بحرية

مرت ليلة أخرى على أبطال قصتنا في تلك الجزيرة و لكن هذه الليلة بالفعل كانت هادئة حتى أصوات عواء الحيوانات لم تهمهم فكل منهما في أفكاره، سيلا غارقة في أفكارها و هو أيضا غارق في أفكاره، كان يظن ان هذه الفتاة مثل جميع الفتياة التي ولدن و في ثغرهن ملاعق من ذهب لكن هذه الأخيرة تصدمه يوما بعد يوم و الآن عندما تكورت على نفسها و تركت نفسها بدون طعام فقط لأنها اشتاقت لإبنها و للعين زوجها. حاول هو تلطيف الجو بينهما و أخد لها الطعام لغرفتها و مع ذلك رفضت الاكل تماما.


ظرغام تنفس الصعداء عندما وجد ان و لا واحدة منهن ابنته سيلا الكاشف لذا عاد إلى الفندق لينام قليلا فهو لم ينم منذ اخبروه بإختفاء سيلا و حتى الآن لا يظن انه سينام بعمق لأنه لم يكن لايستطيع النوم و هو لا يعرف طريقا لإبنته سيلا، لا يعرف هل هي حية ام ذلك اللعين قتلها، لا يعرف هل هي سالمة و بصحة جيدة ام لا، لذلك سيظل يفكر في ابنته إلى أن يغلبه النعاس.



في صباح اليوم التالي جاء ضرغام اتصال من مركز الشرطة اعلموه فيه بإختفاء احد القوارب و ان صاحب القارب قام ب الابلاغ عن اختفاء قاربه لكنه الان اخبرهم ان هناك رجل و امرأة من ذهبا بالقارب و مواصفاتهما قريبة جدا من مواصفات سيلا و اوس.


ذهب ضرغام بسرعة إلى مخفر الشرطة و طلب ان يتكلم مع صاحب القارب، كان صاحب القارب يجلس أمامه بهدوء فقدم له ضرغام صور اوس و سيلا و تعرف عليهما و أكد ان هذان الاثنان من سرقا قاربه الصغير.

-و انت يا هذا ليس لديك ذرة احساس الارخبيل بأسرة يعلم حادثة اختفاء هذان الاثنين و انت بكل راحة تقول لي أن هذان من اخدا قاربك.



-انتم كلكم اعلنتم انها حادثة اختطاف او قتل لكن يا سيدي ان المنظر الذي رأيته لم يكن ابدا منظر واحد سيقتل الفتاة او يعتدي عليها بطريقة او بأخرى، هو نعم أمرها ان تصعد للقارب رغما عنها لكنها هي من صعدت و هو اخد حقيبتها الضخمة بهدوء و وضعها كذلك بهدوء في القارب اي أنهما لم يكون ليقتلها و هو يحمي حتى حقيبتها، انا عندما رأيتهما ضننتهما اثنان يحبان بعضهما او رجل و زوجته لكن ابدا لم اظن ان الفتاة مختطفة.


صمت ضرغام قليلا و أعاد ذاكرته إلى مدى معرفته بأوس ثائر، فهو رغم ما تكتبه عنه سيلا في مقالاتها و كل ذلك الا انه رجل جيد و رجل بمعنى الكلمة يعتمد عليه لا يظن انه سيختطف سيلا حتى أن قتلته، الان المشكلة هي انه لو حصل شيء لسيلا وجب ان نقول ان نفس الشيء حصل بأوس كذلك.



-لقد اخد الرجل القارب من دون أن اخبره ان القارب خال من الوقود تقريبا.



تهجم وجه ضرغام


-ماذا تقول، ماذا تقول و نحن نقول أين هما اكيد هما في عرض البحر الان اكيد، اعلمو البحرية ليبحثو عنهم الان.


تكلم احد رجال الشرطة

-لكن سيدي الليلة التي اختفى بها قاربه كانت ليلة عاصفة واحدة من اقوى و اعتى العواصف مرت تلك الليلة سفن كبيرة غرقت تلك الليلة فما بالك بقارب صغير.


امسك ضرغام الشرطي الذي تكلم من ياقة قميصه

-انت تقول لي أنهما غرقا او ماذا انت ماذا تخبرني يا هذا، من انت من انت اصلا.



ابعد رجال الشرطة بصعوبة ضرغام عن الشرطي فقد كان سيخنقه بالمعنى الحرفي، فضرغام رغم كونه في بداية الخمسينات الا انه لا زال محتفظ بشبابه و صلابته لذا كاد سيهشم للرجل رقبته.



استيقظت سيلا متأخرا فهي لم تنم جيدا الليلة المنصرمة ضلت تفكر في كل شيء قد فعلته، و افتعلته فكرت في ما مر عليها طوال حياتها و فكرت في ابنها الذي لم تجعل احد يعرف والده بعد، فكرت في والدها الذي تقبل فكرت انجاب ابنته لطفل لا يعرف اباه احد فكرت كيف كان يتحمل فترات اكتآبها و محاولات انتحارها و كيف كان يحتويها عندما تترك نفسها لنفسها التي تريد أن تقتلها.



هرعت سيلا لتوقظ اوس ليذهبو مع بعضهم البعض لكي يملؤو قوارير المياه و يجلبو الخضار والفواكه.


استيقظ اوس بالفعل و غسل وجهه ثم توجه معها إلى الشلالات ليملؤو قناتي المياه، كانت هي تحمل معها غسول الشعر و الجسم لأنها كانت تريد الاستحمام في الشلالات.


في طريقهم إلى الشلالات كانت سيلا تقطف الخظروات و الفواكه التي تريد خلال هذا اليومين بهدوء و تظع كل ما تريد في قفة كانت قد وجدتها في حقيبتها، كانت سيلا هادئة طوال الطريق على غير عادتها هي بالعادة تمسك اوس بالقصف حتى تطير جبهته تماما و الآن السيدة الصغيرة صامته و اوس يخشى ان صمتها هذا قد يكون هدوئا ما قبل العاصفة،اما سيلا فهي صامته لأنها استوعبت الان حجم المصيبة التي هي بها، هي الآن محبوسة في جزيرة نائية مع الرجل الذي اغتصبها منذ سبع سنوات و لن تخبر أحدا من هو لأنه كان ذو سلطة و ذو نفوذ و هو من كثر تبجحه حتى لم يقم بتهديدها بل أخبرها من هو و تركها في دوامتها، لم تستطع إلى الآن اخبار احد عن هوية مغتصبها حتى عندما تزوجت لم تخبر زوجها من فعل بها ذلك فزوجها كان صديقها المقرب منذ الطفولة لكن رغم ذلك لم تستطع اخباره لم تقدر كانت هناك غصة في قلبها تؤلمها قبل أن تفكر في نطق اسمه حتى.


في الليلة المنصرمة استحظرت كل ما حدث معها، لذلك هي اليوم و على غير عادتها خائفة، اجل خائفة من الرجل الوحيد الذي تخاف منه بل ترتعب منه و مع ذلك فعلت المستحيل للانتقام منه و بالفعل كانت في طريقها لفعل ذلك لكن قدرها الأسود جمعها معه في جزيرة لعينة مهجورة و الآن لا تعلم ماذا سيقول له عقله ان يفعل بها.


تأملها هو صامته بدون كلام و لا تعابير مستفزة فأردف


-ما بك سيلا، لماذا انت صامته منذ امس


لم تجبه و اكملت قطف المانجو و فاكهة التنين بل و اكملت طريقها فتركته واقفا لوحده كالنخلة تأملها هو تبتعد عنه متوجهه إلى الشلالات فجرى صوبها و امسك كتفاها بيديه، سيلا فور ان وضع اوس اصابعه على جسدها صفعتها ذكرياتها من جديد مما اجفلها فابتعدت عنه بعنف و عيناها تنزف دما.


لم تلبث سيلا حتى جرت من أمامه إلى الشلالات فلم تريده ان يراها ضعيفة هو عدوها اللدود لا تريده ان يلاحظ نقاط ضعفها و نقاط قوتها لأنه ببساطة سيستخدمها ضدها لو ليس هذا اليوم فيوم ما سيستخدم نقاط ضعفها ضدها، عندما وصلت للشلالات اختارت أعلى نقطة لتملئ منها قوارير المياه و بعد ذلك وضعت القناني في مكان واضح حتى يسهل على اوس ايجادهم ثم ذهبت إلى أعمق نقطة في الشلالات لتستحم بها و بذلك لن يظهر لأوس اي شيء من جسدها، أو على الأقل هذا ما تتمنى.


جاء اوس بعد سيلا و وجد القناني مملوئة و موضوعة بشكل منظم و علم وقتها ان سيلا قد تكون تحت الماء تستحم في هذا الوقت لأنه لمحها تحمل صابون الشعر و الجسد و ما إلى ذلك من منتجات الفتيات، قرر ان يجلس هناك على صخرة كبيرة إلى أن تنتهي فاتنته من الاستحمام و يرجو ان تكون قد هدأت فمن الواضح أن هرموناتها ليست مستقرة هذه الفتاة مزاجية تارة تضحك تارة تبكي و تارة غاضبة لا يعرف هو هل جميع الفتياة هكذا فبعمره لم يعاشر نساءا لمدة طويلة فهو لا يعرف عن معاشرة النساء سوي الليل و صباحا يذهب كل منهما إلى حال سبيله اما سيلا الان لا يعرف هل صواب ام لا كونه بات قريبا جدا منها بهذه السرعة و في يومين فقط بات يفهمها من دون كلام او على الاقل يعلم أن كانت سعيدة او حزينة من ملامح وجهها و قد يكون كل الناس يستطيعون معرفة هذا لأنه لم يسبق له ان دقق في ملامح أحدهم و عرف بماذا يشعر فمنذ الأزل لم تكن مشاعر احد مهمة بالنسبة له لكن لا يرف ما به لكن فعلا لا يحب هو أن يرى سيلا حزينة فملامح الحزن و البؤس لا تناسبها.


كان يصفر بصوته طوال مدة انتظاره لها بينما هي كانت ستفقد عقلها لا تعلم هل تحلم هل هو نسيج خيالها ام انه يصفر بتلك الطريقة حقا، معناها سيفعل لها شيء لا تعلم لما لكن هذه الصافرات و هذا الصوت يذكرها فقط بأسوء الايام، تحاول التركيز و الهرب من هذه الأفكار لكن هذه الصافرات تعلو و تعلو و تقترب ثم تختفي فتستمر، عقلها كاد يقف من هول الرعب و الأفكار الغاضبة الثائر التي تتخبط على عقلها مرارا و تكرارا، تلك الأفكار تهاجمها بشراسة،كل ما كان يقلقها ان يتهجم عليها الآن و هي في هذه الحالة جاهزة ليس عليه أن يمزق ملابس و ليس لديه ما يمنعه بل كل شيء سهل لذا و قبل أن تنهي استحمامها غسلت نفسها من الصابون بسرعة و ارتدت ملابسها بسرعة مفرطة حتى تجد ما تحتمي منه بأي شيء منه فهي جربت الأمر و لا تريد تكراره ابدا ابدااا ابداا و لو اظطرت ان تقتله لن يفعل بها شيء و لن تجعله يمسها حتى سيلا ذات الحادية و العشرين قتلها هو بيديه من معه في هذه الجزيرة هي سيلا الكاشف والدة غيث الكاشف ام عازبة لمدة سبع سنوات حملت لوحدها و أنجبت لوحدها و تزوجت صديق طفولتها حتى تخفي عار فعله بها شخص لم تكن تعرف منه غير الاسم هي لن تخشاه و لو اقترب منها ستقتله بيديها.


في هذه الاثناء و بينما كانت افكار سيلا تتضارب بطريقة همجية كان هو يصفي عقله و يتأمل في جمال الشلالات بينما يصفر بفمه، خرجت هي و من دون كلام حملت قفة الخظاو و الفواكه و توجهت الى المنزل بينما اوس يحاول قدر المستطاع معرفة ما فعله بالظبط لتنقلب عليه الحية لكنه لا يعلم.


كانت سيلا تمشي بخطوات سريعة بينما اوس يحاول مجاراتها لكنه فضل فعليا ان يتركها على راحتها و يراقبها من بعيد، سيلا عندما كانت تمشي كانت هناك حية تعبر الطريق فلسعت سيلا دون أن تلاحظ لكن اوس فعل و هرع لها بسرعة، تأملته هي بينما هو يجري ناحيتها اجفلت هي لم تعرف ماذا تفعل و لا لما يجري صوبها هكذا فور ان اقترب منها حملها فلم تفهم هي ماذا له هذا الإنسان.


-هل جننت انزلني يا هذا.


-اصمتي قليلا لقد عضتك حية هل انت غبية لماذا لم تلاحظي وجود الحية.


-اتركني يا هذا و امسك الحية حتى نعرف اذا كانت سامة ام لا.



-انها أفعى الكوبرا السوداء و هي سامة لدي بعض المعلومات عن الثعابين و الحيايى.


افلتها هو ثم اخد يمتص الجرح بساقها حتى يخرج منه اكبر كمية من السم، كان يمتص الجرح و يبسق و يمتص و يبسق و استمرت هذه العملية لأكثر من ربع ساعة بينما بدأت الرؤية لدى سيلا تتبخر كل ما يهمها الان هو أن تظل صاحية إلى أن تموت مرة واحدة لا تريد أن تغيب عن الوعي بينما هي تسلم حياتها لهذا الوحش البشري، لا تعلم هي ما قد يفعله بها عندما تغيب عن الوعي فهي لا تثق به، بدأت بالفعل الرؤية تصبح ضبابية لدى سيلا و قبل أن تفقد الوعي حركها اوس لتبقى صاحية


-سيلا حاولي ان لا تغيبي عن الوعي، ابقي معي سيلا، افتحي عينيك صغيرتي، هيا افتحي عينيك.



فتحت هي عيونها و بسرعة حملها اوس و جرا بها إلى البيت من دون كلام، لكنه ضل يردد بعض الكلمات لتضل مستيقظة، فور ان وصل غسل مكان الجرح جيدا بالماء و الصابون ثم وضع كمادة على جبينها و وضعها في فراشها ثم غطاها جيدا و غادر.



تأملته سيلا، ترى أين ذهب و لماذا لم يبقى بجانبها لكن اصلا لماذا قد يبقى بجانبها احسن ما فعل انه غادر
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي