الفصل الثاني والثلاثون

أما عن يوسف  او اسمه بالمسمى الجديد في هذه الأرض ، مسمى أجاويد فـ ينظر للمكان بعين من الزهول والدهشة ، لا يُصدق ما تراه عيناه ، هي الأرض الذي حلم الوصول إليها لـ ليالٍ طوال .
هي الأرض التي تعب كثيرًا  للقدوم إليها .
لكن كل شئ يختلف تماما عما كان يتصور ، كل شي اضخم واكبر ، حتى أنه كان يظن أن الأرض ستكون مليئه بالاشياء الجميلة ، الا أنها مجرد كتل من النيران في كل مكان ، من المؤكد أنها بفعل عشيرة النار ، من المؤكد أنهم هم سبب كل الدمار ذاك .
تحدثت الأميرة ليليان إلى سديم قائله : احمل تلك الجثه المحروقه وتقدمنا إلى مملكة النار .
اسر : الم يكن بالمقدور إنهاء هذا النزال بالسلام ؟!
الأميرة ليليان : إن لم يمت ابان ، بالتأكيد كنا نحن الضحايا له .
لا بد من ضحية في هذه الأمور .
سديم بحزن : كما تريدين يا سمو الأميرة .
تحرك سديم إلى تلك الجثة المحترقة ، تبعه أسر هو الآخر ليساعده على حملها .
بالفعل حملاها وبدؤا في التحرك بها صوت ارض الماء .

بيت بات الحزن يخيم على جُل ارجاءه ، بل أنه يخيم على ساكنيه أيضًا .
بيت قُتلت منه الفرحة والبسمة التي كانت تزينه ليلًا ونهارًا .
بعد موت زين أصبح المنزل شبيه ببيت مهجور لا يدب به أي مظهر من مظاهر الحياة .
فقط هو حزنًا أُصطحب بصمت تام ، تلك باتت تعيش هنا وحدها ، لا سند ولا رقيب ولا مهتم لأمرها ، فقدت كل شيئ في دنياها بفقدانها لقرة عينها .
هكذا تصبح البيوت حين تغيب أرواحها ، تصبح فقط مجرد جدران صامتة تحتوى على أجساد فقط ، أجساد غادرت ارواحها مع روح ذاك الذي غادر .

وصلت ليلى إلى منزل زين ، لتقف للحظات أمامه ، ناظره إلى هيئته ، إلى هذا الذي بعدما كان وكأنه جسد يتحرك ويدُب به الفرح والحياة إلى أن أصبح كتلة من الحجارة ، للمرة الأولى منذ أن عملت هذا المنزل يكون بهذا الصمت المفطر للقلب ، وكأن جدران البيت بيكون صمتًا على من فقدوه .
حاولت أن تهدء من روعها قليلًا ، محاولة تنظيم أنفاسها ودقات قلبها لتتحرك بثبات جهة باب المنزل ، طارقة الباب بهدوء .
أجابت عبير بصوت مبحوح : مين على الباب ؟!
ليلى : أنا ليلى يا طنط .
تحركت عبير جهة الباب لتفتحه ومن ثم تدىف ليلى .

ليلى : ازيك يا طنط عاملة ايه. اخبار صحتك إيه؟!
عبير : الحمد لله على كل حال ، الحمد لله اتفضلي يا حبيبيتي ارتاحي .
جلست ليلى إلى أحد المقاعد المتواجده في المكان ، لتتحدث عبير قائلة : تشربي ايه يا ليلى ؟!
ليلى : مش تتعبي نفسك يا طنط أنا مش عايزه أشرب حاجه .
عبير : ميصحش ، عايزه تشربي ايه؟!
ليلى بإبتسامة هادئه : بجد مش عايزه حاجه ، انت بتعزمي عليا كأني غريبه يعني ؟!
أنا لو عايزه أشرب اكيد هقوم وأعمل لنفسي .
ثم أمسكت بيدي عبير بهدوء محاولة جذبها لتجلس .
ابتسمت عبير ثم تحدثت : دماغك ناشفة اوي يا ليلى ، ماشي يا ستي وادي قاعدة .
جلست عبير إلى جوار ليلى ، فأمسكت الثانيه يد الاولى وتضع عليها قبلة هادئه ثم تحدثت: ربنا يديم وجودك ليا يا ست الكل ولا يحرمني من وجودك .
عبير : يدمني عشان إيه يا ليلى ؟!
عشان افضل في تعبي وحالي ده لحد ما اموت ؟!
ولا يدمني عشان أي؟
أنا كل ساعة وكل دقيقة بتعدي عليا بموت فيها ، روحي بتروح .

حاولت ليلى إن تحافظ على هدؤها ، هي تعلم كل ذلك ، هي تشرب من نفس الكأس ،الا أنها لا بد أن تبقى ثابته الا أقصى حد ، أجابت ببتسامة أخفت خلفها الكثير من الالم : فيه ربنا يا امي ، ده لو مش يزعلك أن انادي حضرتك بامي ؟!
فيه ربنا مش بينسى حد ولا عمره هينسانى ، فيه ربنا وكل اللي بيحصل ده هو شي مكتوب لينا لازم نرضى بيه ونحمد الله على كل سراء وضراء عشان يكرمنا بعفوه ورضاه وكرمه .
اكيد انت مش مستنيه مني الكلام ده وانت عارفه ومؤمنه اكتر مني .
عبير : أكيد طبعًا ، ده شرف ليا أنا انك تناديني ب الاسم ده أو اللقب ده .
واكيد كل حاجه من عند الله خير ، لكن غصب عني ، شايفه طيفه في كل مكان في البيت .
في كل شبر هنا شايفه صورته ، شامه ريحته ، كل حاجه هنا فيها ريحته يا ليلى ، غصب عني.
أنا بقيت اكره أن الليل ييجي من الذكريات والتعب اللي بقيت اشوفه فيه .
كل حاجه بتتعاد زي شريط فيلم قديم بيمر قدام عيني ، على الكرسي ده كان بيلعب .
هناك على الكنبه دي كان بينام ، في الركن ده كان بيقعد ، هناك كان بيهزر ، هنا كن بيبكي ، في كل مكان .
في كل مكان هنا ليه ذكرى غصب عني ، من اللحظه إللي جالي فيها خبر موته وانا لا مصدقه ولا مستوعبه ، وكأنه لسه عايش ، شيفاه بيتحرك قدامي ، بيروح وييجي قدام عيني .
خايفه أقول كلام حرام لكن والله أنا حاسه بوجوده حاسه أنه لسه موجود .
ابتسمت ليلى بحزن ، هو نفس الشعور الذي يراوضها ، شعور أنه موجود في مكان ما هنا في هذا العالم ولكن كيف وهما من دفناه بأم اعينهما ، تحاول أن تنهي هذا الشعور بأن من كثرة حبهما له يرفضان فكرة موته على الرغم من أننا أصبحت واقع لا مفر منه، تنهدت ثم تحدثت : مش هخبي عنك لو قولت ليكي أنه نفس الاحساس ونفس الشعور إللي جوايا واللي حاسه بيه .
حاسه بوجوده في مكان ما لكن فين مش عارفة ، لكن هي مجرد مشاعر كذابه من كتر حبنا ليه ، للاسف هو دخل قبره قدام عيونا ، لازم نرضى بالقضاء والقدر وربنا وحده هو القادر على الهام القلوب بالصبر .
عبير : ونعم بالله يا ليلى ، الحمد لله على كل اللي يجيبه ربنا .
المهم انت عاملة ايه وجدك عامل ايه؟!
ليلى : أنا الحمد لله بخير والله، وجدي كمان بخير وبيسلم عليكي جدا .
عبير : الله يسلمه يارب ، وصلي ليه سلامي .
ليلى : من عيوني يا ست الكل ، بس كده ؟!
انت تؤمري .
عبير : الأمر لله يا قلبي ، ها برده مش هتشربي حاجه ؟!
ولا عايزه تقولي اني بخيلة؟؟
ليلى بمرح : انت أم الكرم كله ، مين اللي يقدر يقول عنك كده ؟!
أما بس لازم امشي دلوقت ، انا كنت جايه اطمن عليكي وأشوف لو محتاجه حاجه وامشي عندي شغل ، واكيد كل يوم والتاني هعدي عليكي .
عبير : ربنا ما يحرمني من وجودك يارب ، ربنا معاكي ويوفقك .
:تحدثت ليلى وهي تهم للخروج : اللهم امين يارب ، هتعوزي حاجه ؟
عبير : سلامتك يا قلبي .
ليلى : يلا في رعاية الله .
عبير : في رعاية الله .

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
بدأت تظهر اسوار ممالك الماء في الأفق ، تلك الأسوار العالية لا يُرى لها نهاية ، أسوار تُزين باللون الأزرق بشكل كامل إلا ابراجها الجانبية بتأخذ اللون الأبيض، عدتة فتحات في الأسوار ، هي بوابات جانبية لدخول المملكة ، إلا أن البوابه الرئيسيه تتواجد مقابلة للباحة العملاقه أمام الأسوار .
منطقة فراغة من كل شئ الا من آثار الحرب والهجمات المتتالية على المملكة .
.
أبتسم سديم ثم تحدث : اسوار الماء ، مملكة الماء هناك ظهرت هناك .
ياااااه ، اخيرا يا اسر ، بعد آلاف السنين بنشوف اسوار ارضنا من تان ؟!
اسر بنفس الفرحة : لو عليا أنا اطير لهناك حالا وابوس ترابها ، آلاف السنين واحنا بعيد عن أرضنا وأهلنا .
ألاف السنين من االنفي والبعد عن عالمنا وحياتنا ، اخيرا رجعنا تان لبلادنا ؟!
أجاويد : بس المكان شكله قديم أوي ، وكل حاجه عبارة عن خراب !!
ايه الخراب ده كله ؟!
سديم بأسف : كل ده بسبب الحرب ، مملكة الماء عمرها ما كانت إلا مكان ولوحة للجمال والروعة ، إلا أن الحرب لآلاف السنين مخلفتش وراها الا الخراب والدمار وبس .

الباحة العملاقة اللي قدامك دي كانت هي الزينة لمملكة النار ، كانت كلها جمال وكل شئ يطيب ليه النفس وكأنها جنة في عالم الجان .
المملكة دي كانت أعظم واروع تصميم وحياة وجمال من أي مكان ممكن تتخيله ،لكن في النهاية هي الحرب .
بس على يقين أن كل حاجه هترجع تان زي ما كانت واجمل بس نخلص على دواني .
الأميرة ليليان : لكل شئ وقته المناسب يا سديم ، كل حاجه هتتعمل لازم تكون محسوبه صح اوي .
اول خطوة دلوقت أن لازم كل مملكة الماء تعرف بعودة الملك اجاويد .
اسر بعدم فهم : ليه يعرفوا ؟!
ده مش هيعرضوا لخطر دواني اكتر ؟!
الأميرة ليليان : هو دواني كده كده زمانه وصله خبر رجوع اجاويد ، فـ أنت مش محتاج انك تخبي الخبر .
بالعكس ، انت لم تقول الخبر للجميع هيكون كـ طاقة اضافيه اكبر ليهم ، حافز اقوى يتجمعوا من تان عشان يحرروا أرضهم ، وكمان العكس تماما في جيش النار .
خبر رجوع اجاويد هيزود الرعب أضعاف في قلوبهم وده اكيد إللي إحنا محتاجينه الفترة دي .
محتاجين نزرع الخوف في قلوبهم ده اهم بكتير جدا من المواجهه المباشرة .
مع إزدياد القلق والرعب في قلوبهم أقدامهم في ارض المعركة هتكون مهزوزه ويكون النصر لينا لا محالة .
المهم بس هنكمل كلام في الحاجات دي في القصر الملكي ، المهم اتقدم للمملكة بجثة ابان، هي دي الخطوة الأولى لينا للحرب .
اسر : أوامرك سمو الأميرة .
تحرك بالفعل كل من سديم وأسر إلى الاسور خلفهم بقليل اجاويد والأميرة ليليان .

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
يعلن الحاجب عن وصول قائد حرس القصير يود الدلوف لمقابلة الملك دواني ، فأشار له بأن يدخله .

انحنى قائد الحرس تحية ملكية ثم تحدث : كل حاجه حصلت زي ما خططت ليها جلالة الملك .
تحرك دواني من على كرسيه ليتحدث بهدوء : كنت عارف ومتوقع وصولهم اليوم ، ابان مات ؟!
قائد الحرس : نعم يا جلالة الملك مات .
الملك دوانى : يستاهل النهاية دي ، يستاهل بسبب تقصيرة .
قائد الحرس : لكن يا جلالة الملك القائد دواني خدم المملكة يشرف وشهامه وشجاعة .
الملك دواني بغضب : أنا هنا اللي يقرر ويقول مين يستاهل ومين لاء ، هاتوا جثته وادفنوها في مقابر الجنود .
تنهد قائد الحرس ثم تحدث بحزن : للاسف جلالة الملك بعد ما تم قتله حرقوا جثته وخدوها معاهم .
زاد غضب دواني ثم تحدث : إزاي يعملوا كده ؟!
ازاي ؟!
قائد الحرس : ده اللي حصل جلالة الملك ، بعد الحرب والمعركة اللي حصلت واللي كانت أصواتها موصله بره السرداب ، للمكان اللي انا متواجد فيه عشان اراقب إيه إللي هيحصل بأوامر من جلالتك .
خرج سديم وخادمه ومعاه الملك المنتظر ليهم ، الملك اجايد وجثه ابان .
الملك دوانى : هما كانوا كده بس ولا كان معاهم حد تان ؟!
قائد الحرس : كان معاهم جنيه شبيه بجنيات ممالك الهواء ، بس دول كده .

تنهد دوانى فور أن سمع تلك الجملة ، هي الأميرة ليليان لا شك في هذا ، كان يتوقع عودتها عاجلًا أو اجلًا ، ولكن ليس في الوقت هذا تحديدا .
الان اصبحت قوته جيش الماء اضعاف ، قوتهم تزداد يومًا بعد يوم .
ومن المؤكد أنه وبعد عوده اجاويد ستزداد القوة بشكل مضاعف .
تنهد ثم تحدث : بلغ القائد أبلج أنه يجهز الجيش في أسرع وقت ، شكل الحرب قربت جدًا ، تقدر تنصرف .
قائد الحرس مغادرًا المكان : اوامرك جلالة .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي