القناع الأسود

Yota`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-12-30ضع على الرف
  • 3.9K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

بالكاد أستطيع أن أفتح عيني مع هذا الضوء الشديد الذي يخرج من نافذة غرفتي، وصوت أمي وهي غاضبة من عدم إستيقاظِ في موعدِ، خرجت أمي من غرفتي وأنا أرى صورة مشوشة أمامي، لا أستطيع تذكر ما حدث بالأمس، أحاول لكن لا أستطيع تذكر أي شئ ليلة أمس، التقطتُ أنفاسي واعتدلت في جلستِ على فراشي، افرك وجهي بيدي، وأُحاول أن أفيق من نومي، بينما أنا كذلك لمحت عيني شيءً أسودٍ تحت المنضدة أمامي، نظرت بتعجب ما هذا الشيء، غرفتي دائما مُرتبة ومنظمة لا أحب وجود الأشياء الغريبة أو المتسخة في غرفتي، توجهت إلى الطاولة وانتزعت ذلك الشيء، فقد كان قناعً أسودً!!

كنت أتحدثُ إلى نفسي والتعجب والفضول يملأني! لا أصدق ما تراه عيني:
-ما هذا القناع الأسود؟ ومن أتى به إلى غرفتي؟ أنا لم أسمح لأحد أن يدخل غرفتي بسهولة إلا إن كان فرد من أفراد البيت، أيكون أخي الصغير هو ما أحضرهُ، بالتأكيد فهو دائم اللعب بألعاب مثل هذه، أشقياء جميع الأطفال في مثل سنهُ.

بإبتسامة ساخرة تظهر على وجهي، وأنا أُقلب في هذا القناع بيدِ، ملمسه ناعم جدا سواده قاتم بشدة مخيف للوهلة الأولى، لكن لامع بشدة إن دققت النظر به، بعد أن قلبت في هذا القناع يميناً ويساراً، أخذت نفساً عميقاً ونفس الابتسامة ما زالت موجودة على وجهي، قررتُ ارتداء القناع وضعته على وجهي، في أقل من ثانية كنت لا أرى أي شيء حاولت أن انتزع القناع من على وجهي، لكن لا أستطيع شعرتُ وكأنه قد طُبع على وجهي، لا أرى الآن سوى الظلام الحالك، شعور الضيق قد تملك منِ، أصرخ بداخلي لكن لا أسمع صوتي، كأنه مكتوم بداخلِ، إلى أن ظهر شعاع طفيف من النور مرة أخرى أمام عيني، كنتُ أظنه نور غرفتي لكن حين دققتُ النظر، الصورة بأكملها بدأت توضح أمامي.

كنتُ أرى قرية نائية يسود فيها الفقر و الجوع، جزءٌ صغير في هذهِ القرية به مظاهر الحياة الطبيعية، كأن القرية بأكملها كانت تعتمد في حياتها على المصادر الطبيعية من قبل، رائحتها مثل الورود في فصل الربيع، كانت جنة صغيرة منفردة بنفسها، ولكن دوام الحال من المحال! يبدو أن الحال قد تبدل ولم يتبقى سوى هذا الجزء الصغير من الجمال الذي أراه الآن، إلى أن أصبحت هذه القرية فقيرة، جميع سكانها بائسة يتطلعون إلى يومٍ واحد مثلما كانوا يعيشون من قبل.

الآن جميع سكانها بسطاء الحال كل فردٍ منهم يعيش منشغلا بمشاكله و بنفسه مهموم بها، كُنت أقترب منهم أكثر وأكثر، أسير في طرقاتهم، أسمع الناس يتحدثون حولي عن حال هذه القرية ويقول أحدهم:
-لقد كانت قرية هادئة لا نسمع عنها، و لا يوجد بها مشاكل كثيرة إلى أن حكمها مجموعة من الحكام الطغاة، يرأس هؤلاء الرجال الطغاة حاكم لا يعرف للرحمة عنوان يسمي عتمان، عتمان هذا يجبر الناس في القرية على العمل ليلً نهارا سواء كانوا صغار أو كبار، و يأخذ هو خير القرية بأكملها له بدون رحمة ولا شفقة منه، يترك إلى الناس قليل القليل، لا يترك لهم سوى ما يكفي فقط لكي يأكلون و يشربون، وظل الناس يعيشون هكذا إلى فترة طويلة، لا أحد منهم يستطيع أن يتكلم بأي كلمة مع هؤلاء الحكام، كل منْ يعترض على حكمهم يقوموا بقتله فوراً.

كنت أسير في الطرقات وأتأملهم، ثم وجدت نفسي أقف أمام بيتٍ من بيوت تلك القرية، تسكن أسرة فقيرة حالها مثل حال باقي الأسر في القرية، صعدتُ إلى بيتهم الغريب في الأمر أنِ دخلتُ البيت بدون أن يرآني أحد أو يسألني من أنا؟، كأني غير موجودة على الرغم أنِ أمامهم مباشرةً وهم كذلك، هذه الأسرة مكونة من أب يسمي عبد الرحمن متزوج من سيدة تدعى غدير و لديهم ثلاث ابناء هم بالترتيب أدهم و آثر و مليكه؛ أدهم ذات العشرين عاما و أدم ذات التاسع عشر عام أما مليكة فهي في الخامس عشر من عمرها.

أما عن أدهم فهو أكبر الأبناء يتميز بالشجاعة و القوة و يتحمل مسؤليات كثيره عن والده، أما آثر فهو مدلل قليلا، و لكن يهتم بي بنية جسده و بالتمارين الرياضية لكي يستطيع الدفاع عن نفسه وعن أسرته تحت أي ضغط، أما ملكية فهي البنت الوحيدة بين اخواتها الرجال، و لكن بما إنها الابنة الفتاة الوحيدة، وسط مجموعة من الذكور فأخذت منهم الطابع العنيف و تحمل المسؤولية، وحب الدفاع عن النفس و عن الأهل.

كأنِ أرى عبد الرحمن وهو يستيقظ من نومه كل يوم يذهب إلى عمله في الغابات، لكي يجمع العشب و يقدمه لإطعام الماعز و الخرفان الموجودين لدى الحكام الطغاة، ولم يأخذ منهم مقابل سوى رغيف خبز إلى كل فرد من أفراد أسرته و طبق حساء عدس واحد فقط يوزع على كل أفراد الأسرة،

ومثل عادة كل يوم عاد عبد الرحمن الى بيته حاملاً خمسة من رغيف العيش و طبق حساء واحد فقط، و دخل على أسرته حزين هذه المرة، وضع الخبز والطبق على الطاولة وجلس على المقعد ووضع يده على رأسه والهم يملأ رأسه وتفكيرهُ، ويظهر على ملامحهِ الحزن والغضب معا، ثم قابلته مليكة و رحبت به، بمجرد النظر اليه تعجبت مليكة وأمسكت يد أبيها واراحتها على الطاولة، ثم سحبت مقعد وجلست عليهِ بجوارهِ، وبدأت تنظر إلى أبيها عيناها تتحدثان قبل أن تنطق بأي كلمة له، تنظر إلى حالة وإلى وضعهُ تارةٍ، ثم تنظر إلى ما جلبهُ معه تارةً أخرى، ثم ركزت النظر على والدها ووضعت يدها على جبهتهُ، لتُطمئنهُ أنها جانبه.

أخبرت مليكة أبيها قائلة:
- يا أبي، ما لكَ مهمومٌ هكذا اليوم!! هل هناك شيءٌ تخفيه عنا؟ عبد الرحمن الأب رد عليها قائلا:
- لا يا حبيبتي، فقط أنا تعبت من الخدمة طوال اليوم، و من أنِ لا أستطيع أن أجلب لكم سوى رغيف خبز لكل فرد و طبق حساء واحد لنا جميع، لا أخذ حتى أي نقود إن مرض أحد فيكم ، وإن طلبتم تغيير ملابسكم، أو أي شيء تريدونه لا أستطيع شراءه لكم، علي الرغم من تعبي و كدي طوال اليوم، إلا أن عتمان هذا و رجاله الطغاة يسيطرون على القرية بأكملها و لا نستطيع حتى إطعام أنفسنا، هذا لا يرضي أحد ولابد أن تثور هذه البلد.

مليكه بدأت في تهدئه والدها وقالت له:
- يا أبي، اهدأ، أنت يبدو عليك الغضب الشديد ، أي موقف يتم تنفيذه في لحظة غضب بدون تفكير في آثاره و تباعتهِ، سوف تندم عليه ، فكر في الأمر جيداً يا أبي، ماذا إن ثارت كل القرية! هل سينتهي الأمر أخيراً؟ أَم سوف يقتلوا كل هؤلاء الناس؟ لابد من أن نفكر بطريقة صحيحة لكي نوقع بعتمان و رجاله، و نجعله يخضع لنا ويضطر إلى أن يترك القرية لنا.

بينما هم يتحدثون دخل عليهم أدهم وكان قد سمع معظم حديثهم وقرر أن يقول رأيهُ لهم، أدهم كان يعتمد على عقله في كل موقف عكس آثر فهو اندفاعي يستخدم عضلاته أكثر من عقله في المواقف الانفعالية، أدهم بدأ يتابع حديثهم، حين دخل أدهم جلس بجوارِهم يشاركهم الحديث، قال إلى والده:
-يا أبي ، إن مليكة لديها حق، نحن عددنا صغير جداً بالنسبة لعددهم هذا المهول، بالإضافة إلى أن لديهم مُعدات وآلات ضخمة يستولون بها علي القرية، فكيف لنا نحن الضعفاء أن نتصدى إلى تلك الآلات كلها؟
أجاب عبد الرحمن بعد تفكير:
- أنا أتمنى أن يكون لكلا منكم دور في تغير تلك القرية، تعلمون يا أبناء ، أنا كنت معلم كيمياء في إحدى المدارس قبل أن ينحدر حال القرية و يُوقفوا التعليم، واضطر إلى العمل في الزراعة، ومن هُنا بدأت رحلتي في البحث عن أهدافنا داخل النباتات و الحشائش، فبدأت بدراسة كيمياء كل زهرة اقابلها أو كل عشب.

تعجبت مليكة مما سمعته من ابيها، واتضح ذلك من نظراتها إليه وردت قائلة:
-أيُعقل يا أبي!، أنت كنت مدرس كيمياء في المدرسة، ونحن لا نعلم!
عبد الرحمن ابتسم ابتسامة مزدوجة من الحزن والألم، لمَ وصل به الحال حالياً، مع بعض الفرح والفخر لدراستهِ وعلمهِ ثم رد عليها ابيها قائلا:
-أنتم كنتم صغار يا مليكة ولا تعلمون شئ، أما الآن أحب أن أشارككم تجاربي و علومي، لان انتم ذخيرتي في هذه الدنيا.
أدهم رد على ابوه وقال له:
-يا أبي المهم هو سلامتك الان، انا كنت افكر ان انزل و اطلب عمل منهم، و بالتالي سوف يذيد حصتنا من الاكل يوميا هناك، لاننا سوف نكون فردين يعملان.
ضحك الأب ضحكة فيها سخرية شديدة، وقال له:
-يا أدهم، هؤلاء الناس إن استطاعوا أن يجعلُكم كلكم لا تأكلون ولا تشربون سوف يُنفذون ذلك فوراً، و لكنهم يُريدوننا مثل العبيد، والبهائم التي لا تفقه شئ، إن علموا أن ليَ أبناء كبار من الأساس، سوف يطلبون أن تأتي للعمل معِ في المزرعة، وبالتالي أنا متأكد أنهم لم يعطونا أي رغيف أو أي لقمة إضافية غير ما يعطوني إياه.

ردت مليكة هنا باستغراب شديد:
-لا أفهم كلامك يا والدي أتقصد أن نتركهم هكذا يأخذون منا كل شئ، إذا أنت لا تريد أن يذهب أدهم معك إلى العمل، يمكن أن نبحث له عن أي وظيفة أفضل من تلك الوظيفة، من الغد يذهب أدهم ليرى له وظيفة أفضل و تكون بعيدة عن هؤلاء الطغاة، لكي يستطيع هو أن يأتي بقوت يومهِ و عرق جبينهِ كل يوم من عمله الآخر.

ظل عبد الرحمن يفكر ملياً في حديث كلاً من أدهم و مليكة، وأن من حقهم الإعتماد على النفس والخروج من ذلك البيت قليلاً، ولكن كان في حيرة من أمره، من خوفه من هؤلاء الحكام الطغاة، ومن خوفه على أولادهُ من الجوع، ومن أن الطعام لا يستطيع ينفذ ولا يمكن أن يكفي أفراد عائلتهُ.

سمعت غدير تحاورهما، (غدير هي أُم الأولاد و زوجة عبد الرحمن)، ثم بدأت في أن تنادي على عبد الرحمن لكي يغسل يدهُ كما اعتادت أن تضع هي الطعام و يأكلون جميعاً أولاً، ثم يتحدثون بعدها ويكون عبد الرحمن قد إرتاح قليلاً من عناء العمل طوال اليوم في المزرعة هذه مع العمال.

سمعت صوتٌ أيقظني من غفوتي، كانت أمي تنادي عليَ في غرفتي، لقد شعرت بتأخري عن تناول الفطور! حين فتحتُ عيني أدركتُ أنِ ما زلتُ بغرفتي ولم أنتقل إلى أي مكان، كيف شاهدت هذه القرية وأنا في غرفتي ومن هُم هذه الأسرة بالتحديد التي كنت أتجول في غرف بيتهم وأسمع تحاورهم كأنني أعيش معهم، وأنا أبحث في أفكاري عن السبب التفتت عيني على ما أحمله بيدي، لقد كان القناع الأسود الذي ارتديته منذ قليل، لكن كيف جاء في يدِ، أنا متأكدة أنني قد ارتديته، فضولي زاد شغفي لمعرفة ماذا يحدث عندما ارتدى هذا القناع وما حدث لهذه الأسرة الفقيرة؟، أخذت نفسً عميقاً مرة أخرى وارتديت القناع، سواد تام أمامي، لا أراه شئ الآن، ها هو ضوء بسيط يمر من بين عيني، الآن أنا في مطبخ تلك الأسرة.

كانت مليكة تساعد غدير والدتها في أعمال المنزل ووضع الطعام، أما أدهم وآثر فكانا مع والدهم، ينتظران أن تنادي عليهم والدتهما وأُختهما عندما ينتهيان من تجهيز الطعام، ذهب عبد الرحمن يتجول في الشوارع قليلاً ، فقد منذ مدة طويلة لم يخرج و يتمشى بدون مسؤوليات، ثم وجد أراضي زراعية لم يكن يعلم عنها شئ، و خمن بالتأكيد، أن هؤلاء الطغاة ما زالوا لم يعرفوا بشأن هذه الورود الجميلة، بعدها قرر عبد الرحمن أن يتجول في هذه الأراضي الزراعية الغريبة المجهولة، لا أحد من سكان القرية ولا حتى الحكام الطغاة يعلمون بشأن تلك الأراضي، ثم لاحظ عبد الرحمن وجود أنواع مختلفة من الورود غريبة المنظر والرائحة، لم يكن قد رأها من قبل قط، لنفس الوردة ألوان مختلفة في كل ورقة من ورقات الوردة لون مختلف! تعجب عبد الرحمن من منظرها، فقرر أن يقترب منها لكي يشم رائحتها.

كانت الورود كأنها تبرق هكذا، أو كأن بها أشعة تخرج منها، و لكن تلك الغابات كانت أشجارها طويلة جداً، طويلة فوق المعتاد و متشابكة، تشابك أشجار تلك الغابة جعلت الورود مَخفية عن أنظار الجميع فلم يرها أحد حتى الآن، ثم بدأ عبد الرحمن في الأقتراب من الورود هذه، وأمسك واحدة منهم ولكن لم يقطفها، فقط جعلها قريبة من أنفه، ثم استنشقها، وجد عبد الرحمن أن لها رائحة نفاذة ولكنها طيبة ليست كريهة، رائحتها لم يشمها عبد الرحمن من قبل، بسبب مهنتهِ في الأراضي الزراعية رأي و استنشق كثير من الورود، و لكن لم يرى ولم يستنشق مثل هذه الورود إطلاقاً.

قرر عبد الرحمن أن لا يقطفها الآن، وأن لا يخبر أحد بشأن هذه الورود، إلى حين أن يعرف ماهيتها، وتكوينها من الداخل، وفيما يمكنه استخدام هذه الورود؟ ثم غادر هذه الغابة و قرر العودة إلى منزله، ولكن وهو في طريق عودتهِ قاطعهُ أحد مِنْ مَن يعملون عند عثمان، كان هو أحد رجاله الذين وضعهم في ظلام الليل في الطرقات، لكي يقطعوا على الناس طُرقهم ، و يعرفون أين يذهبون ولما؟، لكي يأخذوا أي أشياء معهم، فهذا نوع من الظلم الذي يمارسه عتمان على أهل قرية. ا

الرجل الذي أوقف عبد الرحمن قال له:
-يا رجُل من أنت؟ و من أين عائد؟ و ما معك ؟
ارتبك عبد الرحمن ونظر إلى من حوله و قال له:
-أنا عبد الرحمن أعمل مُزارع في الأراضي الزراعية التي وضع عتمان يده عليها، وكل يوم أجني لهم المحصول و أُساعدهم في حرث محاصيل جديدة.
قال له الرجل:
-لماذا أنت تتجول الآن في الشارع في ظلام الليل هكذا؟ اليس لديك عمل في الصباح؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي