المقدمة والفصل الأول

في تلك الرواية سأريك معنى آخر للانتحار.....
جميعنا نعلم أن الانتحار هو موت الإنسان بإرادته ومعه تنتهي حياته ويكون الدافع الأول والأخير لفعلته هو الشعور بالراحة، ولكن يوجد نوع آخر من الانتحار، وهو انتحار مؤلم صامت وأنت على قيد الحياة، فتوجد علاقات تدعى انتحارًا.
كم من مرة أكملت في علاقة تؤلمك لمجرد أنك لن تستطيع ترك هذا الشخص؟ كم من مرة تألمت وبكيت وخُذلت وحزنت لأنك لا تستطيع تحمل تلك العلاقة ولا تمتلك القدرة الكافية للرحيل؟ كم من صداقة مؤلمة تحملتها حتى لا تكون وحيدًا؟ كم من علاقة حب استهلكت قلبك وطاقتك ونزفت مشاعرك ولم تستطع إنهائها؟ كم من مرة تحملت أفعال عائلتك المؤذية لأنك لن تقدر على تركهم؟ كم من مرة تحملت وتحملت وتحملت؟
جميعنا مر بتلك العلاقات، وذلك هو الانتحار بعينه ولكن لا يوجد راحة لهذا الانتحار، مفارقة روحك للحياة نفسها مفارقة قلبك لمن يحب، لماذا لا نرحل؟ لماذا ننساق خلف مخاوفنا وقلبنا ونستسلم للألم؟ لماذا يوجد أشخاص تؤلمني ومازلت أتعامل معهم واخرج برفقتهم وأحادثهم؟ لماذا أحب ذلك الرجل وهو يؤذيني؟ كل تلك الأسئلة سألتها لنفسي قبل أن أكتب تلك الرواية، ستجد هنا ما يؤلمك وأنا واثقة من أنك ستجد نفسك بين أحد أبطالها.
كانت كتابة تلك الرواية تؤلمني كثيرًا وكذلك ستكون قرائتك لها، فأتمنى لك القليل من الألم.
المقدمة:مرحبا بك في رواية مأساوية أخرى، أشفق عليك كثيرا يا عزيزي فهذه الرواية ستجعلك في أقصى مراحل الحزن والأكتئاب، سترى نفسك بين أحد شخصياتها، ستبكي فقط لا يوجد هنا مزاح، لا يوجد هنا شيئا سوى الحزن، لا شيء على ما يرام، كل النهايات غير منصفة، لا أحد يستطيع الرحيل بإرادته، وجميعنا نتألم.
الإهداء إلى:
الذين أنهكتهم العلاقات وحُطمت قلوبهم.
كُل مَن يرى نفسه وحيدًا وكُل مَن حاوط الحُزن قُلبه، ومَن خُذل بسبب حُبّهِ للآخرين، ومَن أحب شخص ولم يُحبه "أنا أحبك نيابة عنه/ا"، ومَن خانته الظروف ووقف أمامه القدر، ومَن فقد حلمه في الثانوية العامة "أنا أكثر مَن يعلم معنى فقدان الحلم قبل الوصول بلحظة" وكُل مَن تحطم على يد أهله، ومَن تركه الشخص الذي راهن ألا يتركه..... وأخيرًا إلى كُل مَن لم يكن الحب رحيما بهم.
الفصل الأول:
لا يوجد سلامٌ هُنا، جميعنا نسعى إلى القوة فندفع ضمائرنا ثمنا لها، الحياة تستمر في دهسنا بمعاركها، واللون الأسود هو الغالب في حياتنا..
روما المدينة الساحرة، تلك المدينة التي كُتب عنها كُل الطُرق تؤدي إليها، تقع روما في إقليم لاتسيو في وسط إيطاليا على نهر التيبر ويعبرها حديثًا نهر آنييني وهو يصب في نهر التيبر، وتتمتع روما بمناخ معتدل شبيه بمناخ البحر الأبيض المتوسط وتعد من أكثر المدن زيارة في الاتحاد الأوروبي ويوجد بها متحف شهير وهو متحف الفاتيكان والكولوسيوم.
في منزل رقيق في أحد أحياء روما الراقية، فتحت نيسين ستائر المنزل لِتعْبَأ الشمس بداخله، وهي فتاة في منتصف العشرينات تتميز بالحيوية وبالجمال الإيطالي الممزوج بالمصري، جسدها ممشوق ويلفه فستان حريري من اللون الأحمر، بيضاء وشعرها يشبه لون الشوكولاتة، عينيها باللون الأسود تسحر من ينظر لها، والدتها مصرية الأصل ووالدها إيطالي، نشأت على حب التراث المصري ممزوج بذوق روما الراقي، مات والدها على يد إحدى عصابات روما وهي في عامها السادس عشر وماتت والدتها وهي في الخامسة من عمرها، كان والدها كريستوف رجل أعمال بجانب عمله مع المافيا الإيطالية، بعد موته تولى تربيتها ابن عمها "كيڤانچ" الذي يكبرها ب 8 سنوات.
وضعت الشطائر وكوبين من القهوة ثم قامت بتشغيل أغنيتها المفضلة "بعدك على بالي" وأكملت تحضير طاولة الإفطار وهي تستمع إلى كلماتها "بعدك على بالي ياقمر الحلوين يازهرة تشرين، بعدك على بالي يا حلو يا مغرور" عندما انتهت من تحضير الطاولة خرج سيزار من الغرفة ببدلته الرومادية، هو من أهم رجال الأعمال في روما ويمتلك عدة أسهم في شركات خارج إيطاليا، يمتلك من الوسامة ما تجعله حُلم كل فتاة، شعره الأسود وسماره الشرقي وعينيه السوداء، في منتصف عقده الثالث، طوله وعضلاته، مركزه الاجتماعي وحضوره المُهيب، يمتلك كاريزما خاصة به في حديثه، كل هذا جعله مغرورًا حد السماء، هو مصري والده مصري ووالدته مصرية ولكنه ولد ونشأ هنا في روما. لم يلفت انتباهها وسامته، ولم يلفت انتباهها أمواله، ولم يلفت انتباهها مركزه الاجتماعي، ولكن قلبه لفت انتباهها، وقعت في حب هذا النرجسي المغرور، أحبته منذ ثلاثة أعوام وتزوجته منذ عامين، ثلاثة أعوام ولم تسمع منه كلمة "أُحِبُك"، لا تعلم أيُحبها أم تزوجها فقط لأنها جميلة ؟ ولكن يوجد الكثير مِن الجميلات حوله .
جلست بجواره وأعطته كوب القهوة الخاص به وشطائره، كانت تتمنى لو يُقبل يدها، لو يثنى على ما تفعله له، كان منشغل في تناول الإفطار عندما قالت:
_هل ستتأخر اليوم ؟
_لماذا ؟
_كنت أفكر لو خرجنا اليوم سويًا وتناولنا العشاء في الخارج بعدما نعود.
نظر لها سيزار بعينيه السوداء ثم قال بابتسامة:
_كم تدفعين لمرافقتي ؟
ابتسمت وقالت:
_قلبي، ألا يكفي ؟
_لا، أنا أستحق أكثر من ذلك .
قالت وهي تنهض :
_لا أملك شيئًا سوى قلبي، وأنت أخذته بالكامل .
نهضت وهي عابسة ، كل محادثة بينهم تؤلم قلبها وكأنه يسعد بإيلامها، كل محاولاتها الغاضبة الضعيفة تتلاشى مع أول عناق أو همسة منه، يكسر خاطرها فتجبره بحبها له، تعلم أن خضوعها له يعجبه ويزيد غروره، تضحي وهذا هو مفهوم الحب لديها.
نهض خلفها وعانقها وقال :
_سأنهي إجتماعي في العاشرة مساءً، سأجدك مستعدة؟
وضعت قُبلة على شفتيه ثم قالت :
_أنا مستعدة لك دائمًا .
لمست يدها وجهه وبدأت في رسم ملامحه بيدها وهي تقول :
_لا تستخف بقلبي يا سيزار ، أنت لا تعلم كيف تؤلمني بحديثك .
لم يقل شيئًا ولم يعتذر لها ، تركها وغادر ، كانت تعلم أنه لن يعتذر ، فكيف لسيزار أن يعتذر ؟ إن حدث واعتذر حينها ستصبح عجائب الدنيا ثمانية ، هو متعجرف ولكنها أحبته ، فتحت دفترها وكتبت :
_لا أعلم أين يمكن للمرء الفرار من قلبه ؟! ليتني أستطيع إخبارك ماذا فعل بي العشق ، ليتك تعلم كم أعاني في حبك .
في الإسكندرية
نهضت تلك الفتاة بكامل نشاطها ، شعرها الأحمر مفرود بحرية وتمرد مثل صاحبته ، بشرتها البيضاء وجسدها الممشوق يجعلونها فاتنة ، ارتدت ملابسها الرسمية وتناولت قهوتها المعتادة ونظرة استهزاء لا تنمحي من عينيها الحزينتين ، هذه يولاند ، تلك الفتاة التي لم تتجاوز منتصف عقدها الثاني وحصلت على لقب مُطلقة، تلك المتمردة التي تركت القاهرة وعائلتها وذهبت إلى الإسكندرية، الآن هي في آخر عام لها في كلية الهندسة، تتدرب في شركة الكينج فرع الإسكندرية، هي متمردة وعنيدة وحزينة، ما فعله أحمد كان صفعة لقلبها، تُفكر ماذا فعلت لكي يحدث لها هذا ؟ ما الذي فعلته لكي تكون النهاية هكذا ؟ قادت سيارتها وهي تتذكر يوم طلاقها.
فلاش باك
كانت تجلس ببرود ولا مبالاة وكأن قلبها لا يحترق الآن ، وكأنها لم تتعرض للخيانة .
جاء أحمد ووقف أمامها وقال :
_أنا أحبك كثيرًا وأنتِ كذلك فلماذا لا نتغاضى عن كل ما حدث ؟
يا للوقاحة تطعنني بغدر وتعود لتقول "نتغاضى" ضحكت بصوت مرتفع وقالت :
_نتغاضى عن زوجتك ؟ زوجتك التي تزوجتها بدون علمي ، لا أعلم أيٌ منّا تُحسب الزوجة الأولى ، ولا أعلم ماذا فعلت لك لكي تخذلني بتلك القسوة ؟
_صدقًا لم أود أن أفعل هذا، أمي كانت مريضة و كان عليّ طاعتها .
نظرت يولاند للمأذون لكي تحثه على مواصلة إجراءات الطلاق بعينين شبه فاقدين للحياة ، وبعد عدة دقائق كان انتهى ، كل شيء انتهى ، الطلاق ، حبهما ، وقلبها !
نهضت ثم قالت له قبل أن تغادر :
_لن أغفر لك ، صدقني لن أغفر لك طيلة حياتي .
باك
لا تعلم تغفر له ماذا ، تغفر له خيانته ؟ خِذلانه ؟ حزنها الدائم ؟ تمردها الشديد على ما حولها ؟ قلة ثقتها بمن حولها ؟ تغفر له ماذا ؟ فتاة في الرابعة والعشرين من عمرها حصلت على لقب مُطلقة وهي لم تتزوج بعد ، أهلها لم يساعدوها بل أرادوا ان يزوجوها لابن عمها ، تمردت عليهم وتركتهم فلم يبحثوا عنها بل أعتبروها مع الأموات ، ينظر المجتمع لها بحقارة ، فهنا يعاملون المطلقة على أنها عار عليهم ، مجتمع متخلف يُعامل المرأة على حسب حالتها الإجتماعية ، لن تستطيع الغفران او النسيان ففي النهاية مازالت تحبه ، لم يفعل لها شيئًا لكي تحبه ولكنها أحبته ومازالت .
نزعت نظارتها الشمسية وهي تقول :
_أنتِ تستحقي أفضل من هذا يولاند ، لا بأس باختيار خاطئ مرة ليجعلك لا تكرريه مرة أخرى، أنتِ ناجحة ومتميزة دومًا ، الحب ليس عادلًا فلا تثقي به مرة أخرى ، والذي تركك بإرادته سيعود وستتركيه بإرادتك ، أنتِ قوية دائمًا وأبدًا ، لا تجعلي هدفك يموت بداخلك ، مهما حاولت الحياة إسقاطك انهضي بقوة ، عندما يُصبح الأمر مؤلمًا اعلمي أنكِ حينها على الطريق الصحيح، الحياة لا تحب الشخص العنيد وأنتِ عنيدة فسيكون طريقك معبأ بالأشواك لذلك تألمي وأنتِ تبتسمي .
هذا ما تُخبر به نفسها يوميًا ، استطاعت رغم صغر سنها ورغم أنها لم تنتهي من دراستها بعد أن تثبت براعتها في مجال الهندسة بشركة الكينج، حتى أنها أصبحت مهندسة من ضمن مهندسين الشركة .
وصلت يولاند إلى الشركة وبدأت في العمل فورًا.
في إحدى محكمات إيطاليا
وقفت أمام ذلك القاضي بكل قوة ، عينيها الخضراء يشع منها القسوة والجبروت ، وقفتها الثابتة تدل على أنها لا تخشى شيئًا، قدمت ما بيدها لذلك القاضي ثم قالت :
_وبناءًا على هذه الادلة ، وبدلالة الشهود ، فالمتهم كان في منزل صديقه في وقت الحادثة ولم يكن في موقعها ، وأن من سرق ذلك الرجل هو من أراد إثبات التهمة على موكلي ، وهذا السارق ليس سوى صديق موكلي الذي كان يمكث في منزله ، لذلك في أول تحقيقات القضية أنكر وجود موكلي في منزله .
قدمت للقاضي ملف آخر ، ثم قالت :
_في هذا الملف ستجد تسجيلات كاميرات منزل المجني عليه التي كانت مسروقة والتي وجدناها في منزل المتهم صديق موكلي ، ففي يوم الجريمة استدعى المتهم موكلي لكي يمكث لديه بحجة الاحتفال ببدأ عمله الخاص الذي سيفتتحه غدًا ، ثم وضع له شيئًا في مشروبه مما جعل موكلي يفقد وعيه وحينها ارتدى المتهم ملابس موكلي ووضع قبعة لكي يخفي هويته وأخذ مفتاح فيلا المجني عليه من سترة موكلي ثم تمت عملية السرقة .
وقدمت له ملف آخر ، ثم قالت :
_وهذا تحليل الطب الشرعي الذي يؤكد أن موكلي في هذا اليوم تناول بعض الحبوب المخدرة .
القاضي :
_هل لديكِ حديث آخر ؟
_لا .
ثم سارت بخطواتها الواثقة ووقفت لتستمع لحكم القاضي الذي أقر بالبراءة لذلك الرجل ، فابتسمت بانتصار وهي تقول :
_قضية أخرى انتصرت بها ، مظلوم آخر استطعت مساعدته ، جولة أخرى فزت بها ضد الظلم .
غادرت المكان بخطوات واثقة متوعدة لذلك الظلم الذي يعم الأرجاء ، هي أُرورا سايرن ، تتميز بجمالها الإيطالي الأصيل فهي ذات شعر أصفر وبشرة ناصعة البياض وجسد متناسق ، بارعة في عملها فهي محامية مشهورة ، تدافع عن الحق وتسعى لمحاربة الظلم والفساد .
صعدت لسيارتها وهي سعيدة بذلك الشعور الذي يجتاحها كلما تفوز بقضية ، ذلك الشعور الذي يحارب شعور الظلم بداخلها ، فهي رغم تلك القوة ورغم أنها استطاعت محاربة الكثير من الأشخاص الظالمة السالبة لحقوق الغير بغير حق ، ولكنها لم تستطيع التخلص من شعور الظلم الذي يسيطر عليها ، لم تستطيع نسيان ظُلم والدها لها وظُلمه لوالدتها ، فهي مازالت تتذكر كيف تركهم وهي طفلة ذات الست سنوات لأنه يحب إمرأة أخرى ، ومازلت تتذكر والدتها عندما ذهبت له لتترجاه أن يعطيها المال لكي تنفق على ابنتها ، مازالت تتذكر ذلك اليوم جيدًا ، فهو رفض بشدة أن يعطي لها الأموال وعندما صرخت به وقالت :
_هذه ابنتك ألا تشفق عليها ؟ من أين سأدبر لها الأموال ؟ لا تكن ظالما أرجوك .
كان رده حينها :
_أنا لا أريدها ، أنتِ تعلمين جيدًا أنني لم أكن أريدها ، ولم أكن أريدكِ ، فاغربي عن وجهي الآن .
في ذلك الوقت هبطت زوجته الثانية ووقفت أمام والدتها ثم قالت :
_هذه ابنتك يا سايرن يجب أن تتولى رعايتها .
ثم وجهت حديثها لوالدتها وقالت :
_قبلي قدمي وأنا سأعطيكي المال .
مازالت أُرورا تتذكر كيف ركعت والدتها بانكسار وقبلت قدم تلك الحمقاء ، فألقت المال في وجهها وقامت بطردها هي ووالدتها خارج ذلك المنزل اللعين .
فرت دمعة من عينها الخضراء فمسحتها بخفوت وشعور الظلم يتآكلها ، لا تعلم لماذا فعل والدها هذا ؟ فهو رجل أعمال معروف لماذا لم يشفق عليها ؟
تذكرت والدتها وهي تعمل عاملة نظافة في شركته بعدما تذللت لزوجته الثانية حتى يجعلها تعمل لديه .
وقفت بسيارتها وبكت بقوة ، فتلك الذكريات تحاربها منذ كان عمرها ست سنوات ، تلك الذكريات التي جعلتها تدخل كلية الحقوق حتى تسترجع الحقوق لأصحابها ولكن مهلا هي تسترجع الحقوق لأصحابها بكل الطرق حتى وإن كانت عن طريق الرشوى ، هي أيضًا ظالمة !
" الذكريات لا تجعلني بخير ! " همست بتلك الجملة لنفسها واستكملت طريقها لمنزلها لكي ترى زوجها التي اشتاقت له .
خرجت أيلن من منزلها في التجمع الخامس وصعدت سيارتها وقادتها بأقصى سرعة لديها وهي تتأفف ، فاليوم كان بداية إجازتها ولكن أمروها بالذهاب لمبنى المخابرات لعمل هام ، قالت بغضب :
_أنا من فعلت ذلك بنفسي عندما التحقت بكلية الشرطة !
أكملت طريقها مسرعه وهي تتأفف من حين لآخر ، فهي أيلن المحمدي والدها اللواء محمود المحمدي ، التحقت بكلية الشرطة بسبب حب والدها لمهنته ثم أثبتت قوتها في التنكر والتخفي وبراعتها في استخدام الأسلحة فأصبحت من أهم وأكفأ ضباط المخابرات المصرية ، عمرها 26 عام، شعرها أسود ناعم و طويل و عينيها رمادية وبشرتها بيضاء ، تبدو للوهلة الأولى فتاة عادية ليست رائعة الجمال و لكن جمالها يكمن في عينيها ، من ينظر فيهما يشعر بالضعف أمام قوتهما .
فجأة ظهرت أمامها شاحنة كبيرة فبدأت في استخدام الفرامل بقوة ولكن دون جدوى يبدو أن هذا الحادث مدبر لها ، استطاعت أن تدور بالسيارة لتتفادى تلك الشاحنة فعبرت للطريق الآخر ولم ترى تلك السيارة القادمة نحوها والتي كادت أن تصطدم بها ولكنه أوقف سيارته في نفس الوقت الذي انقلبت فيه سيارتها .
هبط من سيارته بقوة وذهب لها ليراها تحاول أن تخرج من السيارة بصعوبة فساعدها على الفور و أخرجها وسألها بحدة :
_هل أنتِ بخير ؟
نظرت لمن يحادثها وهي تتعجب من حدته معها، وجدته شاب أبيض البشرة بعينين زرقاوتين وشعر أصفر وكأنه من إحدى الدول الأوروبية ، قالت له :
_نعم أنا بخير .
فأجابها بسخرية :
_إن لم تستطيعي القيادة فاجعلي شخص آخر يتولى هذه المهمة .
وكاد أن يغادر ليستمع لها وهي تقول بغضب :
_لم أطلب رأيك في قيادتي .
لم يدعها تكمل حديثها وغادر بسيارته بسرعة مما جعل غضبها يزداد فقالت :
_كان ينقصني هذا الأحمق الآن.
هو يزن إلكاز ، في عمر الواحد والثلاثين عامًا ، الابن الأكبر لأيمن إلكاز ويدير شركة إلكاز للأسمنت مع والده .
وصلت أيلن لمبنى المخابرات ودلفت إلى غرفة القائد لكي يخبرها بتفاصيل مهمتها الجديدة .
وصل يزن إلى المنزل ليجد والده يتحدث بغضب لشقيقه ماسون فقال وهو يدلف إلى غرفتهم بخفوت :
_ذلك الغبي المتهور سيتسبب في قتله يومًا ما .
في روسيا
وبالتحديد في منزل بعيد عن زحمة المدينة ، كانت تجلس إستيلا في غرفتها الفوضاوية وبجانبها مشروبها الغازي وطبق من التسالي وعلى قدمها حاسوبها فهي تبحث عن موضوع يثير الجدل كالعادة لكي تكتبه في جريدتها وفي صفحاتها الإلكترونية .
هي إستيلا جوزيف فتاة ذات جمال روسي خلاب ، في الرابعة والعشرين من عمرها فشعرها البرتقالي وبشرتها ناصعة البياض وعينيها البنية وقوتها جعلوها فتاة يتمناها الكثير من الرجال ، صحفية مشهورة لا تخشى شيئًا تفعل كل شيء لإظهار الفساد ، لها الكثير من الأعداء من رجال السياسة ، والدها توفى منذ عشر سنوات ، ووالدتها سافرت بها إلى روسيا ولذلك هي تحبها كثيرًا .
دلفت والدتها إلى الغرفة ورأتها بحالة مزرية لتقول لها بغضب :
_إلى متى ستظلين فوضاوية ومهملة هكذا ؟
قالت إستيلا بمرح :
_إلى أن تشرق الشمس من الغرب .
القت والدتها الوسادة نحوها وقالت :
_لقد مللت منكِ .
أبعدت إستيلا الوسادة عنها وقالت بمرح :
_يالها من جملة قاسية على قلبي .
تركتها والدتها بيأس وظلت إستيلا تضحك وبعد عدة دقائق صرخت وقالت :
_لقد وجدتها .
فكتبت على صحفتها الخاصة ترقبوا المقال القادم عن رجل أعمال روسيا الأشهر وعلاقاته وجرائمه .
ثم أغلقت حاسوبها وخرجت لتجلس مع والدتها .
في منزل إلكاز
تحدث أيمن بغضب لأبنه الأصغر :
_أنت متهور لا تعرف شيئًا عن المسئولية كل ما تعرفه هو الركض خلف النساء وإنفاق المال على الأشياء التافهة مثلك ، ومن الآن لن أعطيك المال .
تحدث ماسون وهو الابن المدلل ذو 27 عامًا وشعر أسود وبشرة قمحية وعينين سوداء :
_لا أريد شيئًا منك .
تحدث يزن لماسون :
_تحدث مع والدك بأدب .
نظر لهم ماسون ثم غادر الغرفة والمنزل بأكمله .
دلفت إلى الغرفة ماهيرا زوجة أيمن والتي تبلغ من العمر الخامسة والخمسون ، وبشرة قمحية وعينين سوداء وشعر أسود ، عانقت أيمن بحب وقالت :
_لا تحزن يا عزيزي ، مازال صغيرًا .
إستأذن يزن فقالت له ماهيرا :
_بعد عشر دقائق سيكون الغداء جاهز لا تذهب أرجوك .
إبتسم لها يزن بحب ، فتلك المرأة هي التي راعته بعد انتحار والدته وزواج أيمن منها ولم تفرق بينه وبين ابنها أبدًا ، يحبها ويخبر نفسه أنها ليس لها أي ذنب في موت والدته التي كانت تعاني من أزمة نفسية .
كانت واقفة أمام رئيسها تستمع له باهتمام ثم قالت بعد مدة :
_يصعب علينا اختراق أجهزة المخابرات التركية .
_لا يوجد في قاموسنا كلمة صعب .
_سوف أحاول .
نظر لها قليلا ثم قال :
_لا أريد لحياتك الشخصية التأثير على حياتك العملية .
_أعدك سيدي ألا أهمل عملي .
_وهذا ما اعرفه عنكِ يا رولا .
كادت أن تغادر ولكنها التفتت له وقالت :
_مراد سأذهب إلى منزلي اليوم .
ثم أدت له التحية الرسمية وغادرت مبنى المخابرات المصرية في نيويورك ، هي رولا تايسون في عامها السابع والعشرين بيضاء البشرة وشعرها أسود مثل عينيها ، والدتها فلسطينية و والدها مساعد وزير الداخلية الأسبق ، التحقت بكلية الحاسبات وتخرجت منها بتفوق وظهر تفوقها أكثر بعد ذلك حتى اختارتها المخابرات المصرية للعمل معهم فهي نابغة في الهكر وهي أيضًا زوجة مراد محمد رجل المخابرات المصري .
دلفت إلى المطعم حيث صديقتها المفضلة سيريا ، جلست أمامها فقالت سيريا :
_يبدو أن اجتماعك اليوم كان مع مراد ، أليس كذلك ؟
اومأت لها رولا ثم قالت :
_أخبرته أنني سأذهب إلى منزلي اليوم وككل يوم لم يعترض أو يمنعني ، لم يبادر أو يعتذر بل صمت ، كأن رحيلي عنه كان شيئًا مفضلًا له !
_أنتِ من تفعلي هذا .
_أنا سيريا ؟ أنا ؟
_لماذا لا تستمعي له ؟
_يريد مني ترك عملي وأن أنجب له طفلاً وفقط ، يريدني ماكينة تنجب له وترعاه فقط ، أستمع لماذا ؟
_لا أعلم يارولا ولكن أي رجل يريد هذا وخصوصا أنه رجل شرقي .
_هذه ليست أنا وإن لم يعجبه هذا فلننفصل .
صمتا حينما جاء النادل لكي يجلب لهم الطعام ، فسألتها سيريا :
_أمازلتِ تحبيه ؟
_نعم ، ولكن هذا لا يمنع رفضي .
_عنيدة .
ضحكت رولا ثم قالت :
_جدًا .
صمتت تتناول الطعام ولكن عقلها لم يصمت ، فهو يحادثها ويخبرها أنها لن تتنازل عن حياتها التي تحبها وعملها لأجله ، لن تكون نسخة أخرى من والدتها التي أفنت عمرها في محاولة بائسة لجلب طفلة أخرى بجانبها هي وشقيقتها .
في مكان أخر وتحديدًا في اليونان
تحدث ببرود :
_لن تفعل تلك العملية .
سأله الآخر :
_لماذا ؟
_المنطقة هناك سكنية لا يمكنك قتل كل تلك الأرواح لأجل شخص واحد فقط .
دار بكرسيه المتحرك ثم قال بسخرية :
_ حسنًا ديفيد يبدو أن للورينا تأثير خاص ، فهي جعلت مبادئك تظهر مرة أخرى ونسيت أنك زعيم مافيا العالم بأكمله ، ولكن أخبرني ماذا سيحدث إن علمت بأنك وراء كل ما حدث ؟
تحرك ديفيد إليه وأمسك مقدمة قميصه ثم قال :
_لا تدعني أقتلك الآن يا ليث .
ابتسم ليث باستفزاز ثم قال :
_أحبذ بأن تناديني باسل عمران .
توجه ديفيد للخروج وهو يقول :
_تلك المهمة ملغية ، سأرسل لك تفاصيل العملية القادمة أستعد ، هيا يا ماركوس .
غادر ديفيد ، وترك ليث يبتسم ببرود وهو يقول :
_سيشهد العالم حربًا وستتعارك الدول لأجل امرأة .
هو ليث السوهاجي أو لنقل باسل عمران ، فهو بعدما حدث انفجار سيارته واعتقد الجميع بأنه توفى ، ذهب إلى ليبيا ثم إلى روما ومكث هناك فترة ثم ذهب واستقر في اليونان بإسمه الجديد وهو مساعد ديفيد .
ديفيد إلياس في أول عقده الرابع ، شعره أبيض عينيه سوداء ، طويل القامة وجسده ممشوق من يراه يظن أنه في العشرينات ، والده إلياس أليخاترو قُتل على يد المخابرات المصرية وتحديدًا على يد محمد فهو كان الزعيم الاكبر للمافيا وورث مكانه ابنه ديفيد .
قال ماركوس وهو ذراع ديفيد الأيمن :
_أنت لم تجعل تلك العملية تتم لأنها قريبة من عائلة لورينا ، أليس كذلك ؟
قال ديفيد بعقلانية :
_وعدتها ألا أؤذي فردًا من عائلتها ولن أخلف وعدي .
_ ولكن عجبًا يا سيدي فأنت بحثت عنها مرارًا وحاولت خطفها مرة لتنتقم منها وعندما جاءت إليك قررت حمايتها !
_لن تفهمني يا ماركوس ، وحده من جرب مرارة الفقدان سيشعر بي .
في روما
في قاعة احتفالات كان يقف غراي إدوارد الكاتب والمنتج المشهور ، فهو يكتب الروايات ومؤلف لعدة مسلسلات ولديه شركة إنتاج ، كانت حفلة توقيع روايته الأخيرة "مُحب ولكن" والتي ستتحول إلى مسلسل قريبًا .
كانت الكاميرات تدور حوله ونظرت له المذيعة بعيون معجبة ، فهو وسيم وشاب ثلاثيني أبيض البشرة وشعره أسود كثيف وعينيه البنية جذبت قلبها ، أقتربت منه ثم سألته قائلة :
_لماذا هذا الاسم "مُحب ولكن" ؟
ابتسم وقال :
_لأنه مُحب بما تعنيه الكلمة من معنى، لا يخون، رحيم ، حنون، ولكن ضلله الحب وفقد طريقه إليه، تلاعب الفراق والغضب بعقله فجعل الابتعاد اختياره الوحيد، القدر حاربه بقوة ولكنه أثبت أنه أقوى منه وحدها هي من هزمته، طعنته بخنجرها المسمم بأسم الحب في منتصف قلبه في الوقت الذي يحميها فيه .
_من يُحب لا يبتعد ، أليس كذلك ؟
ابتسم مرة أخرى ثم قال :
_من وجهة نظري إن كان شخصًا قويًا سيبتعد عندما يداهمه الألم ، وربما عندما يرتجف قلبه من الهجر أو القسوة .
سألته صحفية أخرى :
_أيمكنك الابتعاد عن زوجتك أُرورا ؟
جاء إلى عقله صورتها فتحدث بحب :
_برغم أنني لا أستطيع التعبير عن حبي لها ولا أحبها بالطريقة التي تستحقها ، ولكني أحبها ، أحبها كثيرًا ولا أستطيع الابتعاد عنها ، فبالرغم من أني رجل ثلاثيني ولست مجرد مراهق يختبر الحب للمرة الأولى ولكني لا أخشى شيء سوى رحيلها .
ابتسم كل من في القاعة على اعترافه بحبه لها ماعدا تلك المذيعة .
في مطعم مشهور
دلف سيزار ببدلته الرمادية وبغروره المعتاد وبجانبه زوجته الجميلة بفستانها الذهبي القصير والذي برز جمال قوامها ، جلسا في طاولتهما المعتادة فتحدثت نيسين :
_ما رأيك في تلك الخطوة التي اتخذتها ؟
_رائعة فكونك قدمتي موعد العرض ليصبح العرض الأول للأزياء في هذه السنة فكرة رائعة ، يُعجبني ذكائك ويناسب كونك زوجتي .
ابتسمت نيسين على حديثه ثم عبست مرة أخرى عندما استمعت للباقي ، فقالت بلا اهتمام :
_الإنجازات التي أفعلها تخصني وحدي لا تنسبها إليك ، فأنا مشهورة بعروضي المتميزة قبل أن ألقاك حتى .
أبتسم سيزار وتحدث بهمس:
_أنا دوما كنت حولك يا وردتي .
فهو يعرفها من قبل أن تتعرف عليه بسنوات عديدة ، يعرف من تكون منذ كان عمرها عشر سنوات وعمره عشرين عامًا ، وقع أسير رقتها وسلبت قلبه ولكن حبها لم يغيره ، فهو اعتبرها ملكه بدون وجه حق ، وكان لقائه ووقوعها في حبه من تخطيطه .
قاطع حديثهم اقتراب إحدى الفتيات من سيزار وهي تتحدث بصدمة :
_لا أصدق، أنا أرى سيزار رجل الأعمال المعروف والوسيم ؟!
أنهت جملتها وهي تقترب منه أكثر ثم قالت :
_أنا محظوظة جدًا اليوم ، فلنلتقط صورة معًا .
لفت يدها حول يد سيزار الذي لم يتحرك ولم يمنعها فقط يبتسم بغرور ، والتقطت صديقتها الصورة ، فابتعدت الفتاة ثم قالت له :
_سأكون محظوظة أكثر لو قمت بزيارة شركتي الصغيرة وتعاقدنا سويًا
تحدث سيزار وهو ينظر لنيسين قائلاً :
_حسنًا سأقوم بفعل هذا لاحقًا .
أنتبهت الفتاة لنيسين ثم قالت :
_أنتِ محظوظة جداً بزوجك .
ووضعت رقم هاتفها على الطاولة أمام سيزار ثم عانقته وما كان منه سوى مبادلتها العناق وقبل أن تذهب استمعت لنيسين وهي تقول :
_إن كنتِ معجبة به إلى هذا الحد فأنا أتنازل لكي عنه ولكن لا تعودي باكية ياعزيزتي .
نظر سيزار لها بغضب ونظرت لها الفتاة بصدمة ثم ذهبت، وتحدث سيزار :
_كيف تقولي هذا ؟
قالت نيسين ببرود اكتسبته منه :
_ماذا ؟ هي تُريدك وأنت لا تُمانع وأنا أيضًا لا أمانع .
نهضت من كرسيها واقتربت منه ثم قالت :
_صدقني لا أحد سيتحمل جحيمك مثلي .
وتركت المطعم وغادرت وهي تبكي ، كانت تريد قضاء بعض الوقت معه ولكن كيف ؟ كيف لا يجرحها بأفعاله ؟ كيف لا يُثبت لها أنها لا تعنيه ؟ هو دائمًا ينتهز الفرص لإيلامها ، ذلك المغرور يجعل حبه يحطمها !
في منزل غراي
دلف غراي إلى منزله وجد زوجته تجلس بجانب والدته ويتحدثان ، ذهب إليهم وقبل رأس والدته وقامت أُرورا لكي تُحضر طعام العشاء ، وبعد عشر دقائق كانت طاولة الطعام جاهزة وجلسوا عليها جميعًا ، تحدث غراي :
_كيف كان يومك أُرورا ؟
ابتسمت بثقة وقالت :
_لقد فزت بقضية أخرى ، وأنت كيف كانت حفلتك ؟
_كانت رائعة .
جاء إلى ذهنه سؤال تلك الفتاة فقال لأُرورا :
_أيمكنك الأبتعاد عني ؟
أبتسمت أُرورا والتي فهمت على الفور أن أحدًا ما سأله هذا السؤال ، فقالت :
_نعم ، عندما لا أجد الحب الذي أستحقه ، وعندما أشعر أنني لا شيء بالنسبة لك ، عندما تجرح كرامتي وكبريائي ، وعندما تتخلى عني ، أنا أحبك كثيرًا غراي ولكن إن وجدت حبي لك وسيلة تؤلمني بها سأرحل ، والذي يرحل بإرادته لا يعود .
شرد غراي في حديثها ، فهي أُرورا معروفة بالقوة وعدم حبها للظلم ، وهو ذلك الكتوم الذي لا يستطيع وصف ما به سوى بالكتابة فقط ، أيمكن أن تمل من صمته فتبتعد ؟ فاق من شروده على سؤال والدته التي شعرت به :
_ما أخبار روايتك القادمة ؟
_مازالت قيد الكتابة .
سألته أُرورا :
_ما اسمها ؟
_ڤافيجو .
ضحكت أُرورا وقالت :
_لا أعلم من أين تأتي بهذه الأسماء .
ضحك غراي قائلاً :
_ڤافيجو معناها سأرحل باليونانية .
_سأقرأها لأعلم لماذا رحلت .
ونهضت أُرورا وهي تضحك ، هي تعلم أن لا شيء يخيف غراي سوى الرحيل ، يخشى البعد والفراق ، يحبذ المواجهة عن الهرب ، زوجها يخشى ابتعادها ولكنه لا يفصح عن ذلك .
في اليوم التالي
في مصر وتحديدًا في المقابر
وقفت فتاة ترتدي فستان من اللون الأسود وتغطي وجهها بقماش أسود وينساب شعرها الذهبي خلفها ، لم تكن تبكي كانت واقفة بثبات ولكن خرج صوتها مهزوزا وهي تقول :
_لقد اشتقت لكِ يا أمي، فتاتك وحيدة للغاية، لا أحد يسأل عني ولا أحد يتذكرني، تتسابق الحياة في كيفية هزيمتي، تحثني نفسي على أن أسلك طريقًا سيئًا، سيئًا للغاية ولكنه سيريحني، أخشى أن أكون سيئة، لقد تسببت في ألم لكل من أحبني، حتى أنتِ يا أمي أنا السبب في موتك، أنا لعنة وأسوأ مما أحد يتخيل، لم أود أن أصبح هكذا أقسم لكِ، أنا فتاتك الضعيفة التي يظنوها قوية ولكني ضعيفة، ضعيفة وخطيرة.
رأته يقترب من ذلك القبر فركضت هي من الجهة الأخرى.
دلف إلى المقابر ومعه بعض الورود ولكن لمح فتاة بفستان أسود وشعر ذهبي تركض بعدما رأته، ألقى الورد وركض خلفها وهو يقسم أنها هي فتاته وحبه الأول والأخير، لم يجدها وكأنها كانت سرابا ولكن هو شعر بها حوله، قلبه لن يخطئ أبداً.
اختفت الفتاة وهي تأخذ أنفاسها ثم تحدثت في هاتفها قائلة:
_ديفيد لقد أنتهيت أنا قادمة الآن.
في منزل سيزار
استيقظ على صوتها يأتي من الخارج مرددًا مع أغنية أم كلثوم "تعتب عليا ليه؟ أنا بإيديا إيه؟
أنا بإيديا إيه؟
إيه؟
فات المعاد فات
فات المعاد"
داعبت أنفه رائحة المعجنات الإيطالية التي تصنعها ، ابتسم فهي زوجة مثالية وسيدة أعمال ناجحة وعاشقة جريحة ، حتى وهي غاضبة تقوم بواجباتها على أكمل وجه ، ربما لو رجلًا آخر لكان شكر ربه ليلًا ونهارًا على زوجة مثلها ، وربما رجالًا آخرون يتمنون بأن تكون زوجاتهم مثلها ، فهي رقيقة وجميلة وكل شيء تفعله تجعله رائعًا ، تستيقظ صباحًا تحضر طعام الإفطار وقهوته وتستقبله بإبتسامة ثم تنتظره حتى يغادر وترتدي ثيابها وتذهب لشركتها وتعود في منتصف النهار لتحضر طعام الغداء وعندما يأتي يجدها تنتظره بإبتسامة جميلة وبدلًا من أن يشكرها يؤلمها ، هو ليس رجلًا آخر هو سيزار وما تفعله فرضًا عليها لأنه يستحق ذلك، يعلم في داخل عقله أنه مخطئ وأن لا مجال لغروره في الحب ، يُدرك أن يومًا ما ستكون نرجسيته سببًا لابتعادها عنه.
عند هذه الفكرة ونهض من الفراش وهو يردد " لن تستطيع فعل ذلك ، قلبها لي وهي لي ، لن تبتعد" خرج من غرفة النوم ودلف إلى المطبخ وجدها تقف بقميصها الأزرق الحريري فأقترب منها وعانقها وهو يقول:
_أمازلتِ غاضبة؟
لم ترد ، فقبل كتفها العاري وهو يقول:
_أنتِ تعلمين أن زوجك ليس شخصًا عاديًا فبدلًا من أن تكوني سعيدة بذلك تكوني غاضبة ؟
التفتت له بعدما أبعدت يده وقالت بعصبية:
_أنت تجاهلت وجودي ، فبجانب أنني أغار فإنني شعرت بالإهانة ، عانقتها أمامي ، ذراعيك التي تعانقني الآن عانقت الكثير بهم غيري، كانت تمدحك أمامي وأنت تنظر لي بغرور وعيناك تقول لي " أرأيتِ ؟ أنتِ أقل من كونك زوجتي "
أغمض عينيه فهو يعلم أنه مخطئ وأنها مُحقة ولكن هذا هو ولن يتغير، يجب عليها تحمل هذا ، ابتعد عنها وقال :
_أنتِ سيدة أعمال وتعلمين جيدًا كيف تتعامل هذه الطبقة من الناس.
_أهذا يعني أنني أعانق أي شخص أراه من هذه الطبقة من المجتمع؟
_افعليها وسأقتلك.
ألقت معلقة الطعام التي تمسكها أرضًا وقالت:
_ألن تعترف بخطأك ولو لمرة؟
_لا ، وهذا أنا ، أنتِ تزوجتيني وأنتِ تعلمين من أنا ، أحببتيني وأنتِ تعلمين أنني هكذا فتحملي هذا.
_قلبي يومًا ما لن يستطيع تحمل هذا.
اقترب منها وعانقها وقبل رأسها وقال:
_أنتِ ملكي.
ابتسمت نيسين بدموع فنرجسيته تظهر حتى في تعبيره عن حبه، قال بنبرة مرحة:
_أمازلتِ غاضبة ، أأعانقك أكثر؟
_إلى متى ستقتلني؟ ألا تشفق عليّ أبدًا؟
همس في أذنها:
_كلمتان لا أعرفهما "الشفقة والرحمة"
ثم قبلها وبادلت هي قبلته باستسلام فهي تحبه، هو سيء ولكنها تحبه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي