الفصول

تسللت خيوط الشمس صباحا على إستحياء ، حامية، لاسعة..ما جعلها تخفي وجهها تحت الوسادة بإنزعاج و امتعاض عتيد.. إجتاح رأسها صداع قوي فشدت على الوسادة بإرهاق ثم رمتها أرضا لتستقم ناظرة في أرجاء الغرفة بإستطلاع ، لبثت واقفة ثم حركت خصلات شعرها قائلة  : هل هو في الأسفل ياترى ؟

إحتضن كف يدها  بكرة الباب  ثم فتحته و خرجت بهدوء... بعد لحظات كانت جالسة على الأريكة ممسكة هاتفها ثم رفعته على أذنها منتظرة تلقي الرد من الطرف الآخر بقلة صبر .. و بصوت بدا على مشارف الغضب قالت : أين أنت ؟ هل ذهبت عملك في أول صباحية لنا كزوجين؟!

تنهدت  بغيض بعد رده و أغلقت الهاتف بعصبية ملقية إياه على الأريكة ثم مضت ناحية المطبخ لتملئ الكأس ماء ثم تجرعته بهدوء.. وضعته على الطاولة و قد إستدارت بلهفة حينما  أصغت لصوت السيارة في الخارج ..
دلف بهدوء ثم ألقى بالمفاتيح  على الطاولة متنهدا بإرهاق ثم جلس واضعا يده على الأريكة قائلا : تعالي لنتحدث ...

إنصاعت له و جلست بهدوء في حين باشر هو كلامه قائلا بتعب : كنت عند "ورد" إشتقت إليها فلم أتعود على الغياب عنها لأيام ..أخاف أن تنتكس بمفردها ..

صمت قليلا ثم نظر داخل عيناها قائلا : لما لم يتصل أخاك طوال هذه الفترة ألا يهمه أمركما؟

إبتلعت ريقها بقلق ثم قالت بتردد : أختك .. هل هي بخير الٱن؟ ما أصابها !

بدا غير مهتم البتة بسؤالها فقال مبددا كل محاولاتها في الهروب : إتصلي بأخاك..

فتحت عيناها على وسعهما بصدمة ثم قالت : الآن ؟! ماذا سأخبره؟ لماذا أتواصل معه الٱن؟

ربت على خصلات شعرها بهدوء رزين ثم تمتم: الآن ..يا زوجتي المصون ..الآن..

لوهلة لمحت نظرات تهديد في عيناه لتبتلع ريقها قائلة : حسنا .. لكن هل يمكنك أن تعدني وعدا حر؟

نفى برأسه و قال و قد فهم رجائها الخفي : لا يمكنني أن لا أؤذي أخاك فلا تحاولي ..

نهض من مكانه ثم سار بصلابة قائلا: ستأتي والدتك مساء ..

رحل تاركا إياها تذرف الدموع بقلق و خوف من ما هو آت.. تنهدت متمتمة بتضرع : يارب اللهم لا تحملني ما لا طاقة لي به و اعفو عني و أغفر لي و ارحمني يارب"

_______________

_ " هي في عيناي يا حماتي لا تقلقي "

تشدق بها هارون ردا على وصاية حماته على إبنتها 
فإبتسمت داعية لهم بالسعادة و الهناء و الذرية الصالحة ..

_ " أمي لما لا تبيتين ليلتك هذه عندي "

قالتها حياة بتسرع و لهفة فإبتسمت لها والدتها قائلة بحب : حبيبتي أنت لازلت عروسا جديدة ثم أنني لا أريد أن أكون الحماة الثقيلة "

ضحكت في آخر كلماتها ليبتسم هارون و قد أرست عيناه يراقب تعابير زوجته التي بدت و كأنها قلقة ثم قال : هذا البيت بيتك يا أمي إن أردتي البقاء عمرا بحاله لن يمنعك أحدا..

إبتسمت بفخر ثم قالت : حفظك الله يا بني و جعله  بيتا عامرا لكما ملؤه الهناء و المودة إن شاء الله يا بني "

بعد رحيل والدتها جلس على الأريكة ثم قال بجدية : تعالي إجلسي بجانبي ..

تقدمت منه ثم جلست تفرك يديها بتوتر لاحظه فباشر بالكلام قائلا : مما أنتي قلقة!

رفعت عيناها له و قد فاجئه رؤية دموعها ثم قالت : أنا لا أشعر بالأمان .. أردت أن تبقى والدتي هذه الليلة .. أشعر و كأني طفلة في حاجة للإختباء في حضن والدتها ..

إجتاحه شعور غريب في إحتضانها و تبديد كل مخاوفها و قد هاله أن هذا الخوف هو سببه..

مرر أصابعه الخشنة على خصلات شعرها الرقيقة الناعمة ثم أمسك يدها ووضعها داخل قبضة يديه بإحكام ثم قال : "حياة " أنا أمانك ، أنا ملجأك ووطنك بعد الآن .. أعلم أن خوفك الأكبر هو مني.. لكن صدقينني أخبرتك سابقا لا نية لي بإيذائك ، أنتي زوجتي ، و حبيبتي ..منذ رأيتك و انت تشغلين بالي و فكري..

نظرت له بشرود و ضياع و قد عاد بها تفكيرها إلى أول يوم رأته فيه ..

عودة إلى الماضي

_ " من هذا ؟ "

نظرت لها زميلتها بإبتسامة ثم قالت : السيد هارون تقصدين؟ أوه إنه صاحب الميتم ..لا تعرفينه حقا؟

_ تعلمين لازلت جديدة هنا ..لم أتعرف على أحد هنا عدا الاطفال..

إبتهجت الفتاة على هذه السيرة و قالت : صحيح سمعت انك أصبحتي المرشدة النفسية المحبوبة من قبل الفتيات و الصبيان في الدار .. يقال أنك تقدمين الحلوى لهم كل صباح ..هل لي بواحدة مثلهم؟

ضحكت "حياة " فرحة ثم قالت : سأشتري المزيد من الحلوى إذا ..

إبتسمت الفتاة لكنها صمتت حينما رأت السيد "هارون يقف " أمامهم قائلا  بصرامة : عساه خيرا أرى العاملات منشغلات بالضحك عن العمل ..

إستأذنت الفتاة بأدب ورحلت تاركة حياة بمفردها رفقته لتبتسم بهدوء معتذرة و قبل ذهابها أوقفها قائلا : آنسة " حياة" أليس كذلك ؟

أومئت بهدوء ليبتسم قائلا  : المرشدة النفسية المحبوبة في الميتم ..

إكتست خدودها إحمرارا طفيف قائلة : هذا شرف لي ..

إتسعت إبتسامته ثم تركها فجأة دون التفوه بأي كلمة..

"عودة إلى الحاضر"

" حيـــــــــاة"
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي