الفصل الرابع

كان ماثيو محقا بالفعل، فمع الأسف لم يكن هنالك حل آخر، لذا قالت صوفيا بيأس:

-أيها الآلى أعد كل شئ كما كان، نحن نريد العودة إلى الأجهزة مرة أخرى!

و بالفعل حدث ما طلبته صوفيا من الآلي، فها هو كل منهم راقدا مرة أخرى على الجهاز كأن شيئا لم يكن، فقد باءت كل محاولاتهم للنجاة بالفشل!

صمت قد ساد المكان فكل منهم لا يجد ما يقوله للأخر، بل يستصعب حتى أن يذكر للألي طلبه بالتضحية، فكل منهم كان يرغب في التضحية إلا أنه لا يجرؤ عليها أبدا، فالأمر بالتأكيد كان غاية في الصعوبة على قلوبهم جميعا!

عم الصمت المكان لمدة ليست بالقصيرة حتى قطعه ماثيو و قال:

-أعدني أنا للسبات العميق أيها الألي، و إستخدم محركات جهازي في ضبط نسبة الأكسجين كما كانت!

-لا ماثيو إنتظر لابد من وجود حل آخر!

حاولت صوفيا بكلماتها تلك أن تثنيه عما يدور في عقله لكنها لم تنجح أبدا، فقد رد عليها ماثيو بيأس:

-أشكرك من كل قلبي يا صوفيا على كلماتك الجميلة تلك و لكن جميعنا نعلم أننا لا نستطيع التضحية بك مهما حدث فأنت الأذكى بيننا، كذلك ألبرت هو الأقوى و مهمة الفضاء سنحتاج بها إلى كليكما، أنا الحلقة الأضعف في تلك المهمة بالتحديد و لذا.

لم يستطع ماثيو إكمال كلماته فقد كان الإعتراف بذلك بصوت عال صعب عليه بالتأكيد و ها هو الآلي على وشك تنفيذ ما أمره به بالفعل و قال بصوته الجاف الخالي من أي مشاعر:

-علم و ينفذ يا سيدي!

ساد الحزن في قلبي ألبرت و صوفيا، فكل منهما كان يعلم أن ماثيو محق تماما في كل ما قاله لا يمكنهم إنكار ذلك، إلا أن ذلك رغم وقعه الصعب على قلوبهم و لكنه كان سببا في إشعال الحماسة في قلوبهم لإتمام المهمة و إنقاذه مهما كلفهم ذلك من نفيس أو غال!

ما أن دخل ماثيو في حالة السبات تلك حتى توقفت حالة الإرتباك التي كانت قد أصابت الأجهزة و عاد كل شئ إلى طبيعته التي كان عليها!

فقد توقف التشوش الذي أصاب الجهاز و توقفت الأضواء عن الإرتعاش الغريب الذي كان عليه و قال بصوته الرتيب:

-تهانينا أيها البشر لقد تم إنقاذكم و ها هو معدل الأكسجين قد تم ضبطه بالفعل لم يعد هنالك أي خطر على حياتكم بعد الآن.

في العادة كانت تلك الكلمات يجب أن تجعلهم يطيرون من فرط السعادة و تملأ قلوبهم فرحا و أملا بالقادم، هذا إن كان ماثيو معهم و لكن الآن و بعد كل ما حدث!

لم تثر تلك الكلمات في نفوسهم غير الحزن و الشجن، فهم يدركون عظم تلك التضحية التي قدمها لهم ماثيو، كلما إستعادوا كلماته الأخيرة لهم و ثقته المطلقة بقدراتهم، كلما إزداد إصرارهم على النجاة أكثر و أكثر!

حدث ألبرت حينها نفسه و هو ينظر إلى جسد ماثيو الراقد على الجهاز المجاور:

-شكرا يا ماثيو، شكرا لك على ثقتك بي أعدك أن أبذل قصارى جهدي لكي أنقذك و تعود لنتنافس معا مجددا، فتلك التحديات العجيبة لن يكون لها طعم بدونك أبدا و بدون تسرعك هذا الذي كنت ألومك عليه دائما!

لم تختلف مشاعر صوفيا كثيرا عن ألبرت فقد كانت تفكر بصمت:

-رغم سخريته الدائمة من ذكائي إلا أن قد وثق به أكثر من نفسه، يا له من صديق وفي حقا!

قاطع الآلي تفكيرهم قائلا بذات الصوت الرتيب:

-لقد أوشكتم على الوصول إلى رحلتكم إلى كوكب أورانوس حيث ستبدأ رحلتكم الجديدة، لقد تبقى من الزمن عشر دقائق فحسب فإستعدوا.

قالت صوفيا و الفضول قد سيطر على خلايا قلبها و عقلها معا:

-أيمكنك إخبارنا المزيد عن مهمتنا القادمة أيها الألي، أتملك عنها أي معلومات؟

رد عليها الألب في الحال، فقد تم إصلاح الخلل كما تعلمون:

-بالتأكيد سيدتي، مسجل لدي هنا أن المطلوب منكم البحث هنا عن نبات ما.

تسائل حينها ألبرت:

-ما هي مواصفات هذا النبات إذا و كيف سنجده أتعلم شيئا يمكنه مساعدتنا؟

أجابه الألي كما لو كان ينتظر ذلك التساؤل أو كذلك قد تمت برمجته:

-إنه نبات نادر الوجود، إكتشف العلماء في كوكبنا الأرضي وجوده في ذلك الكوكب المجاور عن طريق أجهزة إستطلاع حديثة قد تم إختراعها مؤخرا.

عادت صوفيا لتتسائل بحيرة تلك المرة:

-و لكن لماذا يجب علينا نحن إيجاده، بماذا سيفيدنا ذلك الأمر بالتحديد؟

أجابها الألي بإجابة مسجلة أخرى:

-لا يمتلك ذلك النبات جهازاً هضمياً كباقي النباتات، إلا أنه قادر على هضم جسم حيواني يحتوي بروتين ودهون.

أصابتهم تلك الكلمات بالرعب فهل ذلك النبات مفترس؟

لابد أنها مهمة خطيرة بالفعل، أخطر مما كانوا يتصورون بكثير! فمعظم النباتات المفترسة تقوم بهضم ضحاياها من خلال إفراز إنزيمات محللة، ولكن بعضها الآخر يعتمد على إنزيمات تفرزها البكتيريا، لتقوم بتحليل الفريسة فيمتص النبات الجزيئات المتحللة.

لذا فذلك النبات يبدو أنه قادر على ٱلتهامهم بكل سهولة إن أخطئوا بأي شئ مهما كان بسيطا!

شعر ألبرت أن الألي لم يجبهم بعد عن التساؤل الذي طرحته صوفيا فأعاد سؤاله:

-لماذا يجب علينا أن نواجه ذلك الخطر إذا؟

أجابه الألي مرة أخرى:

-ذلك النبات على ما يبدو يحوي بعض الإنزيمات التي تساعد على شفاء بعض الأمراض المستعصية، لهذا يحتاجه العلماء لإجراء تجاربهم تلك للتحقق من ماهية الأمر.

تبادلت صوفيا و ألبرت النظرات أن ذاك ثم قالا بصوت واحد:

-أيعقل؟

كل منهما كان يفكر أن ذلك النبات قد يساعدهم إذا على إستعادة و إستشفاء ماثيو، مجرد التفكير بذلك الأمر كان كفيلا بجعلهم يزدادون حماسا لتلك المهمة التي قد تعيد صديقهم لهم مرة أخرى!

قطع الألي تفكيرهم مرة أخرى حينما قال:

-بدأ العد التنازلي لبدء رحلتكم الجديدة أأنتم مستعدون؟

ما أن أنهى الألي كلماته حتى بدأ بنقل معلومات عن ذلك النبات العجيب إلى عقل كل منهما من خلال الأجهزة المعقدة المربوطة به.

تلك الشريحة المحفورة في ذراع كل منهما قامت بحفظ تلك المعلومات عن ظهر قلب و ستعيد إنتاجها لهم وقت حاجتهم لها بالتأكيد!

ما أن إنتهى الألي من نقل تلك المعلومات حتى قال:

-عليكم أيها البشر أن تقوموا بإرتداء بدلات الفضاء التي ستظهر لكم الأن لتساعدكم على إتمام المهمة فإحذروا! إن واجهكم أي خطر يمكنكم إبلاغ مركباتنا في الحال!

بدأ كل منهم في إسترجاع ما حدث لهم منذ أن بدأوا تلك المهمات الغريبة، بينما كانوا يقومون بإرتداء تلك الملابس التي من المفترض أنها ستساعدهم على النجاة من تلك المهمة.

الإصرار كان يملأ قلوبهم، فلم يعد هنالك أي مجال للتراجع أبدا، عليهم الوصول إلى ذلك النبات بأقصى سرعة و مهما كلفهم ذلك، فقد يكون هو السبيل الوحيد لإنقاذ ماثيو بعد تضحيته الثمينة تلك.

كانت المعلومات التي نقلها الجهاز لهم تعطي لهم ملامح واضحة بعض الشئ عن كيفية بدء تلك الرحلة.

تنهد ألبرت و هو يقول لصوفيا:

-أتمنى أن تمر تلك المهمة على أكمل وجه و بأقل خسائر ممكنة، فأنا لن أستطيع تحمل أي خسارة أخرى اليوم!


-
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي