سانريزا

Rebel`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-12-08ضع على الرف
  • 15.6K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

انطفاء

ركل نائل رجل الطاولة في غضب قائلا "أنتم مجموعة من الحمقى هذا كل ما في الأمر، ولو أني في مكان آخر لكنت شخصا أكثر نجاحا الآن! أنتم فقط عائق في حياتي"

ليخرج بعدها كالبرق من المنزل متجهًا الى حيث تحمله قدماه وهو في ثورة غضبه هذه.

كانت مشاعره متضاربة بين الغضب والحزن، كان يريد أن يضرب أي شيء أمامه أو أن يصرخ بقوة أو أن يبكي بحرقة. فقط مشاعر متضاربة...

كان يشعر أنه يخسر حياته بسبب اختلافات عميقة الجذور بينه وبين أهله، وهم مخطئون بالطبع!

وصلت به أرجله الى حديقة عامة كانت تقع في منتصف المدينة، بها تماثيل لحكام البلاد والكثير من المسلات التي تحكي تاريخا مر عليهم، كان يحب هذا المكان كثيرا فهو يشعره ببعض من الاستقرار. جلس الى ظهر تمثاله المفضل، تمثال القائد رسيم، قائد البلاد العسكري وأحد أذكى الرجال على هذا الكوكب.

كان رسيم مثل نائل الأعلى، وكان يتمنى أن يقابله يوما ويتحدث معه، كان يريد أن يصبح مثله في يوم من الأيام لكن الأحلام فقط للمنام، اليس كذلك؟

زفر بقوة وهو يغلق عينيه في ضيق، أليست هذه الحياة نكتة؟
ما نريده لا يريدنا وما لا نريد يتمسك بنا بقوة كأن بينه وبيننا ميثاق دم أو وعود منسية لا يمكن الإخلاف بها!
حياة مليئة بأناس مهما أحببناهم فهم على بعد سنين ضوئية منا وآخرون كرهناهم وهم كالغراء ملتصقون بنا.

أحلام بنيناها وسعينا لها ولم تأخذ هي نحونا خطوة فاستحال تحقيقها وأخرى هي ليست لنا وجدناها بقربنا وكلي يقين أنها هاربة من آخرين يرجونها، فأليست هذه الحياة نكتة حقا؟

كانت الحديقة شديدة الزرقة مليئة بالنباتات الجميلة ذات اللون الأزرق الخلاب والتي كانت تبعث على الراحة في نفس نائل، وكانت تتوسط شمسهم الجميلة ذلك المنظر فتشعره أنه مازال على قيد الحياة وأن في هذا الكوكب ما هو يدعو للتأمل من جماله.

لكن رغم كل ذلك كان مازال غاضبا مما يحدث في حياته، أو أنه غاضب من نفسه بالأخص فلم يكن بيده حيلة لتغيير واقعه مهما كرهه وأراد الابتعاد عنه.

أغمض عينيه مجددا وراح يتخيل حياة أخرى بعيدة عن هنا مع أناس يحبهم ويحبونه، وأحلام يريدها فتتحقق ونجاحات وبطولات فقط تكون في أحلام اليقظة هذه.

فماذا باليد غير الحلم؟ هذا جل ما نملكه في لحظات الضعف، ومن لا يحلم لا يصل وأصل كل نجاح حلم ولو كان حلم يقظة في منتصف الظهيرة. كانت هذه قناعة نائل الراسخة.

قطع صوت أفكاره المتتابعة قائلا "دائما ما أجدك هنا في نفس ذات المكان"

ابتسم نائل مجيبا "تعلم كم أحب القائد رسيم"

مد لؤي يده ليساعد نائل على الوقوف "أنا والشباب ذاهبون في مغامرة صغيرة أتريد المجيء؟"

ليمسك نائل يده قائلا "لا شيء آخر يشغلني حاليا"

لؤي "سندخل الغابة للاستكشاف قليلا"

نائل "حكايات جد ليث مجددا؟"

لؤي "هذه هي، ذلك العجوز الخرف حقا، لكننا نستمتع بوقتنا ونحن نستكشف ذلك المكان"

كانا قد بدآ التوجه نحو المكان الذي يجتمع فيه رفقتهم، والذي كان في الجانب الآخر من الحديقة العامة.

خبت نسمة هواء باردة تطاير لها شعر نائل الذي كان يصل لكتفيه، ليقول لؤي باسمًا "دائما ما تترك شعرك هكذا عندما لا تكون بخير"

نائل "أنا بخير حال، فقط أردت التفكير بحرية"

أقطب لؤي حاجبية في تعجب "وهل شعرك يحجب حرية تفكيرك؟"

نائل ضاحكا "عندما أربطه كأني ربطت على عقلي"

كانا قد وصلا الى حيث أصدقائهم، ليسلم الجميع على بعضهم البعض ويقرروا التوجه نحو الغابة التي كانت تبعد نصف ساعة مشيا على الأقدام باتجاه الغرب.

كانت مجموعتهم الصغيرة مكونة من نائل والذي كان يعتبره الجميع قائدهم، ومن لؤي وليث وممدوح وكنعان.

قال ليث وهو ينظر لخريطة في يده "لقد استكشفنا جزءا لا بأس به من المكان الذي يشير اليه جدي كل مرة"

لؤي بسخط "ولم نجد شيئا حتى الآن يا ليث"

ليث "أنا متأكد أننا سنجده يا لؤي فجدي لا يهذي"

كنعان "كم عمره يا ليث؟"

ليث "همم..هو... كبير في العمر نسبيا؟"

لؤي "هذا هو! لا يمكننا الوثوق بذاكرة رجل خرف"

صمت لحظة قبل أن يكمل قائلا "لكنني لا أنكر أنني أستمتع بهذه الرحلات"

تنهد نائل بضيق ليسأله لؤي مستفسرا "هل أنت بخير يا نائل؟"

ابتسم نائل ابتسامة مصطنعة قائلا "ليس حقا، هل تمانعون ان تحركنا بحرية أكثر؟"

نظروا جميعا لبعضهم البعض وأظهروا عدم اعتراضهم ليخرج نائل بعدها من محفظة يرتديها حول خصره أجهزة تشبه الساعات صغيرة زرقاء اللون ويعطي كل واحد منهم واحدة.

ارتدى كل واحد منهم خاصته حول معصمه ثم نظروا للسماء وما هي الا لحظات حتى تحولت الجلود الى ريش مختلف الوانه وتحولت ملامح الوجه الى أخرى أصغر بعيون أكثر حدة ومناقير صغيرة منها الحاد ومنها اللطيف.

فرد كل منهم جناحيه وارتفعوا كسِرب غريب من الطيور المختلفة، فهذا هدهد وذاك أبا قردان وتلك بومة وهذا نسر وذاك في المقدمة غراب.

سمع صوت كأنه ضحكة لكنها من طائر غريب الأطوار ذا صوت رفيع "كم أحب التحليق في هذه السماء، كلما كنا أقرب للشمس كلما شعرت بروحي ترد لي"

كان هذا الهدهد.

رد عليه النسر قائلا "والأدهى أنه يمكننا فعل ذلك سويا"

ضحك الهدهد مجددا قائلا "يقال على أشكالها الطيور تقع"

كانوا معتادين على تشكيل محدد في الطيران فيتقدمهم النسى وفي المنتصف يطير الهدهد وأبو قردان والبومة وفي الذيل يكون الغراب، فهو الحامي والمخبر وصاحب الهمة والحكيم وفي النهاية القائد.

قال النسر مجيبا على كلام الهدهد "بل نحن أصدقاء من قبل أن نعرف حيواناتنا الروحية"

كان الغراب يضرب الهواء بقوة بجناحيه، مرتفعا عن مجموعته ثم عائدا اليهم كأنه يخرج غضبه بدوامات الهواء الصغيرة تلك. التحليق في الهواء حقا شعور محرر كما قال لؤي حالا، وحتى غضبه ذاك ما كان ليستطيع الوقوف أمام شعور الحرية، والتي كانت حرية مزيفة فالقيود ما كانت تزال على الأرض تنتظر هبوطه مجددا.

وصل سربنا الصغير الى حدود الغابة فاضطروا للهبوط ورجع كل منهم الى هيأته الأصلية.

مدد لؤي ذراعيه قائلا "فلنفعل هذا أكثر"

قال ليث وهو يحدق في الأشجار الزرقاء الممتدة على مرمى البصر " رفاق، ونحن في السماء رأيت ما يشبه أشعة انطلقت من مكان ما لكن سرعان ما اختفت"

نظر لؤي بابتسامة ساخرة للجميع ثم قال "كنز جدك يا ليث؟ أم لأنك تمتلك عيون نسر تحاول أن تقنعنا كم أنت رائع؟"

ليث "أنا رائع دون الحاجة لاثبات ذلك لؤي، لكني حقا رأيت شيئا"

قال ممدوح لأول مرة منذ خروجهم "فلنتحرك اذا الى ذاك المكان يا ليث، وقوفنا هنا بلا جدوى"

غمز لؤي لممدوح قائلا "أمرك يا أبا قردان"

أدار ممدوح عينيه ثم ليتحركوا جميعا الى داخل الغابة يتقدمهم ليث الى حيث ظن أنه رأى ضوءا يلمع.

بعد قرابة الساعة، توقف الأصدقاء أمام صرح عظيم كان مختفيا بين الأشجار، أزرق اللون مثلهم فلا يمكن رؤيته الا لمن يدقق النظر. كان الجميع مذهولين، فالعجيب أنهم استكشفوا هذه البقعة من قبل ولم يروا هذا الشيء أبدا!

تحرك نائل كاسرًا صفهم ليقف بجانب ليث في المقدمة، هل حقا بعد كل هذه الشهور من البحث وجدوا ما كانوا يبحثون عنه أخيرا؟

ليث وهو مازال يحدق بالصرح "لم يكن جدي خرفا.."

لحظات مرت عليهم في صمت، لم يكن أحد آخر قادرا على النطق بكلمة حتى قطع كنعان الصمت قائلا "لا يمكن أن يكون هذا مصدر السحر في كوكبنا، هنا مخفيا في هذه الغابة الصغيرة"

ليث "لكننا نقف أمامه كما ترى.."

كنعان "ولا حراسة على شيء مقدس كهذا؟"

فجأة توهج الصرح بلونه الأزرق بشدة ثم هدأ التوهج مجددا، كأنه ينبض ليمد الكوكب بالطاقة.

كان منظرا مهيبا لم يكن المرء ليراه في حياته الا ان كان شديد الحظ، قلب كوكبهم...

قال نائل وهو يمرر أصابعه خلال شعره "لابد أننا من الأكثر حظا لنصل لهذا المكان"

كنعان "أو الأكثر شؤما.."

ابتسم لؤي "قال البومة"

نظر له كنعان نظرة ثاقبة "صعب عليك التفكير فيما سيحدث يا لؤي، ولا ألومك حقا"

نائل "رفاق لا داعي للجدال، هل سندخل؟"

ليث "بالطبع سندخل! كان جدي يقول أنه من يدخل هذا المكان لا يمكن أن يخرج منه كما دخله من هول ما سيشعر به"

كنعان "ألم يقل جدك أيضا أنه لا يجد هذا المكان الا من أراده المكان أن يجده؟ من رأيي أن نعود أدراجنا لا داعي لمخاطرة كهذه"

قال ممدوح وقد كانت عينه قد مسحت المبنى بأكمله "لا وجود لبوابات أصلا"

لؤي "ربما المكان ليس للدخول؟"

ليث "أو أن الدخول ليس للجميع..."

كنعان "مازلت أظن أن هذه فكرة في غاية الغباء"

توهج المكان مجددا ثم عاد وهيجه لينطفئ، لقد كان كالقلب فعلا في ضخه للدماء.

قال نائل وقد استثير فضوله "الا تظنون انه سيكون من الرائع أن نعلم كيف تصل الطاقة الى الكوكب برمته؟"

أدار لؤي عينه قائلا بسخرية "من الشمس يا نائل"

ليرد نائل ومازالت عينه تلمع بالفضول "نحن نتعذى على أشعتها يا لؤي وربما هذا الصرح يتغذى على أشعتها أيضا لكن كيف يوزع تلك الطاقة؟ وينظم طاقاتنا نحن؟"

كنعان "انه سحر شديد التعقيد..."

فجأة دوى صوت في الأرجاء واهتزت الأرض بشدة حتى أن لا أحد استطاع أن يظل واقفا على قدميه فتحولوا جميعا الى طيور، اشتد اهتزاز الأرض ليروا الصرح فجأة يضيء بلون أصفر ثم يعتم تماما وتعتم معه الأجواء...

نظر الجميع لبيعضهم في ذعر، ماذا يحدث؟

انطلق ليث محلقا لأعلى بسرعة ولحقه الجميع حتى اذا خرجوا عن ارتفاع الأشجار رأوا ما لم يكن أحد ليتخيله أبدا في حياته، رأوا شمسهم ومصدر كل شيء في حياتهم معتمة سوداء، والظلام قد حل على كل ما هو في مرأى بصرهم كان فقط الشيء الوحيد الذي يلمع الأساور على معصم كل منهم.

علا الذعر في قلوبهم فلم تغب الشمس أبدا عن كوكبهم ولم يحدث شيء مقارب لهذا من قبل. نظروا أسفلهم ليروا الصرح وهو معتم تنطلق من منتصفه أشعة صفراء باهتة.

كنعان "هذا لا يوحي بالخير أبدا..."
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي