خاطر٢

تميمةنبيل`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-08-02ضع على الرف
  • 84.3K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل ١

وقفت أمام مكتب رسمي الوقوف على بابه مرعبا في حد ذاته
حتى هذه اللحظة لم تصدق حين وصلها استدعاء من الشرطة ! ذهلت و انقبض قلبها و لم تدري كيف تتصرف
تساءلت آلاف المرات إن كانت الشرطة تطلبها لسبب آخر ! لكن لا يعقل أن تكون الصدفة خبيثة الى هذا الحد
و على الرغم من صدمتها و ذهولها الغاضب الا أنها ضغطت على نفسها و اتصلت برقمه
ظلت تتصل به مرارا وهو لا يجيبها حتى كادت أن تصاب بالجنون , ولم تجد بدا سوى الذهاب لمعرفة السبب وإن كان عدم رده عليها قد أعطاها الجواب الصريح
ظلت درة واقفة مكانها تنتظر الإذن بالدخول و بالفعل خرج الشرطي الواقف على باب المكتب وأشار لها بالدخول فتقدمت عدة خطوات لكنها توقفت مكانها وزمت شفتيها الشاحبتين و هي تراه أمامها !
كان يجلس على الكرسي أمام مكتب الضابط وأمامه قدح قهوة , وهو يضحك متبسطا مع صديقه بكل أريحية ولم يتعجل قبل أن ينهي ضحكته ويلتفت إليها
يرمقها واقفة أمامه مشبكة أصابعها وهي تبادله النظر بقسوة بينما هو يرميها بنظراتٍ لا مبالية , ثم تناول من قدحه وتجاهلها تماما أمسك الضابط بهويتها و نظر اليها ثم سألها بحزم
درة سليمان ؟
نظرت درة الى قاسم نظرة سوداء قبل أن تجيب ببرود قائلة
تعرف هذا جيدا سيادتك
هدر فيها بنبرةٍ افزعتها
التزمي بجوابٍ قدر السؤال فأنا لا ألعب معكِ هنا
شحب وجه درة أكثر فأخفضته و كادت أن تبكي لولا أن تماسكت بكل قوتها فلن تمنحه أبدا متعة التشفي بها
فأخذت نفسا حادا قبل أن تجيب ببرود
نعم أنا
وضع الضابط هويتها جانبا ثم قال بنبرة قوية لا تقبل الجدل أو المزاح
السيد قاسم رحيم يتهمك بالسرقة
وعلى الرغم من أنها كانت قد توقعت الأمر و أعدت نفسها له بخوف الا أنها لم تستطع أن تمنع نفسها من فتح فمها ببطء وأدارت وجهها تنظر إليه نظرة خاوية بينما تحركت عيناه على حلقها الذي تحرك بصعوبة
أما الضابط فسألها مجددا وهو يريها ورقة تعرفها جيدا حق المعرفة
هل هذه الورقة بخط يدك ؟!
لم تكن في حاجة للنظر إليها , فأبقت عينيها على عيني قاسم القاسيتين و رغما عنها و عنه رأت فكه يتحرك متجاوبا مع الشحوب في وجهها ورجفة شفتيها
الا أنها تماسكت وقالت بخفوت
حدث هذا منذ سنوات لا يمكن أن يقدمها الآن
قلب الضابط في الورقة يمينا و يسارا ثم رفع وجهه إليها وقال ببرود
لا تاريخ عليها يدل على أنها كانت منذ سنوات ربما كانت بالأمس , فما هو قولك ؟
شعرت درة بالدوار فأغمضت عينيها للحظة , الار أنها انتفضت ما أن شعرت بكفين تمسكان بذراعيها وتجلسانها على المقعد المقابل وحين فتحتهما وجدت وجهه منحنيا الى وجهها فهمست بقسوة دون تركيز
هل أحببتني يوما !!
للحظات تردد السؤال من من بين شفتيها المرتعشتين حتى وصل الى أذنيه في همسةٍ قاسية بصوتٍ يشوبه ألما حقيقيا , مما جعل رجفة تطوف فوق ملامحه خاطفة , لتختفي قبل حتى أن تبدأ وحلت محلها تلك القساوة التي تعرفها جيدا وكأنها لم ترى شيئا
لكنها كادت تقسم على تلك اللحظة التي عزلته معها في عالمٍ بعيد عن المكان المحيط بهما حاليا
كان لا يزال منحنيا إليها , ممسكا بذراعيها
وكم شعرت في تلك اللحظة بضعفها و حاجتها لبعض الحنان مجرد بعضا منه تمنت لو لمحته في عينيه دون أن تعرف السبب
و حين امتدت الثواني وهو ينظر إليها بتعبيرٍ غامض وهي تحدق به مرتجفة سألها أخيرا بصوتٍ صلب
هل أنتِ بخير ؟!
كم بدا سؤاله سخيفا شديد الهزلية من بين شفتيه الباردتين ! مما جعلها تنتفض وتدفع كفيه بعنفٍ عن ذراعيها وهي تلتفت الى الى الضابط المحدق بهما قائلة ببرودٍ باهت خفيض شديد القسوة
أنا بخير سأكون دائما بخير فلا داعي لقلقك
اشتد خط شفتيه المطبقتين و عيناه تجولان فوق ملامح وجهها العنيفة رغم شحوبها وارتجاف جسدها
لكنه استقام وابتعد للخلف خطوة قبل أن يعاود الجلوس الى كرسيه أمامها دون أن تفارقها عينيه بنظرةٍ لا أثر للين فيها وعلى الرغم من ذلك قال بصوتٍ مبهم لا مبالي
هل تحتاجين لشرابٍ بارد ؟
ارتفع حاجبا صديقه وهو ينظر إليه نظرةٍ ذات مغزى وكأنه يود القول أنهما ليسا في مقهى للعشاق هنا , الا انه آثر الصمت للحظة نظرا لدقة الموقف
و بالفعل لم تحتج درة لأكثر من تلك اللحظة كي تستقيم في جلستها رافعة ذقنها وهي ترد موجهة حديثها للضابط قائلة بخفوت
من فضلك تابع
تراجع قاسم في كرسيه مسندا مرفقه الى سطح المكتب , رافعا اصبعه الى شفتيه وهو يراقبها بعينين قاتمتي النظرة بينما سألها الضابط متظاهرا بالنظر الى هويتها قائلا
سيدة درة سليمان هل هذه الورقة تخصك و بخطك تحديدا ؟!
كانت ساقها قد بدأت تهتز بعصبية , وأصابعها تتشابك بتوتر لا إرادي بينما ملامحها كانت كخزفٍ جميل الا أنه بارد قاسي قادر على الجرح بشدةٍ إن كُسٍر
فردت أخيرا سائلة بصوتٍ يرتعش رغم برودته الظاهرة
هل هناك وسيلة تجعلكم قادرين على التأكد من أنها بخطي ؟!
ارتفع حاجبا الضابط أكثر وهو يرمق قاسم بنظرةٍ خاطفة مما جعل قاسم يبادله النظر بملامح يشوبها بعض العطف فلاحت شبه ابتسامة ساخرة على شفتي صديقه وهو يقول باقتضاب
إنها تساعدنا !
لم يجب قاسم , بينما نقلت درة عينيها بينهما وخوفها بداخلها يتضاعف و اهتزاز ساقها يتسارع فقال قاسم فجأة بصوتٍ خافت مقتضب
يمكنك الطعن فيها
رمقته بنظرةٍ حادة ودت لو أسقطته صريعا عند قدميها ثم تجاهلته تماما ووجهت كلامها للضابط مكررة
أظن أن الإنكار لن يفيدني كما يقولون دائما
بدا وكأن الضابط قد أجفل للحظة , لكنها تابعت قبل أن يرد وسألته بملامح ممتقعة
ما الذي سيحدث الآن ؟!
رمق قاسم وصديقه كلا منهما بنظرةٍ خاطفة قبل أن يخاطبها الضابط مجيبا
إن ثبت أن هذه الورقة بخط يدك وأنكِ بالفعل أخذت مبلغا من المال من بيت قاسم خلسة وهربتِ به فسوف يتم احتجازك ومتابعة التحقيق وعقوبة السرقة في النهاية قد تصل الى ثلاث سنوات من السجن
شحبت ملامح درة تماما وتاهت نظرات عينيها فأغمضتهما للحظة ولم تره وهو يراقب كل حركة تقوم بها بدئا من تسارع حركة صدرها وحتى اهتزاز ركبتها وأصابعها التي تفتح و تغلق بتشنج
لم ترى أن بعضا من شحوبها قد انتقل الى بشرته لم ترى نظرة من الشفقة في عينيه ممتزجة بالغضب
وحين طال الصمت أكثر , سألها الضابط بنفاذ صبر وصوتٍ صادم
اذن هل الورقة بخطك ؟! وهل حدث أن سرقتِ السيد قاسم كما يتهمك ؟!
أبقت وجهها منخفضا للحظات , ثم أجابت أخيرا بصوتٍ خفيض باهت
نعم
زم قاسم شفتيه وكأنه لم يصدق أن تكون ساذجة الى هذا الحد ! وعلى الرغم من أنه عزم على جعلها تدفع الثمن لكنه توقع أن تكون السنوات قد منحتها بعض الحنكة و الخبرة لكن سذاجتها صدمته
على الرغم من استقلالها وعنف شخصيتها المتمردة لكن كان هناك بعضا من السذاجة والبراءة بداخل زاوية من زوايا نفسها لم تفقدها أبدا تجعلها تجعلها درة التي عرفها منذ سنوات طويلة وكأن شيئا لم يبعدها أو يغيرها
تنحنح الضابط مستقيما في جلسته وهو يقول بصرامة
لم تتركي لنا خيارا اذن سوى احتجازك
تحرك حلقها بتشنج و أطبقت جفنيها بشدة في لحظة واحدة الا أنها عادت و رسمت البرود على ملامحها الممتقعة قدر الإمكان وبقت صامتة مكانها تفرك أصابعها ببطء
تكلم قاسم قائلا بجمود به بعض الشدة
يمكنك انكار أن الورقة تخصك واستشارة محاميا
رفعت وجهها ونظرت إليه نظرة طويلة جعلته يصمت تماما , ثم أجابت بسؤالٍ شديد الاختصار والازدراء
ما الجدوى ؟! هل ستتركني لحالي إن فعلت !
لم يرد عليها قاسم للحظات وكلا منهما يحاصر الآخر بعينيه , الى أن رد ردا قاطعا في النهاية لا يحمل أي رحمة
صدقتِ يا درة لن أتركك لحالك مطلقا , طالما لديكِ شيئا يخصني كان عليكِ أن تكوني بنفس الذكاء من قبل وتدركي أن قاسم رحيم لا يسمح لأحد بأن يأخذ منه شيئا مما يملك
صمت للحظة , ثم تابع بنبرةٍ أكثر قسوة
حتى وإن كان لا يحتاجه المهم أن يستعيده , لأنه ملكه
فهمت الرسالة جيدا و أظلمت عيناها بشدة و ارتجفت شفتاها بحدة و هي تهمس دون روية
هذا إن كنت ملكته أصلا أيها النذل الجبان
توتر الجو فجأة , وبرقت عيناه بانطباعٍ مخيف سرعان ما اختفى ببراعة وأجاب بعدها ببراءة و برود
ألم يكن المال الذي سرقتهِ ملكي ؟!
لم ترد عليه , بل ظلت صامتة ... حتى التفت الى الضابط وأضاف بكل هدوء
من فضلك أريد تحرير محضر سب و قذف ضدها
فتح الضابط كفيه متسائلا و كأنه يريد إخبار قاسم الا يتمادى الا أن قاسم لم يكن ينظر إليه , بل كان يحدق في ملامح درة دون رأفة
أما الضابط فقد ضرب مرة على سطح المكتب مخاطبا درة بقسوة
لا تتجاوزي حدودك و قدري حقيقة وضعك وكلامك يكون موجها لي فقط
صدرت عنها تنهيدة طويلة دون صوت تقريبا لكنها كانت مرتجفة وهي تسبل جفنيها
مما جعل الاستياء بداخل قاسم يغلي وقد جاء دوره راغبا في الصراخ بصديقه الا يتمادى
لا أحد يتمادى معها سواه
لكن صديقه أخذ بزمام الأمور فقال باتزان محاولا تهدئة الوضع
عامة السيد قاسم يود تسوية الأمر بطريقة ودية نظرا للعشرة والسنوات التي قضيتِها في بيت والده فإن أمكنك إرجاع المبلغ حينها سيتنازل عن الاتهام
نظرت درة الى الضابط طويلا ثم ابتسمت بسخرية قبل أن ترد بخفوت
أستطيع تخيل نوع الطريقة الودية
ثم نظرت إليه فبادلها النظر ورأت الابتسامة ترتسم على شفتيه , مما جعل بعض التورد يسري الى وجهها فعلى الرغم من أنها لم تقصد سوى الزواج و تعرف أنه مقصده الوحيد لكن كل تلميح , كل نظرة كل كلمة توحي بالكثير من الحميمية بينهما , والتي رفضتها لسنواتٍ طويلة
تلك الابتسامة جعلتها تغضب بعنف جعلتها تود الصراخ عاليا بجنون أنها لن ترضخ مطلقا
وبالفعل ودون تفكير التفتت الى الضابط وردت بقسوة
يمكنك احتجازي , أفضل السجن على التسليم له
لم تنظر اليه لترى وقع كلماتها عليه , لكنها تمكنت من التخيل بسهولة تمكنت تخيل الغضب و الصلف و الجنون
لكن تخيلها لم يكن في محله , فلو نظرت لرأت شيئا مختلفا تماما
نظر اليهما الضابط طويلا حيث كانت مشيحة بوجهها الشاحب وشفتيها المرتعشتين خوفا عن قاسم والذي كان يلاحقها بعينيه بإصرار
مما جعل الضابط يقول بخشونة أخيرا
لم تتركي لي خيارا اذن
ثم استدعى فرد الشرطة دون تردد وما أن دخل حتى أمره بصوتٍ قاطع
خذها للحجز
انتفضت درة ناظرة الى قاسم بذهول وهي تشعر بكل الدماء تفر من وجهها في لمح البصر غير مصدقة أن يفعل هذا بها مهما فعلت لكن أن يصل الى هذا الحد
ودون إرادة منها همست بقسوة وهي ترتعش رعبا
أمضيت ليلة في الحجز ذات مرة وكانت تجربة من أسوأ ما مررت به في حياتي , لا أصدق أن ترسلني إليه بنفسك !
شحبت ملامح قاسم للحظة , بينما نهضت متعثرة من مكانها وهي تكاد أن تسقط من شدة الخوف لكن صوته قصف فجأة يقول بهيمنة
أريدها أن توقع على إيصال أمانة بالمبلغ على أن ترده خلال مهلة قصيرة
توقفت درة مكانها تنظر إليه مبتلعة ريقها بصعوبة , ثم ردت بقساوة
تعلم أنني لن أتمكن من رده حتى وقت طويل
أجابها ببساطة وهو يتراجع في مقعده واضعا ساقا فوق أخرى بخيلاء
حينها قد تقبلين بتسوية من نوع آخر
اشتعلت عيناها قبل أن تلتفت الى الضابط هاتفة بحدة
هل سمعت تلميحه ؟! هل يمكنني اتهامه بالابتزاز الآن ؟!
نظر الضابط الى قاسم سائلا بهدوء
هل كان مقصدك غير شريفا بأي طريقة ؟!
ارتفع حاجبا قاسم بدهشة و براءة مجيبا
أنا ؟! هل ذنبي أنني حاولت منع الحجز عنها ؟!
التفت الضابط الى درة متبرعا قائلا بهدوء
الرجل مقصده شريفا
زمت شفتيها وهي تنتفض انفعالا بجنون , بينما سألها متابعا بقوة
اذن هل تودين التوقيع على إيصال أمانة بالمبلغ ؟! .
ظلت درة صامتة وهي تنظر الى قاسم طويلا نظرة حارقة مقيتة ثم ردت أخيرا بصوتٍ ميت
سأفعل
..........

هل كنت تريد احتجازي حقا , هل وصلت بك الدناءة الى هذه الدرجة ؟!
لم يجبها ولم يتنازل حتى بالالتفات إليها وهو يتابع سيره في الرواق مما جعل جنونها يتضاعف فأسرعت مجددا ولكمته بقبضتها في مؤخرة كتفه صارخة
أجبني
ألقى إليها نظرة مستهينة ساخرة ثم تابع طريقه خروجا وهي خلفه تكاد أن تجن من هول الموقف الذي عرضها له
وما أن خرجا بالفعل و داعبت الشمس بشرتها بعد لحظةٍ ظنت فيها أنها لن ترى الشمس ثانية أبدا
ضربته مجددا في منتصف ظهره وهي تصرخ لافتة أنظار المتواجدين إليهما
وماذا الآن ؟! هل تتخيل أن تتزوجني بالابتزاز حقا ؟!
وقف فاردا ظهره ناظرا الى الطريق بابتسامة واثقة وأجاب دون أن ينظر إليها
أعيدي ما سرقتِه حينها لن أتزوجك معادلة بسيطة جدا
صرخت فيه بجنونٍ أكبر
تعرف حق المعرفة أن أخذي لهذا المبلغ كان عدلا بعد كل ما عرفته من أختك لم أتخيل أن يكون هذا هو ردك لكرامتي
الآن استدار إليها بكليته وهو يرمقها من قمة رأسها و حتى أخمص قدميها ثم أجابها ببرودٍ و ازدراء
ردي لكرامتك ؟! أتعلمين يا درة , كل مرة تفاجئنني فيها بمدى وقاحتك و تبجحك بعد أن أكون قد أجزمت بأنه لم يعد هناك المزيد منها لديكِ !ردي لكرامتك تنتظرين ! وماذا عن كرامتي ؟!
سؤاله الأخير كان خفيضا بطيئا بشكل بدا مخيفا مما جعلها تصمت للحظة و هي تنظر الى عينيه بقلق
لكنه عاد الى نبرته الساخرة و هو يتابع بهدوء قائلا
أما عن نظريتك العجيبة في تحديد العدل من الباطل فأقترح أن تعيدي النظر لأنك و كما سبق و ذكرت لم تستردي حقك من سلمى , بل مني أنا شخصيا وأنا لا أظن أنني ظلمتك يوما , حتى وإن لم أصدقك , لكن هذا لا يعطيكِ الحق في سرقتي مطلقا
كانت تلهث بانفعالٍ مستمعة له غير قادرة على مقاطعته فبداخلها لم يكن هناك مبررا واحدا للسرقة التي أقدمت عليها لكنها كانت أصغر سنا , محملة بالكثير من القهر من الاتهام الذي تعرضت له وآذى كرامتها في مثل هذا العمر الحساس يومها قررت و نفذت حتى بعد مرور سنواتٍ من اتهامها بالسرقة الأولى لكنها لم تنسى ومع ما سمعته من حوار بينه و بين سلمى عاد الغضب بداخلها تتجرعه أضعافا خاصة وأنها كانت تحتاج المبلغ لتبدأ حياة جديدة !
أي أنها سرقة مع سبق الإصرار
أخفضت وجهها الشاحب نعم إنها سرقة
لقد سرقت قاسم رحيم وهو الآن يطالب بحقه أو القبول بالتسوية
كان قاسم في تلك اللحظة ينظر اليها بملامح اختفت منها السخرية وهو يراقب الوجه المحني ثم تكلمت أخيرا بصوتٍ باهت
و هل تقبل كرامتك أن تتزوج كنوع من التسوية عوضا عن مبلغٍ من المال لست في حاجةٍ إليه من الأساس ؟! لم أظنك يائسا في الحصول على أي امرأة الى هذا الحد
لم ترفع وجهها إليه و هي ترمي بتلك الإهانة دون تمييز وحين تكلم قال بصوتٍ غريب
لما لا تتركي لي أمرين أولهما كرامتي و ما قد تقبل به وثانيهما تحديد ما أحتاج أوما لا أحتاج فأنا وحدي القادر على استرداد الأول , و نيل الثاني
ظلت درة صامتة شاعرة بأنها على وشك ارتكاب حماقة فأصابعها ترتعش و أسنانها تحكها طلبا في نهشه حتى الموت
الى أن سألها أخيرا ببساطة مذهلة
هل أقلك ؟
رفعت وجهها تنظر إليه فجأة , ثم سألته دون مقدمات
أين تصف سيارتك ؟!
أشار الى جانب الطريق دون أن يجيب فتجاوزته مرفوعة الرأس وتقدمته تسير بخطىً واسعة حتى وجدتها ثم دارت حولها مطرقة وجهها وكأنما تبحث عن شيء وقع منها الى أن انحنت تلتقط شيئا وحين استقامت وجدها ممسكة بحجرٍ في حجم قبضتها ثم ضربت مصباح سيارته بكل قوتها صارخة فكسرته واستمرت في ضربه عدة مرات الى أن قضت عليه تماما
ثم بدأت في خدش مقدمة السيارة بنفس الحجر وضرب الزجاج الأمامي بقوةٍ حتى خدشته أيضا
و كان واقفا يراقبها بملامح ساكنة وقد لاحت شبه ابتسامة على شفتيه لا يحرك عينيه من فوقها الا في بعض نظراتٍ للبشر الناظرين إليها بذهول و استنكار
وحين انتهت بعد فترة ومجهودٍ ليس بالقليل وقفت أمامه تلهث بشدة وبوجهٍ أحمر مشتعل
فسألها بهدوء بارد و كأن شيئا لم يكن
والآن هل أقلك ؟!
رمت الحجر أرضا بجنون ثم استدارت عنه مشيرة الى أقرب سيارة أجرة , تاركة إياه واقفا بجوار سيارة نالت منها جروحا لم توازي جرحا تركته بداخله قبل سنوات
........
بينما كانت تسير في الطريق ممسكة بكف روان , كانت ترتجف بشدة من شدة الإحساس بالمهانة والغضب حتى أن دمعة خانتها وسقطت من عينها فسارعت تمسحها رافضة أن تمنحه المزيد من دموعها
في الحقيقة أنها لم تبكي حسين يوما بل كانت تبكي نفسها دائما
توقفت للحظة أمام صاحب جرائد و كتب مفترش الطريق وقد جذبتها صورة مألوفة لديها على ظهر الكتاب فمالت تجاهها تأخذها بين أصابعها ثم ابتسمت رغما عنها
جذبت روان ذراعها تريد النظر الى ما تحمله أمها , وبالفعل أخفضت السلوان الكتاب لتريها الصورة
فأشارت روان الى الصورة قائلة بابتسامة طفولية آمي
و لم تكن كلمة آمي سوى اسم عامر الذي حاول جاهدا أن يلقنها إياه وكان أن نطقت اسمه قبل أن تنطق كلمة بابا
نظرت إليها سلوان مبتسمة غير مصدقة ثم فتحت حقيبتها لتبتاع الكتاب على الرغم من أنها لم تكن من هواة القراءة أبدا وبعد أن تابعت المشي ببطء تحمل الكتاب بين ذراعيها كمراهقة تحمل روايتها الأولى
مبتسمة بإحساسٍ جديد رائع
شعرت وكأنها قد تحررت فجأة لا تعلم السبب , هل كانت تنتظر خبرا تافها مفروغا منه كخبر زواج حسين للمرة الثالثة كي تتحرر
أم أنها ببساطة شعرت بضرورة الحاجة لإبعاد الماضي والتلويح له من بعيد
ربما كان للحياة طرقا أخرى في تعويضها
لم تتخيل يوما أن تحيا قصة حب أو حتى إعجاب لم ترتبط قبل حسين ولم تسقط صريعة فنان مشهور أو مطرب
كانت مرتبطة بالواقع بدرجة أكبر اللازم على ما يبدو الحياة البسيطة المتمثلة في زوجها كانت كل ما تمسكت به يوما وحاربت لأجله
لكنها غفلت عن الفارق بين الحياة البسيطة و الحياة المهينة
عجزت عن الاعتراف أن زوجها لم يعد لها منذ وقت طويل جدا قبل حتى أن يعرف درة
منذ أول خيانة له كان عليها التسليم بأن البساطة شيء والوضاعة شيء آخر
ربما الحياة الآن تهديها حلما لتحياه على أرض الواقع لكنها كانت أكثر ذهولا من التصديق وآثرت انتظار حياتها الواقعية البسيطة !
توقفت فجأة , فتوقفت روان بجوارها لتراها تفتح حقيبتها مخرجة هاتفها منها تنوي الاتصال به في نوبة تهور لم تعتدها من قبل , لكن وقبل أن تتصل , انتفضت فجأة على رنين الهاتف بين أصابعها و اسمه ظاهرا !
كتمت أنفاسها وهي تنظر حولها غير مصدقة ثم زفرت ببطء لترفع الهاتف الى أذنها مجيبة بخفوت
مرحبا دكتور عامر
وصلها صوت العميق المبتسم دائما ابتسامة يمكن سماعها
مرحبا يا عمتي سلوان
ضحكت رغما عنها و قد تورد وجهها فوقفت الى جانب الطريق ممسكة بكف روان وبالكف الأخرى الهاتف , بينما كتابه تحت مرفقها ثم سألته بحرج بعد فترة صمت
هل تريد شيئا ؟!
رد عليها ردا واضحا بثقة وبنبرة بطيئة
نعم أريد
ثم توقف عن الكلام عن عمد , فانتظرت ناظرة أمامها بتركيز وحين لم يتابع سألته بتهذيب
دكتور عامر هل نمت ؟!
ضحك بخفوت فضحكت هي أيضا مخفضة وجهها تنظر الى موضع قدميها , ثم أجابها بهدوء
يسعدني أن أنام على صوتك يا سلوان
فغرت شفتيها قليلا , و تصبب العرق من جبهتها , فعاودت النظر حولها وكأن كل المارة في الطريق يسمعون ما ينطق به لأذنها
ثم قالت أخيرا بصوتٍ حاولت أن يكون صارما
حسن حسنا طالما أنه من الواضح أن لا شيء مهم لديك لتقول سأغلق الخط الآن
الا أن عامر ناداها مسرعا
سلوان انتظري
أغمضت عينيها ولم تكن لتغلق الخط أصلا الا أنها من شدة ارتباكها أسقطت كتابه أرضا , فشهقت هاتفة
انتظر لحظة , كتابك وقع
صمت عامر للحظة , ثم سألها بتسلية
كتابي ؟!
عضت سلوان شفتها حين استقامت واقفة محمرة الوجه , فلم تجد بدا من الاعتراف قائلة بخفوت
آآه كنت أمشي مع روان قليلا , فوجدت كتابا لك لدى أحد الباعة
صمتت قليلا لا تدري بماذا تتابع , الا أنه تفضل قائلا مسرورا
هل تريدين القول أن السيدة سلوان قد تنازلت وتواضعت وقررت ابتياع كتابي و القراءة لي ؟!
همست غير قادرة على الاعتراف تماما
ابتعته لأن روان فرحت بصورتك عليه
ضحك عامر بخفوت ثم قال أخيرا بصوتٍ هادىء
أرى أن روان هي جمهوري الوحيد هنا
ردت سلوان بخفوت و هي تستنشق نفسا طويلا كي تهدئ من ارتباكها
لا . ليست وحدها
سألها عامر بجدية على الرغم من أن الابتسامة لا تزال واضحة في صوته
ليست وحدها ؟!
هزت رأسها نفيا ببطء وكأنه يراها , ثم همست بصوتٍ خفيض
بالطبع لديك جمهور كبير جدا
رد عليها بصوتٍ هادئ يحمل بعضا من خيبة الأمل
آآه كنت أتمنى لو كان لي جمهور آخر , متمثل في شخص واحد
سألته بصوتٍ شديد الخفوت وقلبها يخفق بعنف
من ؟!
وكم كانت خائفة من الجواب وتتمناه في آنٍ واحد لكن وبينما هي تترقب جوابه بلهفة
سمعت فجأة صوت نفير سيارة إسعاف عالٍ لكن صداه تردد ما بين الهاتف و الطريق مما جعلها تنظر الى الهاتف ثم الطريق والتفتت حولها مندهشة فسألها بصوتٍ متفاجئ
أنا في السيارة كنت متجها لدار النشر , أخبريني أين تقفين تحديدا لأقلك
امتقع وجهها وردت بتخاذل
لا يا دكتور توجه أنت في طريقك وأنا سأذهب للبيت الآن
الا أن عامر قاطعها قائلا بصرامة
لن أقبل جدالا الآن يا سلوان لن يحدث شيء أن أوصلتك في طريقي و تكلمنا قليلا ثم أن السيارات خلفي بدأت في التضايق لتباطئي بحثا عنكِ , لذا ترأفي بقائديها و أخبريني أين أنتِ دون جدال
زمت شفتيها بتبرم و هي تنظر حولها غير مقتنعة تماما على الرغم من رغبتها الشديدة في الجلوس بجواره
فهدر عامر بصوتٍ قاطع
أين تقفين يا سلوان ؟! أنا أعطل المرور
وجدت نفسها تجيب بخفوت رغما عنها وبقى معها على الخط للحظات الى أن سمعته يقول أخيرا بنبرة دافئة مرتاحة
رأيتك
نظرت الى أول الطريق تستقيم برأسها هامسة
أين أنت لا أراك
أجابها بنبرة بطيئة آمرة
انظري في السيارة السوداء أمامك
وكانت أمامها مباشرة لا تدري كيف لم تره , ربما كان من شدة توترها و لهفتها جعلتها تنظر للبعيد أولا
كان يضع نظارة سوداء كلون سيارته وابتسامته واسعة شديدة الجاذبية و كأنه ينظر إليها وحدها
حتى وقف أمامها مباشرة ثم خرج من السيارة ليقف في مواجهتها وكان قد بدل ملابسه عما رأتها عليه منذ قليل حين كانا يتحدثان في المطبخ
وبدا شديد الأناقة بينما كانت لا تزال بنفس الملابس المتواضعة التي عملت بها في المطبخ طوال اليوم وبدت بجواره كطباخته
ليس هناك وصفا أكثر دقة
وقف يراقبها مبتسما لفترة طويلة ثم مد يده إليها مما جعلها تنتفض شاهقة للخلف خطوة فتوقفت يده في الهواء ناظرا إليها نظرة لم تتبينها أسفل نظارته السوداء
الا أن كل ما فعله كان أن ألتقط الكتب أسفل ذراعها والذي أوشك على أن ينزلق منها أرضا ثم أمسكه ناظرا الى غلافه , ثم قلبه ينظر الى صورته و سأل مبتسما
هل أعجبتكِ الصورة ؟!
بدت سلوان مرتبكة و هي تعدل من حجابها في حركة خجولة بجوار عنقها ثم همست بخفوت متجنبة النظر إليه
جيدة على أن حركة إظهار ساعة معصمك ليست ضرورية
رفع عامر وجهه عن الكتاب ناظرا إليها رافعا حاجبيه ثم قال ببساطة وهو يناولها الكتاب دون أن يفقد ابتسامته
كنت أكلم روان لكن شكرا على الملاحظة
زمت شفتيها متمتمة بشيء ما مغتاظة منه و من أسلوبه في إثارة أعصابها فاختطفت الكتاب منه بغضب , الا أنه انحنى يداعب وجنة روان مخاطبا بمحبة
اشتقت إليكِ تلك الدقائق يا صغيرة
رفعت إليه ذراعيها الصغيرتين و هي تهتف بسعادة
آمي
اتسعت عيناه بدهشة سعيدة سعادة حقيقية وهو يهتف مشجعا
أخيرا انظروا من تعلم اسمي أخيرا
ثم رفعها ليرميها في الهواء قبل أن تفتح ذراعيها وساقيها كنجمة وتهبط بين كفيه مجددا ضاحكة بصوتٍ عالٍ
نظرت سلوان حولها بخجل و هي ترى أناسا كثيرين ينظرون إليه ما بين تعرف وإعجاب
ثم أعادت عينيها النهمتين اليه تراقبه خلسة مبتسمة رغما عنها فمن تلك التي لا تعجب به وهو يداعب طفلة صغيرة
أتراهم الرجال يدركون مدى جاذبيتهم حين يداعبون طفلا ولهذا يطيلون و يزيدون في مداعبة الأطفال !!
رأته يفتح باب السيارة الخلفي و يضع روان ثم ثبت حزام الأمان لها ليستقيم مغلقا الباب ودار حول السيارة ليرفع عينيه إليها سائلا بدهشة
لماذا تقفين مكانك يا سلوان ؟! ألن تأتي معنا ؟!
عقدت حاجبيها بشدة وهي تراه يدخل الى السيارة مغلقا الباب خلفه تاركا إياها واقفة على الرصيف عابسة
أيفتح الباب لروان ويتجاهلها !
لكنها سرعان ما هزت رأسها معاتبة نفسها على غباء تفكيرها أتقارن نفسها بطفلة ذات عامين !
توجهت الى السيارة وفتحت الباب الأمامي لتجلس ببطء ثم أغلقت الباب قبل أن ترتب تنورتها الطويلة بجوارها بتنظيم محتضنة الكتاب الى صدرها بقوة سمعت عامر يقول بصوتٍ هادئ مبتسم وهو يتحرك بالسيارة
يا لحظه !
نظرت إليه مندهشة سائلة
من تقصد ؟
لم يجبها بل تابع قيادة السيارة و الابتسامة على وجهه تفرح قلبها بشكلٍ عبثي متهور
و خلال دقائق كانت تشعر بالتوتر يكاد أن يخنقها من الصمت بينهما , فتظاهرت بتأمل الكتاب و غلافه لتسأله محاولة فتح حوار يخفي احساسها الكامل بجلوسها الى جواره
هل هي قصة حب ؟!
التفت إليها عاقدا حاجبيه بغير فهم لكن بنظرة سريعة لتأملها الكتاب ابتسم مجددا وهو يرد بتسلية
لا هذا ليس قصة من الأساس , بل مجرد كتاب
عبست قليلا بخيبة أمل لكنها آثرت الصمت فضحك قائلا
اسمحي لي أن أدفع لكِ ثمنه كي لا تصابي بهذا الإحباط
رمقته بطرف عينيها ثم ردت ببرود
إن أردت دفعت لك ثمن غذاءك بالغد
تأوه عامر ضاحكا وهو يقول مستمتعا
أستحق هذا اذن لنغير الموضوع أين كنتِ حتى هذه الساعة ؟
ردت سلوان بتلقائية وهي سعيدة بزوال الصمت
كنت في زيارة لحماتي
و حين ساد الصمت نظرت إليه فوجئت باختفاء الابتسامة عن وجهه وبدت ملامحه هادئة بشكل مقلق فقالت بخفوت مصححة
والدة حسين والد يارا و روان
رد عليها بهدوء دون تعبير
فهمت قبلا يا سلوان جيد أنكِ لازلت تقومين بزيارتها على الرغم من انفصالك عن ابنها
ردت عليه بصوتٍ خافت متوتر وعينيها على الطريق
أنا أزورها باستمرار فهي لم تذنب بشيء ومن حقها رؤية حفيدتيها
أجابها بصوتٍ طبيعي
باستثناء أنها لم تحسن تربية رجلا , واكتفت بالفرحة به ذكرا عند مولده
رمشت سلوان بعينيها وهي تهمس مطرقة بوجهها
يا دكتور من فضلك , لا أريد أن تعتاد روان على كلماتٍ كهذه عن والدها
ابتسم رغما عنه , وهو ينظر إليها ثم أعاد عينيه الى الطريق قائلا بجدية
أنتِ انسانة نقية وطيبة جدا يا سلوان وهذا أكثر ما جذبني إليك
لم تعرف إن كان يتعين عليها أن تسعد لكلامه وتعتبر مديحا , أم تجده مخيبا لآملها فامرأة تعاني الحرمان مثلها قبل حتى طلاقها كانت تتمنى أن يجذبه إليها شيئا آخر
نظرت سلوان من النافذة وشردت بأفكارها و قلبها يخفق بشدة وعقلها يأمرها بقوة
تكلمي هيا كلميه خذي نصيبك من تعويض الحياة لكِ برجلٍ مثله
واندفع الأدرينالين بداخلها جعل جسدها يتحفز ونبضاتها تتسارع ثم إلتفتت إليه وهمست بسرعة قبل أن تتردد أكثر
دكتور عامر
استدار إليها دون رد منتظرا , لكن و قبل أن تتكلم وجدته يخلع نظارته السوداء وقد أوشكت الشمس على المغيب فناولها لها قائلا بهدوء
من فضلك ضعيها في علبتها في الجارور أمامك يا سلوان
أمسكتها ببطء لتنفذ ما طلب ولا تعلم لماذا منحتها تلك الحركة أريحية و دفئا جعلها تشعر وكأنها قريبة منه أكثر مما كانت تعتقد
فشردت ممسكة بالنظارة تتأملها مبتسمة بمودة و شعور جميل لم تحس مثله من قبل ثم رفعت وجهها قائلة دون ارتعاش هذه المرة بل بدت نبرة صوتها أكثر عذوبة
هذه المرة كان لدي غرضا من زيارة والدة حسين
عقد حاجبيه قليلا وهو يلتفت ناظرا إليها باهتمام بالغ , ثم سألها بجدية شديدة
ستخبريني عن سبب الزيارة اذن
لم يكن سؤالا بل أمر شديد اللهجة وكأنه استشعر أن السبب يخصه بطريق أو بآخر
و وجدت سلوان نفسها تجيبه بنفس النبرة الهادئة مع ابتسامة تحارب للظهور
( أردت معرفة إن كان لديها استعداد لأن ترعى البنتين في حال أخذهما مني حسين
ازداد عبوسه بشدة , الا أنه لم يستدر إليها , بل سألها مباشرة بصرامة
و ؟!
ردت عليه بخفوت و ثقة
لا تريد و لا تقدر على رعاية البنتين قالت حرفا أنهما مسؤوليتي الخاصة , أما عن حسين فلديه قدرا من الديون يجعله غير قادرا على العودة هذا يعني أنه لن يكون هناك من هو قادر على حرماني من بناتي
صمتت للحظة وعامر يلتفت اليها كل بضعة أمتار وعبوسه المهتم يتضاعف الى أن نطقت في النهاية بابتسامة حلوة
أنا لن أنتظره ولن أخشى أن يحرمني الطفلتين وأنا موافقة على الزواج منك
ارتفع حاجباه بدهشة جعلته يبدو أمامها أقل ثقة بنفسه من ذلك الطبيب الناجح والكاتب المعروف مثار إعجاب الكثيرات
ثم رأت اندهاشه يتحول الى ضحكة خافتة و تنهيدة مسرورة جلبت التورد الى وجنتيها الناعمتين فابتسمت وهي تشعر تجاهه بحنان جارف لا تعرف سره و سرعان ما أوقف السيارة جانبا ما أن وجد مكانا شاغرا , ثم استدار اليها ليمد ذراعه على ظهر مقعدها فانتفضت للخلف هاتفة بغضب ونبرة حازمة مرتعبة
ماذا ستفعل ؟! ابتعد يا دكتور قبل أن أصرخ وأفضحك
ضحك عامر و عيناه تتأملان غضبها ووجهها الطفولي البريء ثم سأل بنبرة مستفزة
لا داعي لمثل هذا الرعب , لا أريد سوى تقبيل وجنتي خطيبتي
اتسعت عيناها للحظة قبل أن تهتف بجنون
تقبيل ماذا ؟!
تظاهر بالبراءة سائلا
كنت أتكلم عن وجنتيكِ لكن و بما أنكِ استنكرتِ تقبيلهما الى هذا الحد فماذا عن ثغرك الجميل ؟!
سقط فك سلوان للحظاتٍ غير مستوعبة ما سمعت للتو , ودون رد سارعت تمسك بمقبض الباب تفتحه لتخرج منه مندفعة وقبل أن تفتح الباب المجاور لروان لتأخذها , كان عامر أسرع منها فاستدار وسارع بفك حزامها ليسحبها على ركبتيه ضاحكا بينما سلوان منحنية تنظر الى مقعد روان الخالي فتمتمت شاتمة وصفقت الباب لتستدير حول السيارة حتى وصلت الى نافذته وطرقت على زجاجها بقوة قائلة بصرامة دون أن ترفع صوتها
هات البنت
فتح زجاج النافذة قليلا وقال ضاحكا
ادخلي الى السيارة يا سلوان و دعينا نتفاهم أنتِ تجعلين منا أضحوكة , تخيلي إن توقف أحدهم لفض الخلاف فما الذي سنحكمه فيه ؟! تعقلي يا بنت الناس وادخلي السيارة
لكن ملامحها لم تلن وهي تنظر حولها عابسة ثم أعادت عينيها الصارمتين إليه قائلة من بين أسنانها
هات البنت يا دكتور
نظر عامر الى روان وسألها بهدوء
هل تريدين الذهاب الى ماما ؟!
كانت روان مأخوذة بالموقد وكل ما حولها فهزت رأسها نفيا فضحك عامر و خاطب سلوان قائلا ببساطة
لا تريد الذهاب معكِ الحقي بنا جريا خلف السيارة اذن
ضغطت سلوان على أسنانها تستغفر ربها وهي تغمض عينيها طالبة الصبر فطالبها عامر مجددا بهدوء متملقا
ادخلي الى السيارة يا سلوان هيا حبيبتي , وأعدك أن أراعي الأدب في ألفاظي
كلمة حبيبتي فعلت بها الأعاجيب فوقفت مكانها تنظر إليه بصمت وكفها ممسكا بذراعها الآخر
لم تتخيل أن تحيا يوما لتسمع فيه هذه الكلمة !! أمضت حياتها السابقة , تتمنى سماعها ولو مرة حتى أيقنت أنها ليست من الواقع في شيء وقنعت بحياتها الواقعية البسيطة دونها
لم تجد بدا من الدوران حول السيارة والعودة الى مقعدها وما أن جلست حتى كلمته بطريقة فظة تسأله
ألن تجلس في روان في مقعدها ؟!
أجابها وهو يتحرك بالسيارة مجددا و روان فوق ركبتيه
الدار قريبة من هنا لن يستغرق المتبقي من الطريق سوى دقائق , وفيما بعد سأزود السيارة بمقعد الأطفال لروان لتكون أكثر أمانا مستقبلا
كانت تستمع إليه وكأنها تحيا حلما لم تصدقه بعد مقعد أطفال لروان !الصغيرة المسكينة ستحظى بطفولة رائعة أم تراها تتعجل التوقع !
انتبهت سلوان من شرودها وسألته فجأة بملامح ممتقعة
هل سنذهب معك الى الدار ؟ !
نظر إليها مبتسما وأجابها بثقة
بل وستدخلين اليها معي كنت أود القول يدا بيد , لكن أصول الأدب تقتضي أترك مسافة بيني و بينك و الا نلت صفعة منكِ في أول يوم خطبتنا
خطبتنا !
الحلم يتحول الى حقيقة بأسرع مما تتخيل !
ابتلعت ريقها و همست قائلة بضعف
انتظر قليلا فقط الأمور تجري بسرعة جدا , ولم أكد أوافق حتى تريد أن أدخل معك الى دار النشر التي تتعامل معها بأي صفة ؟!
نظر إليها مبتسما وأجاب بثقة
خطيبتي
فغرت سلوان شفتيها و قلبها يعصف بين أضلعها لكن وقبل أن تستطيع الكلام كان قد وصل أمام الدار وأوقف السيارة فسألته بقلق
أهي نفس الدار التي تعمل بها درة ؟!
أومأ لها ثم نظر إليها قائلا بابتسامة ساخرة ممازحة
ضرتك مجددا إن طلبتِ
وكانت تلك هي الصفعة الأولى من الحلم الجميل وكانت موجعة حتى وإن كانت مزاحا
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي