الفصل الرابع

الفصل الرابع:
خرجت من عند خالد وأنا ألتفت حولي، أخشى أن يراني أحدًا، لكن أوقفني أنه ربما تكون غيمة بحاجة إلى المزيد من الطعام، فقررت أن أشتري بعض الطعام من أجل غيمة، لكني لا أملك أي نقود فقررت الرجوع إلى القصر لكي آخذ الزي الخاص بالحراس ويحصل على الطعام مجانًا، فذهبت إلى القصر وكنت أبحث عن أكرم، لكن لم أجده وجدت مصطفى يجلس في ساحة القصر ومعه الكثير من الأطعمة ما لذ منها وما طاب، كنت انزعج من وجوده لأنه من سلمني للملك، لكني كنت أتضور جوعًا، فتمنيت أن أحصل على طعام مثله؛ لأنني لم أتزوق الدجاج منذ فترة بعيدة، فعيمة كانت لا تضع لي سوى الخبز المقرمش والجبن، نفس الطعام كل يوم كان يجعلني أشعر بالملل، فأنا أحب كسر الملل، أجرب أشياء جديدة كل يوم، لكن هذا كان مستحيل لأن غيمة تبدو فقيرة لن تقدر أن توفر لي طعام غير ذلك، خرجت من شرودي وكنت أشعر ناحية الفتى القصير بالكره، فقد كان مازال صغيرًا في نفس عمر خالد، شاب اسمر لديه عيون خضراء جاحظة وأذنين كبرتين، أنف متوسط، لديه القليل من النمش، رائحته تشبه جوز الهند؛ لأنه يتناول الكثير منه، من الملامح يبدو أنه طيب لكن ليس لديه شجاعة أمام سلطة الملك ونفوذه، لا يعارض أي شيء، يعامل الناس بقسوة، لا يراعي شعور أحد، فوددت أن اتحدث معه عن مكان أكرم فتحدثت معه وكنت أُظهر أنني سعيد بالحديث معه، لكني لم أكن سعيدًا بهذا النفاق:
-مرحبًا يا صاح، كيف الحال ؟
مصطفى بلهجة غليظة:
-منذ متى وأنا صاحبك، أنا ليس لدي أصدقاء.
فتماسكت نفسي لأني أعلم أنه شخصًا سخيف وأنا لا أريد أن يطول حديثي معه وقلت:
-أعتذر لكوني اناديك، أنت لست صديقي، أنت فقط رفيقي في العمل، فأنا صرت أعمل معك، فتوقف عن غرورك وحدثني بشكل جيد، وإن لم تفعل ذلك لاشتكيتك للملك، فأنا هنا مثلك إن لم أكن أعلى منك كثيرًا.
فضحك مصطفى وقال لي بسخرية:
-خرج الشرير الذي بداخلك الآن أيها الجبان، لم تكن تقدر قبل ذلك على مناقشتي.
فأجبت على غروره و قلت:
-لا يهمني ما تقول، لا يهمني غرورك، لكن طالما أنا هنا في القصر ستضطر إلى محادثتي، فلن تستطيع تجنب الحديث معي.
سكت مصطفى قليلًا ثم قال:
-معك كل الحق، لذا علي أن أفكر كيف أبعدك عن هنا، حتى لا أظل طول الوقت غاضب بسبب وجودك.
فرددت عليه بغيظ و قلت:
-لماذا كل هذا الكره!
-أنا لم أفعل لك شيئًا.
فأجاب مصطفى بغضب:
-كنت هنا قبلك، وأنت سرقت مكاني، كان يجب أن أكون أنا حارس الملك ليس أنت، أنت لا تعرف أي شيء عن الحراسة، أو الدفاع عن النفس، أنت فتى أحمق ضعيف، لا تفقه شيئًا في الدنيا.
فأدركت وقتها ما يفكر به ثم قلت له:
-أنت تشعر بالغيرة مني لأني أخذت منصبك، لكني لم أطلبه هو من أعطاني إياه، لكني لا أريده سأتحدث معه بشأن هذا الموضوع، أنا سأكون حارس عادي، وأنت ستكون حارسه الخاص؛ لأنك أمهر مني وتستحق ذلك.
فشعر مصطفى بالدهشة مما قلته له ثم قال:
-هل ستتنازل عن هذا المنصب بسهوله أيها الغبي!
فقلت:
-لما لا؟
-أنا لا أريدها، وأنت تريدها، إذن الحق لك في هذا المنصب.
فلمعت عينيه لي وقد شعرت بالفرحة في صوته وهو يقول بتوتر:
-أشكرك، أنت لا تعلم كم كنت أتمنى هذا المنصب.
ففرحت لأنني عرفت كيف أكسبه في صفي فكل طموحي أن أجمع أكبر قدر من الناس حولي، قم ابتسمت له وقلت:
-أنا لم أقصد مضايقتك من البداية، فأنا كنت أرى أنك شخصًا جيدًا.
فرد علي ببرود وقال:
سأُعملك بجفاء إن لم تقنع الملك يا فتى.
فضحكت وقلت له:
-لا تقلق، إن شاء الله لن يكون هناك جفاء، سيكون ما تريده أنت فقط.
فقال لي بتركيز:
-حسنًا سأنتظر كي أرى ما يمكنك فعله.
فقلت له:
-سأفعل كل خير بإذن الله.
ثم سألته عن أكرم:
-هل رأيت أكرم؟
فقال لي:
-لا، لكن لما تريده.
فأجبت:
-أريد أن يعيرني بعض المال؛ كي اشتري طعامًا.
فضحك بسخرية وقال:
-حراس الملك لا يدفعون نقود مقابل شيء، اذهب وخذ ما تريده ولا تدفع شيئًا لأحد، من يعترض على القوانين يُسجن على الفور.
فشعرت بالضيق مما قاله لكني لا أريد ان يظهر هذا، أريد أن يروا أني اشبههم في تصرفاتهم:
-لكن كيف سيعرفون أني من حراس الملك؟
مصطفى:
-بالتأكيد في أول الأمر من الزي، حتى يُلقي المتحدث باسم الملك خطابه الأسبوعي، سيقول وقتها أنه تم تعيينك من حراس الملك.
محمد:
--لكن ليس عندي زي .
مصطفى:
-اذهب إلى ربيع مصمم الملابس هنا، ستجد عنده الكثير من الأزياء، سيكون أحدهم مقاسك.
محمد:
ذ-في أي طابق ربيع؟
مصطفى:
-في ثالث غرفة في القصر، وإن لم تجد ما يناسبك سيصنع لك زيًا جديدًا، كلنا هنا نرتدي الزي المكون من اللونين الأخضر و الأسود.
ذهبت إلى غرفة ربيع ثم وجدته كبيرًا على أن أناديه باسمه فقط، فهو تجاوز الستين من عمره، نحيل الجسد، لديه لحيه بيضاء، ليس لديه شعرًا في رأسه، بشرته بيضاء بها بقع سوداء قليله، صوته ضعيف يكاد يختفي، يرتدي قميصًا أخضر، وبنطال أسود، تقريبًا كل من في القصر يرتدون نفس اللونين، ماعدا مليكة بنت الملك فقد لمحتها عندما دخلت من القصر، لكني لم أستطع التحدث معها؛ لأن مصطفى كان يعنفني كي أذهب للملك وقتها، حين رأيتها كانت ترتدي فستانًا ورديًا مرصع ببعض الكريستال، حول عنقها عقدًا يشبه الساعة الرملية، وحلقًا بنفس الشكل، لم أستطع وقتها أن اتحقق من ملامحها لكني أشعر أنها جميلة.
وقفت أتحدث مع ربيع مصمم الملابس، فابتسمت له بود وقلت:
-مرحبًا أيها الرجل الطيب، أنا محمد الحارس الجديد.
فلم يبتسم لي لكنه قال:
-هل تريد ثوبًا نظيف غير المقرف الذي ترتديه.
ملابسي كانت من الخيش، كان شكلي بها يزعجني كثيرًا، لكنه كان يزعج من حولي أكثر مني، قلت له بتوتر:
-إذا كان لن يزعجك الأمر إصنع لي واحدًا أو اثنين لكي يكون عندي بديل إذا اتسخ الآخر.
فقال لي:
-نعم بالتأكيد.
-خذ الآن أي ثوب من الغرفة؛ لكي ترتديه حتى أصنع لك واحدًا خاص بك.
ففرحت و قلت له:
-شكرًا جزيلًا لك.
ثم ارتديت جلبابًا قصيرًا أسود وسروال أسود، خرجت من غرفة ربيع إلى مطبخ القصر، وجدت به أكل الخدم وأكل الملك الغريب فطلبت من أحد الخدم وكان طفلًا سمينًا، وجهه يشبه الدائرة، خدوده كبيرة، أنفه صغير، أبيض الوجه، شعره أسود، فقررت أن أطلب منه طعامًا:
-أهلًا يا صغير، ما اسمك؟
فرد بوجه بشوش:
-اسمي أحمد.
فابتسمت له وقلت:
-هل يمكنك أن تعطيني بعض الطعام؟
فأجاب:
-بكل تأكيد، لكن أسرع قبل أن تأتي أمي.
جمع لي بعض الخضروات، جزر وفلفل و طماطم فقط.
فقلت له بتذمر:
-شكرًا لك.
أحمد:
-إذا أردت أي شيء أخبرني.
فضحكت وقلت:
-شكرًا يا فتى وسرك في أمان معي.
أحمد بمرح:
-أتمنى ذلك.
غادرت القصر وذهبت مسرعًا إلى غيمة قبل أن يمر بي الوقت، أو أن يلاحظ أحدًا أنني أخذت جلبابًا خفية كي أعطيه لها؛ لأن ملابسها إتسخت، وصدمت حين وصلت إلى القبر ولم أجدها، لكني وجدت ورقة مكتوب بها.

أنت لا تعرف كم مَر علي من الليالي وأنا استنجد بك دون جدوى، لا تعلم كم مرة جلست فيها بمفردي وكنت أود أن تأتي، لا أنسى السباق بيننا حين كنا نود أن نسرق من الوقت ما يكفي لنظل معًا، أنت لا تعلم حجم معُاناتي، أشعر بأنني سقطت من قلبك، وهذا شعور صعب إن كنت تعلم، لا أظنك تعلم أنت فقط تؤذي ولا تشعر بمن حولك، اعتذر لكوني مختلفة، أعتذر لكونك وحدك، أنا أيضًا وحدي، أعتذر لأني غادرت.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي