و في رواية أخرى

أنفال عبدالله`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-07-02ضع على الرف
  • 20.1K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

1

في صيف عام ألف و ثماني مئة و عشرة تحركت بعثة دراسية لطلاب كلية الطب من لشبونة عاصمة البرتغال بقيادة الجراح الشهير مارون جيمس صوب السواحل الجنوبية للقارة الإفريقية، كانوا يسعون لرفع الوعي و مساعدة المتضررين جراء وباء مجهول فتك بمعظم السكان.

كانت البعثة تتكون من سبعة عشر طالبا في سنتهم الأخيرة و ثلاثة مشرفين و بضع مساعدين. 

 إن إمتطاء ذات الألواح في عرض المحيط كانت تجربة فريدة للبعض منهم. الخوف من الغرق في خضم رحلة مجهولة من شتى النواحي.

المحيط كان هادئ ينام بعمق بعد ليلة عاصفة كادت تؤدي بحايتهم بيد أنه كتب لهم أقدار جديدة، رحلة الوصول إستغرقت شهرا كاملا نظرا لتوقفهم في محطات عدة للتزود بالمؤن قبل بلغوهم مقصدهم.

 





" أيها الطبيب السكير ماستيك أنت عار على البشرية، ألا يمكنك التحكم في نفسك قليلا هذة المرة العاشرة على التوالي لقد نفذت جميع قناني الخمر بسببك!"

صاح دييقو طبيب من أصول أسبانية، أحدب الظهر مقوس الحاجبين يرتدي نظارات ضخمة مستديرة، عابس الوجه لا يضحك الا عندما يموت أحدهم إثر حماقة منه.




" اااووف!

فلتصمت أيها العجوز البغيض!
أ أ أنا لا أريد سماع محاضراتك عن الاخلاق، مهنتي كطبيب لا تقف عائقا بيني و بين حب حياتي تلك الكؤس التي بالنبيذ قد فاضت و عبرت عن شوقها العارم لي"
رد  ماستيك ذلك الرجل الذي بلغ عقده الربع أشقر الشعر، طويل القامة الإ أن معدته المتدلية للأمام جعلت منه رجل غير محبب بين أواسط النساء، سبق و أن خانته زوجته مع فتى المداخن الذي يبلغ من العمر عشرون خريفا، الأمر الذي سبب له عقدة نفسية إنتهى به المطاف مدمنا للكحول .




" كيف سمحوا لك بالقدوم معنا ؟"

سأل دييقو و هو يقترب منه و يحدق به بنظرات تود نسفه من الوجود.
نهض ماستيك _متجاهلا الطبيب دييقو_ من كرسيه و توجه صوب نافذة الغرفة كان يتأمل أمواج المحيط التى تعلو و تهبط بطريقة مبعثرة كتلك الافكار التي تشغل باله من حين لآخر.


" الويل لك !
أنا ذاهب لتفقد حال الطلاب، إحرص الأ تخرج من هنا الإ و أنت بكامل قواك العقلية"

همس دييقو مغلقا الباب بقوة .











كانت هنالك إشاعات وسط العامة في جنوب إفريقيا تقول أن هنالك ظواهر غريبة بدأت بالحدوث في أواخر ساعات الليل، لم تتمكن الحكومة من معرفة أسبابها و لما يحدث هذا؟
لم يمض سوى أسبوع و قد وصلت السفينة الي وجهتها.


كانت البعثة في تنقل عبر مدن القارة تقدم العون للمحتاجين دون إستثناء، قرى كثيرة هلك أهلها و هجروها بسبب ذلك الوباء، الذي كان يسمى بمس الحسناء، إذ أن هنالك من يقول بأن فتاة لا تشابة قط نساء القارة أجمع و كأنها من عالم آخر عيناها قرمزيتين بشعر أسود كالليل و قوام مثالي لا مثيل له، كانت تتجول في القرى و ما إن تغادر قرية إلا و فنى أهلها بعد مغادرتها بفترة أقلها ثلاثة أيام، كانت تلقب في بعض القبائل بالفتاة الشبح، و أحيانا تسمى الكارثة الحلوة، كل من رآها لم بيقى حيا لليوم التالي جميعهم ماتوا بطريقة غامضه، لا أثر لها و كأنها خلقت و تآلفت مع العدم.


   بعض السكان المحليبن يجزمون بأنها رسول من آلهة الدمار و الغضب، فشرع بعضهم بتقديم القرابين التى غالبا ما تكون أطفالا دون سن الخامسة عشر.

 المريب في أمر تلك الحوادث و إرتباطها بالكارثة الحلوة  أن الغالبية العظمى من السكان لا يعطون قدرا من الأهمية لهذا الموضوع، كما أن الحكومة تتستر على ما يحدث في تلك القرى البعيدة و تقدم تقارير كاذبة منافية للواقع عنها. و كأنهم يحاولون إخفاء شيء ما.
و كل من حاول كشف حقيقة الفتاة الشبح يتم محاكمته، هذا و إن بقى على قيد الحياة .







تم تقسيم البعثة الي ثلاثة مجموعات، أرسلت لأماكن متفرقة من القارة على حسب حوجة المواطنين للخدمات الطبية، توجه دييقو مع فريقه المكون من خمسة طلاب الي الجزء الشرقي للقارة، سيتوجب عليهم تقديم المساعدة لدولة الصومال، تشاد و مناطق الحدود الغربية لدى السودان، فقد إنتشر الوباء بكثرة هناك، تم حظر التجوال في تلك البقاع الا لشاحنات البضائع و المساعدات الطبية.











" ألم تسمعوا بأسطورة الفتاة الشبح؟"

سألت مالينا بينما كانت تشعل نار المخيم ببطء تنظر لكل واحد على حدى بطريقة تثير الخوف.




" ناوليني الملح و كفاك هراءا، لا وجود للاشباح الكل يعلم هذا"

قالت تاركو 




" أقسم أنني تحدثت مع من لمح الفتاة الشبح و قال أنها كالسحر جميلة و كالسم قاتلة، لا تلوموني إن حدث لكم مكروه بسبب تجاهلكم أمرها"

ردت مالينا و هى تلوح بالحطب الذي إشتعل بطريقة جذابة .



" توقفي عن ما تفعلينه!
أتودين حرقنا أحياء؟"

صاحت تاركو مبتعدة عنها فقد كادت تحرقها 



" أنتم مجرد فئران حقول عديمي الفائدة"
همست مالينا


" نحن لسنا هنا للهو، إننا في مهم إنسانية كما أنه لدينا الكثير من العمل لنقوم به في الصباح و فري نشاطك الزائد ليوم الغد"
قالت تاركو متجهة صوب الخيمة لإحضار كؤوس العصير.

" سيداتي، ألم يجهز العشاء بعد؟"
سأل الطبيب دييقو و هو يمسح على معدته التى بدأت عصافرها تزقزق.


" هذة غلطتك مع إحترامي الشديد لك.
لما رفضت أن تحضر معنا بعض المساعدين الإضافيين، كانوا ليقوموا بأعمال الطهو و التنظيف بدلا عنا"
قالت مالينا و هي تحدق بالطبيب بإنزعاج مبالغ فيه.


" أوه سيدي تفضل بالجلوس إن العشاء جاهز خمس ثوان و سوف أسكبه لك، خذ راحتك"

قالت تاركو 


" أرأيتي كيف يكون التعامل الراقي؟

تعلمي منها ولو القليل فقط"

قال الطبيب دييقو ثم جلس ببطء يتناول الحساء التى أعدته تاركو.



تاركو صبية في الخامسة و العشرين من عمرها، توفي والديها إثر مرض مستحدث لم يتمكن الاطباء من علاجهما، فقررت هي أن تكون ذلك الطبيب المعجزة الذي سيكتب عهدا جديدا في مجال مكافحة الأمراض، كرست تاركو كل الثواني و الدقائق التي تنعم بها لتحقيف هدفها، لم تكون تود أن يعاني شخص آخر كما عانى والديها من قبل، كانت تعمل لدي جمعيات طوعية لمساعدة المحتاجين و الفقراء الذين لا حول لهم إن ما أصابهم السقم.

كان والدها من أهم الأثرياء بيد أن ماله لم ينفعه حينما كانت حياته في خطر، ورثت تاركو ثروة أبيها و سخرتها في سبيل العلم و المصلحة العامة، فهي كانت الإبنة الوحيدة لدى عائلة أتلانتوان الشهيرة.








صارت الآن الساعة الواحدة منتصف الليل، حان موعد التناوب على الإعتناء بالمرضى و مراقبة حالاتهم و التغيرات التي قد تطرأ عليهم.


مايكل و دوناتيلو هما المسؤلان عن المناوبة الليلة لهذا اليوم. 


" أتعلم يا صاح إن الحياة في إفريقيا لها طعم آخر، إنها ليست مرتي الأولى لزيارة هذة الأراضي فقد كان والدي ياخذنا كل إجازة لدولة جديدة حتى نتعرف على عاداتهم و نتأمل حضاراتهم و نكتسب ثقافة و خبرة جديدة"
قال دوناتيلو لمايكل بينما كانا يتجهان صوب المخيم الطبي.


" هذا عظيم، هذة المرة الأولى التى أزور فيها إفريقيا"
رد مايكل.


" لا تقلق ساكون دليلك السياحي من الآن فصاعدا"


إستمر الحوار بينهما لفترة من الزمن، صعقا بإختفاء جميع المرضى الذي كان عدهم سبعة و ستون، الأسرة كانت فارغة لا أثر لمقاومة أو شجار، كأنهم تبخروا.
تفحص مايكل المكان بحذر كانت الرياح هادئة، الوضع بات مروعا، أيقظ دوناتيلو باقي الطاقم الطبي و الحراس، عندما عادوا لتفحص و التأكد مما قاله مايكل و دوناتيلو وجدوا أن المصابين لايزالون مستلقين في أسرتهمو كأنهم لم يختفوا. الأضواء كانت تومض و تبرق و كأن عطلا أصابها.


" أقسم لكم أننا عندما دخلنا لم نجد أحدا، بيدي هاتين تفحصت الأسرة و المكان لم يكن هنالك أثر لأي مخلوق"
قال دوناتيلو و الخوف قد رسم خريطة لما حدث على وجهه.


" سيدي صدقنا هذا ما حدث "
رد مايكل


" كل هذة أوهام منكما، إنظرا إن المرضى إنهم جميعهم في الداخل كما نراهم الآن، خذا قسطا من الراحة سأتولى أنا أمر الإعتناء بهم"
قال الطبيب دييقو و هو يحدق صوب الفراغ و كأنه يرى ما لا يرى بمجرد عين بشرية.


" و لكن..."

قبل أن يكمل مايكل حديثه قاطعه الطبيب دييقو و طلب منهم الرحيل بهدوء فقد سببوا ضجة عارمة من لا شيء.


" أيعقل أنهم لم يصدقونا؟"





" لقد سمعت أن بعض بلدان و مناطق في القارة الأفريقية مسكونه من قبل الأشباح، حتى أنهم يستطيعون إسدعاء الشياطين و كبار المردة و تسخيرهم في ما يريدون، إنهم يجيدون السحر و خاصة السحر الأسود"
همست مالينا مقتربة من مايكل و دوناتيلو اللذان كان في صدمة من أمرهما.



" ما الذي تتفوهين به يا إمرأة س_ س سحر!

هذا المصطلح خرافي و غير موجود الا في الروايات"
إرتعب دوناتيلو و هو يحاول إخراج الحروف سليمة.




مالينا شابة في العشرين ربيعا، غريبة الأطوار تهتم بشدة للظواهر اللامنطقية و تؤمن بوجود تعدد الأبعاد و عوالم خارج نطاق إدراك البشرية، دائما تقول :

" إن العقل البشري أعظم ما خلق في الكون و لكن رغم تطوره الا أن البشر لم يتمكنو سوى من إستخدام عشرة في المئة من مقدراته الكامنة، و إن الطريق أمامهم لمعرفة خبايا الكون طويلة جدا"


كانت مالينا مولعة بإكتشاف الأسباب وراء كل حدث عجز العلم عن تفسيره، كان تثق أنه ليس هنالك ما لا يمكن وصياغته في نظرية أو قانون و لكن مدى إدراكنا و تصور الأنسان و الحدود الذي رسمت له هو الذي يقف عائق بينه و بين معرفة ما يحدث أمامه من عجائب. تردد مالينا من حين لآخر قائلة:
 " يجب على المرء دائما رؤية الأشياء من مناظير عديدة حتى تضح الصورة كما يجب"









" لقد قرأت عن بعض القبائل حول العالم التي تستخدم السحر لأغراض معظمها ينافي القيم الفضلي، و لكن ما رأيناه قبل قليل ينافي كونه مجرد سحر، كيف لأكثر من خمسين مريض غير قادر على الحركة بالإختفاء و العودة في مجرد أقل من خمسة دقائق، لقد كان المخيم و كأنه مهجور و ساكن عندما دخلنا"
رد مايكل و هو يبعثر شعره في حيرة من أمره، 


" أظن أنه يجب علينا أن نأخذ قسط من الراحة، ربما تأثرنا بالشائعات التى سمعناها بكثرة"
همس دوناتيلو محاولا إتناسي ما حدث.



كانت مالينا ذات العينين الزرقاوتين و البشرة البيضاء تجلس بالقرب من النار الموقدة بعدما تركت مايكل و دوناتيلو يتخبطان في ظنونهما.
كانت ألسنة اللهب و ضوءها ينعكس على عينيها، ترمي هي المزيد من الحطب فتتقد مضيئة المكان بنور جيد.


" يحال أن يكون هذا مجرد سحر، هنالك تفسير منطقي للذي حدث، إما أن تكون تلك خدعة بصرية أو أن أحدهم قد قام بسحرهما"
همست مالينا بينما كانت تضع طلاء أظافرها بحذر.





أتى شاب في الرابعة و العشرين من عمره أبيض الشعر و الحواجب و الرموش كأن مملكة الجليد إشتقت منه وورثته لون السلام عن طيب خاطر، كانت عيناه بلون كالدم القاتم يبدوا مكتئبا لا يتحدث و لا يتفاعل مع البقية، يظل وحيدا، كثير الشرود و التأمل و كأن روحه فارقت جسده منذ مدة و ما عاد يعرف كيف يعيدها.

 سكب لنفسه بعض الحساء، تجاوزت الساعة الثالثة فجرا، كان يتناول طعامه بهدوء لم يتحدث قط مع مالينا حتى أنه تجاهل وجودها بالكامل.


"  كاينر

أنت!

أنا أتحدث معك يا دودة الكتب

ما رأيك بما حدث قبل قليل مع مايكل و البقية؟"
قالت مالينا بتعجرف.


لم يبدى هو ردت فعل لها ، أنهى حساءه، نهض و أعاد الصحن إلي مكانه، ثم هم للذهاب دون قول شيء، فجأة وقفت مالينا
أمامه كالسد محاولة إيقافه.


نظر إليها بتلك العينين اللتين وقع على إثر نظرت منهما آلاف الضحايا حبا و هياما و تتيما فيه بل في ذاته و شخصه، كان يرتدي نظارات سوداء في النهار  و يضع كمامة يغطى بها شفتيه اللتين بلون الكرز القاتم، لقد كان و كأنه هبط من كوكب آخر.


" أريد أن أمر لذا إبتعدي"
أخيرا تفوه ببضع الكلم .


" أنا أرفض، يالك من ولد فظ عديدم الإحساس، لا أريد التحدث معك"
قالت مالينا و عينيها بالدموع كادت أن تفيض.

إبتعدت عن طريقه بخطوتين للجانب الأيسر و الحزن بدأ يسيطر عليها، الحقيقة أنها إكتشفت و بعد فوات الأوان أنها إحدى ضحايا حبه السادي، و أنها وقعت في فخ متاهة لن تتمكن من الخروج منها سليمة الفؤاد و الكيان.


" سأترك تقريرا مفصلا عن حالة كل مريضا على طاولة المكتب الخاصي بي أخبري الطبيب دييقو بذلك، لا تنتظرونني على الإفطار فلدي عمل أقوم به في السوق" 
قال  كاينر ثم سار بخطوات سريعة الي خيمته جوار خيمة الفتيات.

جلست مالينا على جزع الشجرة تمسح دموعها بسرعة، كانت تعاني من الأرق بمجرد التفكير أن كاينر ينام في الخيمة التي على يمينهم، كانت تظل مستيقظة لوقت متأخر تنهك نفسها بالأبحاث و الدراسة كل ذلك لتخفي شعورها و ما يخبأه فؤادها و لكن هيهات لا تسير الأمور كما تريد .


" ألازلتي مستيقظة؟"
سألت تاركو تلك السمراء متوسطة الطول بنية الشعر، ذات أرداف ممتلأة يجعل منها شخص مثيرا يستهوى الرجال .


" لا رغبة لي في النوم، أنا بخير هكذا"
همست مالينا و هي تمسح آخر دمعة من خدتها و تبتسم.


" ألم يصل المصل المضاد بعد، إن الذي بحوزتنا كاد أن ينتهي يا ترا لما تأخروا في إستيراده؟"
سألت تاركو


" إنه فصل الخريف يا تاركو و المناخ هنا متقلب ربما سلكوا طريق آخرى آمنة لا أحد يعلم فنحن في إفريقيا كل شيء وارد "
أردفت مالينا و هي تنظر صوب الحطب الذي بدأ بالتحول الي رماد بارد كحال قلبها كلما رأت ما كاينر.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي