رماح المنذر

NehalSelim`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-06-22ضع على الرف
  • 2.3K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

حقيقة مؤلمة

كانت تُنصت إلى كلماتها التي كانت تُلقى على مسامعها كالصاعقة التي أطاحت بها بينما الثانية كانت تبكي بقهرٍ مُسبلةً جفنيها أرضاً، حاولت التحدث إلا أن الكلمات قد أبت الخروج مِن شفتيها لتُجاهد إلى أن نجحت بإخراجِها قائلةً بأنفاسٍ مُتقطعة:
"ما.. ما الذي تقولينهُ خديجة!"
رفعت خديجة عينيها التي لم تتوقف عن البكاء صامتة لتُؤكد للأخرى صحة ما سمعتهُ الآن، ابتلعت هدى ريقها بصعوبة لتحاول تهدئة الفزع الذي انتشر بداخلها وهي تتساءل بأصواتٍ خافتة:
"كيف عرفتِ هذا؟"

مسحت خديجة أنفها بالمحارم الورقية وهي تستعيد شتاتها لتُجيب قائلةً بنبرة مُختنقة مِن البكاء:
"بإحدى الأيام وأنا عائدة مِن العمل قد فقدتُ وعيي بالطريق وتم نقلي إلى أحد المشافي وطلب مني الطبيب إجراء بعض الفحوصات لكنني رفضت، أخبرتهُ بأنني أصبحتُ على ما يُرام ولا داعي لهذا وذهبتُ مِن هناك وسط غضبهِ مِن عدم إطاعتي للأمر، عدتُ للمنزل ولم أضع بحُسباني شيئاً إلا أن الأمر قد تكرر وحينما ازداد قد ذهبتُ إلى أحد الأطباء وتلك المرة قد قمتُ بإجراءِ الفحوصات.. وقتها فقط قد علمت.."

قوست هدى بين حاجبيها بحزنٍ شديد ونياط قلبها يتمزق ألماً على رفيقتها لتُردف بتساؤل:
"أخبركِ.. بأنكِ.. مُصابة به؟"
أومأت لها خديجة بصمتٍ دون أن تُضفِ كلمةً واحدة لتُغمض هدى عينيها بقوة وهي تُعاوِد فتحها ثانيةً وسط مُتابعتها بخفوت:
"ماذا عن العِلاج؟"

تحدثت خديجة بعينيها التي كانت تنتقل بينها وبينَ الأرض مُرددة:
"لقد أخبرني الطبيب بعد إطلاعهِ على النتائج بأنني بالمرحلة الثانية مِن المرض، ولا بد لي أن أبدأ العلاجَ فوراً إلا أنني علمتُ بأن التكاليفَ باهظة ولن أتمكن مِن تجميعها.. لقد خُيّرتُ بين صحتي وبين أبنائي يا هدى وحتماً أنتِ تعرفين نتيجة هذا الاختيار ولن تسأليني؟"

عقدت الثانية بين حاجبيها وهي تُحدق بها بغضبٍ وصدمة:
"هذا يعني بأنكِ لم تقومي بمتابعةِ الطبيب ولا حتى قد سبق وبدأتي بالعِلاج؟!"

لم تتحدث خديجة بحرف لتُدرك هدى الإجابة على سؤالها مما دفعها إلى الاستشاطِ غضباً وهي تتحدث إليها بحدة:
"هل جُننتِ يا خديجة؟ بحقِ الله ما الذي تفعلينهُ بنفسك؟ هل تُريدين أن يُصيبكِ أمراً؟"

نظرت لها الثانية وهي تُردف بأعين دامعة ومعالم حادة:
"وما الذي تُريدين مني فعله؟ هل تُريدين أن أُفضل نفسي على أبنائي؟ أنا أعيش وأتحمل كل ما يحدث مِن أجلهم فقط"

تابعت هدى بنفسِ نبرتها دون تغييرٍ ناهرة:
"وأنتِ ما الذي سيحدث لهم إن لم تُساعدي نفسكِ أيضاً؟ ألم تُفكري بالأمر؟ ألم تُفكري إلامَ سيؤولُ مصيرُهم هاذينِ المسكينين؟ ما الذي سيفعلهُ بهما أشرف إن أصابكِ مكروهاً أنتِ مَن تُوقيفنهُ؟ هما لا يملكانِ غيركِ بالدنيا كيف تكونينَ بهذهِ الأنانية؟"

هذهِ المرة قد قوست خديجة حاجبيها ألماً وهي تُردف قائلةً:
"أنانية لأنني أُفكر بهم وآثرتُهم على نفسي؟ أتريدين مني أن أقوم بتجوعيهُم وتعطيلهم عن التعليم مِن أجلِ نفسي؟ ألا ترين بأن قصواء ومصطفى يستحقانِ أن يعيشا حياتهما كباقي الأبناء؟ أخبريني هدى هل أنا مُخطئة بهذا؟"

هزت رأسها بالنفي وهي تُردف مُجيبة على تساؤلها:
"لا لستِ مُخطئة وأنا أُدرك هذا جيداً كوني أمٌ مثلكِ وبالتأكيد سنقوم بهذهِ التضحية ولن نتردد أبداً ولكنكِ أيضاً قد أخطأتِ بحقِ نفسكِ خديجة، خاصةً وأن هذا الأمر مسألة حياة أو موت ولا مُزاح به، كان عليكِ الإدراكَ بأن هذهِ التضحية ستُكلف أبناؤكِ الكثير إن استمريتِ بهذا العِناد، أرجوكِ خديجة كفي عما تفعلينهُ ودعينا نبدأ بالعلاج مع الأطباء أنا لا أريدُ فُقدانكِ ولا أبناؤكِ أتعتقدين بأن قلوبهم قد تتحمل ضرراً لكِ؟"

رفعت الثانية عينيها نحوها لتنهمر بالبكاء لتُعانقها هدى وهي تُربت على ظهرها بحنوٍ بينما حديثها لا زال مُستمراً:
"أخبريني متى علمتِ بالأمر؟"

ابتعدت خديجة عنها قائلةً:
"لقد كان منذُ فترة طويلة لا أعلم ما الذي يمكن أن يكون قد حدث؟"
أومأت لها لتُردف:
"هل هناك مَن يعلم بالأمر غيري؟"

هزت رأسها بالنفي إلا ان عينيها قد شردت قليلاً وهي تتحدث موضحة:
"لا.. لا يوجد أحد، ولكن حينما تغيبتُ عن العمل منذُ أيام كان بسببِ هذا لقد مرضتُ وبهذا الوقت قامت قصواء بإحضارِ الطبيب عبد الله مِن أجلِ فحصي ويبدو بأن الشاب قد استدرك الأمر، حتى أنهُ قام بسؤالي وأنا لم أُعطهِ إجابة واضحة إلا أنني أيضاً لم أُنكر.. غير هذا أنا أعلم مِن نظراتهِ أنا أصبحَ على يقينٍ مِن الأمر"

تساءلت الأولى بتردد:
"أتتوقعين أن يكون قد أخبر عِصمت وطلب منها أن تتكتم عليه؟"
نفت الإجابة مُتابعة:
"لا لأن أم عبد الله لن تستطيع الكتمان وسيظهر عليها جليّاً أنا أعلم هذا غير أن عبد الله كان يحرص على التحدث وحدنا"

ابتلعت هدى ريقها وهي تومئ برأسها:
"وأنا أيضاً أثق بأنهُ لم يتحدث بالأمر هو أمين الآن المطلوب أن نذهب إلى المشفى مِن أجلِ إعلامهم بكل شيء وبالتأكيد سيُطلب منا إجراء فحوصاتٍ أُخرى.. أو ربما.."

صمتت قليلاً وهي تُفكر لتُردف:
"أو ربما نستطيع التحدث مع عبد الله وهو بالتأكيد سيُساعدُنا"
نظرت لها خديجة بتيهٍ يشوبهُ الخوف لتقوم هُدى بالقبضِ على يدها وهي تبثّها القوة والطمأنينة قائلة:
"لا تخافي نحنُ هنا"

خرجت كلمة واحدة مِنها قد قاطعتها هدى عليها:
"التكاليف.."
كانت كلمات هدى التي خرجت هي السبب في ثباتها الذي نما بداخلها لتبتسم ابتسامة حزينة وهي تستمع إليها:
"لا تقولي مالاً ونحنُ هنا سننحت بالصخور حتى تتعالجين"

ما إن أنهت هدى الكلمات إلا وقامت الثانية باحتضانها لتبتعد بعد لحظاتٍ عنها وهي تتحدث بصوتٍ هادئ:
"هدى أريدُ طلب شيءٍ منكِ وأرجوكِ استمعي لي إلى النهاية، سأتعالج وسأفعل ما تقولوه لكن أريدُ منكِ أن تُنفذي لي هذا الطلب.. لا قدر الله إن أصابني مكروه، قصواء ومصطفى.. إياكِ تركهما فريسةً لهذا الوغد أو للزمنِ يا هدى، أرجوكِ أنتِ وأم عبد الله سيكون أبنائي أمانة لديكم لا تتركوهما وحدهما أبداً.. هما لا يملكانِ أحداً"

لانت عيني هدى حزناً على ما تسمع لتقوم بضمها إلى صدرها وهي تُربت على ظهرها لتٌساندها وهي تبعث بها القوة:
"لا تقولي هذا أبداً بإن الله لن يحدث سوى كل خير، علينا فقط أن نُحادث عبد الله مِن أجل إعلامهِ ونطلب منهُ المُساعدة"
أومأت لها الاُخرى لتنهض الأولى وهي تُشير برأسها بينما تُساندها بيدها:
"هيا بنا نعود للعمل لقد أوشكت الاستراحة على الانتهاء"

على الجانبِ الآخر تجلس بالصالة بعد أن قامت بترتيبها جيداً مُحدقةً بالكتب التي أمامها بينما عينيها تشردانِ بالفراغِ بين كل فنية والأُخرى دون شعور، عقلها يحملها مع أنظارِها إلى هذهِ الورقة المطوية الموضوعة على الطاولة الصغيرة التي أمامها لتمد أناملها وهي تعاود فتحها للمرة الألف لقراءتها.

الورقة هي الأمر الذي تم إصدارهُ بحقِ طليق والدتها حتى لا يتعرض لهم، دون وعيٍ منها قد ارتسمت ابتسامة على شفتيها بينما تتنهد براحة وهي تعود بظهرها للوراء.. حقاً إلى الآن لم يثبت كونهِ سيئاً أو يُريدُ بها مكروهاً كل ما يفعلهُ أنهُ يُساندها وما مُساعدة أفضل ولا أروع مما قد فعلها جدهُ معهم بُناءاً على حديثِ الطبيبِ عبد الله.

بهذهِ الفترة بدأ ما بداخلها يتناول مُنعطفاً آخر، أمراً لم تحسبهُ قبلاً ولكن ما يمكن قولهُ بأن مِن ضمنهِ الغضب أو الضيق لعدم رؤيته، اكتفى فقط بإرسالِ المظروف مع الطبيب عبد الله وهو لم يأتي بنفسه؟

لم تكن على وعيٍ بأن حاجبيها قد عُقدا تذمراً ورفضاً للأمر إلا أن هذهِ العُقدة قد حُلّت حينما تذكرت كلماتهِ التي قالها شكراً لها على طعامها اللذيذ وأيضاً حينما عرضت عليهِ أن يُسافر مع جدهُ إلى الحرم المكيّ، قاطع تفكيرها صوت طرقاتٍ خافتة على باب المنزل تعرف صاحبها جيداً..
نهضت مِن مكانها لتتحرك نحو الباب لتقوم بفتحهِ لأخيها الصغير ليدلف وهو يُردد بطفولة:
"أين أمي؟"

أجابتهُ قصواء بابتسامة صغيرة وهي تُغلق الباب خلفهُ بينما هو يتقدمها نحو الصالة الصغيرة ليقوم بنزع حقيبتهُ المدرسية مُلقياً لها بإهمال:
"أمي لم تأتي بعد مِن العمل، لا تُلقي بالحقيبة هكذا.. كن مُنظماً، هل أنت جائع؟"

أومأ لها بعد أن جلس على الأريكة القديمة دون أن يتحدث لتبتسم لهُ وهي تقف حاملةً الحقيبة:
"حسناً إذاً إن الطعام على النار لقد قمتُ بتحضيرِ بعض الحلوى، ما رأيكَ بطبقٍ بعد أن تستحم وننتظر أمي حتى تعود لنأكل سوياً؟"

ابتسم لها وهو ينهض ليُسارع بنزع ثيابها والركض إلى الحمام بثيابهِ الداخلية بينما هي تلتقط ما نزعهُ لتقوم بتنفيضِ الغبارِ عنها وإلقائها بالمغسلة مِن أجلِ تنظيفها.
عادت للمطبخِ الصغير لتقوم بفحصِ الطعام لتجدهُ قد طاب لتُسارع بإغلاقِ النيران وهي تتوجه للبرادِ مِن أجلِ تحضير بعضِ السلطة.

وأثناءِ تحضيرها قد عُقد حاجبيها فجأة وهي تتذكر كلماتِ والدتها للطبيبِ عبد الله حينما أتى لها بالمظروف لتقوم خديجة بالدعاءِ لهُ وطلبها مِن الطبيب أن تذهب بزيارةٍ إلى جدهِ مِن أجل شكرهِ على هذا المعروف، كانت ستحظى بفُرصة لرؤيتهِ ثانيةً إلا أن عبد الله قد قطع عليها هذا الأمل وقام بوأدهِ حينما قال بأن الجد لن يقبل أن تقوم بإرهاقِ نفسها بهذا ويكفيهِ أن يُساعدهم.
"هل كان يجبُ عليكَ أن تُعارِض ايها الطبيب؟ فلتدعنا نذهب! ما الذي كان سيحدث يا أخي؟ هل كانت الساعة لتقوم أم تخرب الدنيا؟ ما هذا الحظ يا ربي؟"

" ما بكِ أختي؟"
هتف بها مُصطفى الذي كان يضع المِنشفة على جسدهِ بالكامل مِن رأسهِ إلى قدميهِ وتتقاطر منهُ المياهِ لتدور قصواء بعينيها عليهِ وهي تهتف بيدها التي تُمسك بالسكين:
"مُصطفى عزيزي لما لم تذهب لارتداءِ ثيابكَ مُباشرة هل تُريد أن تُصاب بالبرد؟"

أجابها ببراءة وعينيهِ تذهبانِ للبراد:
"لقد أتيتُ مِن أجلِ أخذ طبق الحلوى"
أومأت لهُ لتُشير لهُ بالذهاب سريعاً لارتداءِ ثيابهِ قائلةً:
"حسناً اذهب وأنا آتيكَ به هيا"
انصرف مِن فورهِ لتلبية طلبها لتتنهد هي بعمقٍ وهي تهمس لنفسها بتذمر:
"سامحك الله يا طبيب عبد الله، بأي حجة سأراهُ بعد؟"

******

بالعمل كانت خلف مكتبها تُنهي بعض الأوراق اللازمة للعملاء لتحين منها التفاتة نحو الساعة المُعلقة على الحائط خلفها، إنها فترة الاستراحة على الأقل.. تنهدت بعمقٍ وهي تتراجع بظهرها للوراء بينما تُغمض عينيها مُحاولةً الهدوء، قاطعها صوتُ طرقاتٍ على الباب الزجاجي الخاص بها لتفتح عينيها مُحدقةً بمن يُزعجها.
"سُهيلة أتريدين أن أُحضر لكِ شيئاً تشربينه؟"
انتهزت الثانية الفرصة وأجابتها بمعالم مُرهقة:
"أجل يا شوق أرجوكِ فلتُحضري لي كوباً مِن القهوة ولتكن ثقيلة"
ضحكت الثانية باستخفافٍ وهي تهتف بها:
"ماذا؟ أتريدين منا أن نقوم بنقلكِ على المشفى؟ مِن أجل إيقاظِ عقلكِ تُنيمينَ قلبك!"

ضحكت الثانية على حديثها لتُردف الأخربى قُبيل انصرافها مُباشرةً:
"سأحضر قهوة وسط معي وكعكة لن أتأخر"
أومات لها سهيلة لتنصرف مِن أمامها بينما تُعاود النظر إلى الأمام وهي تعتدل بجلستها لترتكز بمرفقيها على الطاولة المكتبية، انتقلت عينيها إلى الهاتف النقال لتتذكر.. لابد أن الوصية قد فُتحت يا تُرى ما الذي حدث؟ تموت شوقاً لمعرفة الأمر ما إن تتأكد بأن النصيب الأكبر بات مِن حصيلة حماها المُستقبليّ وزوجها ستقوم فوراً بالضغط بكلِ السُبلِ عليها لإقامةِ الزواج والتخلص مِن هذهِ اللقيطة البائسة.

التقطت الهاتف لتقوم بإرسالِ رسالة في المحادثة الخاصة بهم وهي تتساءل:
"حبيبي كيف حالُك؟ إن كنت مُتفرغاً فلتُحدثني قليلاً قبيل عودتي للعمل"
أرسلت الرسالة إلا أنها لم تصل بعد هذا يعني بأن الهاتف مُغلق وهو لا يزال بالمكتب معهم، فلتنتظر إذاً.. عاودت الرجوع للوراء للاستنادِ على المقعد مُغلقةً عينيها ليصعد الطرق على الباب لتهتف به:
"أسرعي شوق رأسي على وشكِ الإنفجار"

"السلامةُ لكِ ما بكِ؟"
فتحت عينيها بسرعة البرق مِن هذا الصوت الذكوريّ الذي اقتحم حجرتها لتلتمع عينيها بلؤمٍ أخفتهُ سريعاً خلف نظراتِ التبلُد والجمود، اعتدلت في مقعدها وهي تنهض لتقف أمامهُ خلف المكتب احتراماً لوجودهِ:
"تفضل سيد أدهم، هل يمكنني مُساعدتُك؟"
زفر الآخر وهو يقترب مِن مكتبها ليجلس على المقعد أمامها مُشيراً بيدهِ إلى خاصتها لتجلس أيضاً:
"تفضلي آنسة سُهيلة لقد أتيتُ للحديثِ معكِ ثانيةً"

جلست على المقعد وهي تُجيب بنبرة هادئة:
"وأنا قد سبق وأخبرتُكَ برغبتي سيدي وثانيةً أقولها لكَ.. لا"
حدق بها بتمعنٍ مُحاولاً أن يستشف ما بداخلها إلا أنها كانت بارعة بإخفاءِ هذا ليستسلم أمامها، أو ربما هذا ما كان يُحاول فقط إظهارهُ. تحدث بهدوءٍ وهو يضع قدماً فوق الأُخرى ليستند بمرفقهِ على المكتب وهو يُضيق عينيهِ مُردداً:
"لما تتسرعين بالرفضِ آنسة سُهيلة؟"

مطت شفتيها قائلةً بابتسامة صغيرة:
"عفواً منكَ سيدي لكنني لا ارى بأنني أتسرع، أنا أعمل بالمصرف منذُ ما يقارب عامين أي أنني أُدرك جيداً لما بداخلي، لو كان بداخلي أمراً اتجاهُكَ لقمتُ بإخباركَ بهِ منذُ البداية لذا فأنا لا أجد لصمتي هذا سوى مُبرراً واحداً وهو أنهُ لا يوجد شيء.. أي تسرع إذاً هنا؟"
رفع حاجباً وهو ينظر أمامهُ ليعاود النظر إليها قائلاً:
"إذاً انتِ لا تتسرعين، لما لا تقومي بإعطائي فرصة حتى أستطيع التقربَ منكِ؟"

ابتسمت سُهيلة وهي تميل نحو الأمام لتفرد ظهرها قائلةً:
"حسناً سيد أدهم فلنفترض أنني قمتُ بإعطائكَ الفرصة وتقربت ما الذي سيُفضي إليهِ الأمر فيما بعد؟ إعجاب، حب، ارتباط ثم ماذا...؟ هنا مربط الفرس، ما الذي سيحدث فيما بعد؟ أو لنُصحح السؤال، علامَ تنوي أنتَ معي فيما بعد؟ فلا تحسبني واحدة مِن اللاتي تُعاشرهن كل شهرٍ وتتركها، عفواً منك سيد أدهم ولكن نحنُ لا نتحدث بصفتينا رئيساً ومرؤوساً الآن إنها التفاصيل الشخصية والتي لا أحب الخداع بها..
كلينا مُدرك بأن شهرتك بين الموظفين واسعة والجميع لا يتوقف بالحديثِ عنك وعن نسائِك، أنا كما سبق وأخبرتُك لست من ضمنِ هذهِ القائمة أبداً ولن أكون منها..
لذا فلنعد إلى حديثنا الأساس، ما الذي ستفعلهُ بعد ارتباطنا؟ ستقوم بالتخلي عني وأنا لن أسمح بهذا أبداً لن أترك لك الفرصة بفعل هذا معي لذا فمن الأفضل أن تبحث عن واحدة أُخرى غيري فلن تجد ما تُريد عِندي"

أنهت كلماتها لتختمها بابتسامة باردة بالكادِ ظهرت لكن الغريب بالأمر أنهُ كان مُحدقاً بها بهدوءٍ شديد وعلى جانب شفتيهِ ابتسامة جانبية تنم عن الإعجاب قد بعثت بداخلها الانتصار، تلاشت النُصرة التي بعينيها لتتحول إلى الدهشة وهي تراه يلتقط القلم الذي أمامها وكذلك ورقة وهو يخط بها مُتحدثاً:
"سأكون بانتظاركِ الليلة بهذا المطعم الساعة السابعة سأكون هناك، سنُكمل حديثنا لم ينتهي بعد.. سأنتظرك"

أنهى كلماتهِ بعد أن كتب عنوان واسم المطعم لينهض مِن مكانهِ وهو يبتسم لها لينصرف بينما هي تُحدق بهِ بغيرِ تصديقٍ بالتزامن مع دخولِ شوق إليها لتهتف باحترامٍ لهُ:
"مرحباً سيدي"

أومأ لها برأسهِ لتُحدق بإثرهِ باستغرابٍ لتواجدهِ هنا، اقتربت مِن سهيلة التي كانت الصدمة لا تزال على وجهها، وضعت ما بيدها على المكتب وهي تهتف بها:
"ما الذي كان يفعلهُ السيد أدهم هنا؟ ما بكِ؟"
طوت الورقة التي بين يديها وأفاقت مِما بها لتتصنع البرود وهي تُردد بها:
"لا شيء، أعطني هذهِ القهوة.. رأسي لم يعد يحتمل"

بالناحية الأُخرى كانت تجلس أمام شاشة العرض بينما تُحدق بالأوراقِ التي بيدها التي قد أحضرها لها فوزي لتقوم بالتقاطِ الهاتف وهي تُحدق بالساعة، لقد تخطت الظهيرة وتتحرق شوقاً لمعرفة ما حدث.. قامت بالاتصالِ على ثُريا وهي تتأهب لسماع ما ستقول، ما إن فُتحت المكالمة إلا وقد ابتسمت هاتفة:
"مرحباً سيدة ثُريا"

عقدت جبينها وهي تستمع إلى صوتها الذي يملؤهُ الحدة مُرددة:
"أينَ أنتِ يا نبيلة وأين ابنتكِ التي قد سبق وأخبرتني بأن ابن كمال لن يتنازلَ عنها؟"

كانت تقود السيارة في سبيل العودة إلى المنزل بعد أن سبقها طارق الذي قد تملكهُ الغضب مما حدث، شعرت نبيلة بأن هناك خطباً ما ليتملكها القلق وهي تقف مِن مجلسها مُتسائلة:
"ما الذي حدث سيدة ثُريّا؟ ابنتي ليست هنا الآن بالعمل؟"

أتاها صوت الثانية وهي تتحدث بضيقٍ وغضب:
"أين ابنتك مِن ابن كمال يا نبيلة؟ هل تنتظرين أن يتزوج ابنة يحيى حتى نخسر كل شيء؟"

تملكت الدهشة مِن نبيلة التي تحدثت بغيرِ فهمٍ بينما تتحرك بعشوائية بكلِ مكانٍ حولها:
"ماذا؟ مَن الذي يتزوج ابنة يحيى؟"

هتفت ثُريّا بكلماتها التي جعلت الثانية تتيبس أقدامها أرضاً مِن الصدمة:
"أفيقي نبيلة لقد فتحنا الوصية، لقد أوصى يحيى أن تتزوج ابنتهُ مِن ابن كمال وإلا فإن كل الأملاك ستذهب للمؤسساتِ الخيرية"
افترقت شفتي نبيلة بصدمة وهي تستمع إليها لتهتف:
"ماذا!"
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي