قربان العشق والإثم

Shimaanoaman`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-03-18ضع على الرف
  • 89.7K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الاول

الفصــــــــــل الأول
******************
ظلام ينقشع رويدا رويدا رعشة جسدها تزداد ضربات قلبها قاسية سريعة وكأنها كانت تعدو هاربة من شيء ما يلاحقها باصرار لينال منها
تشنج جسدها يؤلمها تشعر بالعجز كأنها مقيدة ولاسبيل لها للهروب
لحظات .......دقائق لا تعلم كم من الوقت مر عليها لتشعر بالسكون من حولها بدات أنفاسها تهدأ وأصبح جسدها أكثر هدوئا ارتعش جفنيها وتبدد الظلام ليصبح ضبابا باهتا ولكنها مازالت تعجز عن الوصول لاحساس الراحة والسكينة أصوات متداخلة حولها لاتعلم من أين أتت
ولاتعلم من أين جاءوا
الأصوات تقل من حولها ليعم السكون
هدأت الأصوات أو بمعنى أدق صمتت لا يوجد أحد بجوارها الأن
أتملك الجرأة لتفتح عيناها وتتطلع حولها ؟
لن يحدث شيء كل ماستفعله أن تنظر حولها لتعلم أين هي
فتحت عيناها بهدوء ليقابلها الفراغ ......الفراغ وحده
لأ أحد هى وحدها على سرير صغير يتسع لها فقط لاأحد بجوارها دارت عيناها في الغرفة باحثة عن أحدهم ولم تجد
حاولت ان تغادر سريرها بهدوء لكن صداع هاجمها فجأة لتبقى جالسة بمكانها للحظات قبل أن تسمع صوت انذار يصدر من جهاز مجاور لفراشها
دخلت على صوته سيدة بدينة بملابس بيضاء مقتربة منها بلهفة
حادثتها السيدة وهى تعيدها لمكانها بهدوء حديث طويلا هي تسمعها
ولكن لا تفهم ماتقوله الصداع تزداد شراسته
وطبول تدق رأسها بقوة وهى ليست قوية لتدافع هي في أقصى مراحل ضعفها
اعادتها السيدة لفراشها ومسحت وجهها بهدوء وأكملت حديثها الذى بدأ يتضح لها الآن وسؤال القته عليها وهى عاجزة عن أجابته
من أنتى ؟
واللسان ثقيل عاجز عن الكلام أو لا يعرف إجابة لسؤالها
من هي ؟
حقنتها بعقار مهدئ ليشعر جسدها بثقل امتد لجفونها لتغفو مرة أخرى ولكن بمحاولة لاجابة السؤال
من هى؟
من أين اتت؟
وإلى أين تغدو؟
فى ليلة وضحاها تاه عنها ماضيها وذكراها تخشى ان تنظر حولها لتصطدم بوجوه لا تعرفها وان كانوا يعرفوها كانها طفل رضيع تفتحت عيناه على دنيا غريبة مختلفة عن رحم امه هواجس مخاوف من مستقبل آت لامحالة ولكن إلى اين ؟وإلى متى ؟
غرفة بيضاء بها شرفة تغطيها ستارة شفافة بلون الغرفة الخالية من الروح
صوت يشبه صوت الساعة يقُرب منها منضدة كراسى مرصوصة امامها بنظام اسلاك موصولة بكفها الصغير يغطى الالم على جسدها من كل ناحية تتمنى لو يكن بجوارها احدهم لتعرف أين هى ومن أتى بها لهنا فزعت على صوت باب الغرفة يفتح وتطل منه امرأة أخرى مختلفة عن السابقة فى عقدها الثالث من عمرها ملابسها بيضاء كالغرفة التى تقطن بها يعلو راسها حجاب كلون ملابسها تقدمت نحوها بابتسامة خاوية متمتمة بالقرب منها
-حمدلله على السلامة
لم تتحدث لم يخرج صوتها خارج شفتيها خائفة تشعر بالرهبة من كل شئ خرجت المرأة لياتى بعدها بقليل رجل آخر يرتدى ملبس الطبيب يقترب منها يمسك بكفها ليقيس نبضه للحظات قبل ان يترك كفها ويجلس على كرسى بجوارها مبتسما
صباح الخير اخبارك ايه النهاردة
لم يجاوبه الا صمتها حيرة تراقصت بمقلتيها محاولة تذكره ولكن اليأس يعود اليها بسرعة عندما فشلت لتعبر عن فشلها بدموع انسابت على وجنتيها ذات الكدمات الزرقاء وتشعر بهم عند جانب شفتيها المجروحة لتؤلمها
نظر لها مندهشا من ردة فعلها ظن انها خائفة بالتاكيد مجرد ان وصلت المشفى بحالتها المزرية ملابس لاتخفى ولا تستر اصابات فى انحاء متفرقة من جسدها وجه ظلل باصابات كثيرة لتخفى ملامح وجهها كانها اصيبت فى حادث سيارة ولكن بالكشف الدقيق تأكد انه لم يكن إلا محاولة اعتداء على شرفها اعتداء على عذريتها ولكن الواضح انها محاولة باءت بفشل ذريع من صاحبها ليدفعه غله وغباءه لإيذاءها بشكل وحشى
اقترب منها مجددا سؤاله الحائر
ايه مش سمعانى؟
حركة عيناها المرتعشة نظرتها الخائفة انقباض كفها على ملاءة سريرها لا يدل الا انها تعى وتستمع لكل كلمة ارتفع صوته بحزم
ممكن لو سمعانى تهزى راسك
اؤمات براسها اشارة لانها تسمعه فابتسم بارتياح
طيب اسمك ايه ؟
والى هنا توقف كل شئ توقف عقلها توقفت الدنيا من حولها
من هى؟
لاتعلم
كيف اتت إلى هنا ؟
لاتعلم
إلى اين هى ذاهبة ؟
ايضا لا تعلم
نظرت اليه وفى عيناها حيرة عجزعن الرد على سؤال اجابته فطرية ولكن حتى فطرتها نسيتها
ضاقت عيناه بشك وهو ينزع منظاره الطبى مدققا فى وجهها وملامحها
انتى مش عارفة اسمك ؟
تسلطت عيناها عليه للحظة قبل ان تنفى براسها اجابة سؤاله وصوتها المخنوق يهمس :لا مش فاكرة
انتى متأكدة ........حاولى تفتكرى اسمك ايه على الاقل
عجزت عن الرد احتبست الكلمات بحلقها هزة راسها نفيا كانت اجابته التالية
نظرة منه على وجهها محاولا فك طلاسم حيرته هل هى بالفعل فاقدة للذاكرة او انه مجرد عارض من أثر اصابتها ؟
اهو ادعاء ام حقيقة اسئلة كثيرة واجابتها بيد طبيب المخ والاعصاب قام من كرسيه متجها للخارج ملقيا عليها نظرة اخيرة قبل ان يغادر
صحبته عيناها حتى اغلق الباب لتعود مرة اخرى لأفكارها المشتتة المخيفة
اغلق باب غرفتها متجها للخارج لينظر الى الراجل الجالس امامه بحيرة وتردد من ابلاغه بحالتها الصحية
جاسم وكان هو جاسم تماما كاسمه جاسم أحمد القاضى رجل قانون عمل بالنيابة لفترة ليست بالكبيرة قبل ان يستقيل متفرغا لادارة مكتب والده أحمد القاضى المحامى الكبير المحنك ذو السمعة الطيبة بعدما أجرى احدى عمليات القلب الخطيرة ليظل جليس بيته تاركا ابنه الاكبر خليفة له ليس في مكتبه فقط ولكن أيضا في مكانته سائرا على خطاه ليفاجئه هو شخصيا بذكاء وفطنة جعلته مناسبا للقب اطلقه عليه احد القضاة (الثعلب ) لبراعته وقدرته على كسب قضاياه مهما كانت عسيرة وطرقها مسدودة
رجل طويل عريض المنكبين عيناه كانها عيون قناص محترف بزرقة السماء الصافية ذقن محدبة نامية بخفة خصلات شعره السوداء الناعمة تتهدل فوق جبينه العريض بعشوائية تنم عن توتره وقلة نومه منذ ليلة امس رفع كمى قميصه الى منتصف ساعده وذراعيه خلف راسه مغمضا عيناه محاولا نيل قسط من النوم بعد تلك الليلة العصيبة التى مر بها لاحظ خروج الطبيب من الغرفة
فاتجه نحوه بلهفة متسائلا: خير يا كريم طمنى فاقت
ربت على كتفه وهو يتجه للجلوس امامه بقلق مما سيلقيه عليه اشار له بالجلوس حتى يستطيع التحدث معه بهدوء
جاسم ممكن تقعد
جلس امامه بريبة وشك من ملامحه القلقة
فى ايه ياكريم ما تطمنى البنت فاقت ولا لا
اوما براسه ايجابا:-فاقت
-عاد بجسده للخلف بارهاق :طب تمام قدرت تعرف اسمها عنوانها اى حاجة توصلنا ليها
هز راسه باسف وهو ينزع نظارته الطبية :للاسف ياجاسم البنت مش فاكرة اى حاجة
اتسعت عيناه بدهشة حسب ان يكون ما سمعه خطأ ولكن تعابير وجه صديقه لاتنم على خير ابدا
ازاى مش فاكرة حاجة
- زى ما بقولك البنت فاقدة الذاكرة تماما
عقد حاجبيه متسائلا:يعنى ايه مش فاكرة حتى اسمها؟
- ولا اى حاجة ولا تعرف هى مين اصلا
-معقول يكون كل ده من الحادثة؟
- مش الحادثة وبس البنت دى اتعرضت لمحاولة اغتصاب بشعة اضربت واتبهدلت وده اللى واضح من الاصابات اللى فى وشها وجسمها
عقد حاجبيه بتساؤل:محاولة يعنى محصلش
- الحمدلله انه محصلش يظهر انها قاومت اللى حاول يعمل فيها كده لدرجة انه زهق منها وضربها ورماها بالطريقة دى
************
ارجع راسه للخلف مغمض العينين ممسكا باصابعه مابين عينيه باجهاد وشعور بالصداع يغزو راسه ليلة لا ينسآها ابدا اشتدت ظلمة الليل عائدا من القاهرة للاسكندرية بصحبة خطيبته التى ظلت متأففة من قرار عودته ورفضه السفر صباحا طريق يخلو من اى نبض للحياة لكن ماراه جعله يوقف السيارة فجاة عندما راى جسدا ملقى على جانب الطريق توقف للحظة ليتبين مايراه اهى خدعة من قاطعى الطرق ليتوقف بالسيارة فيهجموا عليه لسرقته وسرقة السيارة ولكن الجسد يتحرك ببطء خرج من السيارة بعدما اغلق بابها جيدا محذرا رفيقته من المغادرة نظر حوله بريبة وهو يقترب من الجسد الملقى امامه حتى شعر به يتحرك ببطئ وزادت صدمته عندما رأها فتاة اقترب أكثر وهو ينظر حوله في ظلام الليل الداكن اجفله صوت تألمها فاقترب أكثر جثا على احدى ركبتيه بجوارها رفع خصلات شعرها التى غطت ملامحها لينزعج مما راه بها من اصابات وكدمات متفرقة ليتابع بعيناه جسدها وملابسها الممزقة جلس بجوارها مناديا لها ولكن لاصوت غير تاؤهها وتألمها شعر بخطيبته مريم تخرج بسرعة تضم شالها الصوفى على كتفيها ليحميها من برودة الجو متجهة إليه بقلق:في ايه ياجاسم
أشار للفتاة الملقاة امامه: زى ماانتى شايفة بنت متبهدلة اهى
اقتربت منها بتوتر :مين الحيوان اللى عمل فيها كده منه لله ........جاسم تعالى نوديها المستشفى بسرعة قبل مايجرالها حاجة
مد ذراعيه نحو الفتاة الملقاة ليحملها بحنق :هيجرالها ايه اكتر من من كده
حملها متجها لسيارته لتتجه اليه سيارة ضخمة وتتوقف امامهم ويخرج سائقها مسرعا اليهم :في حاجة ياجماعة
ابتلع حديثه وهو ينظر للفتاة التى يحملها جاسم :ايه ده عملت فيها ايه
صرخ جاسم بوجهه غاضبا:عملت ايه البنت مرمية على الطريق نزلت اشوفها وواخدها للمستشفى يعنى هكون ضاربها ولا عامل مصيبة ورايح بيها لعربيتى
امتقع وجه الرجل قائلا:معلش يااستاذ انا شفتها على ايدك اتلخبطت منهم لله الظلمة
حثته خطيبته على الاسراع الى المشفى :يلا ياجاسم البنت شكلها تعبان اوى
ترك الرجل متجها لباب سيارته الخلفى ليضعها برفق ويتجه لمقعد القيادة منطلقا بها الى المشفى التي يعمل بها كريم


عاد من ذكراه على صوت كريم
-هتعمل ايه ياجاسم .......لازم نبلغ البوليس انت محامى وعارف المسئولية
فرك وجهه بقوة لتحمر مقلتيه من ضغطه على وجهه ناظرا إليه :اعمل اللى تعمله انا عايز اخلى مسئوليتى انا مش حمل بلاوى من دى انا مش عارف ايه اللى رجعنى اسكندرية الليلة دى ........بس اعمل ايه نصيب
- متقلقش انا اعرف واحد حبيبى فى القسم هبلغه وهو يجى يتكلم معاها يمكن نوصل لحل
قام من كرسيه يشد جسده من تاثيرجلوسه طوال ليلة امس :انا ماشى ياكريم ولو حصل حاجة كلمنى وانت عارف انا متكفل باى مصاريف
قام اليه منبها :بس خد بالك النيابة ممكن تتطلبك للسؤال عشان انت اللى جبتها
هز راسه بتفهم :عارف طبعا ........انا مضطر امشى عشان اللى فى البيت قلقانين اوى من امبارح
ربت على كتفه بتفهم :اكيد طبعا روح انت ولو حصل حاجة هكلمك
-تمام سلام
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
تعدت الساعة الرابعة عصرا داخل بيت أحمد القاضى المحامى السابق وسجين بيته الحالى كما يطلق دائما على نفسه بعدما منعه الاطباء من ممارسة مهنته بعد إجراءه عملية القلب ليترك مكتبه وقضاياه الى جاسم ولده الاكبر على مضض لاينكر انه احيانا يشتاق الى اوراقه وكتبه العتيقة وموكليه مرافعته أمام القضاة وقوفه أمامهم بثقة وهو يعلم جيدا انه لن يخسر قضيته مهما بلغت صعوبتها اشتاق لصوته العالى في المحاكم اشتاق لكل شئ ولكن ماذا يفعل ؟
غير الامتثال لآوامر الأطباء لاينكر ان جو العائلة كان غائبا عنه يفتقده طوال سنوات عمله ليكتشف انه كان منفصل عنهم وعن مشاكلهم ولا يعرف الكثير ممايدور في بيته لم يفق ولم يكتشف مدى بعده عنهم إلا عندما عادت ابنته فريدة لبيته تحمل ابنتها ذات الأربع سنوات وبيدها الأخرى حقيبتها وكلمتين القتهم فى وجه عائلتها : أنا طلبت الطلاق
رغم زواجها من ابن عمها وشعوره بالراحة والاطمئنان على طفلته لكن الحياة بينهم أصبحت مستحيلة هو يحب أخرى ومعترف بذلك وهى لم تتحمل أكثر حاولت مرارا وتكرارا ان تجذبه إليها وإلى ابنته لكنها محاولات باءت بالفشل لتكتفى ذل العيش مع رجل عاشق لأخرى لتعود لبيت أبيها بطفلتها وها هي تقترب من لقب مطلقة الذى جعلها تشك أنها المخطئة كان يجب أن تتحمل ان تصبح زوجة على الهامش في حياة زوجها كثيرا ماتود ان تعود له فقط لتحمى نفسها من تطاول سمر زوجة أخيها مروان وكرهها لوجودها في البيت رغم أنه بيت أبيها ولكن زوجة أخيها تتجاهل هذا دائما وتزيد من معاملتها المستفزة لها ولابنتها ولكن جاسم دائما مايكون المتصدى لها ولأخيه الذى يراه دائما ضعيف الشخصية أمام زوجته معللا ضعفه امامها انها تحملت الإقامة في بيت العائلة لأجله ولم تتطالب ببيت منفرد وحدها ويظل راضخا لأومراها وطلباتها المرهقة لرجل في بداية حياته العملية
والمشاغبة الصغيرة ياسمين رغم شقاوتها وارهاقها له لكنها فاكهته المحببة إليه دوما
جلس على رأس طاولة الطعام بجواره أولاده في انتظار والدتهم التى رفضت أن يبدوا بتناول الطعام قبل حضور جاسم الذى عاد لبيته في الثامنة صباحا بعد ليلته الغريبة ليدخل غرفته وخلفه أمه التى ظلت مستيقظة حتى أتى واطمئنت عليه بعدما أخبرتها مريم بما حدث
ظل ينظر الى ساعته الفضية بحنق وابناؤه صامتين يتنقالون النظرات القلقة الى بعضهم بصمت حتى خرجت إليهم والدتهم رقية وضعت ماتبقى من صوانى وهى تنظر لزوجها بابتسامة:ايه ياأحمد معقول جعت للدرجة دى
عقد كفيه اسفل ذقنه ناظرا إليها بنظرة جانبية :أنتى عارفة احنا مستنين بقالنا أد ايه صحى إبنك انا جعت
ارتفع صوت زاعق من نهاية المائدة :اه والله يابابا الواحد عصافير بطنه صوصوت من كتر الجوع
التفت إليها بغيظ :مالك ياياسمين اخوك زمانه نازل اهو انا صحيته خلاص
ضربات صغيرة واصابع قصيرة تتخذ طريقها لعيناه محاولة فتحهم ورغم ارهاقه صامت يكتم ابتسامته مغضما عيناه بقوة مستمتعا بشقاوة ابنة اخته جودى لتصرخ الصغيرة به جاسم قوم بقى كفاية كده انا جعانة
فتح عيناه أخيرا ضاحكا: وانا اعملك ايه ماتروحى تأكلى انا منعتك
وضعت كفيها الصغرتين على جانبيها حانقة : تيتة مش عاوزانا نأكل عشان أنت نايم
اعتدل في جلسته قائلا بخبث: يعنى معقول جوجو مكلتش لحد دلوقتى
مدت شفتيها بلامبالة : أنا أكلت بس عاوزة أكل تانى ...... قوم بقى ياجاسم
بعثر خصلات شعرها الناعمة مشاكسا :نفسى تحترمينى وتقولى ياخالو زى البنات المؤدبة مش جاسم
-أنا بحب أقول كده
-ماشى ......ماشى يابنت فريدة
............
أخيرا اجتمعت العائلة على المائدة سارت فترة من الصمت إلى ان قطعتها رقية سائلة جاسم : هتعمل ايه في البنت دى ياجاسم
رفع كتفيه حائرا: مش عارف والله ياماما انا عملت اللى عليا وديتها المستشفى وقلت لكريم انى متكفل باى مصاريف وعلى الله حد من أهلها يظهر او نعرف عنها حاجة
وكعادتها سمر التدخل محاولة فرض رايها على الجميع وكل مرة يقابل رايها بالتجاهل المتعمد لكنه ليس تجاهل وليد اللحظة انما علاقتها بهم منذ زواجها علاقة مشوشة يعتريها التوتر ونصب المكائد سيطرتها على عقل مروان اتخاذها دور الحمل الوديع دور فاشل لايليق بها قناع طيبة سقط منذ او خلاف بينها وبين رقية صوتها المرتفع عليها معاملتها السيئة وتعمد السخرية من فريدة وشماتة مغلفة بنصحية بالرجوع لزوجها (وضل راجل ولا ضل حيطة )
وكانها حائط مائل ترمى عليه سخطها وكرهها لهم خصوصا جاسم الذى كان اول من يقف امامها في تحقيق السيطرة على عقولهم
-والله انا شايفة انك تشيل ايدك من الحكاية دى خالص انت محامى وليك سمعتك مش ناقص حد يربط اسمك بحادثة زى دى ده انت ممكن تلبسها
ترك ملعقته ناظرا إليها ببرود متحديا أسلوبها الفج : هو كان حد قالك انى على راسى بطحة واعتقد اكتر من مرة أقول لحضرتك خليكى في حالك وفى جوزك متتدخليش في حاجة متخصكش ممكن
ضمت شفتيها بغيظ وضربت المائدة بيدها معترضة موجهة حديثها لزوجها : شفت يامروان أخوك انا الغلطانة انى خايفة عليه من المصيبة اللى وقع نفسه فيها
ربت مروان على كفها مهدئا والتف ليواجه أخيه معترضا: سمر مغلطتش ياجاسم دى خايفة عليك
رفع جاسم عيناه إليهم بهدوء قاتل :لا متخافيش عليا انا مهما كان جاسم القاضي مش عيل تافه يلبس في قضية زى دى ثم ان مالى انا لقيت واحدة في الطريق ودتها المستشفى وقبل مااجى على هنا عملت محضر باللى حصل وزمان الظابط فى المستشفى عشان ياخد اقوالها
ترك طعامه وهم ليغادر اوقفته امه: جاسم كمل أكلك ياحبيبى
اقترب منها مقبلا يدها: انا شبعت ياامى الحمدلله وورايا شغل كتير عن اذنكم
.......................
والصمت لغة لايجيدها الكثيرون ولكنها مرغمة لتكون لغتها في عالمها الجديد الذى لاتعرف فيه غير الممرضة التي تؤدى عملها بروتينية مملة والطبيب الذى زارها أكثر من مرة منذ أفاقت وتزداد الوجوه بآخر لتعرف أنه طبيب المخ والأعصاب الذى أجرى عليها كشف طبى مكثف أعقبه بعمل الأشعة اللازمة حتى يكتب تقريره عن حالتها وتعود لغرفتها مرة أخرى على سرير نقال ويغلق باب غرفتها لتعود لوحدتها مرة أخرى
صداع يهاجمها ودوار يعصف بلحظات تقضيها في محاولة فاشلة لتذكر أي شيء .........أى شيء يعود بها إلى ماضيها
طرقات على باب الغرفة مجددا ليدخل الطبيب ومعه شخص آخر يرتدى بذلة رسمية يقتربان منها تشعر بتوتر وعيناها تنتقل من هذا لذاك ليبتسم لها كريم ردا على أسئلة عيناها الحائرة :حضرة الظابط جاى عشان ياخد اقوالك ويساعدك
اقترب منها الضابط جالسا على كرسى بجوار فراشها ويغادر كريم تاركا إياهم وحدهم لعل وعسى يخرج بمعلومة مفيدة
دخل غرفته واغلق باباها نازعا نظارته الطبية ملقيا جسده على أريكة جلدية كبيرة مناديا بعض الوقت لينال جسده الراحة بعد يوم عمل طويل لكن لسوء حظه لم يحصل على مبتغاه ليفاجئه صوت باب الغرفة يفتح فجأة ليجد جاسم يقف على عتبته قائلا: إيه يادوك أنت هتنام ولا إيه
تجاهله وهو يغمض عيناه رافعا ذراعه على عيناه : ده بعد إذنك يعنى
أغلق الباب متجها إليه جذب كرسى ليجلس قبالته: وهو ده وقت نوم
قام كريم ساخطا : عاوز إيه ياجاسم أنت روحت بيتك ونمت واستريحت سيبنى استريح شوية ياأخى مش كفاية المصيبة اللى جبتهالى
رفع قدما فوق الأخرى رافعا كتفيه باستسلام : وأنا أعملك إيه ألاقى بنت في مشكلة زى دى واسيبها
ابتسم كريم بغيظ: لا ازاى ميصحش
ضربه على كتفه بمرح :خليك جدع بقى وكمل جميلك للآخر
قام كريم متجها لمكتبه ليلحق به جاسم جالسا أمامه:إيه في جديد
أخرج ملف وعلبة صغيرة وضعهم أمامه قائلا بجدية: زى ماقلتلك البنت دى اتعرضت لمحاولة اغتصاب وضرب وبهدلة بس مش مقاومتها لوحدها هي اللى انقذتها البنت دى مصابة بارتخاء الصمام الميترالى والواضح أن حصلها نوبة افتكر أنها ماتت عشان كده رماها في الطريق زى ماأنت لاقتها
غمغم جاسم غاضبا: حسبى الله ونعم الوكيل يعنى لولا تعبها ده كان اعتدى عليها فعلا
أؤما كريم برأسه:أيوه بس ده مش مرض خطير ولا حاجة مرض عادى عند ناس كتير وعايشين حياتهم عادى جدا بس الأجهاد اللى عملته وهى بتقاومه خلى النوبة تجيلها
-المهم هي مافتكرتش أي حاجة
-للأسف لا أنا حاولت معاها كتير بس مش قادرة تفتكر أي حاجة بس أنا عرفت اسمها
رفع جاسم حاجبيه متسائلا: ازاى أنت مش بتقول مش فاكرة حاجة
أمسك كريم بعلبة صغيرة فتحها ليخرج قلادة ذهبية مشيرا له :السلسة دى كانت في رقبتها واسمها عليها
أمسك جاسم بالقلادة قارئا الأسم المزخرف : همس اسمها همس
-أيوه بس هي لحد دلوقتى متعرفش حتى اسمها
أخفض جاسم القلادة مغمغا :صعب أوى حد يتحمل أنه مش عارف حتى اسمه في مكان غريب والأصعب أن محدش قريب منها يعرفها عاملة زى الغريب في بلد غريبة عليه لايعرف فيها حد ولا يعرف حتى اللغة اللى بيتكلموا بيها
.......................
أخذ الألم من جسدها موضعا لينتشر في كل ذرة منه لينهكها لتستسلم له ضغطت زر بجوارها لتأتى الممرضة طالبة منها أي مسكن يهدئ من ألمها
لكن ألم روحها أكبر وأعظم من ألم جسدها منذ خروج الضابط وهى تكرر محاولتها جاهدة تذكر أي شيء يوصلها لهويتها اغمضت عيناها بعدما بدء مفعول الحقنة المسكنة في الانتشار لتنتفض على صوت طرقات الباب رفعت صوتها لتأذن للطارق بالدخول : أدخل
فُتح الباب بهدوء لتجد جاسم يقف عند الباب مبتسما: ممكن أدخل
نظرت إليه بريبة واعتدلت في جلستها:اتفضل
أغلق الباب واتجه نحوها : حمدلله على السلامة عاملة إيه دلوقتى
-الحمدلله ........هو حضرتك دكتور
ابتسم قائلا: لا بصراحة أنا مش دكتور ولا حاجة
-أومال أنت مين ؟
جذب كرسى ليجلس بجوار سريرها:أنا جاسم ....... اللى نقلتك المستشفى هنا
اتسعت عيناها متسائلة بلهفة :أنت ؟
-أيوه أنا عاملة إيه دلوقتى ؟
تجاهلت سؤاله لتساله :هو أنت تعرفنى قبل كده تعرف أي حاجة عنى
باغته سؤالها ليصمت لبرهة ثم يعود ويبتسم : الصراحة لا بس متقلقيش إن شاء الله مع العلاج هتفتكرى كل حاجة وهنعرف كل حاجة عنك
أخفضت رأسها باكية: أنا مش قادرة افتكر اى حاجة ومحدش سأل عنى من ساعة ماجيت هنا
قام من مكانه متجها نحوها معطيا إياها منديل ورقى: اهدى بس ياهمس إن شاء الله كل حاجة هتبقى تمام
اتسعت عيناها بغتة عندما ذكر اسمها: همس
-أيوه اسمك همس وقبل ماتسألى عرفت اسمك منين عرفت من السلسة اللى كانت في رقبتك
أخرجها من جيبه ليضعها في كفها تتلمسها بهدوء: همس .......
يعنى معرفش من حياتى غير اسمى وبس
تعلقت عيناها بالقلادة وامتدت أصابعها تتلمس حروفها بشرود لحظات كانت كافية ليتاملها جيدا عندما وجدها لم يكن لديه الوقت الكافى ليرى ملامحها بوضوح
ملامحها ساكنة كحالها حزينة تائهة كطفل شارد فقد أمه وسط الزحام ليتسمر مكانه باحثا عنها بعيناه يرتعش خوفا من فقدانها
خصلات شعرها انزوت بجانب عنقها بهدوء نالت من قشرة البندق لونها الدافئ ووجه قهوة غنى بنكهة مميزة يتناسب مع بياض وجهها وعنقها
عيناها كبركة عسل صافى لامع شذرات زيتونية يضفى عليها لون ممتع هادئ تابع بعيناه أنفها وشفتيها الوردية المنفرجة قليلا ويبدو ذلك بسبب جروحها الجانبية
رفعت عيناها إليه فجأة فابعد عيناه عنها يلوم نفسه على تامله المحرج عاد لكرسيه بجوارها : أنا عاوزك تهدى خالص عرفنا اسمك وان شاء الله هنتابع مع البوليس أي خبر او بلاغ من أهلك
مسحت وجهها وتنهدت بيأس : خايفة أفضل كده معرفش أنا مين وايه اللى جبنى هنا
قطعت كلماتها عاقدة حاجبيها بتساؤل: ممكن أسالك سؤال
-اتفضلى
أشارت لوجهها والكدمات التي غطته قائلة: اللى حصل فيا ده كله سببه إيه أنت اللى شفتنى الأول أكيد شفت حاجة
-صدقينى انا مشفتش حاجة غير أنى لاقيتك في الشارع معرفش اللى عمل فيكى كده إيه ممكن حادثة عربية
والاجابة حاضرة ونطقها يؤدى بها إلى انتكاسة كما اخبره كريم ليست مؤهلة لتلقى تفاصيل بشعة كالتى تعرضت لها
صمتت قليلا ثم عادت إليه وعيناها تحمل سؤال خشيت أن تلقيها عليه لتسئ إليه ويكون مظلوما : بصراحة كده هو أنت يعنى .......
صمتت وفركت كفيها بقلق وعيناه تراقب انفعالها الغير مفهوم فحثها على التكملة: في إيه عاوزة تقولى حاجة
رفعت عيناها إليه متسائلة: أنا عاوزة أسالك لو أنت اللى خبطنى بالعربية يعنى ممكن ........
انتفض غاضبا وقام من مكانه : ايه اللى بتقوليه ده هي غلطتى أنى مرضتش أسيبك في الشارع وجبتك هنا تتهمينى أنى عملت فيكى كده لا ياآنسة انا معملتش فيكى حاجة والدكتور كريم هياكدلك كلامى أنا كان ممكن أسيبك ولا يهمنى أنا مفيش عليا مسئولية ولا حد يقدر يكلمنى تيجى أنتى وتتهمينى بالاتهام ده هي دى أخرة المعروف
ضمت جسدها بخوف وهى ترى ثورته عليها جذبت غطاءها وضمت قدميها لصدرها : أنا سالتك سؤال معملتش حاجة عشان تزعق فيا كده
أكمل حديثه الغاضب : أنتى مش عارفة ولا فاهمة أنتى بتقولى ايه كلامك ده ممكن يودينى في داهية أي حد يسمعك يقول انى ضربتك بالعربية وجبتك على هنا عشان خايف على نفسى من اللى عملته بس اللى أنتى مش واخدة بالك منه أنى روحت بلغت وعملت محضر باللى حصل وقبل كل ده جبتك على هنا وانا معرفش أنك فاقدة الذاكرة وفضلت مستنى لحد مافوقتى واطمنت عليكى لو كنت خبطتك كان زمانى هربت مجرد ماوصلتك هنا وهخاف أنك تعرفينى وتبلغى عنى
رفعت عيناها إليه بعدما انتهى من حديثه : أنا آسفة مكنتش أقصد
وكانه انتبه أخيرا لحركة جسدها المكومة ودموعها التي انسابت بقلة حيلة وضعف من حالها وثورته عليها اقترب منها جالسا أمامها بصوت نادم ساخطا على نفسه : أنا اللى آسف انى انفعلت عليكى ........ حقك عليا وصدقينى أنا مش هسكت وهدورلك على أهلك وبأذن الله نوصلهم
ابتسمت وكأنه يرى جودى الطفلة حاضرة امامه: ده وعد
ورد إليها الابتسامة بأخرى مشاكسة: وعد ياستى
.................
عيناه زائغة يقف كالصنم في مواجهة سيده ينتظر عقاب محتوم قادم لامحالة وهى السبب!
هي من هربت منه
هى من جعلته يواجه ويلات غضب سيده
هو عبد يعلم ذلك
لكنه كان عبد مطيع ينفذ الأوامر بدقة كانت له مكانته ولكن بعد تلك الليلة المشئومة أصبح عبد أسود فى نظر سيده لا قيمة له ولاثمن ولكى يعود لمكانته يجب أن تعود هى وإلا يحيا بين أتباعه مذلول منبوذ لن يخرج من بينهم ولن يعود لقيمته السابقة
راقب سيده الذى جلس فوق كرسيه بخيلاء ينفث دخان تبغه بهدوء يرمقه بنظرة عجز عن فهمها ينتظر عقابه ويخشاه وهو يعلم عقابهم هو المهانة بأبشع صورها
ظل الصمت سيد المكان إلى أن قام إليه وقف أمامه ناكث رأسه بذل
أنت كلب صح!
ومازالت الرأس منخفضة لأسفل بذل وتزداد ضربات قلبه حتى صرخ به :رد عليا أنت إيه ؟
رفع رأسه فزعا مرددا:كلب
أكمل وهو يبتعد عنه :تعب فترة كبيرة واستعدادت بقالها كتير كله انهار وبسببك أنت
لهث خلفه لنيل رضاؤه :أيوه بسببى بس خلاص أحنا خلصنا منها وكل حاجة هترجع زى ماكانت
التف إليه وشرارة غاضبة تتطلق شزرها نحوه صارخا:مفيش حاجة هترجع زى ماكانت قبل مانوصلها ولازم هى تكون القربان
تراجع للخلف بقلق:بس هى اختفت ومحدش عارف مكانها
وتجسد الخبث والمكره على ملامحه القاتمة:يبقى توصلها لو عاوز ترجع وسطنا البنت دى قربان وأنا مش هتنازل عنه خلاص القداس اودامه كام شهر لو مقدرتش توصلها قبل الفترة دى
صمت للحظات كان الآخر في أقصى درجات خوفه وقلقه عاد وأكمل :هتكون أنت القربان اختار أنت أو هى
والأمر صدر وانتهى حياته مرتبطة بحياتها إن عادت نجا هو من الموت وإن لم تعد كان هو قربان القداس .......القداس الأحمر
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي