الأرض الأبدية

تمارة دلة`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-10-22ضع على الرف
  • 51.8K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

إهداء إلى الوافدين.

ساطعة كأنها القمر، ثائرة كأنها بركان، هادئة كأنها السماء، نادرة مثل اسمها.

نادرة،

كعادتها تتأخر حنان في النهوض ولا يوقظها سوى مقولة هيا يا حنان لقد تأخرنا.

نهضت حنان مسرعة لتغسل وجها وترتدي ملابسها، فأمامنا ساعة أو أكثر لنصل إلى الجامعة، مع أنها تبعد عننا مسافة عشر دقائق لكن زحمة المواصلات في بلادي تجعل الوقت أطول.

ونحن أمام موقف الباص تقدم أحمد وهمس لنا، لم تستطيعا الركوب إلى الأن مع أنني تأخرت وتوقعت ألا أجدكما أم أنكما تنتظراني؟

نادرة التزمت الصمت، أما حنان ردت بأعلى صوتها ومن تكون أنت لننتظرك؟
مجادلة أحمد وحنان كل يوم تبدأ منذ الصباح الباكر لكنها لا تنتهي.

تقدم الباص مسرعا ليسارع أحمد ويركب في داخله، وقد حجز مقعدان من أجلنا أنا وحنان، تارك الناس ورائه تنعته بأقبح الصفات.

كانت نظرات أحمد لي توحي بالكثير من الإهتمام لكنني دائما ما كنت اتجاهلها، فقدت شغفي في الحياة عندما رأيت أبي  ملقى أمامي جثة هامدة لا أعرف ماذا حصل له؟!

استيقظنا على صراخ أمي وهي تنادي أبو قاسم أرجوك انهض مازال الوقت مبكرا لتتركنا.

لكنه رفض هذه المرة إلا أن يتركننا، يترك ورائه أمي وأنا وأختي حنان وأخي قاسم الذي لم يتجاوز عمره السبع سنوات، فقد عانى لأكثر من مرة من جلطات دماغية لكن هذه المرة كانت الأخيرة.

قصتهما بدأت عندما كانت أمي تعمل معلمة في المدرسة الإبتدائية التي أمامنا، وأبي أيضا تعرفا على بعضهما وقد أحبها كثيرا، لم أسمع خلافهما مرة واحده على مر الخمسة وعشرين عام الذي قضياه سويا.

كان شريط ذكرياتي معه يمر أمامي، منذ بداية دخولي إلى المدرسة وهو ممسك بيدي ويهمس لي بحب من الأميرة التي ستنير المدرسة اليوم؟

إلى هديتي عندما نجحت في الثالث الثانوي، كان يبكي بفرحه ويقول ستكون ابنتي أجمل محامية في الكون.

نزلنا من الباص، تقدمت حنان مسرعة أمامي لتدخل من باب الجامعة فهي تأخرت عن محاضرتها عشر دقائق، أما أنا كان أمامي ساعة أو أكثر لتبدأ محاضرتي.

بحثت بنظري عن أحمد لكني لم أجده، تنفست  الصعداء سأجلس لوحدي اليوم، بينما وصلت إلى المقعد الذي أجلس عليه دائما، وجدته قد أحضر كوبين من القهوة ودلف إلى جوري وبدأ يتحدث.

_أمامنا ساعة لتبدأ المحاضرة هل أطلب منك طلب؟
_ تفضل
_ هناك مسائل قانونية لم أستطيع فهمها؛ لأنني تغيبت عن المحاضرة الإسبوع الماضي؛ بسبب موعد غسل الكلى لأمي أتمنى أن تشرحيها لي.

كان أحمد يعلم أنني لن أرفض، فأنا دائما أساعد الجميع فكيف لا أساعده وهو جاري وعلى معرفة به منذ الطفولة.
فتح أحمد دفتره لأجده قد رسم حرف( N  )بأجمل طريقة تجاهلت الصفحة الأولى كأني لم أرى شيء، لأبدأ بالشرح هو مبتسم.

أحمد،

كانت حنطية البشرة، بفتحة عيون واسعة زادت جمال عينيها الخضر جمال، أنفها صغير جدا لدرجة تظنه غير موجود للوهلة الأولى، أما فمها فقد كان مكتنز بشفاه ممتلئة، كانت تجذب كل من يشاهدها.

ومما يميزها أيضا قوامها الممشوق وطولها المتوسط، تظنها قطعة من لوحة فنية جميلة هادئة بشكل ملفت.

كانت تشرح وتشرح، سألتني في النهاية عما إذا كنت فهمت، تبسمت وقلت فهمت كل شيء وتحدثت مع نفسي"من يرى عينيك ويسمع صوتك يسحر بهما فكيف له أن يفهم."

بادرت نادرة بسؤالي هل ما زالت الخالة أم احمد متعبة؟ إلى متى ستظل تغسل الكلى؟

_إلى أن يأذن الله لها بالشفاء أو نجد متبرع.

رن هاتف نادرة لترد

_كيف حالك ابنة عمي؟ كيف حال صحتك؟  وكيف هي مرت عمي وحنان وقاسم؟
_الحمد لله كلنا بخير، كيف حالك أنت وكيف هم أولادك؟
_الحمد لله كنت قد اتصلت بك لأسالك عن حسناء أختي، فهي لا ترد على اتصالاتي منذ يومين عساها بخير.

_منذ يومين لا ترد! سأحاول الاتصال بها وإن لم تجب سأذهب إليها في طريق عودتي لا تقلقي.
_شكرا لك سأنتظر منك خبرا مع السلامة.

أغلقت نادرة المكالمة وقد شعرت بخطر من ملامح وجهها الصفراء، لتحاول الاتصال بحسناء لكنها لم تجبها وكررت الاتصال مرارا وتكرارا لكن دون جدوى.

نادرة،

شعرت أن قلبي انتفض من مكانه، كانت حسناء ابنة عمي الأقرب لي كنا بنفس العمر، لكن أنا أكملت تعليمي وها أنا في السنة الثالثة وأما حسناء فقد تزوجت بعد أن أنهت الثالث الثانوي، وأصبح لديها طفلان توأم (ورد، دعاء ) يشبهان القمر.

التفت إلى أحمد ثم أخبرته أنني سأذهب لمنزل حسناء ابنة عمي، طلبت منه أن يهتم بحنان ويعيدها معه إلى المنزل، انطلقت مسرعة ولم استجيب لنداء أحمد المتكرر.

طرقت الباب كثيرا لكن دون جدوى، لم أسمع سوى صوت الطفلان ورد ودعاء القادم من الداخل وهم يبكيان.

خشيت أن  مكروه قد حصل لحسناء، فهي من النوع الحنون جدا ومن المستحيل أن تترك أطفالها يبكون دون ردت فعل منها.

ناديت بأعلى صوت حسناء حسناء هذه أنا نادرة أرجوك افتحي الباب، لأعود وأطرق وأكرر حسناء حسناء، صوت بكاء الأطفال يرتفع ويرتفع.

توفقت فجأة لأقرر الذهاب وإحضار المساعدة، عندما تحرك مقود الباب لتخرج منه حسناء، وقد كانت عينيها ككتلة من اللهب من أثر البكاء، لتقول فقدته إلى الأبد يا نادرة وترتمي بين يدي مغمى عليها.

حنان،

أنهيت محاضراتي كاملة تفاجئت أنا نادرة لم تنتظرني مثل كل يوم، ماهي إلا دقائق حتى جاء أحمد وقال لي " سأرافقك اليوم إلى البيت بدل من نادرة فقد ذهبت لزيادة ابنة عمك حسناء. "

تقدم أحمد بينما تبعته بخطوات متباعدة، لا يعجبني تطفل أحمد فهو متابع لتفاصيل حياتنا كثيرا، بينما الأمر مختلف بالنسبة لنادرة فهي ترى فيه الأخ والسند بحكم أن أخي قاسم صغير، لكنني أشك أن أحمد يبادلها نفس النظرات.

اكتفيت بالصمت إلى حين وصولنا للبيت، طرق أحمد الباب ليبادل والدتي التحية، كان أحمد ووالدته من الأشخاص المحببين لأمي في الحي.

لم تترك سؤال يخطر في بالها لم تسأله عنه، صحة والدته؟ حال دراسته؟ كيف يمضي أيامه مع أخيه مرهف؟ طلب منها أن تزور أمه ستفرح بزيارتها كثيرا فهي متعبة في الأيام الأخيرة كثيرا.

ذهب أحمد وما أن اختفى عن نظرنا، حتى سألتني أمي عن نادرة، فأجبت بدوري أنها ذهبت لزيارة حسناء كما قال لي أحمد.

دخلت إلى غرفتي بدلت ملابسي ثم توجهت إلى المطبخ لأرى ماذا طهت أمي للغداء؟ سرعان ما اخترقت أنفي أكثر رائحة أحبها، إنها الرز والبازلاء طعامي المفضل وخاصة إن كان من صنع أمي مع السلطة بجانبها.

قلت لعلنا اليوم سنتغدى وحدنا ياأمي نادرة قد تأخرت، تناولت طعام الغداء على عجل متزرعة بأن لدي الكثير من الدرسة، ثم دلفت إلى غرفتي لأتناول الكتاب الذي كنت أود أن اقرأه والذي  رشحته لي نادرة، (فاتتني صلاة للمؤلف إسلام جمال) ظنن منها بقراءته سألتزم بصلاتي وأتعلق بحبها كما تحب هي صلاتها.

كنا قد تربينا على نفس اليدين لكن لكل منا وجهته الخاصة فهي ترتدي الحجاب وأنا لا، وهي تلتزم بصلاتها على وقتها وأنا لا أتوجه إلى القبلة إلا في المشي، كانت دائما ما تحاول إصلاحي بشتى الطرق، تعلم أخي قاسم الصلاة وتدعي لي بالهدايه هي وأمي.

فتحت الكتاب وبدأت بالقراءة " لماذا يحافظ البعض على الصلاة، بينما يتركها الكثيرون " تعرف على
 أسرار هؤلاء اللذين قلما فاتتهم صلاة، توفقت للحظة بينما قرأت الجملة الأولى في بداية الكتاب، كان سؤال مهم وجدته يمثلني كثيرا.

 نادرة،

تناولت حسناء من يدي وضعت رأسها برفق ودخلت لأحضر الماء والمعقم، وما زال صراخ ورد ودعاء يخترق أذناي.
أحضرت المعقم سريعا وقد ساعدني معرفتي الجيدة لبيتها، وبدأت بوضع منه على أنف حسناء لعلها تستيقظ وما أن نزعت القطن، حتى رأيتها تحرك رأسها يمين ويسار.

_قولي لي أنه كابوس يا نادرة، قولي لي أن صهيب سيحضر بعد قليل ولن يصيبه مكروه.
_أرجوك أخبريني ماذا حصل؟ ماذا به صهيب؟ وأين هو؟

ما إن بادرتها بالأسئلة حتى عادت للبكاء مجددا وأخذت تتحدث من بين شهقاتها.

حسناء،

لقد أعتقل وأجهشت في البكاء أكثر، ثم قالت كنا في طريق عودتنا من لبنان بعد زيارتي لأهلي وأهله، عندما خرج العسكري إلى الباص ليطلب الهويات وليعود بعد عشرة دقائق لينادي باسم صهيب الخليل.

توجهت معه إلى الحاجز لم أرغب في ذهابه لوحده، قالوا هو مجرد سؤال وجواب، عندها ارتفع صوت بكاء دعاء وورد، كأنهما يعلمان على الرغم من عدم فهمهما عن ماذا نتحدث.

بكيت كثيرا، نزلت لأقبل قدم الظابط ليتركه، أخبرته أن لا أحد لنا هنا وهو سندنا الوحيد لكن دون جدوى، وهاهو اليوم الثالث ولم يظهر أو حتى يرد على اتصالاتي.

نادرة،

نظرت لها مطولا كل كلمات اللغة العربية لم تسعفني، لم أعرف كيف أقدم لها الدعم وأنا وهي نعلم أنه من يدخل إلى هناك من الصعب خروجه بل من المستحيل.

 لم أجد ما أفعله لها، قلت أمسكي بيدي وأخذتها إلى الحمام قلت لها هي توضئي، ولنصلي وندعوا الله له بأن يخرج سالم معافى وفي أسرع وقت.

حاولت أن اصطحبها إلى بيتنا فلا يوجد لها أحد، فجميع أهلها خارج البلد، حتى أهل صهيب متفرقون بعدد من الدول، لكنها رفضت وبشدة كانت على أمل أن يطرق صهيب الباب في أية لحظة.

ذكرتها بإنه في الأوقات الصعبة لن ينفعنا سوى قربنا من الله، فوحده القادر أن يغير أقدارنا بالدعاء والابتهال.

تركتها على أمل أن أعود إليها في يوم الغد، انطلقت إلى بيتنا وقد كان قريب من بيتها بعده بشارعين، لكن دموعي رفضت إلا أن تنهمر بغزارة.

تذكرت مواقف عديدة لصهيب، وهو معنا في يوم عزاء والدي فقد وقف كثيرا إلى جانبنا.

هو يسعف أمي مرات عديدة إلى المستشفى بعد أصابتها بانهيار عصبي إثر فقدنا لوالدي، عندما نكون في أزمة  الكهرباء أو الماء أو أي شيء أخر يكون صهيب أول شخص نتصل به.

همست وهناك خوف بداخلي اللهم إجعله من السالمين ورده إلى أهله سريعا.

أحمد،

كنت على عجلة من أمري فقد تأخرت عن موعد حنان ونادرة في الصباح، لا أود أن ابدأ يومي دون رؤية وجهها، أثارت انتباهي عندما تحدثت مع ابنة عمها على الهاتف لم أرها على هذا الحال منذ زمن بعيد، منذ فقدت أباها.

كانت الفتاة المدللة عنده، لا أبالغ إذا قلت أنني والحي كله نعلم مقدار حب أبو القاسم لابنته نادرة،
فقط كانت حديث الجميع عندما كان والدها يحاورها بكل تفاصيل حياته حتى قبل أن تبلغ السبع سنوات.

كانت على قدر من الحكمة والصبر والتفهم لأي شخص يشاهدها، تحتوي الجميع وتلاطفهم وجميع سكان الحي يحبونها، لم أسمع أنها وجهت كلمة غير لائقة لأحدهم،  لست الوحيد الذي يتوق الارتباط بها بل هي حلم كل الشبان.

لكنني كنت على قدر من الحظ عندما دخلت نفس فرعها الجامعي، فقد علمت من أبي ياسر صديق أبي القاسم والدها أن نادرة ستلتحق بكلية الحقوق، عندها قررت أن أدخل نفس فرعها مع أنني بعيد كل البعد عن محبة مهنة المحامي.

لكن بعد أن رأيت نادرة في نفس تخصصي أحببت الجامعة وأحببت الفرع، حتى أنني أحبها كل يوم أكثر من اليوم الذي قبله، عساها تعرف حبي لها من نظرات عيوني الفاضحة كما يعرف كل أصدقائنا، فلمعة العين عند رؤيه من نحب هي الأبجدية التي لا تنطقها الشفاه.

لكنني لم أتجرأ إلى الأن للبوح لها؛ لوضع والدتي الصحي وأخي مرهف المراهق أثقلا كاهلي بالهموم ولم يتركا لي الفرصة لأعترف لها بحبي.

كنت اليوم قد أنهيت كتابة مذكراتي، وهممت بأغلاق الدفتر حين دخل مرهف من الباب زفرت بحنق.

_هل أنت أخي حقا؟ ألا تعرف أن تلقي التحية عندما تدخل، كأنك لا تدخل إلى بيتك يا أخي إذا كنت لا تريد التحدث معي، فيكفي أن تلقي التحية على أمي وتطمئن عليها، منذ يومين لم نراك أين كنت يا مرهف؟

_وهل علي أن أجيب عن كل تساؤلاتك تلك؟ أنت تعرف أنني لم أعد إلى البيت بسببك دائما ما تقول أدرس أدرس، حتى عندما تراني أجلس على التلفاز في الساعة التي تأتي بها الكهرباء تطلب مني أن أدرس، لقد كرهت الدراسة من شدة إلحاحك.

_أنت تعرف يا أخي أن هذا لمصلحتك، فليس لنا سوى الدراسة لنخرج مما نحن فيه، أنت على قدر كبير من الذكاء، ليتك فقط تبتعد عن هؤلاء الأصدقاء السيئين وتلتفت لرعاية أمي معي، أثقل عاتقي العمل والدرسة والذهاب إلى المستشفى كل يومين، أود أن أشعر أن لدى أمي السند في حال حصل لي أمر.
_هل تسكت؟ أو أخرج مجدد وهذه المرة لن أعود أبدا.
_هداك الله يا ولدي، أتركه يا أحمد لا تزعج نفسك، لا تهدي من أحببت الله يهدي من يشاء.

تركنا مرهف ليدخل إلى المطبخ ويتناول الطعام، لقد عجزت عن هدايته إلى الطريق الصواب، أود في مثل هذه اللحظات أن يكون والدي فوق رأسه ليقوم سلوكه بدل مني وأكون أنا له الصديق والأخ.

فمرهف بذرته خيرة لكنه لا يستغلها لصالحه، تنهدت على مضدد هداك الله يا أخي وأنار طريقك إليه.

وفي اليوم الثاني كنت انتظر قدوم نادرة على أحر من الجمر، فقد أعلنت الجامعة عن رحلة إلى الغابة ووجدتها الفرصة السانحة لأعترف لنادرة بحبي، وأطلب منها أن نرتبط بخطبة إلى ما بعد التخرج.

لكن على غير عادتها تأخرت أو لعلها اليوم لا تأتي! تذكرت مكالمتها الهاتفية في الأمس مع ابنة عمها، قلقت فقد يكون مكروه حصل لا سمح الله.

نادرة،

استيقظت وقد استحكم الصداع رأسي لعلي لم أنم جيدا ليلة الأمس، فقد شغل تفكيري حسناء وصهيب ترى لماذا اعتقل صهيب؟

الجميع يعلم أنه لم يقترف أي ذنب فهو بعيد كل البعد عن التنظيمات والمشاكل، حتى أنه لم يرد الانفصال عن وظيفته في وزارة التربية، على الرغم من كل العواقب التي أمامه.

لم يرغب في السفر خارج البلاد مع أن جميع أخوته وأخواته وأهل حسناء في الخارج، ولكن مقولته دائما تتردد في ذهني إلى الأن، من لم يجد الخبز في بلاده لن يجده في الخارج.

_أسعد الله صباحك يا ابنتي.
_وصباح الخير يا أمي، من المؤكد أن رائحة القهوة هي من أيقظتك فقد ورثت حب القهوة منك.
_وكيف لا أحبها وهي من تحي الذكريات في رأسي؟!

_وهل لي أن أعرف ماهي هذه الذكريات يا أمي؟

_القهوة وفيروز ورائحة الشتاء، كلها أشياء تذكرني بوالدكم كان شاعري هادئ وودود، يحب القهوة ويقول لي أنك امرأة بنكهة القهوة.

_رحمه الله يا أمي وأسكنه فسيح جناته، أمي أريد أن أطلب منكم أمر لنشرب القهوة ونتوجه جميعا إلى بيت حسناء، وليتك تحاولين إقناعها أن تترك رسالة لصهيب وتأتي لتقيم عندنا ريثما يصلنا خبر منه.
_أرى أنها فكرة رائعة وأتمنى أن تقبل حسناء فنحن أهلها وليس لها سوانا.

توجهنا إلى منزل حسناء، وما أن فتحت لنا الباب حتى عادت للبكاء مرت أخرى ورمت نفسها في أحضان أمي لتقول لها "أنك تذكريني برائحة أمي ."

دلفنا إلى الداخل لأرى حالة البيت الكارثية، كانت الفوضى في شتى الأرجاء الحليب مسكوب على الأرض، ألعاب الأطفال في كل مكان.
حسناء مازالت جالسة على الأريكة مكانها منذ البارحة، يبدو لي أنها فقدت رغبتها في كل شيء حتى بالنظر إلى أطفالها، ولم يعرف النوم إلى عينيها سبيل.

توجهت بعيني إلى حنان التي بدورها فهمت مقصدي.

كان قاسم جالس مع ورد ودعاء يلاعبهما، بينما بدأنا أنا وحنان بترتيب المنزل وبتحضير وجبة الإفطار،  قلت لحنان لو بقيت حسناء على حالها ذاك ستفقد عقلها، لذلك لن أخرج اليوم إلا وهي معي أو أنني سأجلس معها إلى حين عودة صهيب.

تناولنا الطعام على مضض فقد كانت حسناء  تتناول الطعام وتبكي، لم تنشف دموعها منذ دخل صهيب إلى السجن.

بدلنا ملابس الصغار ورد ودعاء، وأحضرت لهم ملابس إضافية، وتقدمت لأخبر حسناء أننا لن نتحرك حتى تذهب معنا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي