دموع فرح

ميمو حال`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-06-30ضع على الرف
  • 60.1K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الاول

ظلام دامس يعم أرجاء البلدة يصحبه صوت صفافير الرياح لا يسمع فيه صوت بشر كل قد حُبس في منزله خشية نزول المطر ، فُتح باب منزل في أحد الأبراج والمصابيح تنيره تعلن عن يقظة أهل ذلك المنزل ، هناك صياح يزداد ارتفاعا بصوت رجل أجش وكأنه قد أصابه الهلع أو أمسك لصاً يلقنه درساً دون رحمة .. تداخل معه صوت آخر ولكنه ليس أجش كما السابق بل كان أكثر لطفٍ وتوسلٍ ورجاء يليه صوت آخر متمردا يبدو في نبرته الحده والاعتراض ولكنه أيضاً من الجنس اللطيف ، يبدو أنه حوار عائلي بل أنه تفكك عائلي يخلو من اللين والتفاهم يكاد يظن من يسمعهم أن هناك جُرم قد ارتكبه أحدهم ويتضح أنه الصوت اللطيف المتوسل عندما تتضح الكلمات بصوتها المجروح :
لماذا لم تصدقني تأكد من قولي أولا وإذا كان ادعاءً كذبا افعل بي ما تشاء لكن لا تظلمني يا أبي لا تفعل بي ذلك من أجلها أنا من تحمل اسمك ، انا من اختلط دمي بدمك ،أين الحنين لي لم يكتب لي أن أراه منك قط ، هل يستطيع قلبك ويراودك عقلك أن تلقي بي في الشارع وتبليني الطرقات ومتاعب الدنيا من أجل هذه المرأة الخادعة ؟!
لم يبالي كأنه لم يسمع كلماتها ليس أصم الاذن بل أصم القلب أبكم العقل كفيف الروح ، لو سمع حجر تلك الكلمات للان من ناحيتها كيف يكون ذلك والدها .. هل هنالك من يفعل ذلك مع بنيته من أجل زوجته ؟ هل يمتلك عقل مثل البشر ؟؟ لا اعتقد ذلك ، تركها تذهب ومعها حقيبة ملابسها تتسلل في شوارع لا ترى أمامها سوى غمامة من الدموع ولا تعلم إلى أين يسير بها قدميها تركت إليهما الخيار أما عقلها فلا يهتدي لصواب ولا يستطيع التفكير كل ما كان بمقدورها فعله هو البكاء ، تبكي بقلبها وعينها بل شعرت أن كل قطعة منها تبكي دما لا دموعاً ،ساقتها قدميها إلى الممشى على النيل ذلك المكان الذي ترتاح به وتبث إليه أحزانها ويشاركها ألامها ويخفف عنها عبئها ذلك هو صديقها الصدوق الذي يتحمل عنها الكثير ويداوي لها الجروح بعد وفاة والدتها وتشعر وكأنه الحضن الباقي لها بعد والدتها الذي يبقى ولا يموت تشعر بجانبه بالاطمئنان الذي لم تجده مع والدها ينصت إليها يسمع شكواها تهب عليها النسمات تكفكف دموعها يحتوي ألمها ويهديها هدوء وسكينة لكن هذه المرة لا تستطيع أن تشكو ولا تبث له أحزانها لا تجد كلمات تنطق بها وتخبره عما يجيش في خاطرها ، يعتريها الخجل هذه المرة أن تخبره بفعلة والدها معها ، لا تستطيع أن تتحدث ، نظرت إلي الأفق في رجاء وتوسل إلي الله نظرة تحمل كثير من المعاني وتنطق بكثير من الكلمات التي لم يستطع لسانها أن يتلفظ بها ، برقت السماء وازداد نورها كأنه إشارة من الله لها أنه سمع حديث قلبها معه وأنه سينير ظلمة قلبها كما أنار ظلمة السماء في هذا الليل الدامس ، ألقت بنظرها إلى النيل عله هو الآخر قد فهم حديثها الصامت .. وجدت الانوار تعكس ضوؤها عليه مما يضفي عليه لمعة حزن كما التي تسكن عيناها ..
أفاقت من شرودها على صوت رعد السماء الذي تخاف منه كثيرا ، ثم سكبت السماء ماءها كما سكبت عيناها الدموع تريد أن تخبرها أنها ليست بمفردها من تبكي هي أيضاً تشاركها حزنها .. مما ربت على قلبها و أشعرها أن هناك من يشعر بها ويفهما ومن تجد معه الاطمئنان والصواب ولا تخاف هذه المرة من صوت الرعد كان ألطف عليها كثيرا من صوت والدها وأرحم بها ..
عادت إلى رشدها قليلا كفكفت دموعها ،حملت حقيبتها ، أوقفت سيارة الأجرة " التاكسي" وصل بها إلى موقف السيارات المتجهة نحو القاهرة ، استقلت مقعدها في السيارة وانتظرت حتى يكتمل عدد الركاب كي تغادر ذلك المكان سريعا .. طوت صفحاته التي تحمل في طياتها مزيج من الذكريات والأحداث .. الحزينة المؤلمة التي يشوبها لقطات من السعادة في أحضان والدتها التي ارتفعت روحها إلى من لا يوجد عنده ظلم ولا ألم ، وأصبحت تلك السعادة في حياتها مجرد ذكرى تستعيدها بوالدتها التي حرمت منها إلى أن تلتقي أرواحهما .. أما الحزن والألم فتعتقد أنهما سيلازمانها بقية حياتها ..
_ تفضلي يا بنيتي
تنظر من النافذة شاردة لا تبالي ولا تدرك وجود أحد بجوارها ، بيد أن رأت يد ممتدة إليها تحمل بين أصابعها منديلا ورقيا تقدمه إليها منتبهه إلى تلك الكلمات ، نظرت إليها وجدتها امرأة أربعينية ذكرتها بوالدتها .. لاحت ابتسامة على شفتيها بنظرة حانية ، اخذت منها المنديل وكفكفت به دموعها ، ولن تستطع نطق كلمة شكر اكتفت بتلك الابتسامة ، ثم صوبت نظرها إلى النافذة مرة أخرى .. تحركت السيارة وأثناء الطريق ظلت تبكي إلي أن غلبها النعاس لكن .. خانتها شهقاتها تلك المكتومة بداخلها ولا تريد أن تفصح بها في يقظتها .. قلق عليها الناس من حولها وكان من بينهم دكتورا ، أخبروا المرأة التي بجوارها أن توقظها كي لا يصيبها مكروهاً ، شفقت عليها المرأة كثيرا وعلى حالتها تلك ، حاولت ايقاظها رويداً رويداً وهي تملس على رأسها بحنان الأم الذي افتقدته كثيرا ، لكنها كانت لا تعي بما يدور حولها ..
حاولت السيدة أن تخفف عنها ذلك الحمل الثقيل وجعلتها تتحدث معها عما يؤلمها علها تنفس بعض الشيء عن حزنها المكبوت في ثنايا قلبها .. استجابت لها الفتاة بعد وقت من التفكير ، هل يمكنها أن تبوح لها بسبب حزنها وتفضفض بما يعبأ صدرها؟!!! .
استسلمت سريعاً ليس لديها القدرة أن تفكر كثيرا فى ذلك الأمر وبدأت تقص عليها حزنها عسى أن تتزحزح تلك الصخرة القابعة فوق صدرها تعيق حركتها وتفكيرها كما تعيق عملية التنفس الطبيعي وتمنعه أن يصل إلي أعمق رئتيها ، وأخذت تقول: ..
لكن .. لكن ، لا أريد أن تحملي همومي فإنها عندي مثل البحر لا أعلم أين بدايته من نهايته ، ربنا تسخري منها وتكون بعينك ثقب صغير يسهل ترميمه
الحاجة عبير : أولاً يا بنيتي أنا اسمي الحاجه عبير ..
أما ثانياً : لا استطيع أن أسخر من أحزانك ؛ لكن أريد أن تبوحي بما تحمليه وحدك عسى أن أكون لكِ خير صديق ، أو نتشارك الحل معاً فلا يوجد مشكلة دون حل ، أو ربما إذا عجزنا عن الحل آخذ منها عبرة اتعظ بها واتعلمها للزمن ، لا تجعلي أحزانك تسيطر عليكِ وتجعلك تفعلي أشياء تندمي عليها او تتصرفي دون عقل وحساب ، دائماً اجعلي كل مشكلة في حياتك هي درس جديد تتعلمي منه وعبرة تستفيدي منها ، أعلم انكِ في هذا الوقت لا تستطيعي أن تسمعي هذا الكلام تريدي فقط من يهون عليكِ ويطيب خاطرك ...
تحدثي ينفرج قلبك ويتزحزح الحزن عنه ولو قليلاً .
فرح : لا أعرف من أين أبدأ حكايتي و كيف أسرد شريط أحزاني ، لكن سأخبرك بما أوصلني الى هنا ...
والدتي توفت منذ ثلاثة أعوام كانت هي مصدر السعادة لقلبي ومسكن روحي ، كانت هي ضلعي الثابت الذي لا يميل أبدا مهما مالت بنا الدنيا ، أثناء فترة رحيلها كدت افقد عقلي لكن حينها فقدت النطق فقط ليتني فقدت روحي وذهبتُ إليها كان أفضل من حالي حالياً ، لقد رُحِمت من عذاب أبي لها وذهبت لمن هو أقرب إلينا من حبل الوريد ويعلم إلى أي درجة ظُلمت في حياتها ويعوضها خيرًا ويجازيها ربها خير الجزاء وينعمها في جنات النعيم ...
ترقرقت الدموع فى عينيها من جديد وهربت مسرعة على خدها قبل أن تخفيها ؛ لتعلن هن مدى اشتياقها لوالدتها وتنفست الصعداء عسى أن تخرج معها بعض همومها التي باتت تحملها وحدها واردفت :
بعد وفاة والدتي بأسبوعين تقريباً وأنا أجلس في غرفتي متكئة على فراشي سمعت والدي يتحدث مع شخص بالخارج وبعد قليل ارتفع الصوت بضحكات انثى أصابني الجهوم من التي مع والدي بالخارج وتضحك بهذه الطريقة ، قطع تفكيري وتساؤلاتي طرقات على باب الغرفة وقبل أن أأذن بالدخول وجدت والدي يضع يده فوق كتفها ويخبرني أن هذه زوجته و يجب عليّ تقبلها سواء شئت أم أبيت ، لم اتفوه ولا انطق ببنت شفه .. ذهبوا إلى غرفتهم التي كانت غرفة أمي بالأساس كل شئ بها يخص أمي يوجد به رائحتها .. أشيائها .. كل شئ كل شئ بها ملك أمي سوى أبي ، كانت قليل ما تنام بها بجوار أبي كرهت اسمه وسيرته بسبب ما كان يفعله معنا ، وضعت حينها رأسي في وسادتي بل وسادة والدتي التي طالما احتضنتها و أسكبت عليها بحورا من الدموع .. كانت هذه الوسادة الشئ الوحيد الذي يعرف أحزانها ويكفكف دموعها ولو كانت شئ ناطق لبكت حزناً عليها وقاسمتها الهموم ، انهمرت في البكاء وربما كان بكاء هستيري لم أستطع رؤية امرأة اخرى في المنزل غير أمي ، ألهذه الدرجة كان ينتظر موتها ليتزوج بهذه السرعة ؟!!!
حزني لا يفرق معه ؟ آلامي يتغاضى عنها بكل هذه القسوة ؟!
لن يستطع أن يصبر بضع من الوقت ؟! يا حسرتاه !
انشطر قلبي على أمي فلذة كبدي لماذا تركتني وحدي ؟
ليت أمر الله نفذ علينا معًا ، ماذا أفعل في الدنيا بلاها ؟!
كانت زوجة أبي في بداية الثلاثينات حسناء الوجه لكن ليست مثل أمي التي كان الجميع يشهد بجمالها وحسنها ..قوية البنيان ، شديدة الأسلوب ، صلبة الرأي ، سريعة تقمص الشخصيات ، لا يوجد رحمة في قلبها ، بارعة في الكذب ، لكن أبي يصدقها ويثق بها كثير ..
كانت إذا حضر أبي ابتسمت في وجهي وتتعامل بحنيه وما إن أفلت قدمة تحولت إلي الساحرة الشريرة تجلس وتضع قدم فوق الأخرى ويرتفع صوتها وتأمرني بالقيام بأعمال المنزل والمطبخ وحدي ، كنت حينها في العام الأخير من الجامعة واقترب موعد الاختبارات النهائية وأريد أن أحصل على درجات عالية مثلما تمنت والدتي كي تراني بشاشة التلفاز وأنا أقدم اشهر برنامج تلفزيوني ، أريد أن انهي أعمال المنزل بسرعة كي أنظم وقتي و أذاكر دروسي بكن ريثما تتركني تلك اللعينة، وأثناء مجيئ أبي تتحول مثل الحرباء مما تجعله كل يوم يحبها ويصدقها أكثر وأكثر ، وأنا ابهت ويشحب وجهي ويهزل جسدي كل يوم أكثر من قبله
سكتت قليلاً وأخذت نفسًا عميقاً ثم نظرت إلى النافذة لترى النجوم ملأت السماء والليل منغمس في السواد وهزت رأسها يمينًا ويسارًا تتعجب من حالها وسفرها في هذا الوقت المتأخر ، ربما شعرت الحاجه عبير بما تتعجب منه وزادها شغفًا أن تعلم سبب سفرها في هذا الوقت المتأخر من الليل أو بالأحرى كل من في العربة قد سمع حديثها وتأثر بها ، كل هؤلاء الأشخاص امتلأت قلوبهم حزنًا عليها و رأفة بها وشفقة على حالتها ، يريد الجميع من داخلة أن يقدم لها يد العون لكن يخافون من القادم فهم لا يعلمون الحقيقة كاملة ربما تخفي شئ آخر وراء دموعها لا تستطيع البوح به هو من أوصلها لتلك الحالة التي ترثى عليها .. ربتت على كتفها المراه التي تجاورها في المقعد تحدثي يا بنيتي ما الذي جاء بك الى هنا في هذا الوقت المتاخر من الليل تحدثي ولا تخافي ربما استطيع ان اساعدك لاحد منا لا يخطا لكن الخطا وان لا نتعلم منه واعدك لا يعلم عن حديثنا هذا احد وساقدم لك كل ما استطيع ان اقدمه لك
اخذت نفس عميقا ونظرت الى المرأة بحزن وقالت لها:
كان ابي كل يوم يترك مصروف البيت الى زوجته كي تأتي بمتطلبات المنزل واحتياجاته وهو على علم او يظن انها من تذهب كل يوم الى السوق كي تأتي ما يحتاج البيت من اشياء ولكن في الحقيقة كانت تبعثني كل يوم اشتري كل شيء وحدي وهذه المرة الاولى التي اذهب فيها الى السوق دون امي كل يوم اذهب الى السوق اتجول بين الباعة واتسوق واذهب بما يحتاجه البيت او بالأحرى ما تطلبه مني زوجه ابي ثم اعود الى المنزل ارتبه واذهب الى المطبخ كي اطهي الطعام وافعل كله شيء وهي تجلس في غرفتها الى ان يأتي أبي وفي يوم من الأيام ذهبت كالعادة الى السوق اتسوق واتجول بين الباعة كان لا ينقصنا شيء كثير او لم اجد كل ما طلبته مني عدت يومها الى البيت مبكرا دخلت دون صوت وضعت الأشياء بالمطبخ ثم دخلت الى غرفتي كي ابدل ملابسي وارتدي ملابس الشغل شعرت بإرهاق فاستلقيت على فراشي بعض الوقت لم اسمع صوت زوجه ابي وبم أراها عندما دلفت إلى المنزل فظننت انها نائمه او ربما نزلت من البيت لتفعل شيئا اخر فانتهزتها فرصه واغفلت عيناي اريد ان انام فيه ضوء قبل ان تأتي وانا القي راسي على وسادتي وشردت وشعرت بالوحشة الى امي اريد احتضانها اريد ان اشاركها همومي واتحدث معها عن كل ما يحدث معي ، وفجاه افاقني من شرودي صوت ضحكاتها عالية وبجانبها صوت رجل اخر غير ابي وده عشت للوهلة الأولى عندما سمعت الصوت قلت ربما البواب او ما شابه ذلك وتعزت كثيرا لاختيار ابي وان زوجته تفعل هذا مع الاغراب في غياب بعد قليل سمعت الصوت يعلو اكثر ويختلط به شيء من الصوت الناعم الانثوي ولكن هذا الصوت يأتي من الغرفة وليس من باب المنزل قفزت من السرير واتجهت للتأكد من مصدر هذا الصوت وقفت امام الباب هو ربما علمت ما يحدث بالداخل تسمرت في مكاني ولا اعلم ماذا افعل اتجهت مشرعه مره اخرى الى غرفتي وقفلت الباب خلفي لكن لا اعلم من ارتباك قد احتفل الباب صوت ما اثناء غلقه ادركت زوجه ابي انني في المنزل ذهب الى فراشي وتصنعت انني نائمه كي لا تعلم أنني قد عرفت ماذا تفعل ، سمعت اصوات اقدام تقترب من غرفتي ليست أقدامها فقط بل معها ذلك الرجل اللعين ، انتفض جسدي وعجزت عن التفكير كلما ازداد صوت الأقدام يقترب أكثر فأكثر وفجأة سمعت صوت باب الغرفة يفتح حينها زاد اضطرابي ورعشة جسدي وانتابني الخوف وندمت أنني لم أغلق الباب بالمفتاح خاصة بعدما سمعت حوارهما بالخراج ....
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي