اختفى الجزء الحاد الذي كان في قبضة يده ، أمسك رأسه بيديه الاثنين وبدأ في الصراخ بقوة رهيبة وكأن الصداع قد أصاب رأسه يكاد يجعلها قنبلة مؤقتة تكاد تنفجر .
صراخ مستمر وحركات عشوائية يتطاوح يُمنى ويُسرى يكاد يسقط أرضًا.
هو الشيء الذي لم يستطع تفسيره سديم أو آسر كل منهما ينظران إليه دون فهم ما يحدث .
حتى هذا الملقى أرضًا، ذاك الذي كان في عداد الموتى منذ لحظات لا يكاد يستوعب ما يراه وما يحدث .
لم ينتبه أي منهم لتلك الجالسة خلفهم أرضًا مُربعة قدميها، واضعة يديها على ركبتيها، مغمضة العينين، وكأنها في جلسة ويچا خاصة للعلاج النفسي .
لحظات بسيطة ومن ثم بدأت تنهض من موضعها متقدمة جهه ذاك الذي يعاني صداع الرأس كأن أحدًا ما يسيطر على علقه وتفكيره ، استمرت في التقدم في ظل صدمة الجميع حتى أن أصبحت أمامه مباشرة .
ظلت مغمضة العينين وكأنها في كامل تركيزها ، مدت يدها بهدوء تام حتى تلامست جسد أبان ليبدأ صراخه في التلاشي تدريجيًا وحركاته العشوائية تلك تهدأ تمامًا ، لحظات بسيطة كانت كفيلة بهدوء أبان بشكل تام منبطح أرضًا
كـ حيوان أليف تحت سيطرة سيده تمامًا .
نظر أجاويد إلى سديم وآسر بصدمة كانت واضحة من عينيه ثم أعاد النظر إلى أصالة برعب متحدثًا: إزاااي ؟!
إنتِ بتعملي كل الحاجات دي إزاي إنتِ مين ؟؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي