الفصل الثالث

في كلية الطب كانت رنا ومريم في طريقهم إلى أحد المعامل، وهما تتهامسان، حين قطع طريقهم الدكتور أحمد
الشاب الثلاثيني الذي يرتدي بالطو أبيض ونظارة طبية ملامحه صارمة، طوله متوسط ونحيف الجسم
-لقد تأخرتما كثيرا اتبعاني
ذهب الثلاثة في أحد الممرات النائية بالكلية، والتي تعد من الأماكن المحرمة على الطلبة، وصلوا إلى معمل، أغلق الدكتور أحمد خلفهم الباب
واسألهم بجدية
-أين هي؟! لابد أن نبدأ؟!
رنا:دكتور أحمد في الحقيقة الأمر، لن نستطيع البدء ابدا
زوى ما بين حاجبيه مستنكرا
-لماذا؟!
مريم: لان ندى ماتت؟!
اتسعت حدقات أعينه
-ماذا؟! ماذا فعلتما؟!
رنا:لم نفعل شيئا
-من المؤكد إنكما السبب فيما حدث!
مريم:لا يا دكتور لسنا السبب!
-هل ألتزمتم بتعليماتي كاملة؟! هل اعطيتموها الجرعة المضبوط؟!
رنا: في الحقيقة يا دكتور نفذنا كل ما طلبته منا على أكمل وجه
مريم:ليست المشكلة هنا يا دكتور؟!
-هل توجد مشكلة أكبر من هذه؟! هل تعلمين ماذا فقدنا…..
قاطعته رنا
-ندى في المشرحة الآن!!!!
-ماذا؟!
-لمعرفة سبب الوفاة!
***********
جلست لطيفة بمفردها في المنزل، وهي دامعة الأعين مبلبلة الفكر، و محترقة الفؤاد تتساءل فيما بينها
-هل كنت انا السبب في موتها؟! كم كنت أم قاسية معاها؟! هل كل ما علمتها أياها اؤدى بها لهذا المصير
أصدق الحديث هو ذلك الحديث بينك وبين نفسك، اعترافات غير مسجلة وعوراتك مستورة، وما تخاف ان يجف منه ماء الوجه لا يعلمه سواك أنت
وكان ربك شاهدا
وضعت لطيفة رأسها على وسعادتها فكل ما بها يأن حتى الروح تأن بلا صوت، ولابد أن تغلق الأجفان رأفة بنا ورحمة لحالنا
ورات فيما يرى النائم أن كل أعمالها كدست أمامها، وذلك يوم الحشر، ورأت الميزان وعلى إحدى كفتيه ندي تجلس باسمة، وبدأ الحساب وظلت أعمالها تذهب في الكفة الأخرى تزداد الأعمال في الميزان فتبدأ ندى في الاختفاء ولطيفة تصرخ ولا تملك من الأمر شئ، حتى إذا ما انتهت الأعمال اختفت ندى
وهكذا أعمالنا نحاسب عليها وكل يرى حسابه وعقابه بعين قلبه
استيقظت لطيفة فزعة وأخذت تنادي
-ندى…. ندى…. ندى…!!!
************
عادت سميرة إلى المنزل لم تجَقابل احد ولم تهتم كثيرا لذلك، ذهبت إلى غرفتها وظلت في حيرة من امرها
-ترى ما الذي سيحدث الآن؟! ماذا لو اكتشفوا الأمر؟! كيف سأبرر لهم فعلتي؟! كل ذلك بسبب ذلك المعتوه الذي يدعي ان ندى على قيد الحياة!
صمتت قليلا تفكر
-لكن هل ندى حقا لم تمت ولا زالت على قيد الحياة؟!
لابد أن أتأكد بنفسي، لن ادع اي شئ للصدفة
تناولت حافظة نقودها وعادت أدارجها خارجة
**********
ظلت رنا تقطع الغرفة جيئة وذهابا في قلق وتوتر
مريم:اجلس رنا ودعينا نفكر في الأمر ولا تزيدي توتري
-نفكر؟! في ماذا نفكر؟! كُشف أمرنا وانتهى
-لم يكشف شئ، دعي عنك التشاؤم
-التشاؤم؟! انا لا اعرف غير، التشاؤم وسوء الحظ، والخوف والقلق، كل ذلك ما عهدناه، كيف لي أن اتركه، تعب سنوات يضيع في لحظة
-هل هذا كل ما يهمك في الامر؟!
-هل تعتقدين أني بلا إحساس؟! أم أن فراق ندي لم يؤثر بي؟! هذه أختي التي علمتني جميع الفضائل، وصديقتي الداعمة، وأمي الحنونة، لكنها رحلت ورحيلها أصابني بالذهول والحسرة أصبحت متخبطة لا أدري ماذا على أن أفعل؟! هل يجب أن ابكي حتى تبيض عيناي لكنها ليست بيوسف لتعود إلى كنفنا ولسنا أخوت يوسف ذو نفوس مريضة،. نحن لم نقتل إختنا ندى يا مريم أليس كذلك؟!
أخبريني صدقا أو كذبا لكن لا تظهرلي أنيابنا كذئاب بلا رحمة
انهارت رنا باكية وهوت جالسة على الأرض في وضع القرفصاء وهي ترتعش وتبكي، اقتربت منها مريم واربتت على ظهرها
-نحن لم نقتل ندى، كيف نقتلها وهي لم تمت أصلا؟!
جففت دمعاتها وتوازنت نوعا ما
-هل تصدقين دكتور رأفت
-لابد أن مصدق انفسنا
-ماذا تعنين؟!
-هيا بنا لنتأكد بأنفسنا
-من ماذا؟!
-هل يتحدث الدكتور رأفت بالحقيقة أم لا
*********
تتعدد الوسائل والغاية واحدة، ولغاية الواحدة تجمع كل الوسائل في نقطة واحدة وإن اختلفوا
أكتمل الجمع أمام المشرحة، ما يبدو للعيان، عائلة قادمة لاستلام جثمان ابنتهم، وما خفي في الناس كان أعظم وأكثر قبحا من أن يظهر
مضى بعض الوقت وقد حضر المقدم يسري، انتظر بالخارج مع الجميع الوقت يسير ببطء شديد الجميع يتساءل لماذا تأخر الطبيب هكذا؟! وبعدما انهكهم الفكر خرج عليهم الطبيب مهرولا وهو مندهش ومصعوق
-لقد اختفت الجثة لا أثر لها في مكان!!!!
*********
الجميع متورط في ذلك الأمر الجميع يقع في دائرة الاشتباك، لكن من هو الذي تعني له الجثة قيمة عليا، من المستفيد من ذلك
صرخ سامي :لابد إنه هو من فعلها لن اتركه!!!!
ذهب مغاضبا وهو يعرف من الذي سيجدها عنده
سميرة: سامي أهوج ويرتكب الكثير من الحماقات، نسأل الله أن يمر ذلك الأمر على خير
تهاوت من بينهم لطيفة غائبة عن الوعي
فقد طفح الكيل وضاقت ذرعا الصدور بنبضات القلب الخائف المترجي
********
كانت ندى كما اسمها إحساس اكثر منه ملمس، ابنة بارة اخت حنون وابنة اخ ودودة، وأخت مطيعة
كانت ندى في سماء ملبدة بالغيوم، على وردات الصباح وعلى شوكات الصبار، كانت ندى ما ان قست الشمس عليها حتى تبخرت واختفت
**********
-من عاد من الموت سابقا؟!
هكذا تسأل العم رضوان، الذي يعمل في منزل رأفت، وهو يضع له القهوة الخامسة أمامه ويرفع الفارغ
استنكر رأفت سؤاله لكنه اجابه
- لا أحد ابدا؟!
-هل تصدق ذلك؟!
-بكل تأكيد
-إذن لماذ تلوم من لا يصدقك، أخبرتهم إنها على قيد الحياة، ولم تكمل الحديث
-لا أحد يريد أن يسمع، جميعهم صمّ أذانه
-تسمح لي يابني انا اقول لك إنك من صممت أذانهم
-أنا؟!
-أخبرتهم بقلب الحقيقة دون مقدمات دون تمهيد، صدمتهم والانسان حين الصدمة لايفقه شئ، لذلك الكون منظم لأنه لو كان فوضى لما تراحم الناس فيما بينهم
-معك حق يا عم رضوان ذلك خطأي، لكن ماذا عساي افعل الان، هل اتركها للموت
-الأعمار بيد الله، سيدبرها لا تقلق، بيده ملكوت السموات والأرض
أنصرف العم رضوان وقد أثرت كلماته في رأفت، هو حقا مخطئ في تسرعه، كيف يحدث الناس عن أمور تستعصي على علماء في المختبر أو طلاب في المدرجات، لكن لا يكفي ابدا ان يعترف إنه مخطئ لابد أن يصلح ما أفسده
كان قد علم ماذا عليه أن يفعل، في حين طرق الباب طرقا شديد، هرول رضوان فاتحا الباب، ليرى سامي وهو يصرخ
-أين أنت يا رأفت لقد كتبت نهايتك بيدك
وأشهر سلاحا بين يديه
*******
من القاتل؟! ومن الخاطف؟! كلنا قتلة! كلنا خاطفين!!
البرد قاتل الظلم قاتل الصمت قاتل والخوف قاتل، وهي تعرضت لكثير من القتل حتى فاضت الروح واختفى الجسد
كلنا قتلة؟! وكلنا المجني عليه
فكيف القصاص من في أنفسنا؟! وكيف يعقل أن نحاكم غيرنا على افعالنا؟! هل نمتلك الشجاعة لنعترف بجرائمنا ونقف لنحاكم عليها؟!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي