الفصل الثامن والعشرين

داخل المكتب ..
اطبق قبضته فوق ذراعها بقوة ..يتحدث من بين اسنانه غاضبا من ذلك الشرط الذي وضعته امام زواجه منها كالعقدة ..
: شوفي بقى  كل واحد رجعله حقه ..سارة تسامحني ماتسامحنيش هتجوزك يعني هتجوزك ياقمر .. حتى لو اضطريت اتجوزك بالغصب هتجوزك ..
تحدثت بألم
: ايدي يا سالم ..بتوجعني ..
فك حصار ذراعها من قبضته ..لتلومه نظرتها معاتبة اياه تدلك ذراعها بيدها الاخرى ..
زفر بغضب لألمها ..
رفعت رأسها بشموخ يدرك  هو مدى جديته
: وانا ما بجيش بالغصب يا ابن عمي ..
تبدلت حالته مائة وثمانين درجة ..من غضب قاسي لابتسامة واسعة وغمزة واقتراب ..
: طب بإيه ..؟
علمت ما تبيته نية اقترابه ..ليكمل
: بالرضا ..؟
رمت قلبه بسهام نظراتها نحو عينيه ..اقترب منها حتى بات لا يفصلهما سوى انفاسهما ..لم يلاحظ التماعة المكر بعينيها وهو يقترب من شفتيها يخمن مذاقهما بأفكاره ..لتدفعه دفعة عنيفة بصدره جوار جرحه الشبه ملتئم ، فتأوه مبتعدا عنها
ابتسمت بخبث تخرج من المكتب وقبل ان تغلق الباب تحدثت بدلال بما جعل خفقاتة تتراقص على انغام عشقها ..
: بعد كتب الكتاب الاول ..
________________________________
انتهى مما كان يؤرق ضميره تجاه سالم وما فعله بمخازنه ..
يحاول الان ان ينتهي مما يؤرق قلبه ..
تأكل عجلات سيارته الطريق من تحتها ..حيث لديه موعد عليه اللحاق به ..
رفع سماعة الهاتف فوق اذنيه متحدثا ..
: آدم ..انا قدامي ساعة و اوصل حاول تعمل حاجة عطلها بأي طريقة كل حاجة هتبوظ لو سارة  وصلت قبلي ..
ليرد آدم على الجهة الاخرى من الهاتف بحنق يحاول عدم ابداء ان من معه على الهاتف حمزة ..حيث سارة تجلس جواره بالسيارة في طريقهم إلى عملها ..
: حبكت ياعم عبده مشوارك ده دلوقت ..طيب طيب ما تقلقش هتصرف لحد ما تيجي ..
تحدث حمزة باستنكار ..
: عم عبده ..ماشي عم عبده عم عبده ،على الله نعجب اختك بس وترضى علينا ..
انهى المكالمة معه يحاول ان يصل للاجتماع قبل المعاد المتفق عليه ...
__________________
حسنا .. لم تستطيع خنق عبراتها كما يفعل هو بها  فأطلقت لها العنان ..تشهق بآسف باكية ..
: ماكنتش أعرف انه كده والله يا قصي، ماكنت اعرف ان كل ده هيحصل ..
وانخرطت في البكاء ..
بسيناريو رومانسي لا يجوز في تلك اللحظة سوى عناق وقبلة عاشق يبث بها الامان لحبيبته ..
اما هو فمزق السيناريو ..وقتل المخرج وجميع فريق العمل ..و يبث هو ملحمة عشق بطلتها الوحيدة هي ..
بكل جنون ..غضب ..انفعال ..زعق يخرج بعضا مما يؤلمه حد القتل ..
: ولو ماكانش كده كنتي كملتي  ..!! ..المبدأ نفسه غلط ..
هو يحترق.. ولا مانع من بعض الشظايا تنالها هي كي تشعر بما يشعر به ..يجلدها بسوط كلماته ولا طاقة لها حتى في ابداء الالم ..
انكمشت على نفسها خوفا
: انا مالقيتش قدامي غيره ..ماكنش عندي حل تاني ..ماكانش ليا مكان تاني اروحه ..كنت خايفة ..
احاطت جسدها بذراعيها ببكاء وبرودة اللحظة تجتاحها ..
اما هو تجتاحه نيران حارقة تشتعل بأوردته ..
كانت خائفة ولم يكن جوارها ..كانت خائفة ولجأت لغيره ..بركان يبتلعه ..او هو يتجرعه لا فارق ..
احكم مراد اللعبة بشكل صحيح ..القى الطعم وبكل سذاجة كان هي ..
مارد الغضب التحم ومارد العشق ليكونا اسوء وحشا على الاطلاق ..
استقام يفرق بعضا من غضبه، دافعا الكرسي بقدمه نحو الحائط فتهشم ..
لفها الدوار فبدت في امس الحاجة لذلك السيناريو الممزق ..
فقط عناق و قبلة  ..و تغفو في هدنة .. او بالأحرى هروب ..
: انا تعبانة .. عايزة انام
ليستكمل سوطه وصله العقاب فيما بعد ..
نبرة احتياجها لتوقف النقاش بينهم اخترقت قلبه ..اذابت قشرة القسوة من حوله كما تذيب اشعة الشمس الجليد ..
استقام مبتعدا عدة خطوات والعاشق بداخله ينهره بانها لن تتحمل قسوته ..اما الغاضب فيحاول اسكاته .
نزع ساعته ومتعلقاته الشخصية عن سترته ..
ثم خلعها يحل ازرار قميصه حيث استطاعت هي التنبؤ بما سيحدث ..
فاستقامت في محاولة فاشلة للتفكير ..شل عقلها وجميع افكارها سوى فكرة واحدة فقط ..وسؤال ..
هل سيسن عقابه لها تحت عقد زواج ..؟!!
اقترب منها ببطء يصك اسنانه غضبا حيث قرأ افكارها من خلال خطواتها الخائفة المبتعدة للخلف ..
وفي لحظة جذبها نحو الفراش يحيطها بذراعيه في ذعر كامل استوطن بها ككل ..
جسدها يرتعش وعينيها تتصلب فوق اللا شيء ..
كادت ان تفقد الوعي ..
: ماتخافيش .. كلامي لسه ما خلصش معاكي ..
نبرته الهامسة باطمئنان اخترقت خوفها فبددته ..
: نامي يا حياة وماتخافيش ..
اعاد السيناريو بطريقته الخاصة ..حيث شدد من ضمها بإحكام نحو صدره يقبلها بعمق فوق جبهتها ،ثم دفن انفه بين خصلاتها مستنشقا عبق وجودها معه ..قطعة روحه ونبض قلبه ..الذي عاد اليه بعد الموت
اطبقت جفنيها فوق صورته بحدقتيها وقلبها ..
ثم غطت في نوم عميق ...
Back
منذ ذاك اليوم وكل ليلة لا تنام سوى بين ذراعيه ..
انتبهت إلى صوت ولوج المفتاح بالباب فتصنعت النوم ..
دخل يحمل اكياس الطعام  بين يديه، لاحظ ارتعاشة جفنيها فعلم انها مستيقظة ..وضع ما بين يديه ..وفي لحظة ترددت بفتح عينيها عندما عم الصمت المكان ..
لتشهق فجأة عندما استشعرت دفء انفاسه قرب وجهها
: بتعملي نايمة ليه ..؟
قالها بنبرة هامسة دافئة ..
استقامت نصف جالسة فحاصرها بين يديه ..
خفقاتها تضرب بجنون ..تصل إلى مسامعه كمعزوفة عشق ..
اقترب هامسا حتى ثقلت انفاسها ..
: انتي فاشلة في التمثيل على فكرة ..
رمشت بأهدابها ثم رفعت الستار عن حدقتيها تنظر إلى عينيه مباشرة ..
ضيق ما بين حاجبيه بغموض ..
عشقها بحر غايته فيه الغرق ..فتباً لجميع السفن ..
: عارفة لو فكرتي تسيبيني تاني ياحياة ..
وما بعد " لو " لا يجوز الافصاح عنه ..
ما بعد " لو " ..الجحيم ذاته ..
انتبهت ..ترقبت ..وجلت ..
معها فقط يبيح ظهور ذلك الطفل الذي كان يخاف الظلام بداخله ..
معها فقط يمكنه اظهار نقاط ضعفه ..
التي تتلخص جميعها في كونها هي ..
غامت عينيه بدكنة احتياج .. لمستها هي ..
رفعت اناملها بخجل تحيط وجنته تمتزج نظراتهما معا بين عشق وندم وخوف ..
خوف الفقد الذي مازال شبحه يحول بينهم ..
: مش هسيبك تاني ..اوعدني انت ما تسيبنيش ..
تحولت نظرته لنظرة قاتمة حيث احتل افكاره مراد ..
فقد استمعت هي حديث علاء له في ذلك اليوم اثناء قتالهم عن ذهابه اليه او ما شابه
استقام مبتعدا بجفاء معاكس لما كان عليه ..وبنبرة احتلها الغضب رغما عنه حاول اخفائه ..
: يلا قومي علشان تاكلي ..
استقامت تنفض عنها الغطاء تتمسك بذراعه تتوسله برجاء
: علشان خاطري ما تسبنيش ..انا مش هقدر اعيش من غيرك ..
نظر اليها دون تردد جذبها نحوه يحتضنها بين ذراعيه ..
ومذاق الجنة بين ذراعيه ..
تود لو تبقى فقط هكذا للابد، لا تفارقه ..
بأرقى لغات العشق يخبرها بأنها باتت نبض قلبه ..
ليمارس القدر دوره في صوت اشعار لاستقبال رسالة ..
رسالة تدعم بقاء العشق للأبد ..تماما كما ودت هي ..
رساله لن يعرف باعثها الحقيقي ..
احاط وجهها بين كفيه  مبتسما، يطبع قبلة رقيقة فوق تلك الشامة التي تعلو شفتيها ثم تركها خارجا ..
: لحظة واحدة هشوف حاجة وجاي ..
اندثرت ابتسامته ما ان خرج يتطلع بالهاتف ..
سرعان ما لانت ملامحه تتسع عينيه لما يشاهده ...
برغم من كونه اراد وبشدة تمزيق مراد باسنانة ،وربما جمع رصاص العالم وافراغه فيه دفعة واحدة، الا انه شعور انساني تسلل من بين مشاعره بالرفض ..
بالنفور .. عندما شاهد ذلك الفيديو الذي تلقاه صباح اليوم ..
مراد مقيد اليدين والقدمين ..تقوم بتمزيق اطرافه باستمتاع مجموعة من الاسود المفترسة .. تطلق حنجرته خوار وليس صراخ ..امتزج صوته بزئير الاسود التي تسيل دمائه من بين انيابها ليكونا سيمفونية مرعبة ..
شكر فعلته بخروجه عندما استلقى الرسالة المدمجة بذلك المقطع البشع ..
مقطع ذو جودة عالية لا تبيح التلفيق ،
رغم ذلك شاهد بعينين غامضتين بتمعن ..نظرات لا تخلو من الشك ..
وما ان انتهى المشهد بجسد مراد يرتعش باحتضار تنكب عليه الاسود متلذذة بالتهامه ..
تلقى رسالة ..
قلبت موازين عقله ..
( انتهى امر مراد ،رافقته شياطينه إلى الجحيم ..عش بسلام حياة طيبة )
حالة من التخبط تمكنت من افكاره ،
بين ذلك المجهول الذي يهمه امره لتلك الدرجة ..وبين احتمالية خديعة أخرى من مراد ...
" ذلك المجهول الذي كان في يوم من الايام والده "
________________________
تأتي فرص النجاة من حيث لا ندري.. فقط لمن يتقي الله ...
تكالبت عليه الديون التي ربما تنتهي به في السجن ..
لا سبيل له للسداد ..
ورغم ذلك نفذ وصية عمه المؤجلة ..كان يأمل بمسامحة سارة له لكنها ابت ..
اعطى لكل من سارة وآدم نصيبهما ..
وتصدى للديانة من كل الجهات ..
ليفاجأه القدر ..بالخلاص ..المخرج ..
جلس مشدوها ينظر إلى حقيبة النقود امامه فوق سطح المكتب ..لا يصدق ..يتمتم من بين شفتيه بالحمد ..
يتنهد براحة مبتسما يتذكر حديث حمزة معه منذ قليل ..
( الفلوس دي مش علشانك ..دي علشان الناس الغلابة اللي بيوتهم هتتخرب بسبب حريق المخازن )
الطبيب النبيل ذو الضمير الحي ..
دخل اسماعيل على ملامحه غم وهم ..
: وبعدين يا اخوي هنعمل ايه مع الفلاحين والتجار ..؟
ابتسم سالم يدير حقيبة النقود نحو اخيه الذي حدق بها بعيون متسعة فرحا ..
: بلغهم ان فلوسهم هتوصلهم على داير مليم يا اسماعيل  ..

_________________

منذ نشأة القمر والليل يحاوطه ..لا ينفك عنه ..
غارقا تماما بقلبه ..
نففضت عن عشقها له غبار ذنب لم يقترف ..منذ ذلك اليوم بالمشفى ، عندما وقفت برفقة دموعها وخفقاتها المتراقصة تبكي تارة وتبتسم تارة اخرى ،تستمع الى حديثه مع ابنة عمهم " سارة " ..
لم يفعل ..لم يقترف ذلك الذنب الذي كان يقف بينهما كالجدار المقيت  ..
لم يفعل ..
رفعت يديها فوق موضع قلبها وكأنها تخبره ..
" فالتخفق الان دون ألم .. ساكنك الوحيد لم يرتكب تلك الفاحشة "
عادت جميع الحقوق لاصحابها ،سارة وآدم وصلهما ارثهما كاملا ..
جلست تنظر إليهم بكل الحب ..عائلتها تجمعت من جديد بافراد جدد ..
ابتمست حيث من حين لآخر يُكتشف لهم ابناء عمومة ..
واخوة ..
توقفت نظرتها  بدفء فوق وجه حور ..اختها ..
صغيرتها التي توغلت محبتها بداخلها وكأنها رافقتها منذ الصغر ..
بدى لها العشق يقوم بدوره بجدارة حين لمحت تواصل نظرات حور واسماعيل
تجلس جدتها جوار سالم بابتسامة دافئة تربت فوق كتفه بحب ..
اماهو فنظراته ..خفقاته ..جميع خلاياه ..موجهة اليها ..تجري بدمائه هي مجرى الدم ..
غمز لها خلسة فنهرته بعينها قبل ان تبتسم  تطرأ رأسها ارضا بخجل ..
ارتفعت رأسها بإجفال .. حين دخلت امها مهللة
التفتت جميع العيون والاذان نحو فاطمة التي تطلق زغاريد يبدو انها ستتحول لصراخ بعد قليل ..
كان اسماعيل اول من تحدث بابتسامة مترقبة ..
: خير يا مرات عمي، في ايه ؟
لهثت فاطمة بعد توقفها تلتقط انفاسها قائلة
: قمر ياولدي ..
تيقنت قمر بما ستتفوه به فسريعا توجهت نظراتها اليه ..
وليتها ما فعلت ..
عينيه فوهتي بركان تندلع منهما النيران
: قمر جالها عريس انما ايه، من اعيان البلد ..
نظر اسماعيل نحو سالم الذي يجلس فوق جمر مشتعل ..
كم اراد حدج فاطمة به الان ..
وحور بكل برائة خطت نحو اختها الكبرى تقبلها مباركة ببلاهة وابتسام ..على حد تعبير " سالم المشتعل "
: مبروك يا اختي مبروك يا حبيبتي ..
انفجر البركان ..
انفجر ينثر قطرات بركانية فوق الجميع واولهم تلك المسكينة حور ،التي زعق بها متهكما  ..
: هو ايه اللي مبروك يا اختي مبروك ياحبيبتي ؟
سريعا عادت ادراجها نحو اسماعيل تختبئ خلف ظهره ..ليتمكن منه الغضب لرؤية خوفها ..
: بتزعقلها ليه يا سالم ..ما تزعقلهاش كده ..حور ما تعرفش ..
انطلق الغضب بلا حد  .. وجه حديثه إلى فاطمة ..
: وانتي يامرات عمي داخلة ويك ويك ويك ..خلاص جوزتيها واحنا قاعدين ..
نظرت اليه فاطمة باستغراب تتحدث مبررة ..
: ما قصديش حاجة ولدي ، انا الفرحة مش سايعاني بس ..
: ما تسعكيش  ..قمر مش هتتجوز ..
شهقت فاطمة بفزع مبالغ فيه تصفع صدرها بصدمة ..
ليكمل جاذبا قمر من ذراعها نحو مكتبه بخطوات سريعة غاضبة ..
: قمر مش هتتجوز حد غيري ، كتب كتابنا هيكون الاسبوع الجاي ..
حدقت به جميع العيون حين اخذها داخل المكتب مغلقا الباب خلفه ..
وبعد لحظات من الاستدراك ..انطلقت زغاريد الجميع ..حتى الجدة اقسمت ان تطلق زغاريد الفرح رغم وهن حنجرتها ...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي