ألهذا سيؤول حبنا

"لا اعرف كيف أخترتك زوجي من البداية " .
صرخت إمرأة في مقتبل العمر بقوة بوجه رجل ثلاتيني ، أجابها هدا الأخير بقوة : " ندمان على اليوم الذي
قررت جعلك فيه زوجة لي و على اليوم الذي أدخلتك فيه لبيتي " .
غززت السيدة أسنانها وأكملت صراخها بوجهه ، حتى أحست بكف قوي مما جعلها تسقط أرضا ، صرخ و
أكمل خطواته متجها خارج المنزل ، لمح للحضة
طفلة صغيرة تراقبهم من بعيد مختبئة وراء أحد
الأبواب ، لكنه أكمل خطواته دون إهتمام .
وقفت السيدة بوجه متهجم و أكملت صراخها غير
مهتمة لذلك الكيان الصغير :"
أتمنى أن لا تعود ، أطلب الله كل يوم أن يأخدك عنده واتخلص منك " .
عادت تلك الطفلة بخطوات متعثرة للوراء ، إتجهت
نحو سريرها بوجه حزينة وبعض الدموع الطفيفة
تتناثر على خدها ، أخدت لها مكانا وضمت نفسها
بجسد يرتجف من الخوف و أصوات صراخهم عادت
تتردد على مسامعها رغم أن الهدوء عن المكان ،
وضعت يديها الصغيرة على أدنيها محاولتا التهدئة من روعها و كعادتها تركت العناء لصوتها الرنان
بدأت بالغناء بهمس :" لا تبكي ياصغيري لا لا تقطع
الرجاء في قلبك الصغيري انضر نحو السماء ...." .


2020 /06/07

"لا تبكي يا صغيري لا لا انضر نحو السماء " .
نفس الصوت لكنه أكثر نضجا ، جسد فتاة شابة ضامة جسدها واضعة رأسها بين رجليها ، شعرها الأحمر
يلمع مع الضوء الطفيف المنبعث من النافدة
الوحيدة بالغرفة ، رفعت وجهها الجميل متأملة
السماء ، و الطيور البعيدة المحلقة من بعيد ، تمنت
لوهلة لكانت طيرا بينهم و لتتذوق طعم الحرية ،
بعيدة عن هذا الجحيم كما سمته ،
وقفت على أصابع رجليها حافية القدمين بدون أن
تعطي أي إكتراث لجمال الغرفة الكبيرة فلو ألقت
بانضارها من حولها للمحت الكثير من لمساته ،
فحتى الغرفة لم تسلم منه و لطخها بلمساته و
اللون الأسود الذي يغلب على المكان معبرا على
كيان صاحبه .
اقتربت من النافدة بخطوات طفيفة كأنها خائفة من أن تقسو على الأرض ، ممسكة بطرف فستانها
الأبيض القصير .
رفعت رأسها تطل من النافدة للخارج بابتسامة
واسعة ، متخيلة نفسها بين تلك الطيور ، و نسيم
الهواء العابر ، يقبل خدودها الحمراء وكذا شعرها
الأحمر يتراقص مع نسمات الرياح ، بشرتها بيضاء ، و فمها صغير على شكل قلب حاجبيها رقيقة ، ك أميرة هاربة من أحد القصص الخيالية .

سرعان مامحيت إبتسامتها حين تذكرت الواقع ،
أنزلت نضراتها بحزن ترى المكان ، كان في غاية
الروعة قصر كبير ، مع مجموعة من الحراس في كل
مكان و مجموعة من المساحات الخضراء مع العديد
من الزهور مختلفة الألوان أعطت منضرا زكيا يفتح
النفس ، بعض الآثار مزينة باللون الذهبي مبرهنتا
على ثراء من يسكن بهذا المكان
عبست و لمعت عينيها بشدة حين أخترقت رائحة
قوية جيوب أنفها ، و تسمرت في مكانها حين
سمعت خطوات قوية تقترب نحوها ببطء ، كعقارب
الساعة .
أحست بيد أحاطت بطنها و دقن خشن فوق كتفها و على خدها ، أحاطت بها رائحته وادخلها داخل أسوار سجنه مجددا تكلم بهدوء كعادته ونبرته التي
تستفزها :" اميرتي استيقظت "
عبست أكثر وعيونها بدأت تلمع بشدة ، حاولت تحرير
نفسها من قبضته لكن دون جدوى ، إستسلمت في
الأخير مكتفية بالصمت فقط .
أدارها نحوه بقوة يوجه عابس وقال بنبرة غاضبة :
"حين أحدثك عليك بالإجابة "
رفعت نضراتها نحوه بصمت ، تأملت وجهه بهدوء
نفس الوجه الذي أسرها اليوم الأول ، رجل شهم لو
رأيته أول مرة تتمنى أن يكون زوجك ، ملامحه عربية
بامتياز ، بلحية خفيفة تزين دقنه المنحوث ، دو
حاجبين سوداء كثيفة ، وعيون مشفرة تأخد لون
العسل لو إنعكس الضوء فيها ، شعره الأسود
الكثيف مصفف للوراء زاده رونق رجولي ، طويل
القامة يمتلك جسد ممتلئ رياضي ، ويرتدي كعادته ملابس رسمية .
على عكسها هي التي تمتلك جسد ضئيل ، لكنه
أنثوي بامتياز ، و كذا قصيرة القامة أمامه .
أماءت برأسها إجابة على كلامه ،امسك كفها و توجه بها للخارج ، تبعته وعيونها تتأمل ضهره الضخم
بعيون تلمع ك الضحية ، تلوم نفسها على اليوم
الذي أسرت به وقررت المشي وراءه دون تفكير .
مع كل خطوة تخطوها سرب من الذكريات يهاجمها ، أول لقاء جمعهم ، اول إبتسامة من طرفها ، اول
كلمة قالها لها وهي إبتسمت له كالبلهاء ، اول
إحساس بالدفئ ، اول لمسة و همسة ...
" تقف بلباس عملي و تحمل بعض الملفات في يدها ، تتجول بين المكاتب و تأخد الملحضات من زملائها
في العمل ، سمعت صوت سيدة وراءها مما جعلها
تومئ برضى و تسرع في عملها :" اسرعي يا جناة
المدير على وشك القدوم " .
همست بصوت يكاذ يسمع : حاضر .
اخدت آخر ملف وهمت بالإسراع متجاوزة الغرف ونضرها مصوب نحو الأوراق ، هذا اول يوم عمل لها في
هذه الشركة وتريد أن تبلي حسنا دون أخطاء ، لم
تفطن بنفسها حتى إستضمت بجسد ضخم و سقطت أرضا متألمة ، حاولت الامساك بالأوراق لكن دون
جدوى ، فقد تبعترو في الأرض .
سمعت بعض الشوشرات و رفعت نضراتها نحو
الجسد الواقف بثبات أمامها ، سرعان ما أزاحت ناضرها و حاولت الوقوف باستقامة فالموقف محرج إلى
حد تمنت لو إنشقت الأرض وبلعتها ، و صبغ وجهها
بالحمرة من شدة خجلها ، لمحت الكف الممدود نحوها ، ترددت لثواني لكن حين سمعت داك الصوت
الهامس ، تلبكت أطرافها ومافطنت بنفسها حتى طبقت كلامه بدون إعتراض :" أمسكي " .
نبرته كانت عميقة إلى حد كبير مع بحة طفيفة زينت صوته ، رفعة نضراتها بفضول تريد إكتشاف من
صاحب هدا الصوت ، سرعان ما ندمت على هدا القرار ، فرغم أن وجهه كان متصلبا لا يحمل أي مشاعر البثة ، إلا أنه أسرها و أدخلها داخل دوامة غريبة عنها ،
دوامة الاعجاب .
فطنت بنفسها و همست بكلمات الشكر ، بدأت
بجمع الأوراق المثناترة على الأرض بسرعة متناسية
نضرات الجميع بل تحس فقط بنضراته المصوبة
ناحيتها ، كأنه هو الوحيد الموجود بالمكان ، هو
وهي فقط .
أحست بيد أمسكت بها ، بقوة أزاحت نضراتها
بستغراب فإدا بها نفس السيدة التي حدتتها سابقا ، وقد كانت متوترة إلى حد كبير ، نضرت إليها الأخيرة
بعتاب و قالت بسرعة و بإحترام شديد : " آسفة سيدي الرئيس على هذا الخطأ ، إنها موضفة جديدة و .. "
إستوقف حديثها قبل أن تكمل بإشارة من يده فقط و قال باختصار شديد و همس : دعيها تأتي لمكتبي
وهم في طريقه و بجانبه موضفان ، أما جناة فضلت
متسمرة في مكانها بخوف حين علمت أنه صاحب
الشركة ، وكيف لا تخاف وصمعته منتشرة ، وقد زرعو فيها الرعب منه قبل ما تقابله حتى ، عبست لحضها
السيئ و هي تستمع لعتاب السيدة التي هي نفسها مديرة العلاقات العامة و المسؤولة عنها بالشركة .
أمسكت بتلك الأوراق و دهبت وراء السيدة ، إلى
مكتب الرئيس.
بعد فترة وقفت أمام باب خشبي كبير مختلف الطراز عن باقي أبواب الشركة ، دخلت سكرتيرته الخاصة
لتعلمه بوجودهما و خرجت بعد أن أدن لهما
بالدخول ، وقفت لفترة مترددة ماإن تذخل اولا ، زفرت
بعمق وتقدمت وراء السيدة ضامة تلك المستندات
بين يديها ، و نضراتها لم تجرؤ على تصويبها نحوه أو إكتشاف مايجري .
سمعت فقط كلامه الموجه نحو المسؤولة عنها :"
يمكنك الخروج " .
إكتفت بمراقبتها تخرج وتغلق الباب نحوها ، نضراته كانت تصاحبها مند أن وضعت رجلها داخل المكتب ، كان يراقب تحركاتها بصمت وكأنه يدرس تفاصيلها ، يديها الناعمة المرتبة والتي في كل مرة تسحب بها شعرها الأحمر اللامع وراء أدنها ، و اليد الأخرى التي
تمسك بالملفات بها بقوة ، يراقب أدق تفاصيلها و
يقرأها ككتاب مفتوح .
تكلم أخيرا بهدوء بنبرته المميزة تلك :" ستضلين
واقفة " .
إقتربت بارتباك وجلست أمام المكتب وضعت أمامه
الملفات و همست : آسفة على ما فعلته سابقا .
همهم بصمت ، فهو مشغول بمراقبتها ليس له
الوقت في أن يجيب ، أخد الملفات جانبا و أراح ضهره على الكرسي .
أحست بالصمت الذي خيم على المكان واخيرا رفعت ناضرها نحوه ، نضراته تلك كانت حكاية أخرى ، أما
الطريقة التي يجلس بها كيف يفرد دراعيه الكبيرة
على الكرسي ، وتفاحة آدم التي تتحرك من وقت لآخر ، تفاصيله فيها شيء مميز لم تعهده من قبل .
كان الصمت فقط المهيمن على المكتب ، ونضراتهم تلك متشابكة ، فعلى ما يبدو الاعجاب متبادل بين
الطرفين أو من يعلم هذا مايسمى بالحب من النضرة الأولى !!! "
استفاقت من ذكرياتها على يده التي وضعها على
خصرها نضرت له مطولا ، تسأل نفسها هل هذه هي
الحياة التي تمنت أن تعيشها معه ؟ أهذا مايؤول إليه حبهما الذي كانت تضنه ثمينا وهدية من رب
العالمين ليعوضها على كل سنوات حياتها الضائعة؟ تمنت أن تجد فيه عائلتها و الحنان الذي لطالما
إفتقدته ، تمنت أن تتلقى الحب و و الدفئ ، فهي لم
تطلب الكثير صحيح ....
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي