الفصل التاسع والعشرين

ممرضة دمرت حياتي

الحلقة التاسعة والعشرون

......................................

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله

شعر حكيم بالنار تأكل جسده جراء تصرفات والدته
ولكن ما باليد حيلة .
فهي أمه ولا يستطيع عصيانها .
وبالفعل ذهب بها إلى المستشفى ،وبالكشف عليها .
أكد الطبيب أنها.......لا تعاني من شيء بفضل الله , وصحتها جيدة .

الطبيب.....حضرتك كويسة ماشاء الله ، مفيش أي سبب عضوي
للي قولتيه ، لكن ممكن يكون سبب نفسي .
حاولي تغيري جو وأنتِ هتهدي وهتكوني زي الفل .
فاستغلت كريمة سريعا تلك النقطة ، فرددت ببكاء مصطنع ...آه
يا دكتور ، عندك حق ، هو نفسي صح .
تصور بعد ما خلفت وربيت وتعبت ، تيجي وحدة تاخده مني
على الجاهز كده ، وعايزاه لوحدها بس ، وهو كمان ما صدّق ومش شايف غيرها قدامه ومش بيراعي خاطر أمه اللي تعبت وشقيت وسهرت عشانه .
فجحظت عيني حكيم قائلا بلوم وعتاب ...كده برده يا ماما ، بتقولي كده عليا أنا .
أمال مين اللي ساب عروسته ليلة فرحه وجيه معاكي يطمن عليكي .
ومين اللي وقفت وعملت الشاي بفستان الفرح لحضرتك عشان تراضيكي .

فشك الطبيب في والدة حكيم ، فحدث حكيم قائلا...ممكن لحظة ، ثم أخذه إلى باب الحجرة يحدثه بقوله ...لا ده أنتوا شكلكوا حكاية ، وباين كده على الست الوالدة أنها بتغير أوي من مراتك .
لكن لازم تكون حكيم فعلا في اتزان الأمور بين أمك ومراتك .
ومتجيش على حد على حساب الطرف التاني .
ثم ضحك الطبيب قائلا ....ومكنش ينفع أمك يعني تقعد معاك أول أسبوع جواز يا أخي .

ابتسم حكيم قائلا....أعمل إيه ؟ كنت هوديها فين بس ،
هو أنا كنت أقدر أقولها سبيلي بس أسبوع أتهنى فيه .
دي كانت تموت فيها وربنا .

الطبيب ...طيب أقولك حاول تاخد عروستك وتسافر أي مكان أسبوع عسل كده، عشان تاخد راحتك بدل كتمة البيت دي.

حكيم. ..وأنت تظن أنها هتسبني برده ، أكيد هتسافر معايا .

الطبيب ...لا كده تبقا حالتك صعبة أوي وربنا يكون في عونك صراحة .
وربنا يهديلك الست الوالدة ويصبر زوجتك عليها .

حكيم ..يااارب .
ثم ردد ...يلا بينا يا ماما نروح ، وأديكي سمعتى كلام الدكتور ، أنك بخير الحمد لله.

كريمة ...وأنت برده سمعته ، ربنا يهديك على أمك وتاخد بالك
مني يا ابن بطني .

حكيم بغيظ ...أكتر من كده ، وحاضر يا ماما .
ليعود بها إلى المنزل .

كريمة ...ما تيجي يا ضنايا ، تبات معايا أحسن .
عشان أكيد يعني مراتك في سابع نومة دلوقتي .

حكيم بغيظ ...عادي لو نايمة ، أهو أنا كمان أنام عشان ارتاح .
أدخلي أنتِ يا ماما ارتاحي .

كريمة محدثة نفسها ....هو أنا عمري هرتاح ، طول ما أنتم الاتنين قافلين على نفسكم باب واحد .
ولكنها لم تجد مفرّا سوى الاستسلام ،لأنها لم تجد حجة أخرى ، لتمنعه من الدخول إليه إلي غرفته حيث توجد العروس المسكينة المكسورة في أهم يوم بحياتها.

كانت حنين مستيقظة ، ولم يغمض لها جفن بسبب شعورها بالإنكسار والحزن في ليلة العرس التي كانت يجب أن تكون
من أسعد الليالي .
وعندما شعرت بحركة الباب ، ادعت النوم ، فلم يعد لها رغبة
بعدما حدث .
ولج إليها حكيم ووجدها نائمة ، فتنهد بنفور ...برده نامت ، أعمل إيه دلوقتي ؟
دي إيه الجوازة دي يا ربي، أنا بجوز عشان أفرح ولا يتنكد عليا .
ولا خيبتي الكبيرة بسبب أمي .
ده الناس خيبتها السبت والأحد وأنا خيبتي ما وردت على حد .
أمري لله ،أنا كمان هلكان وعلى أخري وعايز أنام .
يلا الحمد لله ،المهم أنام وهي جمبي، دي لوحدها نعمة كبيرة أوي ، كنت بتمناها كتير ، أني أصحى ألاقيها جمبي .
فولج للمرحاض واغتسل وارتدى منامته ثم خلد إلى الفراش .
أخذ يتأملها كثيرا بحب وهمس وهو يمسح على وجهها برقة ...بحبك أوووي يا حنين .
وانا آسف أوي أوي على اللي حصل ، بس صدقيني غصب عني مش عارف أعمل إيه ؟
ثم طبع قبلة خفيفة على جبينها ، وحاوطها بذراعيه .
ليذهب في نوم عميق من كثرة الإجهاد .
وبعدما تأكدت حنين من نومه ، فتحت عينيها لتتأمله بجانبها ، ثم تبتسمت محدثة نفسها ...أنا كمان بحبك أوي يا حكيم ،وعشان كده بستحمل كل اللي بتعمله خالتي وبدعي ربنا يحنن قلبها عليه وتحبني .
وتسبني أعيش سعيدة زي أي زوجة .
وانت كمان سامحني أني عملت نفسي نائمة بس غصبا عني ،نفسي مكسورة ومليش نفس لحاجة أبداً .
ثم أغمضت عينيها مرة أخرى وذهبت للنوم أيضا .

أما كريمة ...فلم تنم كثيرا بسبب غيظها وحقدها على حنين ، فقامت مبكرا .
ثم أمسكت بالمكنسة الكهربائية ذات الصوت العالي وقامت بالتنظيف بها ، رغم أن البيت نظيف، وهذا لكي تقلق نومهم .
ليفزع حكيم وحنين من الصوت ، فيقوم حكيم على الفور ، ليرى مصدر الصوت .
فإذا بها والدته تنظف السجاد بالمكنسة الكهربائية .

فضرب حكيم كفا على كف قائلا ...بتعملي إيه بس يا ماما
على الصبح كده ؟

كريمة بسخرية ... زي ما أنت شايف يا ابني ، بنضف بنفسي ، واسمي جوزت ابني .
بس أقول إيه ؟
سيباكم نايمين في العسل ، فقولت أنضف أنا وأمري لله .

حكيم ...عسل !!
خليني ساكت أحسن.
بس تنضيف إيه بس ؟
دي الشقة لسه مفروشة والسجاد جديد .
ومحدش جه زارنا لسه .

كريمة ...يوه ، مش دخلنا بالليل ودخلت حماتك يا أخويا .
وأكيد ده لم تراب .
وإحنا محبس ذرة وحدة تراب في البيت ، أنت عرفني بحب النظافة قد إيه ؟
ويعالم مراتك كده ولا هتتعبني وتضايقني .
بس الجواب باين من عنوانه أهو، لسه نايمة لغاية الظهر .
وسمعاني بنضف ولا همهمها .

فسمعتها حنين فحركت رأسها بأسى مرددة ....لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
شكلي داخلة على أيام ما يعلم بيها إلا ربنا .
اصطبحنا واصطبح الصبح لله .
لما أقوم أحسن .

فارتدت عباءة جميلة ورفعت شعرها للأعلى مع وضع بعض
من المساحيق البسيطة ، فزادها رقة وجمالا .
وخرجت قائلة ...صباح الخير يا خالتي .

تفحصها حكيم بإعجاب شديد ،وود لو حملها وأدخلها مرة أخرى للغرفة لينعم بها ولكن لا يستطيع بسبب والدته .

لاحظت والدته نظراته لها فقالت ...صباح الخير يا حنين .
وإيه اللي لبساه ده على الصبح ؟
وإحنا ورانا شغل بيت تنضيف وفطار وغدا .
أدخلي خدي من عندي أي جلابية قديمة ولما تخلصي شغل ، ابقي غيري .
وامسحي المكياج ده ، هو أنتِ خارجة ، ملهوش لازمة الدلع ده .
فنظرت حنين إلى حكيم لعله ينصرها ولو مرة واحدة ، ولكن وجدته كعادته في ضعفه واستسلامه امام والدته، حيث اكتفى بقوله ....ماما اصبري عليها شوية ، دي لسه عروسة.
وكمان خالتي هتجيب الأكل والبيت نضيف .

كريمة...وأنا يعني هقعد على لحم بطني لغاية ما خالتك تجيب الأكل .
لا أنا مينفعنيش الكلام ده .
يلا يا بنتي اعملي زي ما قولتلك ، وادخلي المطبخ حضري الفطار .
حنين محدثة نفسها ...طيب يا حكيم ،والله لأعلمك درس مش هتنساه ، طول عمرك ولا هتمس مني شعراية .
يا حبيب أمك أنت .
وبالفعل اتجهت لارتداء جلابية قديمة ، وربطت شعرها بإيشارب يخص خالتها ، ثم خرجت أمامهما وعينيها مليئة بالتحدي

وعندما رأتها كريمة ابتسمت قائلة ...أيوه كده يا بنتي .
يلا حضريلنا فطار ملوكي، فطار عرايس بصحيح .

ثم أشارات إلى حكيم قائلة...وتعال أنت يا حكيم يا ابني، نتفرج على برنامج حلو أوي على التلفزيون اسمه ...ست الحبايب .

حكيم ...طيب روحي أنتِ يا ماما ، وأنا هشوف حنين ، إن كانت محتاجة حاجة ولا مش عارفه مكان حاجة .
عشان دي أول مرة تدخل المطبخ هنا.

كريمة ...لا تعال معايا أحسن وسيبها هي تستكشف براحتها
كل حاجة ، ومتبقاش متكتفة .
تعال يلا عشان احكيلك موضوع الست هاجر مع جوزها، واللي عمله فيها .
وبالفعل سار وراءها حكيم وترك حنين ، تغسل الأواني بدموع عينيها حزنا على كسر فرحتها.
وبينما هي كذلك ، أعلن الباب عن قدوم طارق فقزت حنين فزعا وحدثت نفسها قائلة...دي تلاقيها أمي ، يا لهوي هتشوفني ازاي كده ، بالجلابية بدل قميص النوم وروبه الأبيض في الصباحية .
كده هتتقهر عليا وتروح زعلانة ، وأخاف عليها الضغط يعلي.
لا هستخبى بسرعة وأغير هدومي.
ثم سمعت صوت والدتها وهي تطلق الزغاريد ومن بعدها صوت حلا أختها .
حلا ...ألف مبروك يا حكيم ، وعقبال ما تفرحي بعوضهم يا خالتي .

حكيم ...الله يبارك في عمرك وعقبال عمورة الصغير .

حلا ...يارب .

والدة حنين ...أمال فين العروسة ؟
في أوضة النوم صح .
لما أدخلها بعد إذنك أطمن عليها .

فضحكت كريمة بسخرية ...لا أوضة نوم إيه ؟
بنتك ماشاء الله ، يا زين مربيتي، قامت من الصبح مع أنها عروسة ومفروض تتهنى إلا أنها صممت تدخل المطبخ وتعملي فطار .
ربنا يبارلكلها والله .
وضعت والدة حنين يدها على صدرها قائلة ...وقفة في المطبخ
في الصباحية ، يا عيني عليكي يا بنتي .
حاولت حنين الإسراع إلى غرفة النوم لتغيير ملابسها .
بدون أن تراها والدتها .
ولكن لمحتها كريمة لتستوقفها بمكر قائلة ...تعالي
يا حنين ،متتكسفيش يعني ، دي أمك وأختك .
مش لازم رسميات يعني وتغيري عادي.
فتخشبت حنين في مكانها ، فوضع حكيم يده على رأسه خجلا
من خالته على ما فعلته والدته لها .
فصعقت كل من والدة حنين وحلا عندما رأتاها على تلك الحالة المزرية ، من ملابس قديمة متسخة وهي مازالت عروس .

والدة حنين ...إيه يا بنتي اللي عملتيه في نفسك ده؟
وفطار إيه اللي تحضريه !
ما أنت عارفة أني هاجي وهجيبلكم فطار العرسان .
وطبعا عاملة حساب خالتك .
فليه تتعبي نفسك يا بنتي وأنتِ لسه عروسة بالمنظر ده .

ثم نظرت لحكيم بغضب مرددة ...ليه كده يا حكيم يا ابني ، ليه تسبها ؟
ده بدل ماتدلعها وتهنيها ،تقوم ...لتكمل ....أستغفر الله العظيم ،مش قادرة أكمل .
ولكنها قالت ...بص يا ابن الناس قدام أمك أهو ، عشان أنا صبرت كتير على الوضع ده .
بس عشان بقول البت بتحبك وكده .
لو مش هتقدر تكرمها ، رجعهالي ، لبيت أبوها .
كانت فيه معززة مكرمة ولو رجعت ليه راح ترجع معززة مكرمة.

حكيم وكأن أحدا سكب على رأسه دلوا من الماء البارد ...خالتي، أنا آسف .
وأنتِ عارفة أني بحبها .

لترد كريمة ...هوا فيه إيه يا أم حنين ؟
أنتِ جاية بزعابيبك زي أمشير ليه كده ؟
هو فيه حد كان داسلها على طرف .
أو هي اشتكت لا سمح الله .

والدة حنين بأسى ....الجواب باين من عنوانه .
مش محتاجة تشتكي.

كريمة .....يوه ،أنتِ شكلك عايزة تخربي عليها من أولها كده ولا إيه ؟
اعقلي مش كده .

حلا بحزن ...طيب بعد اذنكم هاخد حنين وندخل شوية جوا .

كريمة ...اتفضلى ، ربنا يكملك بعقلك يا بنتي .
شكلك عاقلة مش زي أمك .
كلميها وعلميها احترام الحما وأنّ دعوتها من السما .

فنظرت لها حلا بغيظ ثم قالت ...تعالي يا ماما معانا جوا لو سمحتي .
فدخلوا سويا وجلسوا على الفراش معهما.
ولكن حنين لاذت بالصمت خجلا .
ففهمتها حلا وقالت ...بت يا حنين ، ارفعي راسك كده وكلميني، وإياك توطي راسك كده تاني ، لا عاش ولا كان اللي بيذلك يا قلب أختك .
فبكت حنين ، فضمتها حلا بحب .
لتثور والدتها قائلة ...يا عيني على ميلة بختك يا بنتي .
والله الود ودي آخدك معايا .

حنين ...لا يا ماما ، أنا بحب حكيم ..
وحضرتك اللي قولتيلي ، استحملي أمه عشان خاطره .
ليه غيرتي رأيك دلوقتي ؟

والدة حنين ...ما أنا مكنتش فاكرة ،أنها جبارة أوي كده !
مش لدرجة أنها تشغلك حتى في صبحيتك وتلبسك هدومها القديمة ، أمال بعد كده هتعمل فيكي إيه؟

حنين بسخرية....هو أصلا مفيش صباحية ولا مسائية .

حلا بصدمة ...بت يا حلا أنتِ قصدك يعني محصلش .

حنين بخجل ...لا ، هيحصل ازاي، وأمه فوق دماغنا ،وعملت نفسها عيانة وجري بيها على المستشفى .

حلا ...لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

طيب وبعدين ...دي متبقاش جوازة أبداً .
طيب حتى تسبكم تشموا نفسكم شوية .

حنين ...ازاي وهي قعدلنا على طول .

حلا ...لا دي لازم تسبكم شوية مش كده .
أقولك آه جتلي فكرة .
هعرف أوزعهالك يجي أسبوعين كده ، تشموا فيه نفسكم .
وكمان يمكن ربنا يهديها هناك.

حنين ....ازاي؟

حلا...غنيم طالع عمرة كمان كام يوم ، وهياخد ماما معاه وأنا هقعد بـ بابا .
فهقوله يحجز كمان لخالتي معاه، وتكون فرصة ليكي أنتِ وحكيم .

ابتسمت حنين مرددة ...ياريت تبعد عننا شوية .
أقولك مينفعش تقعد كمان للحج؟

فضحكت حلا مرددة ....يا عيني على الحلو لما تبهدله الأيام .
ربنا يهدهالك يا قلبي .

حنين ...يارب .

فخرجت حلا لتعرض عليها الأمر ،ولكن كريمة ترددت في البداية محدثة نفسها....أسافر وأسيبهم .
لاااااا لاااا كده مهتصدق وتاكل بعقله حلاوة .
ومش بعيد أجي ألاقيه إنسان تاني خالص .
وميعرفنيش .
ولا كمان تقوله يا أنا يا أمك في البيت .
ولا يا لهوي تخليه يخدلها شقة بعيد عني.
لا دا أنا أموت بحسرتي .
والدة حنين ...دي فرصة متتعوضش يا كريمة ،وعلى حساب غنيم مش هتتكلفي حاجة خالص ، هو فيه حد يرفض زيارة بيت الله برده .

كريمة ...لا طبعا بس .

حكيم بفرحة ...بس إيه يا أمي .
إذا كان أنا فرحان أوي .

كريمة ...آه ما أنت مصدقت تخلص مني .

حكيم ...لا أبداً متقوليش كده .
ده حتى هتوحشيني أوي .
تروحي وترجعي بالسلامة يا ست الكل .
فوافقت كريمة على مضض ،من الحرج لا أكثر .
...........
ثم بالفعل سافرت باكية ، رغما عنها .
وودعها حكيم مصطنعا البكاء ولكنه ما أن غادرت ، أمسك بيد حنين مبتسما قائلا ....الليلة ليلتك يا عروسة .

حنين بخجل ....يوه ، مش كنت سافرت معاها تونسها يا بعلي.

حكيم ....لا أنا عايز أتونس بحنونة .
والود ودي أشيلك من المطار لغاية عش الزوجية .
حنين بضحك ...لا اهمد مش كده .

حكيم ...لا أهمد مين ؟كفاية اللي حصل .
يلا يا موزتي ، إلى البيت أعلمك درس في الأحياء .
بس على الله تكوني تلميذة نجيبة .
فضحكت حنين ،وبالفعل عادوا للمنزل ، ليقضيا معا أول ليلة سعيدة كما تنمنياها، ليلة الاحلام .
ليلة طالما حلما به كل محب مع من يحب ..
استنشق حكيم عبيرها ،وغمرها بحبه ، حتى ذابت بين يديه ،وأصبحا روحا واحدة .
لتثمر تلك الليلة عن نبتة صغيرة ، سيسعدا بخبر وجودها في رحم حنين بعد عدة أسابيع .
قضوا منها اثنين في سعادة غامرة ، لا يكاد الاثنان يفترقا بهم ، واشبعوا بعضهم البعض حبا .
ولكن جاء خبر قدوم والدته من السفر ،عليه كالصاعقة .
حيث أوشكت سعادتهم أن تنتهي سريعا .

حكيم ...يارب يا ماما ، تكوني ربنا هداكي هناك ،وتيجي كويسة ،ومتقفيش بيني وبينها تاني.
ولا يعلم أن والدته .
كانت كثيرة البكاء في الحرم وتدعوا بسبب الغيرة من حنين ، أن يفرق الله بينهما .
فكانت تقول...يارب عقله وتخليه يطلق البت دي ، اللي بتاكل بعقله حلاوه ،وهتخليه ينساني، ده أنا مليش غيره ، هو كل حياتي .
لذا عادت من العمرة ، وكأن الله قد ختم على قلبها بسبب ظلمها .
فعادت أكثر عدواة وشراسة .
استقبلها حكيم في المطار ولم تأتي معه حنين ، ففرحت وحدثت نفسها ، ربما استجاب الله لدعوتها وفارقها فقالت ...إيه يا ضنايا ، أمال فين مراتك !
شكلها غضبانة ولا إيه ؟
آه منا عارفة بنات اليومين دول ميعرفوش معنى الجواز والبيت وفكرهم أن الجواز دلع وبس .

صدم حكيم من كلام والدته وأيقن أنها مازالت على تفكيرها نحو حنين ، فقال...لا يا أمي غضبانة إيه بس .
كل الحكاية أنها بقلها كام يوم تعبانة ودايخة شوية .
فقولتلها خليكي ،وكفاية أنا أروح .
فحركت كريمة شفتيها يمينا ويسارا بسخرية قائلة....تعبانة ، إيه اشتغلنا السهوكة كده من أولها .
لا أنا معنديش الكلام ده .
لما أوصل هوريها مقامها كويس ، وهعرف ازاي مخلهاش تشتكي تاني .
وفعلا عادت كريمة ، لتبدأ بتنغيص حياة حنين من جديد .

سمعت حنين صوت كريمة وكانت في فراشها وقتها، فقامت على الفور تستقبلها بابتسامة مشرقة ، ثم مدت ذراعيها لتحتضنها قائلة ...ألف حمد لله على السلامة يا خالتي.
ولكنها فوجئت بها تبعدها عنها بغلظة قائلة ...والله يختي عاملة نفسك فرحانة أني جيت صح !
لا باين عليكي أوي .
ده تلاقيكي مصدقتي سافرت ، وتلاقيكس كنتي بتدعي عليا مرجعش تاني .
عشان يخلالك الجو مع ابني .

تمعضت حنين قائلة ...إيه بس الكلام ده يا خالتي.
ربنا يعلم معزتك عندي ، وأني فرحتلك أنك زورتي بيت الله .
ودعيت ربنا يرجعك بالسلامة .
ثم نظرت كريمة حولها ، فوجدت البيت غير مرتب على النحو الذي ينبغي.
فغضبت وقالت بصوت عالي ....وإيه اللي أنا شيفاه ده !
أنا أمشي من هنا .
وتقومي تعملي البيت زريبة ، لا أنا مينفعنيش الكلام ده .
فزى يلا ، عقبال مدخل أتشطف ، أطلع ألاقي الشقة على سنجة عشرة .
آه أنا بحب النضافة .

حكيم بحرج ...يا ماما ، معلش ، حنين بس كانت تعبانة شوية ، بس كانت برده بتنضف على قد ما تقدر .
وحتى عملالك كل الأكل اللي بتحبيه .
بمناسبة رجوعك بالسلامة .

كريمة ..لا والله .
طيب تشد حلها وتنضف كده المكان ، عشان حتى آكل بنفس.

فحركت حنين رأسها بأسى ، ثم بدأت التنظيف، حتى أنهكها الإجهاد والتعب .
وعندما أراد حكيم أن يساعدها ، قامت كريمة بالنداء عليه قائلة ...حكيم ، سيب اللي في إيدك وهات أكياس وتعال نحط فيها الهدايا اللي جيبتها للناس .
فاستمع لأمرها وفعل ما أرادته.
وعندما انتهت حنين من التنظيف ، عادت للمطبخ تجهز الطعام
من أجل الغذاء ولكن فجأة شعرت بدوار فأمسكت رأسها وحاولت الاستناد على الحائط ولكن خارت قواها فجأة فسقطت على الأرض مغشيا عليها .
وبعد أن انتهى حكيم مع والدته في تحضير الهدايا .
قالت كريمة له ....روح شوف المعدولة مراتك ، اتأخرت ليه
في الأكل ؟
أنا على لحم بطني من الصبح !

حكيم ...الله يكرمك يا أمي خفي عليها شوية .

حنين بنت أختك ، يعني مش غريبة .
فعامليها بما يرضي الله ، ده أنتِ لسه جاية من بيت ربنا .

كريمة بغضب.....ليه شايفني مجرمة ولا حاجة !
إيه الكلام اللي ملهوش لازمة ده .
كل ده عشان قولت جعانة .
ثم اصطنعت البكاء قائلة....خلاص مش عايزة حاجة ولا منك ولا منها .
وناولني التليفون أتصل أجيب أون لاين .
بدل الحوجة ليك ولمراتك .

حكيم ...يا أمي مش قصدي .
بس فعلا حنين غلبانة واليومين دول مش عارف مالها تعبانة ، فأرجوكي متكتريش عليها .
وأنا هروح أشوفها .

كريمة ...روح يا ابني ، ما أنا عارفة خلاص ، أكلت عقلك .
وأنا بقيت درجة تانية .

فضرب حكيم كفا بكف ثم ذهب لرؤية حنين .
ليصدم عند رؤيتها مغشيا عليها ، ليردد....حنين حنين
مالك يا حبيبتي .
ثم انحنى إليها محاولا افاقتها ، وعندما سمع انينها .
حمد الله ثم حملها إلى الفراش .
وجلس بجانبها وأمسك يدها يقبلها قائلا ...أنا آسف فعلا
يا حبيبتي.
أنتِ أصلا مكانش لازم تقومي من السرير عشان تعبانة .
أنا آسف بجد .
فولجت إليهما كريمة ، وعندما وجدته على هذا النحو نهرته بغلظة قائلة ...يا خيبتي التقيلة .
إيه يا ولا الضعف ده كله قدام الست هانم .
متتخوشن شوية وتكون راجل كده .
كل ده عشان إيه ؟

حكيم ...يا ماما ، عشان تعبانة مش شايفة وشها أصفر ازاي!

كريمة ...يا سلام ، وأنت بيخيل عليك برده كهن الحريم ده .
ده كله دلع ماسخ.
وروح كده هات دكتورة وخليها تكشف عليها ، هتقولك زي الحصان ، عشان تبقا تصدق أمك .

حكيم ...حاضر ، هروح أجيب دكتورة ، يمكن يا أمي ترحميها شوية .
فذهب حكيم بالفعل وأحضر دكتورة .
وقامت بالكشف عليها ، ثم ابتسمت قائلة....ألف مبروك .
المدام حامل .
بدت البهجة على محيى حكيم وانحنى إليها وقبلها قائلا ....ألف مبروك يا حبيبتي .
ده أحلى خبر سمعته في حياتي.

فابتسمت حنين ...الحمد لله.

ولكن كريمة وقع عليها الخبر كالصدمة فوقفت محدثة نفسها ...حامل ، يعني هيمسك فيها بإيده وسنانه أكتر .
آه ، ده كان نفسي يسبها اللي واكله عقله دي .
ولكنها اصطنعت الفرحة قائلة ....ألف مبروك يا ولاد .
ربنا يتمه على خير.

حكيم ....من النهاردة أظن حنين تستريح شوية من شغل البيت ، صح ولا إيه يا ماما .

كريمة بغيظ ....يا سلام ، هي أول وحدة تحمل ولا إيه ؟
مكنا حوامل قبلها ،وكنا بنعمل كل حاجة .
بلاش سهوكة حريم .

فابتلعت حنين ريقها بغصة مريرة من تلك الخالة التي انعدمت
من قلبها الرحمة لهذه الدرجة .

حكيم ...على الأقل في الأول يعني يا ماما .
عشان الحمل يثبت .

كريمة ...آه آه ، إن شاء الله .
ولكن كانت كريمة لها بالمرصاد .
فكان يذهب حكيم للعمل ، وتأمرها بكل أعمال المنزل .
وإذاما عاد حكيم في الليل وجدها مجهدة ومنهكة، لا تستطيع
أن تخبره بشيء كى لا يغضب من والدته .
.......
أرادت كريمة زيارة جارة لها لتبارك لها على زواج ابنتها .
ولكن يشاء القدر عند نزولها على درجات السلم أن تقع .
وكأنه عقاب من الله عز وجل لما تفعله مع حنين .
وأدت تلك السقطة ، لكسر في قدميها الإثنتين .
واضطرت لإجراء عملية فيهما ثم تجبيرهما .
فأصبحت عاجزة عن الحركة ولازمت الفراش .
ولكن هذا أدى إلى زيادة حِمل حنين أكثر، حيث كانت تقوم بخدمتها من كل شيء ، نظافة واهتمام لملابسها وقضاء حاجتها في السرير .
حتى جاء اليوم الذي ووجدها فيه حكيم غارقة في دمائها ومغشيا عليها في غرفة النوم .
ففزع ، وحاول أن يوقظها من غفلتها تلك بالكاد ، وغير لها ملابسها وذهب بها إلى المستشفى سريعا .

الطبيبة ...الحمد لله الجنين لسه فيه نبض .
ولكن هي محتاجة راحة ، متقومش من السرير خالص .
وإلا اتعرضت لإجهاض لا سمح الله .

حكيم ...تمام بإذن الله ،با دكتورة هتستريح .

وبينما هما يتحدثان هكذا حتى ولج إليهما
وجه ليس بالغريب على حنين !
وجه تعرفه جيدا !
يا ترى من هو أو هي ؟
سنعلم في خاتمة الرواية بإذن الله .
.....................

أم فاطمة ❤️ شيماء سعيد
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي