الفصل ٢٦

تحرك عامر الى الباب وأغلقه بهدوء ثم استدار إليها ببطء ووقف كلا منهما يحدق في الآخر بصمت
كانت تعرف أن منظرها مزري ظ شعرها أشعث هائج على عكس طبيعتها المرتبة
ترتدي تنورة قطنية مزركشة بسيطة على قميص قطني أكثر بساطة بدت كفتاة غرة , غاضبة ومتألمة بشدة
ملامحها شديدة الشحوب , لا عجب , فهي لم تضع في فمها لقمة منذ يومين
عيناها حمراوان متقرحتان من كثرة البكاء لكن الغريب أن البكاء لم يكن هو المثير للشفقة فيهما بل القسوة الجديدة عليهما والتي نبعت من الألم
نعم منظرها مفزع بعكسه تماما !
انتبهت الآن وهي تراقبه إلى أنه يرتدي حلة سوداء كاملة الوجاهة والأناقةبقميص أبيض و ربطة عنق تماثلها في الفخامة
اتسعت عيناها قليلا وهي تتأمل هذا المظهر الذي لا ينم إلا عن شيء واحد فقط هذا مظهر عريس بما لا يقبل الشك !!
انتقلت عيناها الى ملامح وجهه و شعرت بالصدمة !!فرغم تأنقه الواضح إلا أنه يبدو وكأنه شاخ أعواما !!
وجهه شاحب كوجهها عيناه حمراوان كعينيها فإن لم يكن بفعل البكاء فهو بالتأكيد دليل على أنه لم يذق النوم منذ يومين الخطوط في ملامحه زادت و كأن التجهم و الحزن حفراها حديثا وعميقا
ذراع من ذراعيه تحملان حاسوبا ! باتت تشمئز من الحاسبات بكل أنواعها و تثير في نفسها النفور
تحرك خطوتين ليضع الحاسوب من يده على المكتب الموجود في الغرفة ثم استدار إليها ليتأملها طويلا ورغما عنه شقت ابتسامة مبهمة شفتيه
جميلة لا تزال جميلة تدفئ القلب النظر إليها كالعودة لحضن الجدات وتنازل الفطير الساخن
شفتاها كمذاق الكرز المطبوخ على النار دون أن يمسهما وصدرها عناق العائدين بعد طول سنين
إنها الدفئ وكل ما هو يهفو له الحنين في الطفولة
أطرق برأسه قليلا ثم اتجه الى حافة السرير وجلس عليها وكأنه كان مجهدا يحتاج الى الراحة وغير قادرا على الوقوف طويلا
رفع عينيه ينظر إليها ثم قال بنبرة ساخرة وإن كانت حزينة
- أعرف أنكِ في حالة مريعة من الغضب وقد تقتليني إن قمت باستفزازك بأي كلمة , لكن بداخلي حريق مرغما على إخراجه حتى وإن جن جنونك أعلم أنك سبق ومررتِ بألم الخيانة مع طليقك , لكنك كنت تسيرين دائما بمبدأ التجاوز كي تسير السفينة بركابها
صمت للحظة أمام نظرة عينيها المنهكتين ثم سأل فجأة
- لما لا أعامَل بنفس المنطق !
شعرت بالصدمة قليلا وهي ترى على ملامحه غيرة لكن العجيب جدا أنها بدت كغيرة أطفال !!
لا غيرة رجل من رجل !
كم هو حبيب ووغد حقير تبا له
تحرك حلقها بصعوبة ثم قالت ببطء وبصوت ميت
- لا أظنه وصل الى مستواك في الخيانة يا عامر أنت وصلت الى القاع
ضحك ساخرا , ضحكة خشنة مستاءة ثم رد بقسوة
- أنتِ فقط اخترتِ التغافل , لكن لو قدر لك الوقوع على دليل فاضح له كما فعلتِ معي لما اختلف الأمر كثيرا هل تظنينه كان يحادث من يعرفهن من نساء حول أخبار الطقس مثلا !! الخيانة لها منحنى واحد لا يصل إلا للقاع
عاد ليصمت , ثم قال متابعا بقسوة
- ولا تقولي لأنه والد بناتك هناك سبب يجعلني أستحق هذا الغضب المجنون بينما هو لا
لعقت شفتاها الجافتان وهي تنظر إليه بصمتٍ هادئة ثم همست أخيرا
- نعم يا عامر أنت قلتها , أنت تستحق الغضب , بينما هو لا أنت الخسارة الكبيرة فعلا كل ما فعله حسين كان متوقعا و يناسبه , أما أنت أنت الخسارة الكبيرة يا عامر خسارة
انحنى حاجباه للحظة بتأثر عميق حين تحشرج صوتها واختنق في النهاية , فاستدارت عنه توليه ظهرها ثم همست متابعة بصعوبة
- ربما سأكون غبية جدا بما سأقوله الآن , لكنني سأجازف من كل إصرارك خلال اليومين السابقين , تبين لي أنك تظن أنك لك مبررا قويا هذا بالنسبة لي ليس مهما سوى في استنتاج شيء واحد فقط أنك لم تكن كذلك , ليس طبعك وليست شهوتك وهناك ما أجبرك على هذا من وجهة نظرك و لهذا أنا أقولها من قلبي خسارة يا عامر
شعر بغصة في حلقه مؤلمة تكاد أن تشطره نصفين فأطرق بوجهه يحاول التقاط أنفاسه بصعوبة ثم نهض قائلا أخيرا بصرامة بالغة وكأنه غير قادرا على السيطرة على انفعالاته المتحشرجة بداخله
- هذا الحاسوب سأترك لكِ مفتوحا وبعد قليل , سيبدأ بث مباشر , لن يراه غيرك أريدك أن تشاهدي كل جزء فيه
انعقد حاجباها وهي تراه يقوم بتجهيز الحاسوب دون كلمة إضافيةو ما أن انتهى حتى استدار إليها ينظر الى عينيها بصمت طويل فهمست بإعياء
- سترد طليقتك الآن أنا أعرف هذا , عرفته بقلبي منذ فترة وحقا لا أهتم هل تريد معرفة الجزء الساخر من الموضوع ؟ كنت مستعدة القبول بذلك , لأنني
لعقت شفتيها وارتعش صوتها هامسا
- لأنني أحببتك وكنت مستعدة للتنازل والمشاركة قبلت بها مع حسين لأجل البنتين , لكنني كنت مستعدة للقبول بها معك لأنني أحببتك بصدق
أغمضت عينيها على الدموع الحارقة فرفع كفه عن بعد وكأنه يود أن يحتويها داخل قبضته و يغلق أصابعه عليها للأبد لكن قبضته أغلقت على الفراغ , ووجد الرؤية أمامه تتشوش فأسرع الخطى تجاه الباب وقبل أن يخرج أمرها مجددا
- كل جزء منه وحتى النهاية
.....
تحرك بينهم ببطء وبملامح هادئة لا تنم عن شيء يراقب انطباع كلا منهم بصمت طويل
والده كان مبتهجا وكأن ولده الوحيد سيتزوج للمرة الاولى !
والد نيجار يشاركه الحوار بينما يرمق عامر بنظرة جانبية غاضبة , حاقدة لا ينسى له التحقير في القدوم به إلى هنا هو و المأذون و ابنته
نيجار كانت قد استعادت بعضا من اشراقتها الأنيقة القديمة والتي فقدتها خلال الأسابيع السابقة
فأتت ترتدي فستانا ذهبيا ضيقا بكمين طويلين يلتف حول قوامها بطريقة كلاسيكية وقد انسدل شعرها مصففًا على ظهرها زينتها محسوبة بدقة و هي ترمقه بلهفة لم يرها في عينيها حين كانا زوجين !!
اتجه عامر إليها وعينيه على عينيها حتى انحنى إليها وهمس في أذنها قائلا بخفوت
- أريد الحديث معكِ على انفراد
رفعت ذقنها إليه مبتسمة بدلال ثم نهضت برشاقة تتبعه وهو يسير متمهلا حتى دخل بها الى مكتب والده ثم أغلق الباب خلفهما
استدارت إليه نيجار قائلة بقلق
- ماذا هناك يا عامر ؟! وجهك غريب !
رسم قناع القلق على ملامحه وهو ينحني إليها يمسك مرفقها بيده قائلا بخفوت
- من أخبرتِ بعقد قراننا اليوم ؟
انعقد حاجباها و هي تقول بحيرة
- القليل سرعان ما سيعرف الخبر للجميع لكن لماذا تسأل هل حدث شيء أو حضر شخص لم توقع قدومه ؟!
اخذ عامر نفسا عميقا وهو يتجه الى مكتب والده ففتح أحد الدراج ليخرج منه مظروفا كبيرا وقال بصوتٍ فاتر يمده لها
- ليس شخص بل طرد وصلني منذ قليل قبل حضوركم مع رسالة واضحة
تحول لونها الى لونٍ أشبه بلون الأموات وهي تنظر الى المظروف الذي مده إليها تشعر بالعرق البارد ينساب على طول ظهرها تحت فستانها الذهبي
حرك عامر المظروف في الهواء سائلا ببرود
- ألا يمتلكك الفضول لرؤية ما بداخله ؟!
هزت رأسها نفيا ببطء و بطريقة مهتزة غير مستقرة وعينين واسعتين مرتعبتين
فزفر وهو يفتح المظروف بنفسه ليخرج مجموعة من الصور كبيرة الحجم أخذ يمررها أمام وجهها واحدة تلو الأخرى وهي تشهق نفسا زاهقا مكتوما مع كل صورة تظهر جسدها عاريا في أوضاعٍ مشينة لكن دون وجهها
استدارت عنه بسرعة صارخة وهي تنتفض انتفاضا تمسح عينيها بارتعاش ناسية أنها تضع الزينة السوداء فلطخت وجهها بأصابعها وكأنه الوحل بينما مط عامر شفتيه قائلا من خلف ظهرها
- ليست الصور فحسب بل هناك ذاكرة تحمل الفيديوهات الخاصة بهذه الصور ورسالة لي , هل تودين سماعها ؟
لم ترد فقد كان الرد في هذه اللحظة يعد رابع المستحيلات
وهو لم ينتظر ردها بل أمسك الرسالة يقرأها بصوتٍ عالٍ هادئ
- عزيزي الدكتور عامر علام داشاي يؤسفني أن تكون أول رسائلي لك على هذا النحو المشين لكنني وجدتها الهدية المثلى في يوم عقد قرانك على السيدة المصون حرمك السابقة ,
وأتساءل كيف لرجل في مكانتك أن يقرن اسمه بامرأة مثلها , رأى الأغراب منها أكثر مما رأيته أنت !
لكن كما يقولون مصائب قوم عند قوم فوائد
يحزنني أن أستغل وضعك في هذه اللحظة و أطلب منك مبلغا محددا من المال لن أقبل أقل منه كنت قد سبق و عرضته على السيدة المحترمة إلا أنها رفضت فرأيت اللجوء للخطة البديلة و الوصول الى زوجها , باعتبار ما سيكون بالطبع سأنتظر منك ردا سأحصل عليه بنفسي في الوقت المناسب أو ستكون الصور و الفيديوهات في متناول الجميع , حتى وإن كانت بدون وجهها لكن الفضيحة ستجد من يصدقها دون وجه صدقني في النهاية زواج مبارك وعسى أن تقلع هذه المرة عن أفعالها المزرية
غطت نيجار وجنتيها بكفيها تئن بصوتٍ كالعويل المختنق وما أن انتهى عامر من قراءة الرسالة حتى طواها وأعادها الى المظروف ثم مط شفتيه سائلا بخفوت من خلف ظهرها
- ألم تخبريني أنكِ توقفتِ عما تفعلينه هذا !
لم ترد فقد كانت ترتعش بقوة و بدأت تبكي فتابع بنفس النبرة الهادئة
- هذا ما كنت أخشاه امتلك ضدك هذه الأدلة منذ فترة طويلة ولم أفضحك بها , و الآن جاء من يبتزك !ما العمل ؟!
استدارت اليه بسرعة وهي تتشبث بمعصمه هاتفة بتوسل بينما الدموع ترسم خطوط سوداء على وجهها
- ساعدني يا عامر أرجوك أتوسل إليك , لا تتركني له ساعدني و لن أنسى لك هذا المعروف أبدا
تنهد عامر وهو يميل برأسه مفكرا ثم نظر الى عينيها وقال بصوتٍ خافت كمن يكلم طفلا صغيرا
- كم مرة نصحتك أن تتوقفي عن أفعالك تلك !
ودون أن ينتظر منها ردا خرج من المكتب وتركها واقفة ممتقعة الوجه فاغرة فمها شاعرة و كأن الجدران تطبق على صدرها وحين خرجت من المكتب تجر قدميها , كان عامر يتكلم مع المأذون بجوار باب البيت والذي أومأ ثم خرج من الباب ليحكم عامر غلقه و يضع المفاتيح في جيبه
اندفعت نيجار تجاه والدها و الذي صدم برؤية الخطوط السوداء التي تلطخ وجهها لكنها لم تهتم , بل قالت بقوة و رعب
- لننصرف حالا يا أبي أرجوك
هتف والدها بقلق وهو ينهض من مكانه يتبعه علام داشاي
- ما الذي حدث يا نيجار ؟! ماذا فعل بك بالداخل !هل مسك بسوء ؟!! لأنني قسما بالله سوف
في تلك الأثناء كان عامر يقوم بضبط أحد الشاشات الجانبية ثم توجه اليهم مقاطعا قسم والد نيجار قائلا بهدوءٍ باتر
- اجلسوا من فضلكم , فلدينا مشكلة كبيرة وعلينا التفكير فيها سويا
صرخت نيجار برعب
- لا يا عامر أتوسل إليك لا تفعل
فالتفت إليها قائلا بهدوء واتزان
- مما أنتِ خائفة يا نيجار ؟! لا يوجد هنا سوى والدك ووالدي وأنا وثلاثتنا سبق و عرف ما تفعلين , لذا اجلسي و دعينا نخشى ممن يعرف ولا نعرفه
هدر والدها بغضب مشوحا بكفه
- ليخبرني أحدكم ما يحدث حالا
أشار عامر للأريكة خلفه و قال بهدوء مخاطبا والده ووالدها
- اجلسا رجاءًا
نظر كلا منهما للآخر ثم جلسا متجهمين بينما نظر عامر الى نيجارو سألها ببرود
- ألن تجلسي ؟!
هزت رأسها نفيا ببطء وهي تبكي دون صوت , فهز كتفه بلامبالاة ثم اتجه الى شاشة التلفاز الكبيرة متابعا كلامه بنفس النبرة الفاترة
- منذ قليل وصلني طرد
صرخت نيجار بعنف واضعة يديها على أذنيها
- لا أرجوك ليس أمام أبي
نظر إليها مندهشا وقال
- حبيبتي هو يعرف وسبق ووقف في صفك و دافع عنكِ وضربني فلا تخشي شيئا , هذه المرة أيضا سيقف في صفك
ازداد تجهم ملامح والد نيجار بشدة حتى بدا مخيفا , خائفا !! بينما تابع عامر قائلا
- لكنه المرة الماضية لم يرى لقد سمع القصة منك فقط , أما هذه المرة فعليه أن يرى محتويات الذاكرة التي أرسلها لي أحدهم و الذي للأسف يبتزنا كما هو متوقع
أثناء كلامه فتح شاشة التلفاز بعد أن وصل بها الذاكرة , لتبدأ الفيديوهات ببطء !
صرخت نيجار بقوة ضاربة عينيها بكفيها بينما قام والدها كالوحش وهو يهدر بجنون
- أغلقه اغلقه حالا
لكن عامر ظل واقفا بجوار الشاشة ينظر اليها بهدوء ثم نقل عينيه إلى عيني والدها ببرود قائلا
- هذا ما جمعت رجالك ليقوموا بضربي عقابا لي على ضربي ابنتك لأجله
هجم عليه والدها ينوي اقتلاع الشاشة ليحطمها إلا أن عامر أخرج فجأة مضربا من مضارب الجولف سبق و حضره و ضرب به في الهواء بسرعة محدثا صفيرا عاليا أمام عيني والدها المرتعبتين بصدمة ثم صرخ عاليا
- لن يتحرك أحد من هنا وسيبقى الجميع حتى النهاية
صرخت نيجار لتسقط على ركبتيها أرضا بينما اضطر والدها أن يوله ظهره غير قادرا على التحمل , حينها فقط مد عامر يده ليغلق التلفاز و ساد الصمت فوق رؤوسهم , لا يقطعه سوى نحيب نيجار
أما علام داشاي فكان ينظر الى ابنه ذاهلا , يتنفس بسرعة وتحشرج الى أن تكلم عامر قائلا بهدوء
- ربما لم تشعروا بمدى قسوة الأمر وقذارته إلا بعد أن رأيتموه بأعينكم أعتذر منكم على هذا العرض المخزي لكنه كان ضروريا
صمت للحظات , محاولا أن يلتقط أنفاسه ثم تابع بصوتٍ أقوى وأعنف
- نصف دقيقة !! نصف دقيقة فقط من العرض لم يتحملها أي منكم حتى بطلة العرض نفسها وبدأ الصراخ المجنون هل فكر أحدكم في الزوج الذي رأى من هذه العروض دقائقا امتدت للساعات , ورجالا
عاد ليصمت مخفضا رأسه وهو يهمس بصوتٍ ميت
- رجالا لا رجل واحد
ذهب صوته واختنق , قبل أن يرفع رأسه مشيحا بوجهه بعيدا ثم نظر الى والده المصعوق بعد فترة و قال بصوت ميت مشيرا الى الشاشة المغلقة
- هذه هي من تريد أن تربط اسم داشاي بها للمرة الثانية !! كيف وصلت الى هذا الحال يا أبي حتى بات المشفى عندك أكثر أهمية من شرف و رجولة ابنك الوحيد ! هذا ما تطلب مني الحياة معه المتبقي من عمري بينما لم تتحملوا منه نصف دقيقة !
صرخت نيجار عاليا بجنون و هي تخفض رأسها أرضا ومضت بضع لحظات من الصمت الذي يتخلله عويلها حتى تمالك عامر نفسه وقال بصوتٍ هادئ قوي النبرات
- و الآن دعكم من كرامتي و هذا الهراء ولنعد لما يخصكم السيدة المبجلة هنا منحت مجهولا الفرصة كي يبتزنا جميعا بعد أن تعرف على هويتها وهو يطلب مبلغا محددا كي لا يفضحها
ذكر عامر المبلغ فاستدار والدها هادرا بقوة
- لكني لا أملك هذه السيولة !! أهو معتوه يظنني أنني قد أدفع هذا المبلغ في بعض الفيديوهات !!
ابتسم عامر وهو يخفض رأسه متذكرا أنه نفس رد نيجار , فهز رأسه متقززا ثم رفع كتفه قائلا ببرود
- بعض الفيديوهات يعرف جيدا أنها قد تؤثر على مكانتك السياسية حتى و إن كانت دون وجه
شحب وجهه وهو يسقط جالسا على الأريكة , بينما أخذ عامر نفسا ليقول ببساطة متابعا
- أنا لدي الحل سيقوم والدي بالمشاركة في دفع هذا المبلغ
انتفض والده هادرا بجنون
- ماذا ؟! هل جننت ؟! و لماذا أدفع أنا ثمن عهرها !
أجابه عامر ببساطة و دون تردد
- لأنه سيكون ثمنا مناسبا ليبيعك حصته في مشفى داشاي و يغادراها للأبد
هذه المرة كان الصراخ الغاضب من نصيب والد نيجار الذي صرخ هازئا
- أنت جننت بالفعل , حصتي في مشفى داشاي تفوق هذا المبلغ بكثير سأكون مجنونا أن أقبل بهذا العرض البخس أستطيع بيعها لمن يدفع أكثر
رد عامر بصوتٍ قاطع باتر و عيناه في عيني الرجل ثم قال بقسوة لا تقبل الجدل
- حينها أنا من سيفضحها بنفسي فلن يدخل هذه المشفى أحد منكم أو من تبيعون له إما أن تقبل بالمبلغ المعروض أو تقبل بالفضيحة لكن اطمئن , دون وجه
........
وكأنها نفس الجلسة , نفس الصدمة نفس العينين المصدومتين بصدمة مغرقتين في الدموع المحتجزة , تراقب من الشاشة ما يحدث بالأسفل ويدها على فمها تهز رأسها ببطء غير مصدقة لما تسمع
تشعر و كأن قلبها يحتضر بألمٍ مفزع
ترى المشهد الأخير و نيجار تخرج من البيت يجرها والدها من ذراعها و هي تبكي بعنف بينما وقف كلا من عامر و والده وكلا منهما في مواجهة الآخر بصمت مطبق
أغلقت سلوان الحاسوب بعنف و هي تلهث ارتعاشا بخوف و أخذت تهمس لنفسها
- استغفر الله العظيم .... استغفر الله العظيم
لا تعلم كم مضى عليها من وقتٍ وهي تستغفر ربها و لابد أنها فترة طويلة حتى سمعت صوت المفتاح وباب الغرفة يفتح بقوة ليقف عامر أمامها أزرار قميصه العليا مفكوكة وكأنه كان غير قادرا على التنفس , عيناه حمراوان بهالاتٍ داكنة تحتهما و نظرة سوداء عميقة فيهما اقترب وكأنه يعرج من شدة التعب حتى وصل الى منتصف الطريق فأسرعت إليه ووقفت أمامه مباشرة تنظر إليه بوجعٍ حقيقي و قلبها يئن لحاله
ثم رفعت يدها تضعها على صدره , تمس بها موضع القلب وهمست بصوتٍ متحشرج
- أنا آسفة يا عامر آسفة لوجعك وما مررت به وما قد لا يتحمله غيرك
أغمض عينيه متنهدا تنهيدة طويلة مرهقة جدا الى أن شعر بيدها تنسحب عن صدره وتابعت قائلة بخفوت متوجع بصدق
- انتهى اليومان بأقسى من أي نهاية يمكن أن أتخيلها انتهى اليومان وفعلت ما أردت ببقائي هنا وسماع ما أردتني أن أسمعه والآن اسمح لي , سأعود الى شقتي مع بناتي و سأكون في انتظار ورقة طلاقي وأتمنى لك من كل قلبي أن تجد السلام الذي تستحقه
ضربة قوية لطمت قلبه فجأة جعلته يفتح عينيه بصدمة ناظرا إلى عينيها غير مصدقا ما سمعه للتو , لكنها تجاوزته ببطء وخرجت من الباب المفتوح
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي