حتى الأول من ديسمبر

زينة`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-11-15ضع على الرف
  • 11K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول فراشة زرقاء

منذ طفولتي كنتُ اتساءل..لماذا يعتقد البشر أن رجال الشرطة يستحقون هذا المنصب؟ كيف يثقون للغاية في أشخاص غريبين بالكامل لحمايتهم من القتل؟

وأليس لجميع البشر جانب آثم؟ لكن مع مرور الوقت والتقدم في العمر أدركت أن الجانب الآثم لنا كـبشر هو ما يمكنه أن ينقذنا احيانًا..

كانت أليكسا مجرد مراهقة عادية واقعة في حب ذلك الشاب المشهور والسيء في مدرستها، ومن حسن حظها أنه وقع في حبها أيضًا.

وأعتاد كلاهما الذهاب لحديقة المدرسة في الأعياد حيث لا يراهم أحد لِيشعلوا الشموع معًا ويطلقون الأمنيات ويتبادلون الهدايا.

كانت تلك هي السنة الأخيرة من المدرسة الثانوية وكانت تلك هدية الكريسماس الذي قدمها بوب لِأليكسا..خاتم من الذهب وقال لها:
-اليوم هو من الذهب، حين أتزوجكِ سأحضر واحدًا من الألماس!

كانت عائلة أليكسا تحب بوب، وكان الحال كذلك أيضًا مع عائلة بوب، كان هذا هو حب المراهقة البريء.

كانت أيامهم بأكملها سعيدة، كانا يتسابقان بالدراجات في شوارع مدينتهم القديمة والصغيرة أو يذهبان للسينما لمشاهدة فيلمٍ مخيفٍ معًا، أو يدخلان لآلة التصوير لإلتقاط صور محرجة ووضعها بِكتاب ذكرياتهما.

كانوا يلتقطون فيديوهات لبعضهم في مواقف محرجة ومضحكة وغبية، حين كان كل شيء مثالي.

قد كانوا مراهقين وصغار بالسن، لا يعلمون ما ينتظرهم أو كيف تسير الحياة في الواقع، لكن بالرغم من هذا كانت أليكسا متأكدة أن ما بينهم ليس هشًا وصادق بالكامل.

كانت ليلة ديسمبر الأولى، الجميع يتحدث ومتحمس مع دخول الشهر الأخير بالسنة وإقتراب أجازتهم وحفلة رأس السنة وتساقط الثلج ساعد على تزايد سعادتهم، لكن چانيت كانت الوحيدة التي لم تشاركهم تلك السعادة؛ والدها مختفي ولا يجيب على هاتفه.

كانت جانيت تستعد للخروج لذا أخذت تبحث عن أي صديقٍ لها في المركز لتأخذ مظلته لأنها أعتادت دومًا أن تنسى مظلتها وأول شخص عثرت عليه كان هيونوو.

ذلك الشاب الكوري زميلها الجديد الذي تقألم سريعًا معهم وأضاف السعادة للمركز وقد كان أصغرهم سنًا لذا التنمر عليه كان جزءًا من المتعة وبالطبع لن ننسى كونه صديق طفولتها.

لم تحتج چانيت لأذنه قبل أن تستل المظلة من حقيبته حينها أمسك بمعصمها وقال:
-سأذهب بعد قليل، أنا بحاجة لها!

ربتت على رأسه:
-سأعود قبل "بعد قليل"
ثم تركته وذهبت.

في طريقها خارج مركز الشرطة قابلت أليكسا ومن مظهرها تمكنت چانيت من معرفة أنها ليست بِخير لذا أمسكت بِيدها لتتوقف أليكسا وتنظر لها في تساءل حينها تحدثت چانيت:
-هل أنتِ بخير؟

كانت چانيت مدركة تمامًا أن أليكسا مدمنة، وأن وجودها في المركز خطير والجميع يتحدث عنها.

لكن بوجود بوب زوجها الذي يحتل منصبًا كبيرًا في المركز سمح لأليكسا بالقيام بكل ما ترغب به في المركز كما تشاء وبقدر ما تحب، وبالرغم من هذا لم تُبدي أليكسا أية سعادة لهذا.

لم تجُب أليكسا بل كانت شاردة لذا تأكدت چانيت أن أليكسا شربت الكثير لذا اتصلت بِـتوم ليأتي ويعتني بِأليكسا ومن ثم ذهبت هي للخارج بحثًا عن والدها الذي لم يعود للآن.

كانت تتواصل چانيت مع مركز الشرطة، حيث أرسلوا لها الموقع الذي توجه له والدها بعد تلقيه بلاغًا، كانت تقود السيارة في عجلة من أمرها وبالرغم من هذا تحدثت الفتاة عبر اللاسلكي من المركز لها:
-لا داعي للذهاب، لقد أرسلنا فريقًا إلى الموقع بالفعل منذ مدة، أنا واثقة أنه بِخير!

-أجل، أنا أيضًا واثقة، لكني قد أنهيت عملي لليوم، سأصطحبه فحسب

-حظًا موفقًا إذًا، ولكن ماذا عن أليكسا؟ تلك الفتاة تبدو في حالة فوضى
صمتت الفتاة قليلاً ثم قالت:
-أعذريني لدقيقة

مرت عدة دقائق قبل أن يتحدث أحدهم عبر اللاسلكي:
-خبر عاجل للجميع! لقد تم العثور على جثة الشرطي ريكارد على مقربة من البحر في الموقع التالي *** برجاء إرسال سيارات شرطة وفريق دعم!

تجمدت دماء چانيت، ريكارد هو والدها! شعرت وكأن قلبها توقف لدقيقة كاملة وحين بدأت تفقد قواها أوقفت السيارة بالجانب وأخذت تحدق في الفضاء وانفصلت عن الواقع في محاولة لإستيعاب ما حدث للتو.

في مسرح الجريمة كانت الشرائط الصفراء تحيط بِـجثة الشرطي ريكارد، الصحفيون يلتقطون الصور، يطلبون المعلومات من رجال الشرطة، سيارات الإسعاف والشرطة تغطي المكان.

الجميع على حافة، البعض يتخذ مكانًا بعيدًا لذرف الدموع، البعض فقط تمالك دموعه والبعض الآخر حاول إبعاد الصحفيين كي لا يخربوا مسرح الجريمة.

كان الشرطي بوب زوج أليكسا في صدمة من أمره، يغطي فمه بِيده ويعقد حاجباه بينما يحدق في تفاصيل تلك الجريمة البشعة والشنيعة، هذا ما لم يتوقعه أحد من مجرد بلاغٍ بسيط.

وقف توم قربه وربت على كتفه قائلاً:
-هكذا هي حياة رجال الشرطة، قصيرة!

لم يجيبه بوب وبالرغم من ذلك أكمل توم حديثه:
-لقد طلبت سيارة أجرة لأليكسا، فلتعُد أتت للمنزل، سأعتني أنا بِهذا

اومأ بوب نفيًا:
-اذهب أنت وأعتني بِـهيونوو، هو منهار ويبكي في أحد الزوايا

-هيونوو؟ هل هو مقرب للشرطي ريكارد؟ لم يمر الكثير على قدومه للمركز وبالرغم من ذلك أحب الشرطي ريكارد مثلنا جميعًا!

نظر بوب نحو توم وقال:
-هذا لأن الشرطي ريكارد هو من قدم له تلك الوظيفة أيها الأحمق!

-أحقًا؟
نظر توم بعيناه بحثًا عن هيونوو حتى عثر عليه ليتجه نحوه هادفًا مواساته، لكن كلما أقترب كلما رأى كم كان هيونوو منهارًا وحزينًا.

نظر الجميع نحو تلك الفتاة التي إقتحمت مسرح الجريمة، كانت تلك چانيت التي تسير في تعرج، حينها ابتعد الجميع عن الصحفيين وسحبوها بعيدًا.

لكنها كانت تقاوم وفجأة أجهشت في البكاء، كانت تبكي في هستيرية، لم تعد تقدر على المقاومة، لم تعد ترى شيئًا حين غطت الدموع أعينها، كل شيء ضبابي أمامها وبداخلها.

يدها ترتجف، بل جسدها بأكمله يرتجف وهذا ما جعل التماسك بالنسبة للآخرين صعبًا، بعضهم لم يعد يقدر على المقاومة وبدأت دموعه تتساقط ليجففها سريعًا والبعض الآخر مثل بوب فقط أبعد نظره، كان هذا صعبًا أيضًا للمشاهدة.

جثت چانيت على ركبتيها وحين لاحظ الجميع فتور قواها تركها ليستكمل ما يقوم به من عمل، بدأ المطر يهطل، إمتزج المطر مع دموع چانيت، إمتزج المطر مع حزنها، وباتت هي تنهار مع المطر.

كان هذا هو اليوم الأخير في حياتها أيضًا، هي تعرف الآن أن الحياة لا معنى لها، هي تتذكر كل ذكرياتها مع والدها لتتزايد دموعها، هي تنهار وتغرق تحت تلك القطرات، كانت جثة والدها في الشارع قرب السور الذي يطل على البحر مباشرةً، كان المطر والبحر والليل يجعلان من الهواء قارص البرودة، كان الهواء أيضًا يؤذيها، كل شيء كان مؤذي.

مع مرور الوقت، لاحظت أن أحدهم يقف على مقربة منها ويضع بِمظلته فوقها، لم تعد چانيت قادرة
على البكاء لذا توقفت وشردت فقط في جثة والدها بينما شفتاها متفرقة وترتجف وأعينها حمراء ومنتفخة والجميع يحدق بها مع قلبٍ محطم.

شعرت چانيت أنها تائهة ووحيدة، وحيدة بشدّة، لكن هذا المجهول قربها، حركت رأسها بقدر ما تمكّنت وقدرت على رؤية معصمه فقط الذي كان به شريط أسود مع رسمة لفراشة زرقاء صغيرة عليه، لم تتمكن من تحريك رأسها أكثر لترى وجهه لذا استسلمت.

كان هذا هو اليوم الذي بدأ به قصة المثالية وما نراها في رجال الشرطة، كان هذا هو اليوم الذي انقلبت به موازين العدالة، كان هذا هو يوم چانيت الأخير.

إنه بداية ربيع السنة التالية بعد مقتل الشرطي ريكارد، الكثير من الأشياء تغيرت في هذا الوقت، لكن أليكسا وبوب لازالا كما هما.

كان هذا يوم أجازة عادي، في صباح باكر وهاديء حيث جلست أليكسا في طاولة في منتصف غرفة المعيشة تشتم رماد المخدّرات وتتنهد مع رجفة.

استيقظ بوب الذي خرج من غرفته وتوجه مباشرةً ليخرج كوب لكن مهما بحث لم يجد كوبًا نظيفًا لذا تنهد في نفاذ صبر ونظر نحو زوجته التي تحدق في المخدرات خاصتها وقال:
-بدلاً من أن تكوني ممتنة، أنتِ تتركين المنزل في تلك الفوضى؟ ليس هذا فحسب، بل أنتِ تشربين في الصباح الباكر! ما خطبكِ بجدية؟!

أطلقت أليكسا قهقة ساخرة:
-وهل تأبه؟

-أجيبي على سؤالي، أليكسا!

رفعت عيناها نحوه وحدقت به لعدة ثوانٍ في صمت:
-بوب عزيزي، لماذا تتجار مع تجار المخدرات كـشرطي؟

-بحق الإله، أليكسا! هل يمكنني فقط شرب قهوة في الصباح في سلام؟

اومأت هي نفيًا ومن ثم بدأت تبكي:
-أنا مدمنة بسببك! أنت جعلتني تلك الفتاة التي تكرهها

ضحك هو ساخرًا:
-أليكسا، أنا سأخرج، سأعود للمنزل لاحقًا مع طارد أرواح، لأنكِ أصبحتِ ملعونة وقحة!

توقفت هي عن البكاء وحدقت في الفراغ وبمجرد أن بدأ بوب يسير بعيدًا حتى قالت:
-انا حبلى!

تصنم بوب مكانه واستدار لها في بطء:
-تعرفين ماذا سنفعل، أليس كذلك؟ كما أعتدنا أن نفعل

هزت أليكسا رأسها نفيًا بينما تتساقط دموعها ليقول هو فورًا في غضب:
-بحق الرب! لن نحصل على هذا الطفل! أجهضيه، أليكسا! هذا الأفضل لكِ، أنتِ تعرفين كم يمكنني إيذائكِ!!

-ليس تلك المرة، ليس تلك المرة
إهتز صوتها.

سار بوب سريعًا نحوها وضرب بكلتا يداه على الطاولة لتجفل أليكسا وترتجف خوفًا حينها صرخ بوب في غضب:
-إما أن تقتليه، أو أقتلكِ أنا بطفلكِ هذا!

-أيها الوغد الوقح! طفلي؟ أليس هذا طفلك أيضًا؟ ماذا؟ أنا لا أمتلك الشجاعة للحديث معك، أنا مضطرة للإتجاه للمخدرات لأحصل على الشجاعة لمواجهتك! وتعلم ماذا؟ اقتلني إن تمكنت أيها الوغد!

شد بوب شعرها في عنف وضغط على أسنانه بينما أنفاسه تتسارع:
لا تتصرفي بوقاحة! أنتِ من تبكي في النهاية!

أخرجت أليكسا سكينًا من جيبها وجرحت معصمه ليبعد يده عن شعرها ويحدق في الدماء تتدفق منها في فزع وصدمة قائلاً:
-اللعنة!! أقسم أني سأقتلكِ!!

ركضت أليكسا نحو غرفتها ومن ثمّ أغلقت الباب بالمفتاح ليسرع بوب خلفها ويبدأ في ضرب الباب في عنفٍ شديد، كان الباب يهتز، المنزل بأكمله يهتز وهو يصرخ ويلعن بصوتٍ عالٍ:
-أقسم أني سأقتلكِ اليوم!! سأقتلكِ، أليكسا! لم أعد أتحمل! أيتها اللعينة!!

شعرت أليكسا بخوفٍ شديد وجلست أرضًا وعانقت ساقيها ودفنت وجهها بينهم وأخذت تبكي في صمت بينما تربت على نفسها لعلها تهدأ، لكن سرعان ما بات الضرب على الباب أشد عنفًا وبدأ الباب ينكسر، كان بوب قد أحضر كرسيًا وبدأ يحطم الباب بهِ.

لم تجد أليكسا مخرجًا سوى النافذة، لذا جلست على النافذة وحدقت على الأرضية التي تبعد عنها بطابقين تحتها ومن ثم أمسكت بِبطنها.

إن قفزت ستخسر طفلها، وإن لم تقفز ستخسر طفلها وحياتها، لطالما ضربها بوب لكنه لم يقل يومًا أنه سيقتلها، هو جدي للغاية الآن..

أخذت أليكسا نفسًا عميقًا لكنها لم تتجرأ على القفز أيضًا، هي لا ترغب في إيذاء هذا الطفل بالرغم من كونها خائفة بشدّة.

لكن الباب كان قد تحطم تمامًا وفُتِح في تلك اللحظة قفزت دون أن تستوعب هذا حتّى ومن ثم لم تعد قادرة على رؤية أي شيء وعانقها الظلام.

في مكان ووقت آخر قررت چانيت أن تتجه للخارج في يوم عطلتها بدلاً من البقاء في المنزل، كانت متحمسة أيضًا بسبب قدوم موسم الربيع وكيف ستغطي الزهور الشوارع وتلونها بِشكلٍ أنيق.

استقلت چانيت عربة لمترو الأنفاق حيث كان هنالك فتاة صغيرة ذات شعر أسود قصير وملابس سوداء بالكامل خلفها.

وقفت تلك الفتاة لدقيقة حتى تأكدت أن لا أحدًا يراها ومن ثم أدخلت يدها في حقيبة چانيت وسحبت المحفظة الخاصة بِها وبمجرد أن توقفت العربة في أول محطة حتى دلفت الفتاة للخارج بِمحفظة چانيت.

توجهت تلك الفتاة لأول مطعم صادفته في طريقها ومن ثم اشترت لنفسها وجبة وفتحت باب المطعم لتخرج منه حينها سمعت صوتًا لفتاة تقول:
-تلك نقود كثيرة للغاية لشراء وجبة واحدة!

استدارت الفتاة في فزع نحو هذا الصوت لتقابل چانيت الذي قدمت بيدها نحو الفتاة وقالت في جدية:
-لا أمانع السرقة لشراء الطعام، لكن هل ستشتري الطعام بِكل تلك النقود؟ ياله من تبذير!

تحركت الفتاة لتركض لكن چانيت توجهت سريعًا وضربت ساق الفتاة بساقها من الخلف للأمام وسحبت كتفها للخلف لتسقط الفتاة أرضًا.

دنت چانيت لمستواها وسحبت محفظتها وتأكدت أن هويتها موجودة ثم نظرت للفتاة وقالت:
-من الوقاحة أن تذهبي بينما شخصٌ أكبر منكِ يتحدث لكِ!

تأففت الفتاة في غضب:
-ماذا تريدين؟

أخرجت چانيت هويتها وعرضتها على الفتاة:
-أنا شرطية، وأنتِ رهن الأعتقال!

اتسعت أعين الفتاة وقالت في سرعة:
-انتظري! لقد قلتِ أنه لا بأس من السرقة لشراء الطعام! لكني حقًا احتجت تلك النقود! والدتي مريضة ولا أملك وظيفة ولم أستكمل تعليمي حتّى! أرجوكِ أنا جدية بالكامل!

ابتسمت چانيت ابتسامة جانبية:
-أمزح معكِ، أنتِ تفترقين لحس الفكاهة!

استقامت چانيت ومدت بيدها لتلك الفتاة لتساعدها على الوقوف قائلة:
-أدعى جانيت

أمسكت الفتاة بيدها واستقامت ثم قالت:
-أنا سام

أخرجت چانيت نقودًا من محفظتها وقدمتها لسام:
-هذا لعلاج والدتكِ

أخذتهم سام وقالت:
-شكرًا جزيلاً، أيمكنني الذهاب الآن؟

اومأت چانيت نفيًا:
-تعالي معي لقسم الشرطة، أملك شيئًا قد يساعدكِ

لم تكُن سام تثق في چانيت تمامًا، لكنها لا تملك خيارًا، الهرب سيعرضها لمساءل قانونية كبيرة وانتهى بها المطاف في قسم الشرطة مع چانيت بالفعل.

اصطحبتها چانيت نحو غرفة الملفات حيث هيونوو وعرفتهما ببعض ثم قالت لسام:
-ستبدأين العمل هنا من اليوم! هيونوو سيعلمكِ كل شيء، تلك ليست وظيفة تتطلب شهادة أو أي شيء، أنتِ فقط ترتبين الملفات على حسب الترتيب الأبجدي والتاريخ، سأخبر الرئيس بوب عنكِ لاحقًا

نظر هيونوو نحو چانيت وقام بعلامة قلب بيده في حماس وحرك شفتاه قائلاً:
-إنها جميلة للغاية، شكرًا لكِ!

ربتت چانيت على كتف سام وقالت:
-هيونوو قد يكون مزعجًا قليلاً، لكِ الحق في صفعه!

تبخرت ابتسامة هيونوو وراقب چانيت تبتعد في خيبة أمل حينها استدارت سام له رافعة يدها:
-ابتعد من أمامي!

ابتعد هيونوو في سرعة وخوف:
-چانيت تمزح! هل تكرهيني بالفعل؟!

-أجل




فتحت أليكسا أعينها وأول ما رأته كانت چانيت الممسكة بِيدها وتحدق بها في رفقٍ وتعاطفٍ كبير، وبدأت الذكريات تضرب رأس أليكسا في تلك اللّحظة.

شعرت لثوانٍ بخوفٍ من عودة بوب لقتلها لكن حقيقة أن چانيت هنا طمأنتها تمامًا، قد تكون چانيت ذو منصب ليس بكبير مثل بوب في القسم، لكن شخصيتها المخيفة تجعل الجميع يلتزم بحدوده.

نظرت أليكسا حولها لتجد بوب وتوم وهيون وو والجميع كان قلق عليها بصدق عدا بوب الذي كان بالطبع يتظاهر بهذا.

نظرت أليكسا نحو چانيت وقالت في وهن:
-هل الطفل بِخير؟

تجنبت چانيت الاجابة ونظرت نحو بوب ليجيب هو لكنه اومأ نفيًا:
-لقد مات

عاودت چانيت النظر نحو أليكسا ليبتسم بوب ابتسامة نصر لها حينها بدأت الدموع تتساقط من أعينها حينها تحدث هيون وو في رفق:
-لا بأس، المهم أنكِ بخير!

اومأت أليكسا نفيًا:
-أنا لستُ بخير! لا أرغب في أن أكون وحيدة مجددًا!

ضغطت أليكسا بِقوة على يد چانيت حينها شعرت چانيت أن خطبًا ما يحدث، وحيدة؟ لكن بوب معها! إلا إن كانت تعني أنها لا ترغب في البقاء معه بمفردها.

شعرت چانيت بريبة شديدة بسبب هذا الموقف الذي لا تفسير له، كيف سقطت أليكسا من النافذة؟ ولماذا حدث هذا بعد أن عرفت مباشرةً بكونها حامل؟

استدارت چانيت نحو بوب برأسها ليقع نظرها على الشاش الذي في يده تحديدًا حول معصمه ومليء بالدم، هو مجروح في يوم أجازته..شيئًا ما بالتأكيد قد حدث.

تحدث بوب:
-شكرًا لقدومكم يا رفاق، فلتعودوا لمنازلكم الآن، لقد تأخر الوقت!

استقامت چانيت لكن أليكسا لم تترك يدها بل أمسكت بها بقوةٍ أكبر ورمقتها في خوفٍ شديد حينها فكرت چانيت لثوانٍ ثم قالت:
-في الواقع..سأبقى مع أليكسا اليوم

أردف بوب:
-تملكين عملاً غدًا، يجب أن تذهبي لمنزلكِ لتغيري ثيابك وتتناولي الطعا-

-لا بأس، سأبقى هنا!
قاطعته چانيت في إصرار حينها رمقها في صمت لدقيقة ثم نظر لهيون وو وتوم:
-شكرًا لزيارتكم

ربت توم على كتف هيون وو وقال:
-هذا واجبنا

لوح هيون وو في حزن لأليكسا:
-أتمنى أن تتعافي سريعًا، سنشتاق لكِ، وسنبقى على انتظار!

ابتسمت له أليكسا واومأت في صمت حينها غادر توم وهيون وو ليتبقى كلا من چانيت وأليكسا وبوب حينها قال بوب:
-هل ترغبن في قهوة أو طعام؟

اومأ كلاهما نفيًا ليذهب بوب لإحضار قهوة لنفسه حينها استغلت چانيت الفرصة وسألت مباشرةً:
-هل يعاملكِ بوب جيدًا؟

فكرت أليكسا قليلاً قبل أن تجيب، ما هو الجواب الصحيح لهذا السؤال؟ بالطبع الكذب، أليس كذلك؟

اومأت أليكسا:
-لا داعي للقلق، كل شيء على مايرام طالما أنتِ هنا، أنتِ الوحيدة التي تتفهم شعوري

كانت چانيت متأكدة تمامًا أن أليكسا تكذب لكنها لم تصر على معرفة الحقيقة، هنالك سبب بالتأكيد يدفع أليكسا للكذب وهي ستحترم هذا حتى الوقت التي تكون أليكسا مستعدة لقول الحقيقة.

ظلت چانيت قرب أليكسا على ذات السرير طوال الليل بينما اختار بوب أن ينام على الأريكة، وبالرغم من ذلك لم تتمكن چانيت من النوم، كان الفجر يقترب والنعاس لا يطرق بابها لذا توجهت نحو النافذة وحدقت للخارج لتصلها رسالة.

فتحت چانيت الرسالة التي كانت من صديقها ويليام الذي قال لها:
-هل ستأتي المسرحية القادمة؟

كان ويليام صديق طفولة چانيت وهيون وو وفي منتصف الثلاثينيات من عمره، لكنه كان يبدو صغيرًا وشابًا، وكان شعره يبلغ كتفيه ويملك لحية خافتة وجذابة.

كان ممثل مسرحي، الأكثر شهرة في المدينة والذي طلب معروفًا من چانيت لكن چانيت كانت قد أخبرته أنه قد يكون من الصعب عليها القيام به لكنها الآن فقط أرسلت له:
-حسنًا، كما اتفقنا إذًا

-شكرًا لكِ، أيتها البطلة الخارقة!

قهقهت چانيت على رسالته.

كان صباح اليوم التالي مثيرًا وصاخبًا، كانت خطوات چانيت تضرب الأرضية، تحديدًا أرضية ممر القسم بينما هيون وو يتتبعها:
-چانيت، هل يمكنكِ الاستماع لي؟!

-سأرى الملف أولاً!

-هذا غير ممكن!

فتحت چانيت باب غرفة الملفات، حيث القضايا التي تم إغلاقها أو تم الإنتهاء من التحقيق بها، كانت قضية مقتل الشرطي ريكارد والدها قد تم إغلاقها بسبب قلة الأدلة، واليوم..الملف قد إختفى!

تحدثت سام:
-لقد بحثت مجددًا، لا وجود له

-ماذا يحدث؟
كان هذا هو صوت بوب.

استدارت چانيت نحو بوب وشرحت له ما حدث وهي بالكاد تتمالك أعصابها، لكنه أجابها:
-لقد تم إغلاق القضية، حتى إن سُرق فهذا لن يغير من شيء!

شعر هيون وو بخيبة أمل:
-سيدي

أردفت چانيت في هدوء:
أرغب في رؤية كاميرات المُراقبة

-هل أنهيتِ العمل على قضيتكِ الحالية حتى؟ چانيت انا متفهم موقفكِ، لكننا رجال شرطة، لا يمكن لمشاعرنا أن تتحكم بنا لهذا الحد، لم يكن يتوجب علي أن أضع فتاة في منصب كهذا!

-سأنهي تلك القضية قريبًا، دعني فقط أستعد-

-سأعيد الملف بنفسي، لكن لماذا تحتاجينه؟ لقد أغلقنا القضية، هل كنتِ تحققين بها في الخفاء؟!

-ماذا؟

-كما سمعتِ! أنتِ مدركة تمامًا عواقب أفعالك، لذا تحكمي بنفسكِ!
كاد يذهب لكنه توقف لقول شيء أخير:
-واليوم، عودي لمنزلكِ بعد إنتهاء العمل مباشرةً!

هل يأمرها بعدم زيارة أليكسا؟ هل يظن أنه يملك الحق في رمي الأوامر لها خارج نطاق العمل؟ هل أخفى الملف متعمدًا بسبب مكوثها مع أليكسا البارحة؟

تحدثت سام:
-ياله من وغد كبير، سأفعل أي شيء لأصفعه!

نظرت سام نحو هيون وو الذي أبعد نظره عنها وسار بعيدًا بخطوات سريعة في خوف، حينها ابتسمت سام في رضا.

وكانت چانيت هُناك، في بحر أفكارها من جديد.

بعد إنتهاء العمل لليوم استقلت چانيت سيارة توم وتوجه كلاهما نحو المستشفى لزيارة أليكسا مجددًا، تمكن توم من ملاحظة شرودها بسهولة وسألها عن السبب حينها قالت له:
-أحدهم يحاول التستر على قاتل والدي

-أحدهم؟ من بيننا؟ لماذا قد يفعل أحدهم هذا؟

-كانت التقارير التي أرسلت في الملف ناقصة، حين ذهبت للطبيب الشرعي أخبرني أن الملف لم يحتوي على كل ما قاله، لقد وضعوا أدلة ناقصة عمدًا، ورفضوا مني تولي القضية ومن ثم اختفى الملف اليوم، ربما ذلك الملف كان يحتوي على شيء قيّم لم ألاحظه..

-أنتِ تبالغين في التفكير، وأيضًا هل تثقين بي لتلك الدرجة؟ قد أكون أن من سرقت الملف والآن أنتِ تخبريني بأنكِ مدركة بوجود جاسوس!

-لا أثق بأحد، لكني لا أخاف أي شخص، أنت من يجب أن تخاف إن كنتَ جاسوسًا

نظرت له في نهاية حديثها، كان توم شاب أشقر مع لحية خافتة وشعر قصير وكان يملك ندبة كبيرة في وجهه من رأسه مرورًا بعينه حتى خده الأيمن، وكان يملك بعض الوشوم، لن يصدق أحد يومًا أنه شرطي، هو يبدو كـرجل عصابات فحسب.

لكنه كان شرطي جيد للغاية، هو الأمهر في مطاردة والقبض على المجرمين وأحيانًا يستعملوه لتخويف المجرمين، كانت چانيت تكرهه حين تعرفت عليه في البداية، لأنهم تعرفوا بطريقة ليست جيدة.

كان توم قد شك في كونها تتستر على قاتل، لقد كانت تلك قصة طويلة ومملة للغاية وتسبب الصداع بالتأكيد لذا لن أرويها، لكن حين أثبت أن إتهام توم خاطئ أعتذر منها واشترى لها هدية ومن ثم باتت علاقتهم جيدة للغاية، خاصةً بعد مقتل والد چانيت بات توم يعتني بها كثيرًا.

حين وصل كلاهما لغرفة أليكسا كان بوب هناك بالفعل وأخبرهم بإختصار عن حالة أليكسا:
-ستقوم بعملية لإجهاض الجنين بمجرد أن تتحسن حالتها، ومن ثم أخبروا هيون وو أنها أخيرًا ستعود للعمل!
سخر من هيون وو في نهاية حديثه لكن چانيت وتوم لم يجدا هذا مضحكًا.

زم بوب شفتيه حين لاحظ مزاجهم السيء وكان يعرف السبب بالفعل، بسبب سيطرة مشاعر چانيت عليها وملازمة توم لجانبها دومًا بسبب شعوره بالذنب.

سألت چانيت أليكسا:
-هل تشعرين بِتحسن؟ هل يجب علي البقاء هنا اليوم أيضًا؟ هل تشعرين بالوحدة؟

اومأت أليكسا:
-أنا بخير، يمكنكِ العودة لمنزلكِ!

كان صوت أليكسا يرتجف قليلاً بينما تتحدث، هي تكذب، هي خائفة، أدركت چانيت هذا بسهولة وقررت أن تبقى معها اليوم أيضًا:
-لا بأس، سأبقى أيضًا

نقلت أليكسا أعينها لبوب وكأنها تحاول رؤية ردة فعله لكنه كان يحدجها في حدة قبل أن تستدير چانيت نحوه وتقول له:
-يمكنك أنت العودة لمنزلك

-منزلي هنا، بالقرب من أليكسا عزيزتي


يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي