تراتيل

هدى مهران`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-04-25ضع على الرف
  • 4.3K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

تراتيل
لكل عقيدة عاشق كتاب مقدس يرتل منه في محراب أشواقه، ذلك الترتيل لا يقتصر على اللسان فقط فتراتيل الحب مختلفة متنوعة ومحراب المناجاة قد يكون أي مكان خارج حدود الزمان
أنت ترى فقط نتائج... إجابة. فقط ترى، لكن ان اردت أن تعيش تلك الحالة التي تسلبك حزنك وتمنحك قلبك
الحالة التي تبسط روحك لتحمل جسدك
أن أردت أن تعيشها لابد أن تصل إلى محرابك وتدخل به وحدك... لا بل كن مع حبك
***********
هناك في ظلام الليل البهيم صراخ صامت يتففت في موجات الهواء البارد ويسترسل وقد أصبح ريحا غاضبة فيأتيك بكل قسوة شتاء قارس يرعد فرائص يقبض قلوب ينشر الخوف في ثنايا نسماته، وعلى الرغم من ذلك هو من ينتشي به احد الناس، ينتظر موجه التغاضي ليواكب صورته، ليسير مع استرساله السريع ليختفي في ظلامه، وها قد وصل ذلك الأنين الصامت إلى أحد مريديه في أزقة الحواري وصل إلى زقاق مظلم، وأنطلق داخله، لم يجد أي صعوبة فقد استرسل بحرية والناس نيام العاصفة تدوي وهو يعلم إلى أين يذهب
*********
بعدما أطفات الاضواءواطمانت ان جميع من في المنزل قد خلدوا إلى النوم، والدتها وأختيها ذهبوا للنوم منذ فترة، واخوها خرج كعادته للسهرة وعمتها سميرة ككل يوم خميس تذهب للاضرحة والمقامات إذن فقد حان الوقت
ارتدت معطفها وتسللت إلى الخارج وشاحها يرفرف خلفها لا صوت لخطوات رغم الهدوء الذي يسكن المكان فقد انتعلت حذاء دون كعب، سارت بخطوات سريعة مبتعدة عن المنزل حتى وصلت إلى المكان الذي ظنت أن لا أنظار تصل إليها فيه، وقفت تلتقط أنفاسها ثم ألتفتت حولها وأكملت سيرها
ومن بين الظلام ظهر ظل يراقبها من بعيد يتساءل في حيرة: أين تذهب ندى في ذلك الوقت المتأخر من الليل؟!.
استكمل مراقبها وراءها ليحصل على إجابة لسؤاله
أستيقظت في ذلك الوقت لطيفة لتطمئن على أولادها، وجدت رنا وسلوى دون ندى
أين ذهبت الفتاة؟!
تساءلت لطيفة في حيرة، أيقظت الفتاتان وسألتهما، لكن ما المسئول بأعلم من السائل
استعدت لطيفة للخروج وهمت مغادرة وهي تقول:اخبرتكم من قبل أن لاتتشاجروا معها، ها هي هربت منا
صفعت الباب خلفها خارجة من المنزل
انتصف الليل من بعض الوقت، كانت تسير متلعثمة لا تريد أن يراها أحد، لكنها رأت ابنة أخيها ذاهبة في الطريق المؤدي إلى الجبل
أين تذهب هذه الفتاة في ذلك الوقت؟!
تساءلت سميرة كما تساءل الجميع
وما كان ظن ندى إنه لن يكشف أصبح سر علني، الجميع يعلمه يبقى سر خروجها سرا، لكن الجميع يعلم إنها بالخارج بل الجميع قرر أن يتعقبها
ونخفي السر وهو جلي في ملامحنا، ولكل سر إمارة تتعقبه لتكشفه
رأت لطيفة سامي، حاولت الاختفاء منه وسارت خلفه ثلاثة يسيرون بطريق بغير هدى لا معالم لا هدف
******
جلس الدكتور رأفت على مكتبه يبحث في عجالة عن بعض أوراقه الهامة، الدكتور رأفت دكتور علم الميتافيزيقية، الشاب الثلاثيني الباحث خلف ما لايُرى، رجل يعتمد في ابحاثه العلمية على الحدس والتخاطر والاحساس بالاخر
تهلل وجهه عندما وقعت عينيه على ما كان يبحث عنه، لملم أوراقه في عجالة وألتقط هاتفه وأتصل
-هل كل شئ جاهز، أنا أيضا جاهز لنبدأ إذن
أنهى مكالمته وضغط على زر سري في المكتبة الكامنة خلف مكتبه، لتنفرج ويظهر سرداب إلى الاسفل، دخل رأفت فيه، ليبتلعه الظلام ويغلق في هدوء
********
سارت ندى خلفها الجميع دون أن تدري كانت في في ذلك الوقت ذاهبة إلى قمة الجبل، لكن تُرى، ماذا يكون في الجبل في ذلك الوقت؟!
لا يهدأ العقل ابدا حتى يحصل على إجابة لما يريد، وإن لم يحصل عليها ابتكرها ليستريح من التفكير، ابتكرها من دوافعه وخبرته وتجاربه
فسامي اجابه تفكيره
-لا خروج بعد منتصف الليل إلا للقاء الأحبة، ومشاطرة الهوا
الويل لها وبئس المصير
استشاط غصبا وأسرع في الخُطا
ولطيفة حدثها تفكيرها
-لا سبيل للتمرد سوى الهروب، أين تهرب؟! ألم تكن في مأمن في كنفنا؟! ألا تعلم أن السقوط بيننا يكسرها وسقوطها بمفردها يقتلها؟!
ارتجف قلب لطيفة فضاعفت خطواتها
أما سميرة
- فتاة وليل وجبل لا مقصد سوى لمقام شيخ أو تدبير سحر، تروض شيطانها وتسخر جانها
تحمست سميرة واسرعت الخطوات نحو ندى لتعلم أين النهاية
وكل حسب معتقده يرى الأمور وحقيقتها انعكاس لتفكيره
******
طال السير، الأنفاس لاهثة الجميع يتخفى وغطاءه مكشوف، وندى تعرف طريقها ولا تكل ولا تمل من مواصلة السير إلى أن وصلت إلى قمة الجبل وهناك في كهف توارت عن أنظارهم، اسرعوا ليلتقوا لقاء العين بالعين، كانت نظراتهم تتحدث لا يملكون كلمات لا وقت لأي استفسارات فقط نظرات مندهشة مستنكرة عاتبة غاضبة ومرتعبة
وتهافتوا دخولا إلى الكهف وكلا ينتظر تصديق الواقع لاعتقاده، لكن خابت ظنون الجميع الكهف خالي....
اختفت ندى....!!!
لا مجال للهرب من طريق أخر لا طريق سوى المؤدي للكهف، والكهف صغير مجرد فتحة في قلب الجبل الصامت
لا يوجد تفسير سوى أن الجبل ابتلعها، غير ذلك لا يصدق
*********
تعلو الصرخات ولا تهدأ، فالفقيدة قرة العين ونبض القلب، زهرة شباب العائلة، تبكي الأم بحرقة وتصرخ
-ابنتي الصغيرة، سنوات عمري التي كنت احرص عليها، كيف السبيل إلى الحياة دون نبض للقلب يخفق لرؤيتها، دون روح تطوف حولها تحمي و َتدعو، لا تموت أخبروني ان ما أمر به ليس إلا كابوس وستأتي ابنتي الآن وتقول لي أمي لقد أعددت لك الطعام، أو تقول لي هذا دواءك، فلتأتي وتعاتبني لتخانقني لكن دعوها تأتي، ندى…..
هكذا هو فراق الأحبة قاتل بلا قتل، حاجز بينك وبينهم لا تستطيع الذهاب اليه ولاهم يأتون منه
حاول الجيران تهدأت الأم، لتصرخ العمة وهي تنتحب
-أين ذهبت يا ندى، أنت صغيرة يابنتي، بالأمس كنت معي كيف لك الرحيل بهذه السرعة
أحد الجيران:اهدئ يا سميرة، وتماسكي من أجل لطيفة، قد تفقد المرأة عقلها أنتِ مؤمنة يا سميرة
سميرة:الصدمة هي ما تجعلنا لا نصدق، لم تشكو ندى من أي شئ
هكذا هو الموت زائر دون دعوة ضيف غير مرئي، يعيش في ثنايا أنفاسنا، ما إن يظهر لا يعود خالي الوفاض، ليس له أصدقاء، لا يعترف بوقت ولا بمكان ولا بأي شئ، له ميعاد محتوم، سُجل في أقدارنا قبل أن تسكن أرواحنا في أجسادنا، وتبقى الحقيقة التي لا مفر منها إننا مسافر ن ولكل منا رحلة ما ان تنتهي رحلتنا نغادر في سلام
********.
على مائدة الطعام يجلس زكريا ذو السبعة وأربعين عاما ومعه والدته امرأة قوي رغم كبر سنها، الوجه وجه امرأة بلغت من العمر عتيا والعقل عقل ثعلب ماكر لا ينفك يخطط ويبر ويحلل كل ما يحدث، تمسك بيدها عصأ تتوكأ عليها
قالت:ما الذي حدث في بيت إبراهيم، منذ الصباح لا ينقطع الصراخ من المنزل
تركت زكريا ملعقته في الطبق وابعده في ضيق
-أنتِ تعلمين جيدا ماذا حدث، لقد ماتت ندى
-هكذا موت دون مقدمات، لا مرض ولا حادث ولا حتى قتل ماذا يكون إذن؟!
-لا يوجد في الموت مقدمات هو يأتي بغتة، ماذا تقصدين؟!
-واضحة مثل عين الشمس في ضحى السماء، لم تكن الفتاة قابلة بالزواج منك، وحين تم غصبها على الزواج انتحرت
-ما الذي تقولينه؟! هل من الممكن آن يكون هذا ما حدث؟!
-ولما لا، ما تفسيرك أن موتها يكون قبل الزواج منك بيوم واحد، وهذا غير كل ما حدث منهم في الفترة الماضية
-معك حق يا أمي، تصرفاتهم كانت غريبة ومبهمة في الفترة الأخيرة
-لقد قلتها، وما الذي يدفع فتاة ان ترفض رجل ليس به أي عيب غير انها تريد شئ أخر أو شخص آخر، أو أن عدم زواجها يسترها وإن الزواج سيفضح ذلك السر ويكشف ذلك الستر
-هل تقصدين إنها…….
-هل لديك تفسير اخر
–ان كان الأمر كذلك لن اسكت ابدا
-ماذا ستفعل؟! لقد ماتت
-انتظري وسترين ليس دائما الموت نهاية المطاف
***********
بينما كان سرادق العزاء ينصب، والجميع يتأهب لأخذ الجثة لمثواها الاخير، وسط حالة الحزن، ظهر شخص على حين غفلة منهم، وهو يرتدي ملابسه الرسمية كأحد أفراد الشرطة
-إذن صحيح يوجد هنا عزاء
أقبل سامي إليه
-أجل يا حضرت الضابط، المتوفية أختي
مد يده
- البقاء لله
صافحه سامي
-أحسن الله عزاءك
-في الحقيقة لم آت إلى هنا كي اقدم العزاء فقط، لكن جئت لاخبركم أن هناك بلاغ ان المتوفية ماتت بشكل غير طبيعي ربما يكون حالة أنتحار
صعق الجميع من هول المفاجأة. وبعدما امتصوا الصدمة
قال سامي:من الذي أبلغ عنا الشرطة
-زكريا تاج الدين، خطيب المجني عليها
********
تركض في ظلام. موحش دون وجهة تهرب من كل شئ بكل ما أوتيت من قوة، لا شك أن ما يطاردها خطر عظيم فرغم لهاثها وسقوطها عدة مرات الا انها لازالت تركض وتركض
كغزالة في البرية، لا تنفكتلتفت وراها، تخشى ما خلفها! ما هذا الشئ الذى يطاردها ولا تعرف لها وجهة ولا تستطيع التوقف
*******
ثمة طرقات خوف لا تهدأ خلف قضبان الضلوع نزيف من الدموع، ثمة حيرة قد تصل إلي الجنون تتسم بها الوجوه، وثمة غضب قد تلتهم نيرانه كل ما تصل إليه دون رحمة!!
صرخ سامي:هذا كلام غير حقيقي، اختي توفاها الله لأن أجلها قد جاء
-هذا الحديث لا فائدة منه من يستطيع الحسم ذلك الأمر هو الطب الشرعي
صكت لطيفة على وجهها وهي تقول:
-الطب الشرعي!!!! ماذا تقصد؟!
الضابط:لابد أن تذهب الجثة إلى المشرحة للتحقيق في الواقعة
صرخت لطيفة: لا ابنتي لن تهان بعد اليوم، يكفي ما كانت تراه وهي على قيد الحية
الضابط:الأمر الان بلاغ رسمي، ولابد ان نتأكد من الامر
تعالت الأصوات بين الأم وسامي والضابط وتحلق الناس حولهم
وبين شد وجذب وعلامات استفهام تعلو وجوه الجميع، وبينما هما كذلك، ظهر رأفت وسط الجمع
وقال بصوت جهور
-لن تستطيع أن تأخذها معك يا حضرة الضابط
التفت الجميع نحوه، اقترب اكثر وبعد لحظات من الصمت
-ندى لم تمت!!!!!
*******
-ندى لم تمت
هكذا فجّر قنبلته رأفت، حين وصل زكريا، وما ان سمع تلك الجملة إلا وذهب عقله، وهمّ هاجما على سامى وقال
-هكذا هي الخطة إذن أيها المخادع
ازاح يديه بعيدا وقال غاضبا
-ما الذى تفعله؟! هل جننت يا رجل؟! كيف تصدق كلام ذلك المجنون جثة ندى بالداخل
صاح الضابط في الجميع
-لابد أن ننهي ذلك الأمر، وأرجو من الجميع التعاون حتى لا يزداد الأمر سوءا، في خلال خمس دقائق ستأتي الإسعاف لحمل الجثة إلى الطبيب الشرعي
صرخ رأفت
-ليست جثة انها حية ترزق لم لا تفهمون؟! وهي الآن في خطر ولابد أن ننقذها
الضابط في ضجر:لابد أن نعرف من أنت أولا وإن تحكي لي ما هي القصة من البداية، لذلك ستأتي معي الآن إلى مكتبي
*********
أدركت حين غزت مدامعي أنهار حارة أن القلب انكسر، وما دمع العين الا أنات لقلب منكسر
يبكون على الموت أم على ما سيكون ا عليه من بعدهم
تتوالى الصفات على وجه لطيفة دون رحمة ابنتها ميتة في ريعان شبابها، وكأن ذلك ليس بكافي لتهان حرمة موتها، ويهان محراب حزنها عليها
قالت بصوت منكسر لولدها وهي تجلس ناحبة
-هل ماتت ندى يا سامي، أم أن ذلك المعتوه يقول الحقيقة؟! ليته يقول الحقيقة
قلبي يقول….
قاطعها بحزم وغضب دون إشفاق لحالتها
لا يقول شئ قلبك يا أمي، هذا تمنى لكن في الحقيقة ان ندى ماتت، وأن لم تكن ميتة وبعد كل ما حدث لكنت قتلتها بيدي
ما الذي تفعله ابنتك بنا؟! ترفض الزواج وتخرج متسللة ليلا تختفي وتظهر وفي لمح البصر تغادر الدنيا وتركنا بعلامات استفهام تقتلنا، جعلت الجميع يتحدث عنا، وفي نهاية الأمر يأتي شخص غريب يقول خرافات يقول انها لازالت على قيد الحياة
صرخ في وجه أمه بتلك الكلمات ثم همّ واقفا وتابع
سأذهب وأرى ما الذي حدث؟! وأنتِ أمي لا تجعلِ قلبك يحدثك كثيرا كي لايتوقف فجأة دون مقدمات مثل ابنتك
صفع الباب خلفه مغادر، وظلت لطيفة تبكي،
********
في قسم الشرطة في مكتب الضابط يسري البنا، جلس رأفت بتوتر أمامه والاخير يرمقه بنظرات متفحصة، ثم قال
-أسمك وسنك وعنوانك
-هل أنا في تحقيق رسمي
-ليس بعد، اعتبر ان ذلك تعارف وبيدك ان تجعله تعارف جيد أو غير ذلك
-حسنا أنا الدكتور رأفت خالد شكري، دكتور في علوم ماوراء الطبيعة أو كما يدعونها الميتافيزيقا أبلغ من العمر ثلاثة وثلاثون عاما
-ما هي علاقتك بالمريضة
تنحنح رأفت وقال وهو يزيح نظارته الطبية للوراء
-التخاطر
استنكر يسري إجابته وساأله
-ماذا؟!
-في واقع الأمر أن الموضوع قد يطول شرحه
-تفضل أنا اسمعك
قص رأفت على يسري حكايته مع ندى
وختم حديثه
-وهكذا ظن الجميع أن ندى قد ماتت
مرت لحظات صمت، ثم قال يسري محاولا أن يكظم غيظه
-إن صدقت تلك القصة التي أكاد أجزم انها من نسج خيالك، ماذا تريد مني أن افعل
-أريد مساعدتك يا سيدي بالتأكيد، لابد أن اقنع أهلها، وأن لا تذهب إلى الطب الشرعي لأنها في الظاهر ميتة لكن في الحقيقة هي لازالت علي قيد الحياة
وقف يسري وضرب حافة المكتبة بقبضتيه وصرخ غاضبا
-لابد إنك مجنون، اساعدك في أمر انا لست مقتنع به، أريد الحقيقة والآن
-أي حقيقة اخبرتك بكل شئ
-لا هذه ليست الحقيقة، الحقيقة هي أن ندي كان على علاقة قوية بك، شريعة أو غير شرعية هذا لايهم، وحين جاء لخطبتها أحد الرجال وافق أخاها لم تتحمل ذلك الأمر، وأنت تنسج تلك القصة من وحي خيالك حتى لا ينكشف الأمر
هب رأفت واقفا
-حسنا هذا هو الاستنتاج الذي استنتجته! لا استطيع إيضاح شئ لشخص مسبقا وضع الحقيقة من لدنه،واصدر الحكم
همّ رأفت مغادرا،استوقفه يسري
- لاتحاول خداعي يا دكتور
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي