الفصل الثالث
تسللت خيوط الشمس صباحا على إستحياء ، حامية، لاسعة..ما جعلها تخفي وجهها تحت الوسادة بإنزعاج و امتعاض عتيد.. إجتاح رأسها صداع قوي فشدت على الوسادة بإرهاق ثم رمتها أرضا لتستقم ناظرة في أرجاء الغرفة بإستطلاع ، لبثت واقفة ثم حركت خصلات شعرها قائلة : هل هو في الأسفل ياترى ؟
إحتضن كف يدها بكرة الباب ثم فتحته و خرجت بهدوء... بعد لحظات كانت جالسة على الأريكة ممسكة هاتفها ثم رفعته على أذنها منتظرة تلقي الرد من الطرف الآخر بقلة صبر .. و بصوت بدا على مشارف الغضب قالت : أين أنت ؟ هل ذهبت عملك في أول صباحية لنا كزوجين؟!
تنهدت بغيض بعد رده و أغلقت الهاتف بعصبية ملقية إياه على الأريكة ثم مضت ناحية المطبخ لتملئ الكأس ماء ثم تجرعته بهدوء.. وضعته على الطاولة و قد إستدارت بلهفة حينما أصغت لصوت السيارة في الخارج ..
دلف بهدوء ثم ألقى بالمفاتيح على الطاولة متنهدا بإرهاق ثم جلس واضعا يده على الأريكة قائلا : تعالي لنتحدث ...
إنصاعت له و جلست بهدوء في حين باشر هو كلامه قائلا بتعب : كنت عند "ورد" إشتقت إليها فلم أتعود على الغياب عنها لأيام ..أخاف أن تنتكس بمفردها ..
صمت قليلا ثم نظر داخل عيناها قائلا : لما لم يتصل أخاك طوال هذه الفترة ألا يهمه أمركما؟
إبتلعت ريقها بقلق ثم قالت بتردد : أختك .. هل هي بخير الٱن؟ ما أصابها !
بدا غير مهتم البتة بسؤالها فقال مبددا كل محاولاتها في الهروب : إتصلي بأخاك..
فتحت عيناها على وسعهما بصدمة ثم قالت : الآن ؟! ماذا سأخبره؟ لماذا أتواصل معه الٱن؟
ربت على خصلات شعرها بهدوء رزين ثم تمتم: الآن ..يا زوجتي المصون ..الآن..
لوهلة لمحت نظرات تهديد في عيناه لتبتلع ريقها قائلة : حسنا .. لكن هل يمكنك أن تعدني وعدا حر؟
نفى برأسه و قال و قد فهم رجائها الخفي : لا يمكنني أن لا أؤذي أخاك فلا تحاولي.. القصاص يا زوجتي ..
نهض من مكانه ثم سار بصلابة قائلا: ستأتي والدتك مساء ..
رحل تاركا إياها تذرف الدموع بقلق و خوف من ما هو آت.. تنهدت متمتمة بتضرع : يارب اللهم لا تحملني ما لا طاقة لي به و اعفو عني و أغفر لي و ارحمني يارب"
_______________
_ " هي في عيناي يا حماتي لا تقلقي "
تشدق بها هارون ردا على وصاية حماته على إبنتها
فإبتسمت داعية لهم بالسعادة و الهناء و الذرية الصالحة ..
_ " أمي لما لا تبيتين ليلتك هذه عندي "
قالتها حياة بتسرع و لهفة فإبتسمت لها والدتها قائلة بحب : حبيبتي أنت لازلت عروسا جديدة ثم أنني لا أريد أن أكون الحماة الثقيلة "
ضحكت في آخر كلماتها ليبتسم هارون و قد أرست عيناه يراقب تعابير زوجته التي بدت و كأنها قلقة ثم قال : هذا البيت بيتك يا أمي إن أردتي البقاء عمرا بحاله لن يمنعك أحدا..
إبتسمت بفخر ثم قالت : حفظك الله يا بني و جعله بيتا عامرا لكما ملؤه الهناء و المودة إن شاء الله يا بني "
______
بعد رحيل والدتها جلس على الأريكة ثم قال بجدية : تعالي إجلسي بجانبي ..
تقدمت منه ثم جلست تفرك يديها بتوتر لاحظه فباشر بالكلام قائلا : مما أنتي قلقة!
رفعت عيناها له و قد فاجئه رؤية دموعها ثم قالت : أنا لا أشعر بالأمان .. أردت أن تبقى والدتي هذه الليلة .. أشعر و كأني طفلة في حاجة للإختباء في حضن والدتها ..
إجتاحه شعور غريب في إحتضانها و تبديد كل مخاوفها و قد هاله أن هذا الخوف هو سببه..
مرر أصابعه الخشنة على خصلات شعرها الرقيقة الناعمة ثم أمسك يدها ووضعها داخل قبضة يديه بإحكام ثم قال : "حياة " أنا أمانك ، أنا ملجأك ووطنك بعد الآن .. أعلم أن خوفك الأكبر هو مني.. لكن صدقينني أخبرتك سابقا لا نية لي بإيذائك ، أنتي زوجتي ، و حبيبتي ..منذ رأيتك و انت تشغلين بالي و فكري..
نظرت له بشرود و ضياع و قد عاد بها تفكيرها إلى أول يوم رأته فيه ..
Flash back
_ " من هذا ؟ "
نظرت لها زميلتها بإبتسامة ثم قالت : السيد هارون تقصدين؟ أوه إنه صاحب الميتم ..لا تعرفينه حقا؟
_ تعلمين لازلت جديدة هنا ..لم أتعرف على أحد هنا عدا الاطفال..
إبتهجت الفتاة على هذه السيرة و قالت : صحيح سمعت انك أصبحتي المرشدة النفسية المحبوبة من قبل الفتيات و الصبيان في الدار .. يقال أنك تقدمين الحلوى لهم كل صباح ..هل لي بواحدة مثلهم؟
ضحكت "حياة " فرحة ثم قالت : سأشتري المزيد من الحلوى إذا ..
إبتسمت الفتاة لكنها صمتت حينما رأت السيد "هارون يقف " أمامهم قائلا بصرامة : عساه خيرا أرى العاملات منشغلات بالضحك عن العمل ..
إستأذنت الفتاة بأدب ورحلت تاركة حياة بمفردها رفقته لتبتسم بهدوء معتذرة و قبل ذهابها أوقفها قائلا : آنسة " حياة" أليس كذلك ؟
أومئت بهدوء ليبتسم قائلا : المرشدة النفسية المحبوبة في الميتم ..
إكتست خدودها إحمرارا طفيف قائلة : هذا شرف لي ..
إتسعت إبتسامته ثم تركها فجأة دون التفوه بأي كلمة..
Back
" حيـــــــــاة"
رفعت بصرها بشرود ثم همهمت بإستجابة : أعتذر عن شرودي ..
رفع يدها محتضنا إياها ثم قبلها متمتما : لا تشردي ولا تقلقي أنا هنا.. و صدقينني لا نية لي في إيذائك ..
سحبت يدها بتوتر قائلة : ماذا عن أخي يا هارون ! لا نية لك في إيذائه هو الآخر ؟!
ضحك بقوة حتى إبتسمت عيناه ثم قال : أخاك ! نعم طبعا يا صغيرة لن أؤذي أخاك .. سأقتله دون تعذيب ما رأيك؟
إتسعت عيناها بخوف ثم نهضت واقفة و ركضت لغرفتها .. تبعتها نظراته ثم خطواته ففتح باب الغرفة فوجدها تقف أمام التسريحة ناظرة لنفسها في المرآة بشرود ..إقترب منها و قد هالها رائحة عطره لتغمض عيناها سامحة لدموعها بالتسلل على كلتا خدودها ... شعرت بلمسات أصابعه تتحرك ببطئ على كلتا ذراعيها في لمسات حنونة هادئة ثم أدارها له و قد نظر في كلتا عيناها قائلا : ستنسين موضوع اخاك يا حبيبة قلبي أتركي هذا الموضوع لي فحسب .. لا تروقني حالة التوتر و الخوف التي أنت عليها ..
إقترب منها و قد اغمضت عيناها منتظرة قبلته بحب و مشاعر أغدقت قلبها بدقات سريعة .. لكن و في لحظة كان قد قاطع قبلتهما رنين هاتفها لتفتح عيناها و قد انقبض قلبها و ازدادت دقاته ...
أدارت رأسها عالتسريحة و ألقت نظرة على هاتفها الذي لم يتوقف عن الرنين و قد قرأت ذلك الإسم بوضوح أرعبها " يحيى " ضغطت على زر إلغاء المكالمة و إستدارت مسرعة تحتضن هارون بقوة متمتمة برعب : إنها أمي سأعيد الإتصال لاحقا ...
شد على إحتضانها ممتص كل إرتعاشاتها و خوفها و قد ضغط على أسنانه بغضب ناظرا للهاتف متوعدا .. حملها بين يديه ثم جلس على الفراش و هي في حضنه ماسحا على خصلات شعرها بحب قائلا : أخلدي لنوم يا صغيرتي تبدين متعبة .. بإمكانك الإتصال بوالدتك في وقت لاحق ..
أبعدها عن حضنه قليلا قائلا بحنو : حبيبتي لما البكاء ما الأمر ؟
نظرت داخل عيناها قائلة من بين شهقاتها : أنا خائفة .. لم يكن هذا ما حلمت به .. حينما أغمض عيناي في هذا البيت لا أستطيع التفكير إلا في القتل و القصاص و الدماء .. و .. نهايتي ..
مسح دموعها مشفقا ثم احتضنها بقوة متمتما : أنا آسف والله ٱسف لما أقحمتك فيه .. لكن يا حبيبي لا تشغلي بالك .. إسمعي أنا و اخاك سنتحدث فقط و سنحل الموضوع لا تقلقي حسنا ..
كادت تتكلم لكنه أوقفها قائلا بحزم : هيا حبيبي أخلدي لنوم لا تخافي..
دست وجهها في حضنه بقوة راغبة في الإختباء داخل قلبه فشد على إحتضانها ثم دندن بتهويدة أطفال لتضحك فيبتسم قائلا : نامي..أنا هنا..
بعد دقائق وضعها على الفراش برفق ثم نهض وأمسك هاتفها ناظرا لذلك الرقم بإنتقام ..
خرج من الغرفة ثم إتصل به و قد أتاه صوته البغيض قائلا : حياة كيف حالك ؟ ..
ضغط على الهاتف بقوة ثم أغلق الهاتف بقوة قائلا: أسف لكنني لن أستطيع إخراجكِ من هذه اللعبة
.............
في صباح اليوم التالي نهضت بتثاقل لتجده ينظر ناحيتها مبتسما.. إبتسمت تلقائيا ليقترب مقبلا خدها بحب قائلا : صباح الجمال كيف حال حبيبي اليوم ها ..
_ الحمدلله أنا بخير .. هل صليت الفجر ؟ هل صليت بدوني؟
شعر بتوتر من سؤالها ليمسح على شعره بإرتباك ثم حمحم قائل بصوت منخفض : صليت..
شعرت بإرتباكه لتنهض من مكانها واقفة أمامه ثم قالت : ما بك؟! هارون .. لم تصلي؟ ..لا تصلي؟!
حمحم بصوت متوتر شاعرا بالذنب و كأنه طفل صغير : لا أنا أصلي لكن "أحيانا" ..
أحاطت وجهه بكلتا يديها قائلة : أحيانا لا تجوز في الصلاة يا حبيبي.. أ يناديك الله و تأتيه فقط أحيانا؟ أيناديك الله و تتجاهل ندائه يا هارون؟
أبعد يديها و قد بدا متضايقا من نفسه و من موقفه ثم قال : أنا حياتي ليست كما تتخيلينها يا حياة ... حياتي مليئة بالخطايا و الذنوب و المعاصي و المحرمات.. لن يناديني الله ابدا بعد كل ما فعلت ..
إبتسمت بحب ثم قالت : لكنني أرى في عيناك الندم و الحسرة و هي من التوبة و الرغبة في الرجوع إلى الله و قد قال الله تعالى : " إلا من تاب و آمن و عمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات و كان الله غفورا رحيما "
شعر بالفخر من كون هذا الملاك هي زوجته ليبتسم قائلا : أعدك أن أصلح حياتي و أن لا أهمل نداء الله و أن أترك لك نفسي حتى تصلحي ما أفسدته ..
إحتضنته قائلة بإبتسامة: حسنا إتفقنا يا زوجي الحبيب ..
رن هاتفه لتبتعد مترقبة ثم قالت : من ؟ أختك ؟
أشار ب "لا" ثم خرج من الغرفة إستغربت من الأمر و قد شعرت أن الأمر يخص أخاها..
دلف الغرفة ثم قال فجأة : حياة .. لقد إتصل بك اخاك ليلة أمس .. ستتصلين به لتخبرينه أنك تزوجتي من رجل أعمال ذو شركات كبرى و أنه يغدقك بالمال الكثير و يحقق كل أحلامك .. و ست..
قاطعته صارخة بغضب : هل تظن أنني أطمع في مالك هذا ؟؟؟
حذرها بعيناه ثم قال بحدة : لا تقاطعينني مرة أخرى .. ثم صوتك هذا لا ترفعينه في وجهي ..
رفعت صوتها أكثر قائلة : تبا لغرورك و أنانيتك و غطرستك هذه .. أنا لا أطمع في مالك القذر هذا ..
سأذهب لبيتي و لن ترى وجهي ثانية لقد مللت منك و من اوامرك هذه و حياتك ال..
أمسكها من يدها بقوة قائلا بتحذير و نظرة بدت لها مخيفة لم تراها مسبقا منه : ستبقين و ستنفذين ما أمرك به .. أرجوك ارجوك لا تخرجين الشخص المتوحش الذي بداخلي لمواجهتك "أنت"..
ترك يدها ثم قال بصوت هادئ بعد رؤية خوفها : لقد تحريت عن مكان أخاك .. إنه في برلين كان يواعد فتاة أجنبية يعيش رفقتها في بيت واحد.. يأخذ مالها و يوهمها بالحب .. لكن صغيرنا هذا في فترة صعبة بعد إنفصالها عنه حيث طردته من البيت و البارحة إتصل بك لربما يرغب في أن تدينينه المال ..! لهذا لا تقاطعي كلامي ثانية .. ستخبريه أن زوجك شديد الثراء و أنه لو كان متواجدا هنا لكنت وجدت له عملا محترما مع مرتب خيالي ... و أخبريه أنك تهتمين بحياته و أن والدته إشتاقت له و قد وجدت له عروس شديدة الجمال و فاتنة ... ستتحدثين بحماس و أنك سعيدة جدا بحياتك هذه .. و ستستغربين في البداية إهتمامه و إتصاله بك ..
مع كل كلمة ينطقها تتسع عيناها مصدومة من كمية المعلومات التي بحوزته ناحية أخاها...
_ كيف علمت بهذا؟!
إبتسم ثم قبل خدها قائلا : هذه فقط البداية .. دعيه فقط يقع تحت يدي ..
خرج من الغرفة لتجلس عالسرير متأففة ثم نهضت لتغير ملابسها ..
_________
إحتضن كف يدها بكرة الباب ثم فتحته و خرجت بهدوء... بعد لحظات كانت جالسة على الأريكة ممسكة هاتفها ثم رفعته على أذنها منتظرة تلقي الرد من الطرف الآخر بقلة صبر .. و بصوت بدا على مشارف الغضب قالت : أين أنت ؟ هل ذهبت عملك في أول صباحية لنا كزوجين؟!
تنهدت بغيض بعد رده و أغلقت الهاتف بعصبية ملقية إياه على الأريكة ثم مضت ناحية المطبخ لتملئ الكأس ماء ثم تجرعته بهدوء.. وضعته على الطاولة و قد إستدارت بلهفة حينما أصغت لصوت السيارة في الخارج ..
دلف بهدوء ثم ألقى بالمفاتيح على الطاولة متنهدا بإرهاق ثم جلس واضعا يده على الأريكة قائلا : تعالي لنتحدث ...
إنصاعت له و جلست بهدوء في حين باشر هو كلامه قائلا بتعب : كنت عند "ورد" إشتقت إليها فلم أتعود على الغياب عنها لأيام ..أخاف أن تنتكس بمفردها ..
صمت قليلا ثم نظر داخل عيناها قائلا : لما لم يتصل أخاك طوال هذه الفترة ألا يهمه أمركما؟
إبتلعت ريقها بقلق ثم قالت بتردد : أختك .. هل هي بخير الٱن؟ ما أصابها !
بدا غير مهتم البتة بسؤالها فقال مبددا كل محاولاتها في الهروب : إتصلي بأخاك..
فتحت عيناها على وسعهما بصدمة ثم قالت : الآن ؟! ماذا سأخبره؟ لماذا أتواصل معه الٱن؟
ربت على خصلات شعرها بهدوء رزين ثم تمتم: الآن ..يا زوجتي المصون ..الآن..
لوهلة لمحت نظرات تهديد في عيناه لتبتلع ريقها قائلة : حسنا .. لكن هل يمكنك أن تعدني وعدا حر؟
نفى برأسه و قال و قد فهم رجائها الخفي : لا يمكنني أن لا أؤذي أخاك فلا تحاولي.. القصاص يا زوجتي ..
نهض من مكانه ثم سار بصلابة قائلا: ستأتي والدتك مساء ..
رحل تاركا إياها تذرف الدموع بقلق و خوف من ما هو آت.. تنهدت متمتمة بتضرع : يارب اللهم لا تحملني ما لا طاقة لي به و اعفو عني و أغفر لي و ارحمني يارب"
_______________
_ " هي في عيناي يا حماتي لا تقلقي "
تشدق بها هارون ردا على وصاية حماته على إبنتها
فإبتسمت داعية لهم بالسعادة و الهناء و الذرية الصالحة ..
_ " أمي لما لا تبيتين ليلتك هذه عندي "
قالتها حياة بتسرع و لهفة فإبتسمت لها والدتها قائلة بحب : حبيبتي أنت لازلت عروسا جديدة ثم أنني لا أريد أن أكون الحماة الثقيلة "
ضحكت في آخر كلماتها ليبتسم هارون و قد أرست عيناه يراقب تعابير زوجته التي بدت و كأنها قلقة ثم قال : هذا البيت بيتك يا أمي إن أردتي البقاء عمرا بحاله لن يمنعك أحدا..
إبتسمت بفخر ثم قالت : حفظك الله يا بني و جعله بيتا عامرا لكما ملؤه الهناء و المودة إن شاء الله يا بني "
______
بعد رحيل والدتها جلس على الأريكة ثم قال بجدية : تعالي إجلسي بجانبي ..
تقدمت منه ثم جلست تفرك يديها بتوتر لاحظه فباشر بالكلام قائلا : مما أنتي قلقة!
رفعت عيناها له و قد فاجئه رؤية دموعها ثم قالت : أنا لا أشعر بالأمان .. أردت أن تبقى والدتي هذه الليلة .. أشعر و كأني طفلة في حاجة للإختباء في حضن والدتها ..
إجتاحه شعور غريب في إحتضانها و تبديد كل مخاوفها و قد هاله أن هذا الخوف هو سببه..
مرر أصابعه الخشنة على خصلات شعرها الرقيقة الناعمة ثم أمسك يدها ووضعها داخل قبضة يديه بإحكام ثم قال : "حياة " أنا أمانك ، أنا ملجأك ووطنك بعد الآن .. أعلم أن خوفك الأكبر هو مني.. لكن صدقينني أخبرتك سابقا لا نية لي بإيذائك ، أنتي زوجتي ، و حبيبتي ..منذ رأيتك و انت تشغلين بالي و فكري..
نظرت له بشرود و ضياع و قد عاد بها تفكيرها إلى أول يوم رأته فيه ..
Flash back
_ " من هذا ؟ "
نظرت لها زميلتها بإبتسامة ثم قالت : السيد هارون تقصدين؟ أوه إنه صاحب الميتم ..لا تعرفينه حقا؟
_ تعلمين لازلت جديدة هنا ..لم أتعرف على أحد هنا عدا الاطفال..
إبتهجت الفتاة على هذه السيرة و قالت : صحيح سمعت انك أصبحتي المرشدة النفسية المحبوبة من قبل الفتيات و الصبيان في الدار .. يقال أنك تقدمين الحلوى لهم كل صباح ..هل لي بواحدة مثلهم؟
ضحكت "حياة " فرحة ثم قالت : سأشتري المزيد من الحلوى إذا ..
إبتسمت الفتاة لكنها صمتت حينما رأت السيد "هارون يقف " أمامهم قائلا بصرامة : عساه خيرا أرى العاملات منشغلات بالضحك عن العمل ..
إستأذنت الفتاة بأدب ورحلت تاركة حياة بمفردها رفقته لتبتسم بهدوء معتذرة و قبل ذهابها أوقفها قائلا : آنسة " حياة" أليس كذلك ؟
أومئت بهدوء ليبتسم قائلا : المرشدة النفسية المحبوبة في الميتم ..
إكتست خدودها إحمرارا طفيف قائلة : هذا شرف لي ..
إتسعت إبتسامته ثم تركها فجأة دون التفوه بأي كلمة..
Back
" حيـــــــــاة"
رفعت بصرها بشرود ثم همهمت بإستجابة : أعتذر عن شرودي ..
رفع يدها محتضنا إياها ثم قبلها متمتما : لا تشردي ولا تقلقي أنا هنا.. و صدقينني لا نية لي في إيذائك ..
سحبت يدها بتوتر قائلة : ماذا عن أخي يا هارون ! لا نية لك في إيذائه هو الآخر ؟!
ضحك بقوة حتى إبتسمت عيناه ثم قال : أخاك ! نعم طبعا يا صغيرة لن أؤذي أخاك .. سأقتله دون تعذيب ما رأيك؟
إتسعت عيناها بخوف ثم نهضت واقفة و ركضت لغرفتها .. تبعتها نظراته ثم خطواته ففتح باب الغرفة فوجدها تقف أمام التسريحة ناظرة لنفسها في المرآة بشرود ..إقترب منها و قد هالها رائحة عطره لتغمض عيناها سامحة لدموعها بالتسلل على كلتا خدودها ... شعرت بلمسات أصابعه تتحرك ببطئ على كلتا ذراعيها في لمسات حنونة هادئة ثم أدارها له و قد نظر في كلتا عيناها قائلا : ستنسين موضوع اخاك يا حبيبة قلبي أتركي هذا الموضوع لي فحسب .. لا تروقني حالة التوتر و الخوف التي أنت عليها ..
إقترب منها و قد اغمضت عيناها منتظرة قبلته بحب و مشاعر أغدقت قلبها بدقات سريعة .. لكن و في لحظة كان قد قاطع قبلتهما رنين هاتفها لتفتح عيناها و قد انقبض قلبها و ازدادت دقاته ...
أدارت رأسها عالتسريحة و ألقت نظرة على هاتفها الذي لم يتوقف عن الرنين و قد قرأت ذلك الإسم بوضوح أرعبها " يحيى " ضغطت على زر إلغاء المكالمة و إستدارت مسرعة تحتضن هارون بقوة متمتمة برعب : إنها أمي سأعيد الإتصال لاحقا ...
شد على إحتضانها ممتص كل إرتعاشاتها و خوفها و قد ضغط على أسنانه بغضب ناظرا للهاتف متوعدا .. حملها بين يديه ثم جلس على الفراش و هي في حضنه ماسحا على خصلات شعرها بحب قائلا : أخلدي لنوم يا صغيرتي تبدين متعبة .. بإمكانك الإتصال بوالدتك في وقت لاحق ..
أبعدها عن حضنه قليلا قائلا بحنو : حبيبتي لما البكاء ما الأمر ؟
نظرت داخل عيناها قائلة من بين شهقاتها : أنا خائفة .. لم يكن هذا ما حلمت به .. حينما أغمض عيناي في هذا البيت لا أستطيع التفكير إلا في القتل و القصاص و الدماء .. و .. نهايتي ..
مسح دموعها مشفقا ثم احتضنها بقوة متمتما : أنا آسف والله ٱسف لما أقحمتك فيه .. لكن يا حبيبي لا تشغلي بالك .. إسمعي أنا و اخاك سنتحدث فقط و سنحل الموضوع لا تقلقي حسنا ..
كادت تتكلم لكنه أوقفها قائلا بحزم : هيا حبيبي أخلدي لنوم لا تخافي..
دست وجهها في حضنه بقوة راغبة في الإختباء داخل قلبه فشد على إحتضانها ثم دندن بتهويدة أطفال لتضحك فيبتسم قائلا : نامي..أنا هنا..
بعد دقائق وضعها على الفراش برفق ثم نهض وأمسك هاتفها ناظرا لذلك الرقم بإنتقام ..
خرج من الغرفة ثم إتصل به و قد أتاه صوته البغيض قائلا : حياة كيف حالك ؟ ..
ضغط على الهاتف بقوة ثم أغلق الهاتف بقوة قائلا: أسف لكنني لن أستطيع إخراجكِ من هذه اللعبة
.............
في صباح اليوم التالي نهضت بتثاقل لتجده ينظر ناحيتها مبتسما.. إبتسمت تلقائيا ليقترب مقبلا خدها بحب قائلا : صباح الجمال كيف حال حبيبي اليوم ها ..
_ الحمدلله أنا بخير .. هل صليت الفجر ؟ هل صليت بدوني؟
شعر بتوتر من سؤالها ليمسح على شعره بإرتباك ثم حمحم قائل بصوت منخفض : صليت..
شعرت بإرتباكه لتنهض من مكانها واقفة أمامه ثم قالت : ما بك؟! هارون .. لم تصلي؟ ..لا تصلي؟!
حمحم بصوت متوتر شاعرا بالذنب و كأنه طفل صغير : لا أنا أصلي لكن "أحيانا" ..
أحاطت وجهه بكلتا يديها قائلة : أحيانا لا تجوز في الصلاة يا حبيبي.. أ يناديك الله و تأتيه فقط أحيانا؟ أيناديك الله و تتجاهل ندائه يا هارون؟
أبعد يديها و قد بدا متضايقا من نفسه و من موقفه ثم قال : أنا حياتي ليست كما تتخيلينها يا حياة ... حياتي مليئة بالخطايا و الذنوب و المعاصي و المحرمات.. لن يناديني الله ابدا بعد كل ما فعلت ..
إبتسمت بحب ثم قالت : لكنني أرى في عيناك الندم و الحسرة و هي من التوبة و الرغبة في الرجوع إلى الله و قد قال الله تعالى : " إلا من تاب و آمن و عمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات و كان الله غفورا رحيما "
شعر بالفخر من كون هذا الملاك هي زوجته ليبتسم قائلا : أعدك أن أصلح حياتي و أن لا أهمل نداء الله و أن أترك لك نفسي حتى تصلحي ما أفسدته ..
إحتضنته قائلة بإبتسامة: حسنا إتفقنا يا زوجي الحبيب ..
رن هاتفه لتبتعد مترقبة ثم قالت : من ؟ أختك ؟
أشار ب "لا" ثم خرج من الغرفة إستغربت من الأمر و قد شعرت أن الأمر يخص أخاها..
دلف الغرفة ثم قال فجأة : حياة .. لقد إتصل بك اخاك ليلة أمس .. ستتصلين به لتخبرينه أنك تزوجتي من رجل أعمال ذو شركات كبرى و أنه يغدقك بالمال الكثير و يحقق كل أحلامك .. و ست..
قاطعته صارخة بغضب : هل تظن أنني أطمع في مالك هذا ؟؟؟
حذرها بعيناه ثم قال بحدة : لا تقاطعينني مرة أخرى .. ثم صوتك هذا لا ترفعينه في وجهي ..
رفعت صوتها أكثر قائلة : تبا لغرورك و أنانيتك و غطرستك هذه .. أنا لا أطمع في مالك القذر هذا ..
سأذهب لبيتي و لن ترى وجهي ثانية لقد مللت منك و من اوامرك هذه و حياتك ال..
أمسكها من يدها بقوة قائلا بتحذير و نظرة بدت لها مخيفة لم تراها مسبقا منه : ستبقين و ستنفذين ما أمرك به .. أرجوك ارجوك لا تخرجين الشخص المتوحش الذي بداخلي لمواجهتك "أنت"..
ترك يدها ثم قال بصوت هادئ بعد رؤية خوفها : لقد تحريت عن مكان أخاك .. إنه في برلين كان يواعد فتاة أجنبية يعيش رفقتها في بيت واحد.. يأخذ مالها و يوهمها بالحب .. لكن صغيرنا هذا في فترة صعبة بعد إنفصالها عنه حيث طردته من البيت و البارحة إتصل بك لربما يرغب في أن تدينينه المال ..! لهذا لا تقاطعي كلامي ثانية .. ستخبريه أن زوجك شديد الثراء و أنه لو كان متواجدا هنا لكنت وجدت له عملا محترما مع مرتب خيالي ... و أخبريه أنك تهتمين بحياته و أن والدته إشتاقت له و قد وجدت له عروس شديدة الجمال و فاتنة ... ستتحدثين بحماس و أنك سعيدة جدا بحياتك هذه .. و ستستغربين في البداية إهتمامه و إتصاله بك ..
مع كل كلمة ينطقها تتسع عيناها مصدومة من كمية المعلومات التي بحوزته ناحية أخاها...
_ كيف علمت بهذا؟!
إبتسم ثم قبل خدها قائلا : هذه فقط البداية .. دعيه فقط يقع تحت يدي ..
خرج من الغرفة لتجلس عالسرير متأففة ثم نهضت لتغير ملابسها ..
_________