الفصل السابع والعشرون

وقصي يعني الامان لها والاطمئنان لهم ..زفر عندما تذكر نقاشه معه " انا سمعت كلام حضرتك في الاول ماجابش معاها نتيجة .. بعد اذنك سيبني اتعامل معاها بطريقتي ..
وعندما لاحظ القلق بحدقتيه اكمل
:  ماتخافش عليها وانا معايا ..ثق فيا "
نظر إلى حنان التي لم تكف عن البكاء جواره
: قالي هيكلمنا في اقرب فرصة علشان نتطمن عليها ..
____________________
الحياة صدف ام اقدار ..حقيقة ..ام مجرد خيال ..
هو لا يملك الاجابة ..لكن على الاقل يملك حقيقة صغيرة ستذكره بها مادام حيا ..
حياة ..حياتة الصغيرة
: يعني كدخ خلاص انا مش هشوف حياة تاني ..
قالتها الصغيرة التي تجلس جوار والدها بحزن ، على متن طائرة لا تعي وجهتها ..وربما هو أيضا ..
تحمل جروها ذو الفراء الابيض الزغبي فوق قدميها تملس فوقه بيدها الصغيرة الرقيقة بحزن ..
امسك ابيها بيديها ..هي الصدفة التي جلبت القدر ..او العكس، لا يهم ..
: هبقى اخليكي تكلميها ..
اتسعت ابتسامتها ولو امكن ان يتخلى عن كل شيء ويحظى بمخزون ابتساماتها ككل ثروته لفعل..
: بجد يابابي ..انا بحبك اوي ..
قالتخا بسعادة بالغة فالتقط يديها الصغيرة الناعمة يقبلها بحب حيث يمنعه حذام الامان بالطائرة عن احتضانها
: وانتي حياتي ..
لفظها وهو يرى امام ناظره حياته السابقة قبل الولوج الى عالم الشياطين ..
ودعت عجلات الطائرة رائحة الاوطان تعلو شيئا فشيئا حتى حلقت في سماء الغروب راحلة ..ربما تعود مرة اخرى لكن الجدير بالذكر ان احد راكبيها لن يعود ابدا ...
_______________________

مقدورك أن تمضي أبداً في بحر الحب بغير قلوع

وتكون حياتك طول العمر كتاب دموع

مقدورك أن تبقى مسجوناً بين الماء وبين النار

فبرغم جميع حرائقه، وبرغم جميع سوابقه

وبرغم الحزن الساكن فينا ليل نهار

وبرغم الريح وبرغم الجو الماطر و الإعصار

الحب سيبقى يا ولدي أحلى الأقدار

استمع إلى كلمات تلك القصيدة التي باتت ترتبط بها بشكل ما ..تسكن قلبه ..ويغذوه دخيل جوارها يسمى الكآبة ..كل محاولاته بائت بالفشل الذريع في طلب مسامحتها ..الان يلتزم بنصيحة اخيها الذي بدوره يتخذ صفها ضده متذكرا ما قاله له ..
" اصبر عليها ياحمزة ماهو مش زرار هتدوس عليه وتسامحك ..سارة لازم تاخد فترة تصالح مع نفسها الاول تستعيد فيها سلامها النفسي "
امتعضت ملامحه يتحدث بخفوت حانق ..
: عاملي فيها الدكتور النفسي اللي مافيش منه ..
زفر بحنق متذكرا حديث سالم عنها " دماغها جزمة قديمة "
: والله كان معاه حق ..
: انت بتكلم نفسك ياحمزة ..؟
قالتها تفيدة باستنكار ..تنهد بتعب تبوح عينيه بالكثير مما يعج بداخله ..
: لسة بردوا مش عايزة تسامحك ..؟
منحها نظرة معذبة ..وبنظرتها الثاقبة ذات الخبرة المثقلة بسنوات عمرها تعلم انها تبادله الحب والعذاب معا ..
: سيبها يا حمزة ..
انطفأت عينيه بلون قاتم ..ينظر اليها مستنكرا وكانها لفظت بما يعاكس طبيعة الكون ..
: سيبها ياابني لو في نصيب ربنا هيوصله من تاني ..لكن بالشكل ده انت بتضغط على نفسك وعليها ،صدقني انا بقول كده لمصلحتك ..
جميعهم برأي واحد ..نصيحة واحده ..تركها ..والفكرة ليست من ضمن مقترحات اختياراته ..هي هدف نصب قلبه وعقله وعينيه وكيانه ..كيف له تركها
: تيتا انا مش هسيبها ..انا بحبها ..
ابتسمت بيقين
: عارفة ..وعارفة انها كمان بتحبك .. سيبها تاخد وقتها زي ما آدم قالك ..انت وجهتلها اهانة مش بسيطة ياحمزة ..جرحتها ..وده حقها ..
الاخيرة خرجت مغلفة بالعتاب ..
استقام خارجا ويبدو انه لا يحبز الأحاديث حول تركها وما شابه ..تنسج افكاره عدة محاولات اخرى لا تنتهي ..
كانت البداية شجار حاد وعصفور جريح ودموعها هما اول لقاء ..
لما لا يختلق لقاء جديد ..عصفور ورسالة ما ،
ولا ضير من وجود دموع هي بداية لرحلة ابحار فوق بحر العشق ..
_______________________
تشعر وكأنها ولدت من جديد  ..
قدر جديد ..
بداية جديدة ..تطمس خلفها الكثير من النهايات السيئة ..
ودعت طرقات البؤس العسرة ..
تخطو نحو درب الرغد ..
لتتمثل أولى خطواتها في وظيفة بإحدى شركات الهندسة ...
ها هي الان تجلس بابتسامة مشرقة كنور الصباح الذي يناوش فنجان قهوتها فوق سطح ذاك المكتب الصغير بإحدى غرف الموظفين ..تتذكر حديث آدم لها ..
" انتي محتاجة تغيري روتينك يا سارة ،لازم تخرجي من دايرة الملل دي ..لازم تشتغلي .. الشغل ابتكار والابتكار هيفرق معاكي جدا "
ثم رشح لها شركة صغيرة يمتلكها والد احد اصدقائه ..وفي حديث مطول ادى إلى تناول حبة من دواء آلام الرأس مع احدى الموظفات شديدة الثرثرة علمت ان  ابن صاحب الشركة يباشر اعمال والده الكترونيا من الخارج و لا يأتي سوى للضرورة القصوى ..وكم هو وسيم الطلة مفتول العضلات خفيف الظل وثرثرة أخرى حول لون شعره ودرجة لون عينيه النادره مما اضطرها إلى اخذ حبة دواء أخرى ..
اندثرت ابتسامتها عندما تذكرت كم المحاولات التي خاضها حمزة لينال مسامحتها بعد ذلك اليوم بالمشفى  ..وهي تزداد اصرارا في كل مرة على عدم مسامحته ..تتأثر بمحاولاته وينهار جدار صمودها وريما كانت تبتسم عندما تتذكرها بمفردها ..بكنها سرعان ما تهيد ترميم جدارها مرة اخرى بالرفض..
قطع حبل افكارها دخول تلك الموظفة الثرثارة تحمل بين يديها ملفات عدة قائلة في ارتباك وهي تعدل بسبايتها عويناتها السميكة ..
: انسة سارة لو سمحتي ..هعطلك معلش امضي هنا ..
ثم مدت لها ورقة ما ،لتنظر لها سارة بعدم فهم تتحدث بضيق ..
: امضي على ايه يا علا ..ايه الورقة دي ..؟
ونالت هي جلسة ثرثرة اخرى حيث وضعت علا ما بين يديها فوق المكتب تجلس بأريحية تقص عليها قصة حياة صناعة الورقة حتى مفاد المنصوص فوقها تكمل قائلة
: ودي عقود جديدة بقى غير القديمة بمعظم البنود ومرتب اكبر و....
: بس يا علا خلاص ..مش انتي عايزة امضتي؟ اهي ..
قاطعتها بها سارة توقع فوق الورقة ..خرجت علا بعدما اخذت ما تريد ..
نظرت إلى اثرها بامتعاض تتناول كوب القهوة ترتشف منه القليل ..
: هتطير فنجان القهوة من دماغي ع الصبح ..
رجعت مرة اخرى توصل حبال افكارها لتتلتحم صورته بمخيلتها وغيوم الحزن السوداء تحجب بريق العسل بعينيها ..
انسكبت القهوة فوق المكتب عندما اجفلت على صوت علا المهلل فرحا تدخل الغرفة على حين غفلة قائلة ..
: ساراااة ..ابن صاحب الشركة جاي بكره في ميتينج مفاجئ ..
رفعت يديها تقبض على شيئا وهميا بالهواء غيظا وغضبا .. تشير لها باليد الأخرى بالخروج
: اطلعي بره ياعلا ..بره ..
حمحمت علا بإحراج تخرج من الغرفة مغلقة الباب خلفها ،نهضت تنقذ ما يمكن انقاذه من اروارق اتلفتها قهوتها كما اتلفت علا مزاجيتها الصباحية ...
____________________
الشياطين فخاخ بعضهم بعضا ..و لكل شيطان نهاية يستحقها ..
اقتحموا مجموعة من الرجال مكتبه يمسكون برجاله بشكل مريب ..استقام ينظر اليهم بتفاجئ ..وقد شكلوا حلقة دائرة باجسادهم الضخمة حوله ..تحدث بنبرة من الجحيم الذي ربما يناديه الان متعطشا لدمائه ..
: من انتم .. ماذا تريدون ..؟
ابتسم احدهم ابتسامة جانبية مستعرة ..
: مبعوثوا السيد ديفيد ..واسوده
تنفس مراد الصعداء يتسائل
: ولما تلك الضجة في الدخول ..الا تعلمون من انا ..
: نعلم جيدا سيدي ..لكنها اوامر ..
بعدم فهم نظر لهم .. قائلا بغضب
: اي اوامر تلك التي تدعي اقتحامكم منزلي بتلك الطريقة ..؟
في حركة مباغته .. كان جميع رجاله يطرحون ارضا اثر رصاصات قاتله ..
حدق بجثث رجاله بغموض اقرب للخلل ..تحدث بخفوت ..
: طعام الاسود اذا ..؟
لتأتيه الاجابة بنبرة شيطانية متقنة ..نبرة كالفحيح ..
: الاسود تريد طعما حي ..
كان المتحدث ابعد شخصا عن خياله الان ..كان المتحدث عمر ..اتسعت عيني مراد بصدمة  ..صدمة تعادل حجم الكون ، يرتجف جفن عينيه اليسرى بعنف .. اقترب منه عددا كافيا من الرجال لتقيده عندما اشار لهم عمر بابتسامة شيطانية ..وكاميرا صغيرة تبث ذلك الحدث اللطيف.. والشهي على حد تعبير الاسود ...
_________________________
في حكايا الاميرات بعد البؤس تنعم الاميرة مع الحبيب فوق نسمات العشق ..
اما هي فتختلف ..
هي اميرة ذاقت من البؤس مايكفي ..ومع الحبيب لا تجد سوى المزيد منه ..
تستلقي على جانبها الايمن ،فقط تحدق في اللا شيء امامها ،
منذ خروجه من الكوخ وهي مستيقظة ..
ابتسمت ابتسامة مزيج من الحزن والسخرية ..
فلم تعد تخاف الوحدة .. تخلصت منها وربما تركتها في ذلك الركن القاعي بذاكرتها الذي تركت به جميع ما مضى ..
تخلصت من مخاوفها ..كفاقد بصر ركض بهلع نحو مجهول فاصتدم بصخرة ..
صخرة مخاوفه ..
الصخرة تهشمت وهو ابصر ...
الان مخاوفها جبل.. إبصاره لعنة ..
فكرة فقده .. تجثم كالجبل فوق قلبها ...
افكارها تجوب جدران رأسها بصراع ، بين الافصاح عن سبب هروبها و تشويه علاقته بوالدته التي لم تنعم بوجوده بعد ..
ام كتم الامر داخل صدرها بأرق والمضي ..
في كل مرة تهرب منه إليه ..
تجيد الهروب و تناوشها فكرة البوح بما يعج الما بصدرها ..
تتذكر ذاك يوم رجوعها ، اول هروب ..
تسللت حمرة طفيفة نحو وجنتها  ..
اضطربت خفقاتها كرفرفة عصفور يحلق تحت نور الشمس ..

Flash back

العشق ادراك ..والادراك لعنة ...
وقف امامها لاهثا قلبه ..
يرتوي بادراك جميع حواسه لوجودها ...
تنعكس صورتها بعينيه ..فتدرك مرآها ..
يحتضن وجهها بين يديه ..فيدرك ملمس وجنتيها بأطراف أنامله ..
تنصت اذنيه متلهفة لخفقاتها فتدرك وجودها ..
احتلت القسوة نظرة عينيه ..حاوطت انعكاس صورتها بحدقتيه ..عندما لمح رفضها لاقترابه ..دفعها الواهي له ليبتعد عنها
: انتي مراتي ..
سخرية قاتمة احتلت نبرته ..
: والمرة دي بموافقتك يا حياة ..
اغمضت عينيها بحزن احرق قلبه .. لتتساقط من كلتاهما دمعة ..
خربطة مشاعر ..بين نبضة فرح وشعور خزي وانكسار سيلازمها بعقد زواج ..
تذوقت مرارة العيش لما هو آت ..كيف ستتحمل وجودها برفقة من لا يرغبون بها من الاساسا ..بحجة رباط مقدس .. قيود تنحر شراينها حتى الهلاك ..عقد زواج ..
تركها فجأة بقسوة ادركتها ..
جذب كرسي بجوار الفراش، وضعه امامها جالسا عليه مشيرا نحو الفراش ..
: اقعدي ..
نبرته لا تبيح شيئا بعدها سوى الانصات لآوامرة ..
جلست تمسح عينيها بظهر يديها استعدادا لوابل نظراته التي تكاد تخترقها كالرصاص ..تحاصرها فلا تستطيع الفكاك ..
: مشيتي ليه ..؟
اهدته نظرة كالوقود ..حدقت قليلا بعينه ثم تصلبت نظرتها فوق الارض ..
: كنتي متفقة معاه ..
اتسعت عينيها وسؤاله يمرر ما هو اعمق ..
نفت سريعا ..
: لاء ..
: ايه اللي حصل ؟ ..
سردت له تفاصيل هروبها منذ ان خرجت حنان من الغرفة وحتى موافقتها بعرض علاء لها بالمساعدة ..
ملامحه تتوحش ..يتبخر الامان شيئا فشيئا ..الان تخافه بشدة ..
: وايه اللي اضطرك تمشي ..
هدوء نبرته لا يبشر سوى بالعاصفة ..
وهي ايقونة الغباء ..بحسن نية ارادت تضليله عن حقيقة سبب هروبها ..بصوت مرتعش ..وأيديها في شبه قتال مرتبك
: انت كنت ااا، ما كنتش بتاخد رأيي في أي شيء يخصني ..كنت بتهمشني دايما كأني ماليش وجود ..
بدأت العاصفة ..عاصفة بلا زعابيب ولا اعاصير ..عاصفة كالهواء السام ..تخنق ..تحبس انفاسك خوفا دون عنف ..
ابتسم بانفعال موحش .. و في عرف الابتسام لا وجود لابتسامته ..عينيه اصبحت رمادية النظرة .. صمته دب بأوصالها الرعب ..صمته مرر لها انه لم يصدق ذريعتها الواهية ..ثم تحدث بهدوء ..بكلمات تضيق عليها القيد حول رقبتها ..تخنقها ..
: يعني مشيتي من البيت ، روحتي عند واحد غريب في شقته علشان ما بخدش رأيك ..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي