الفصل الواحد والثلاثون
اقتربت ليليان من أجاويد ثم تحدثت: فاكر يا يوسف السؤال إللي كنت سألته لـ سديم عن مين إللي حاول يحضر الملك أجاويد إللي أنت على هيئته دلوقت، لكن فشل ومات شخص غالي عليه؟!
أجاويد بتذكر: اه فاكر، بس وقتها مش رد عليا أو أن فقدت الوعي بسبب حاجات حصلت ومش كنت فاكر حاجة.
الأميرة ليليان: أنا أقول ليك.
نظر أجاويد إلى كل من سديم وآسر وحتى أبان الذي يتواجد أرضًا فاقدًا للوعي، ينظر لهم بعينين جاحظتين ثم تحدث: قولي سامع.
الأميرة ليليان: في يوم كان في أسرة بسيطة جدًا بتتكون من زوج وزوجة وابن صغير لسه ميعرفش حاجة في الدنيا، الزوج كان مغرم جدًا في البحث عن كتب الجان إلا أن في يوم وقع قدامه كتاب عن تحضير ملك عظيم في عالم تان وسرداب بيوصل للعالم ده، أصر أنه يكتشف الموضوع ويكمل ويوصل للعالم ده، لكن عشان يوصل لازم يحضر الملك.
حاولت زوجته أنها تمنعه كتير أوي وأنها تبعده عن كل إللي بيفكر فيه ويبعد عن الطريق ده تمامًا لأنه كله مشاكل وحاجات هما في غنى عنها، وإن يفضل مهتم بـ ابنه وزوجته إلا أنه فضل مصمم في طريقه.
في يوم بدأ فعلًا يحضر الملك بعد ما عرف مكان السرداب وكل التفاصيل، إلا أنه الملك كان بقوة أكبر بكتير من القوة إللي كانوا متوقعينها، بعد حدوث شوية حاجات زوجته توفت كانت موجودة معاه.
الجميع فكر أن السبب في موت زوجته هو الملك إللي حاول يحضره، إلا أن الحقيقة كانت غير كدة تمامًا.
في لحظه تحضيره زوجته حست بقوة شر أكبر من قوة الملك ده بدأت تسيطر على المكان إلا أن الأكبر من كل ده إن زوجته دي كانت جان أصلًا في جسد بشرية حاولت تحمي زوجها من القوة الموجودة إلا أن الجسد البشري إللي كانت موجودة فيه مش اتحمل
فـ مات، أما روح الجنية فضلت موجودة في المكان مش ماتت.
دي كل الحكاية عن الشخص إللي حاول يحضر الملك العظيم إللي هو أجاويد.
أجاويد بصدمة مما يسمعه: طيب ومين الناس دي أو مين الروح أو الجنية دي؟!
الأميرة ليليان: عمرك ما حاولت تفكر للحظة ليه عامر مش حاول يمنعك من الطريق إللي أنت ماشي فيه رغم أنه عارف كويس نهايته؟!
زادت الدهشة أكبر على وجه أجاويد، بالفعل لم يفكر في هذا الأمر أبدًا من قبل، تحدث : لا مش عارف، بس مش جى في بالي، هو كان عارف أن بحب الموضوع ده فـ سابني أكمل.
الأميرة ليليان: مش دي الحقيقة، الحقيقة أن عامر هو الشخص إللي حاول يحضر أجاويد وتسنيم هي الجسد البشري إللي مات بسبب المحاولة دي.
نظر إليها بشيء من الذهول حتى أنه ابتسم بتلقائية متحدثًا: إنت بتقولي إيه؟!
إنتِ أكيد بتهزري، مستحيل كل إللي بتقال ده لا.
الأميرة ليليان: ليك كل الحق في أنك مش تصدق كل إللي بقوله إلا أنه الحقيقة، تفتكر مين نجاك من موت سلمى؟!
مين نجاك من جويس وجنوده رغم إنك مكنتش لسه بقوتك الكاملة؟!
مين قدر يحتويك في جسد أصالة؟!
مين قدر ينقذ أصالة من الموت عشان مش يوجع قلبك عليها؟!
مين قدر ينقذك من الموت على ايد أبان؟!
حاول تربط الأمور دي كلها ببعض كدة؟!
نظر أجاويد إلى سديم وآسر بذهول ومن ثم عاد إليها بناظريه قائلًا: وإيه الرابط؟!
الأميرة ليليان بابتسامة: الرابط هو الروح إللي بتحميك يا يوسف، أو أجاويد يعني بالشكل إللي موجود عليه دلوقت.
الرابط هو الروح إللي كانت موجودة في تسنيم والدتك، روح والدتك إللي عمرها ما سابتك للحظة يا يوسف.
الرابط في كل إللي بيحصل ده هو أمك إللي في كل مرة كنت بتتمنى وجودها معاك، كانت هي فعلًا معاك، كانت هي فعلًا حوليك وعمرها ما سابتك ولا لحظة.
الرابط في كل ده هو روح الأميرة ليليان، روح والدتك، أنا يا يوسف، أنا.
أنا الأميرة ليليان، أنا روح تسنيم، أنا أمك يا يوسف، أنا.
ابتسم يوسف بشكل جنوني يكاد عقله يشت مما يسمع لا يصدق أبدًا، حتى أن ابتسامته بدأت تتلاشى بهدوء ليحل محلها الدمع قائلًا: أمي؟!
إنتِ أمي؟!
لم ينتظر من الأساس أي رد منها حتى أسرع إليها ملقي بجسده بين أحضانها.
تساقطت دمعة من عينيها هي الأخرى فتحدثت ببكاء: ده الحضن إللي عشت عمري كله بتمناه يا يوسف، كل يوم وأنا شيفاك بتكبر قدام عيني وأنا مش قادرة أقرب ليك أو أضمك.
ابتسم سديم هذه المرة متحدثًا: دلوقت قوتنا بقت كبيرة أوي عشان نواجه دواني، يلا بينا نتحرك على مملكة الماء.
ابتسم أجاويد متحدثًا: قرب يوم النهاية لدواني وكل أتباعه.
الأميرة ليليان: نهايته حلم عشت عمري أستناه، بس قرب جدًا.
للمرة الأولى أحس أنه قريب بالشكل ده،
يلا نمشي.
أجاويد: يلا.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
أما عن تلك التي استيقظت من نومها مع إشراقة الشمس، مع بدء انتشار نورها وتسربه إلى غرفتها، هذا وإن استطاعت النوم من الأساس.
جالسة على سريرها بعينين ظهر تحتهما الندبات السوداء من كثرة البكاء، مُحتضنة وسادتها إلى صدرها وكأنها تحاول أن تأخذ منها ولو بعض الأمان.
وكأن صوت المكان أصبح تمامًا كـ لحن عود صاحبه صوت لكمان يُخرج ألحانه الحزينة.
وكأن عينيها أصبحتا تبصران هذا العالم بشيء لا تعرفه ولا تُحب الانتماء إليه.
فقدان شخص واحد يُشعرك بالوحدة وكأن العالم أصبح فارغًا تمامًا رغم تواجد الآلاف في عالمك ودائرتك .
شكل غريب بوجه شاحب وكأنه يبحث عن حضن يكن له وطن، عن مكان يكن له احتواء بعد فقدان كل ما كان يملكه في حياته.
عقل لم يعد يريد الانتماء إلى هذا العالم، يريد البقاء في الهواء مع ذاك الذي غادر دون أي ذنب يقترفه، فقط لوفائه وحبه لصديقه.
وكأنها تندب حظها وأحلامها.
بعض الأوقات تُصبِح أحلامُنا البسيطة مجرد حبل يُحَضٌر لشنقنا دون أي سبب، تلك الأوجاع التي يسببها الغائبون دون وداعهم.
هذا الوداع الذي إن تم أو لم يتم يُسبب أوجاعًا في القلب ليس لها شِفاءُ.
لم تنتبه إلا بتلك اليد التي توضع على كتفيها بحنان، نظرت إليه ومن ثم حاولت إخفاء دمعها فتحدثت بابتسامة: جدي؟!
إيه إللي مصحيك بدري أوي كدة؟!
جلس فرجاني إلى جانبها على فراشها ثم تحدث بابتسامة: أنا كنت بصلي الفجر وفضلت أقرأ قرآن شوية، إنتِ إللي ليه صاحية لحد دلوقت؟! وليه بتعيطي بالشكل ده؟!
ليلى: أنا برده صليت ومش جالي نوم فـ قولت أقعد مع نفسي شوية بس مش بعيط ولا حاجة، مين قال إني بعيط؟؟
فرجاني: مش بتعيطي؟؟
ده صوت عياطك المكتوم هو إللي جابني، مسمع في الشقة كلها، مالك في إيه؟!
ليلى : لا لا أبدًا أنا كويسة مفيش حاجة.
فرجاني: عشان زين صح؟!
للمرة الأولى تبعد ليلى بناظريها عن جدها محاولة التماسك وعدم البكاء، إلا أن ما بها كان أقوى فتساقط دمعها مجددًا دون أن تجيب بأي شيء.
تفهم فرجاني أن حالتها تلك بسبب موت زين، هو يعلم جيدًا كم الحب الذي بقلبها له وكم كانت تتعلق بوجوده، تنهد بهدوء ثم تحدث: تعرفي أن كل حاجة بتحصل لينا هي قضاء وقدر؟!
وإن كل خطوة إحنا بنتحركها أو بنمشيها هي مكتوبة علينا ولينا؟؟
أماءت برأسها إيجابًا أنها تعلم ذلك.
أكمل فرجاني حديثه: تيجي أقولك حكاية حلوة؟!
أنا عارف أنه مش وقته بس هتعجبك وحاولي تاخدي منها عظة، اتفقنا؟!
تنهدت ليلى ماسحة دموعها ومن ثم تحدثت: حاضر، احكي.
ابتسم فرجاني ثم تحدث: زمان سيدنا إبراهيم فضل فترة كبيرة أوي من غير ما ربنا يرزقه بالخلفة لحد ما بدأ يتسرب جواه إحساس أنه خلاص مش هيخلف، لكن ربنا أوحي له أنه يتجوز زوجة تانية غير السيدة سارة لأنها في الوقت ده مش كانت بتخلف لسبب أو لآخر .
لما قال الكلام ده للسيدة سارة هل غضبت أو قالت طلقني أو الحاجات دي؟؟
رغم إنها كانت بتحبه بشكل مش طبيعي، بس ردت عليه قالت إيه؟!
كان ليها جارية اسمها هاجر ، الجارية دي كانت في الأساس أميرة من أميرات مصر أُسرت في الحرب وأصبحت جارية للسيدة سارة وكانت بتحبها جدًا فـ أهدتها لسيدنا إبراهيم وفعلًا اتجوزها وخلف منها سيدنا إسماعيل بعد فترة كبيرة من عدم الخلفة، وعشان السيدة سارة رضيت بالقضاء والقدر وإن دي إرادة ربنا، تفتكري ربنا مش كافئها وأكرمها؟؟
ربنا عوَّضها عن صبرها ده وإيمانها الكبير ده بسيدنا إسحاق والد سيدنا يعقوب وجد سيدنا يوسف وسلالة من الأنبياء المكرَّمين، ده كله عشان إيه؟؟
عشان رضيت بقضاء الله وقدره.
وسيدنا إبراهيم نفسه لما شاف في المنام أنه بيدبح ابنه الكبير إللي جه بعد سنييين كتييير من العقم، هل قال أنه مش هعمل كدة أو لا ده ابني.
امتثل هو وسيدنا إسماعيل لأمر ربنا وكان الجزاء أن الله أفداه بكبش من السماء.
وبعد ما كان خلاص أصبح في عداد الموتى، ربنا فداه وعاش.
ده عشان إيه؟!
عشان بس آمنوا بقضاء الله وقدره.
إللي حصل لزين قضاء وقدر يا ليلى، لازم نؤمن بيه ومش نوقف الدنيا لحد كدة، لازم تفوقي وتكملي دنيتك وإن شاء الله ربنا يعوضك عوض الصابرين وينصر قلبك ويرجع ليه الفرحة تان.
ابتسمت ليلى بحزن ثم تحدثت: فاهمة كل إللي بتقوله يا جدي وحاسة وعارفة كل إللي عايز توصله، لكن زين؟؟
حساه معايا في كل مكان، حوليا في كل جزء من البيت وبره وكل حاجة، كل حاجة.
وكأنه مش مات لسه عايش.
فرجاني: ده من شدة حبك له يا ليلى، حاولي تتأقلمي على الوضع، وبرده مش بقول ليكي انسيه، لا افضلي فكراه بكل شيء كويس وحلو.
ودايمًا زوري قبره، اسألي على والدته إللي أكيد دلوقت حالها أصعب بكتييير أوي منك ومني ومن أي حد كان بيحب زين.
إنتِ لو فقدتي صاحب أو حبيب، فـ إنتِ قادرة تصاحبي تان أو تحبي تان.
أما هي، فـ هي فقدت ابنها الوحيد، جزء منها روحها وحياتها وكل حاجة في دنيتها.
قومي يلا زي الشاطرة كدة فوقي وغيري وروحي زوري والدته اطمني عليها وشوفي لو عايزة أي حاجة وبعدين ارجعي.
ليلى بابتسامة هادئة: حاضر ، حاضر يا جدي هقوم دلوقت.
فرجاني: ربنا يهديكي يا حبيبتي يارب ويعوض قلبك بفرح ينسيه كل شيء مُتعِب.
ليلى : اللهم آمين يارب يا جدي .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
خرج سديم واسر من السرداب متقدمان كل من الأميرة ليليان والملك اجاويد يرقبان المكان بحذر ، في قلب كلًا منهم اشياء لا يمكن للكلمات أن تعبر عنها ولا يمكن للأحرف وصفها .
فقط هي اشياء تبقى في القلب لا تغادره ، نظرات كلًا من سديم وأسر إلى المكان ، وكأنهم لا يصدقان نفسيهما على أنهما قد عادا مرة أخرى إلى هُنا ، إلى أرض ارنغل ، قدميهما تتطأتان أرض السرداب بالفعل ، هما أصبحا في ارض ارنغل ولا يفصلهما عن مملكة الماء إلا كيلو مترات معدودة على الإصبع .
فرح في القلب لا يُضاهيه .
رجوع الملك أجاويد إلى أرضه مجددًا
القضاء على ابان حتى وإن كان صديقه لكن كان لابد من إنهاء أمره للعودة إلى هُنا ..
وجود الأميرة ليليان أيضًا ، كل تلك الأشياء هي إنتصارات متتالية في هذه الحرب التي لن تنتهي إلا بموت دواني والقضاء على أسطورة ملك النار الذي لا يقهر .
فقط الان ما عليهم إلا التوجهه صوب ارض الماء واخبار الجميع بعودتهم وعودة الملك المُنتظر .
لا يختلف حال أسر عن حال قائده ، هي المشاعر نفسها التي تدور بداخله .
أجاويد بتذكر: اه فاكر، بس وقتها مش رد عليا أو أن فقدت الوعي بسبب حاجات حصلت ومش كنت فاكر حاجة.
الأميرة ليليان: أنا أقول ليك.
نظر أجاويد إلى كل من سديم وآسر وحتى أبان الذي يتواجد أرضًا فاقدًا للوعي، ينظر لهم بعينين جاحظتين ثم تحدث: قولي سامع.
الأميرة ليليان: في يوم كان في أسرة بسيطة جدًا بتتكون من زوج وزوجة وابن صغير لسه ميعرفش حاجة في الدنيا، الزوج كان مغرم جدًا في البحث عن كتب الجان إلا أن في يوم وقع قدامه كتاب عن تحضير ملك عظيم في عالم تان وسرداب بيوصل للعالم ده، أصر أنه يكتشف الموضوع ويكمل ويوصل للعالم ده، لكن عشان يوصل لازم يحضر الملك.
حاولت زوجته أنها تمنعه كتير أوي وأنها تبعده عن كل إللي بيفكر فيه ويبعد عن الطريق ده تمامًا لأنه كله مشاكل وحاجات هما في غنى عنها، وإن يفضل مهتم بـ ابنه وزوجته إلا أنه فضل مصمم في طريقه.
في يوم بدأ فعلًا يحضر الملك بعد ما عرف مكان السرداب وكل التفاصيل، إلا أنه الملك كان بقوة أكبر بكتير من القوة إللي كانوا متوقعينها، بعد حدوث شوية حاجات زوجته توفت كانت موجودة معاه.
الجميع فكر أن السبب في موت زوجته هو الملك إللي حاول يحضره، إلا أن الحقيقة كانت غير كدة تمامًا.
في لحظه تحضيره زوجته حست بقوة شر أكبر من قوة الملك ده بدأت تسيطر على المكان إلا أن الأكبر من كل ده إن زوجته دي كانت جان أصلًا في جسد بشرية حاولت تحمي زوجها من القوة الموجودة إلا أن الجسد البشري إللي كانت موجودة فيه مش اتحمل
فـ مات، أما روح الجنية فضلت موجودة في المكان مش ماتت.
دي كل الحكاية عن الشخص إللي حاول يحضر الملك العظيم إللي هو أجاويد.
أجاويد بصدمة مما يسمعه: طيب ومين الناس دي أو مين الروح أو الجنية دي؟!
الأميرة ليليان: عمرك ما حاولت تفكر للحظة ليه عامر مش حاول يمنعك من الطريق إللي أنت ماشي فيه رغم أنه عارف كويس نهايته؟!
زادت الدهشة أكبر على وجه أجاويد، بالفعل لم يفكر في هذا الأمر أبدًا من قبل، تحدث : لا مش عارف، بس مش جى في بالي، هو كان عارف أن بحب الموضوع ده فـ سابني أكمل.
الأميرة ليليان: مش دي الحقيقة، الحقيقة أن عامر هو الشخص إللي حاول يحضر أجاويد وتسنيم هي الجسد البشري إللي مات بسبب المحاولة دي.
نظر إليها بشيء من الذهول حتى أنه ابتسم بتلقائية متحدثًا: إنت بتقولي إيه؟!
إنتِ أكيد بتهزري، مستحيل كل إللي بتقال ده لا.
الأميرة ليليان: ليك كل الحق في أنك مش تصدق كل إللي بقوله إلا أنه الحقيقة، تفتكر مين نجاك من موت سلمى؟!
مين نجاك من جويس وجنوده رغم إنك مكنتش لسه بقوتك الكاملة؟!
مين قدر يحتويك في جسد أصالة؟!
مين قدر ينقذ أصالة من الموت عشان مش يوجع قلبك عليها؟!
مين قدر ينقذك من الموت على ايد أبان؟!
حاول تربط الأمور دي كلها ببعض كدة؟!
نظر أجاويد إلى سديم وآسر بذهول ومن ثم عاد إليها بناظريه قائلًا: وإيه الرابط؟!
الأميرة ليليان بابتسامة: الرابط هو الروح إللي بتحميك يا يوسف، أو أجاويد يعني بالشكل إللي موجود عليه دلوقت.
الرابط هو الروح إللي كانت موجودة في تسنيم والدتك، روح والدتك إللي عمرها ما سابتك للحظة يا يوسف.
الرابط في كل إللي بيحصل ده هو أمك إللي في كل مرة كنت بتتمنى وجودها معاك، كانت هي فعلًا معاك، كانت هي فعلًا حوليك وعمرها ما سابتك ولا لحظة.
الرابط في كل ده هو روح الأميرة ليليان، روح والدتك، أنا يا يوسف، أنا.
أنا الأميرة ليليان، أنا روح تسنيم، أنا أمك يا يوسف، أنا.
ابتسم يوسف بشكل جنوني يكاد عقله يشت مما يسمع لا يصدق أبدًا، حتى أن ابتسامته بدأت تتلاشى بهدوء ليحل محلها الدمع قائلًا: أمي؟!
إنتِ أمي؟!
لم ينتظر من الأساس أي رد منها حتى أسرع إليها ملقي بجسده بين أحضانها.
تساقطت دمعة من عينيها هي الأخرى فتحدثت ببكاء: ده الحضن إللي عشت عمري كله بتمناه يا يوسف، كل يوم وأنا شيفاك بتكبر قدام عيني وأنا مش قادرة أقرب ليك أو أضمك.
ابتسم سديم هذه المرة متحدثًا: دلوقت قوتنا بقت كبيرة أوي عشان نواجه دواني، يلا بينا نتحرك على مملكة الماء.
ابتسم أجاويد متحدثًا: قرب يوم النهاية لدواني وكل أتباعه.
الأميرة ليليان: نهايته حلم عشت عمري أستناه، بس قرب جدًا.
للمرة الأولى أحس أنه قريب بالشكل ده،
يلا نمشي.
أجاويد: يلا.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
أما عن تلك التي استيقظت من نومها مع إشراقة الشمس، مع بدء انتشار نورها وتسربه إلى غرفتها، هذا وإن استطاعت النوم من الأساس.
جالسة على سريرها بعينين ظهر تحتهما الندبات السوداء من كثرة البكاء، مُحتضنة وسادتها إلى صدرها وكأنها تحاول أن تأخذ منها ولو بعض الأمان.
وكأن صوت المكان أصبح تمامًا كـ لحن عود صاحبه صوت لكمان يُخرج ألحانه الحزينة.
وكأن عينيها أصبحتا تبصران هذا العالم بشيء لا تعرفه ولا تُحب الانتماء إليه.
فقدان شخص واحد يُشعرك بالوحدة وكأن العالم أصبح فارغًا تمامًا رغم تواجد الآلاف في عالمك ودائرتك .
شكل غريب بوجه شاحب وكأنه يبحث عن حضن يكن له وطن، عن مكان يكن له احتواء بعد فقدان كل ما كان يملكه في حياته.
عقل لم يعد يريد الانتماء إلى هذا العالم، يريد البقاء في الهواء مع ذاك الذي غادر دون أي ذنب يقترفه، فقط لوفائه وحبه لصديقه.
وكأنها تندب حظها وأحلامها.
بعض الأوقات تُصبِح أحلامُنا البسيطة مجرد حبل يُحَضٌر لشنقنا دون أي سبب، تلك الأوجاع التي يسببها الغائبون دون وداعهم.
هذا الوداع الذي إن تم أو لم يتم يُسبب أوجاعًا في القلب ليس لها شِفاءُ.
لم تنتبه إلا بتلك اليد التي توضع على كتفيها بحنان، نظرت إليه ومن ثم حاولت إخفاء دمعها فتحدثت بابتسامة: جدي؟!
إيه إللي مصحيك بدري أوي كدة؟!
جلس فرجاني إلى جانبها على فراشها ثم تحدث بابتسامة: أنا كنت بصلي الفجر وفضلت أقرأ قرآن شوية، إنتِ إللي ليه صاحية لحد دلوقت؟! وليه بتعيطي بالشكل ده؟!
ليلى: أنا برده صليت ومش جالي نوم فـ قولت أقعد مع نفسي شوية بس مش بعيط ولا حاجة، مين قال إني بعيط؟؟
فرجاني: مش بتعيطي؟؟
ده صوت عياطك المكتوم هو إللي جابني، مسمع في الشقة كلها، مالك في إيه؟!
ليلى : لا لا أبدًا أنا كويسة مفيش حاجة.
فرجاني: عشان زين صح؟!
للمرة الأولى تبعد ليلى بناظريها عن جدها محاولة التماسك وعدم البكاء، إلا أن ما بها كان أقوى فتساقط دمعها مجددًا دون أن تجيب بأي شيء.
تفهم فرجاني أن حالتها تلك بسبب موت زين، هو يعلم جيدًا كم الحب الذي بقلبها له وكم كانت تتعلق بوجوده، تنهد بهدوء ثم تحدث: تعرفي أن كل حاجة بتحصل لينا هي قضاء وقدر؟!
وإن كل خطوة إحنا بنتحركها أو بنمشيها هي مكتوبة علينا ولينا؟؟
أماءت برأسها إيجابًا أنها تعلم ذلك.
أكمل فرجاني حديثه: تيجي أقولك حكاية حلوة؟!
أنا عارف أنه مش وقته بس هتعجبك وحاولي تاخدي منها عظة، اتفقنا؟!
تنهدت ليلى ماسحة دموعها ومن ثم تحدثت: حاضر، احكي.
ابتسم فرجاني ثم تحدث: زمان سيدنا إبراهيم فضل فترة كبيرة أوي من غير ما ربنا يرزقه بالخلفة لحد ما بدأ يتسرب جواه إحساس أنه خلاص مش هيخلف، لكن ربنا أوحي له أنه يتجوز زوجة تانية غير السيدة سارة لأنها في الوقت ده مش كانت بتخلف لسبب أو لآخر .
لما قال الكلام ده للسيدة سارة هل غضبت أو قالت طلقني أو الحاجات دي؟؟
رغم إنها كانت بتحبه بشكل مش طبيعي، بس ردت عليه قالت إيه؟!
كان ليها جارية اسمها هاجر ، الجارية دي كانت في الأساس أميرة من أميرات مصر أُسرت في الحرب وأصبحت جارية للسيدة سارة وكانت بتحبها جدًا فـ أهدتها لسيدنا إبراهيم وفعلًا اتجوزها وخلف منها سيدنا إسماعيل بعد فترة كبيرة من عدم الخلفة، وعشان السيدة سارة رضيت بالقضاء والقدر وإن دي إرادة ربنا، تفتكري ربنا مش كافئها وأكرمها؟؟
ربنا عوَّضها عن صبرها ده وإيمانها الكبير ده بسيدنا إسحاق والد سيدنا يعقوب وجد سيدنا يوسف وسلالة من الأنبياء المكرَّمين، ده كله عشان إيه؟؟
عشان رضيت بقضاء الله وقدره.
وسيدنا إبراهيم نفسه لما شاف في المنام أنه بيدبح ابنه الكبير إللي جه بعد سنييين كتييير من العقم، هل قال أنه مش هعمل كدة أو لا ده ابني.
امتثل هو وسيدنا إسماعيل لأمر ربنا وكان الجزاء أن الله أفداه بكبش من السماء.
وبعد ما كان خلاص أصبح في عداد الموتى، ربنا فداه وعاش.
ده عشان إيه؟!
عشان بس آمنوا بقضاء الله وقدره.
إللي حصل لزين قضاء وقدر يا ليلى، لازم نؤمن بيه ومش نوقف الدنيا لحد كدة، لازم تفوقي وتكملي دنيتك وإن شاء الله ربنا يعوضك عوض الصابرين وينصر قلبك ويرجع ليه الفرحة تان.
ابتسمت ليلى بحزن ثم تحدثت: فاهمة كل إللي بتقوله يا جدي وحاسة وعارفة كل إللي عايز توصله، لكن زين؟؟
حساه معايا في كل مكان، حوليا في كل جزء من البيت وبره وكل حاجة، كل حاجة.
وكأنه مش مات لسه عايش.
فرجاني: ده من شدة حبك له يا ليلى، حاولي تتأقلمي على الوضع، وبرده مش بقول ليكي انسيه، لا افضلي فكراه بكل شيء كويس وحلو.
ودايمًا زوري قبره، اسألي على والدته إللي أكيد دلوقت حالها أصعب بكتييير أوي منك ومني ومن أي حد كان بيحب زين.
إنتِ لو فقدتي صاحب أو حبيب، فـ إنتِ قادرة تصاحبي تان أو تحبي تان.
أما هي، فـ هي فقدت ابنها الوحيد، جزء منها روحها وحياتها وكل حاجة في دنيتها.
قومي يلا زي الشاطرة كدة فوقي وغيري وروحي زوري والدته اطمني عليها وشوفي لو عايزة أي حاجة وبعدين ارجعي.
ليلى بابتسامة هادئة: حاضر ، حاضر يا جدي هقوم دلوقت.
فرجاني: ربنا يهديكي يا حبيبتي يارب ويعوض قلبك بفرح ينسيه كل شيء مُتعِب.
ليلى : اللهم آمين يارب يا جدي .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
خرج سديم واسر من السرداب متقدمان كل من الأميرة ليليان والملك اجاويد يرقبان المكان بحذر ، في قلب كلًا منهم اشياء لا يمكن للكلمات أن تعبر عنها ولا يمكن للأحرف وصفها .
فقط هي اشياء تبقى في القلب لا تغادره ، نظرات كلًا من سديم وأسر إلى المكان ، وكأنهم لا يصدقان نفسيهما على أنهما قد عادا مرة أخرى إلى هُنا ، إلى أرض ارنغل ، قدميهما تتطأتان أرض السرداب بالفعل ، هما أصبحا في ارض ارنغل ولا يفصلهما عن مملكة الماء إلا كيلو مترات معدودة على الإصبع .
فرح في القلب لا يُضاهيه .
رجوع الملك أجاويد إلى أرضه مجددًا
القضاء على ابان حتى وإن كان صديقه لكن كان لابد من إنهاء أمره للعودة إلى هُنا ..
وجود الأميرة ليليان أيضًا ، كل تلك الأشياء هي إنتصارات متتالية في هذه الحرب التي لن تنتهي إلا بموت دواني والقضاء على أسطورة ملك النار الذي لا يقهر .
فقط الان ما عليهم إلا التوجهه صوب ارض الماء واخبار الجميع بعودتهم وعودة الملك المُنتظر .
لا يختلف حال أسر عن حال قائده ، هي المشاعر نفسها التي تدور بداخله .