القهوة

في القصر كانت ملاك تجلس على السرير في تلك الغرفة بملل و هي تأفف لأنها جائعة، لقد قاربت الساعة على الرابعة مساء وهي لم تأكل شئ منذ البارحة ..
كانت تفكر في حل ولم تجد ...لعنت نفسها على غبائها و شعرت برغبة في البكاء..

لم تشعر إلا و قد فتح الباب لتجده يدلف بخطوات بطيئة مغلقا الباب ورائه حينما رأته خافت ولكنها تشعر بالكسل ولا تستطيع حتى التحرك تشعر بدوار فظيع رفعت عيناها الساخطة نحوه ليتقدم هو منها قائلا:ماذا هل خرجت الفأرة من جحرها؟

نظرت له وهي تقول بلامبالة :خرجت لأنني جائعة

نهض من مكانه ليخرج ليسمع صوتها الرقيق: لا تغلقه مجددا ..

نظر لها قليلا ليخرج من الغرفة تاركا الباب مفتوح
دخل المطبخ ليوجه كلامه للخادمة قائلا: قومي بإعداد حساء خضار لنرى إن كانت ستتدلل على الطعام كما هو العادة..

بعد أن تم إعداد الحساء أخذه وصعد به لتلك التي أرهقها الإنتضار ليشفق عليها النوم ويجعل عيناها السمائية تسافر في عالم الأحلام ..

دلف الغرفة حاملا طبق به الحساء وكأس من الماء ليتفاجئ بها نائمة في وضعية الجنين ليتقدم منها واضعا الطبق على الطاولة جالسا بجانبها يتطلع في جمال وجهها وتلك البرائة الطاغية على كامل ملامحها..

تلك الرموش المغلقة بأريحية مانعة إياه من رؤية سماء عيناها التي كلما نظر في محيطهم شعور تهرب الكلمات من جوفه لوصفه كل ملامحها ملائكية بحق خدودها الوردية غمازاتها التي تزيدها فتنة.. خصلات شعرها المتناثرة على وجهها هل هي ملاك سقط من السماء بالخطأ ..!!

نفض تلك الأفكار من رأسه ليضربها بخفة على خدودها قائلا:أنت.. إستيقظي

ملاك بنعاس:أتركينني أمي أنا لم أنم جيدا البارحة

إبتسم على كلامها ليقوم بوضع الطاولة بقرب السرير ..ثم همَّ بإفاقتها وعدل من وضعيتها لتستقيم بنعاس وهي تدعك عيناها ليبتسم على فعلتها قائلا:هيا كفاكي كسل..

فزعت هي من نومها حينما إستمعت لصوته قائلة ولازال النعاس متشبثا بعيناها :أتركني دعني أنام ماذا تريد مني..

بلاك ببرود:كفاكِ كسلاً و إنهضي لتناول طعامك ألم تكوني جائعة!

فتحت عيناها السمائية حينما سمعت كلمة"طعام"
نظرت لطاولة أمامها لتزم شفتيها بضيق حينما رأت الحساء لتنظر له بغضب قائلة:واللعنة لست مريضة لتجلب لي حساء...!!

نظر لها ببرود؛: حقا!!هل تخالين نفسكي في فندق خمس نجوم هنا ..!! تناولي طعامك في صمت هيا ، ومابه الحساء إنه لذيذ أم أنك تعودت على تلبية رغباتك أيتها المدللة الحمقاء ..!

نظرت له بغضب لتقول ؛أنا لن أكل هذا الشئ النتن لذا أبعده من أمامي لن أكله ..

نبس بغضب : لا تقولي عن الطعام هكذا فغيرك يأكل الخبز القاسي والأن حتى لو أردتِي أكله فأنا لن أسمح لكِ..

نهض من مكانه مبعدا الطاولة لتنهض الأخرى ودموعها على خديها من كلماته الجارحة هي لم تكن تقصد شئ ولكن هي منذ صغرها تكره هذا الحساء وماذنبها إن كان والديها قد دللوها كل ماتطلبه مجاب ...

بعد برهة من خروجه دلفت ماري لكي تأخذ الطبق بعد أن أمرها بلاك لتجد ملاك تمسك بالملعقة وهي تنظر للحساء بتقزز لتبدأ بالأكل ودموعها تشكل خيطاً رفيعاً على وجنتيها الرقيقتان قائلة بصوت مخنوق :أنا لست مدللة وسأكل منه لأثبت لكَ هذا ...

وضعت الملعقة الأولى في فمها وأغلقت أنفها بيدها في حركة طفولية جعلت ماري تكتم ضحكاتها على حركاتها ..

تركتها وخرجت لتجده جالسا يشاهد التلفاز لتتوجه نحوه قائلة:سيدي

همهم بدون أن ينظر لها لتكمل الأخرى قائلة: لقد تناولته ..

إبتسم ثم قال : جيد

إستمع لصوت جرس الباب لينهض من مكانه قائلا :إذهبي أنتِ للمطبخ أنا سأفتح..

فتح الباب ليجد خدمة التوصيل قد أتت بما طلبه
أخذ علبة البيتزا ليغلق الباب متوجها لغرفته في الأعلى ..
دخل الغرفة ليجدها قد إنتهت من نصف الحساء..
رفعت عيناها نحوه حينما أحست بإنتشار عطره في أرجاء الغرفة لتقول بإنتصار ولم تفطن لما في يده: لقد أنهيت ذلك الحساء لكي أثبت لك أنك مخطأ ونصيحة لا تحكم على الناس أحكام مسبقة..

إبتسم لشجاعتها وهي تتكلم معه ليقول بمكر:حسنا أنتِ تناولتي عشائكِ جاء دوري لتناول عشائي..

تقدم من الطاولة ليضع عليها علبة البيتزا ويجلس على الكرسي ليفتح العلبة التي إنتشرت رائحتها في أرجاء الغرفة ويشمر عن ذراعيه و أمسك بإحدى القطع ثم بدأ بأكلها بتلذذ لإستفزازها ..

إبتلعت ريقها بإشتهاء لتتقدم نحوه قائلة: لما أنا أكل الحساء وأنت تأكل البيتزا هذا ليس عدل..!!

نظر لها ولايزال يأكل ليقول بهدوء:أنا حر أفعل ما أريد ولا يتجرأ أحدا على محاسبتي ..

جلست على السرير وهي تراقبه كيف يأكل بتلذذ
في حين أن تلك الرائحة جعلتها تشعر بالجوع مجددا ولكن كرامتها لا تسمح بأن تطلب منه مشاركته في تناولها ..

نظرت له نظرة غيض لتقول: أنا سأخلد لنوم ..

بلاك ببرود :وما الذي يمنعك.



- أحمق

قالتها بصوت خافت ولكنه سمعها لينهض من مكانه متقدما نحوها بخطوات مرعبة لتنظر له بتفاجئ من وقوفه وتتراجع للوراء بقلق ليجلس على السرير مقتربا من وجهها قائلا:أعيدي الذي قلته..

ملاك بإبتسامة : أتقصد أحمق !

رفع حاجبه قائلا : أصبحتي وقحة !



نظرت له بسخط لتقول : أنت الذي إستفززتني ..تأتي وتأكل هذا الشئ أمامي وأنت تعرف أنني لم أريد أكل ذلك الحساء رغم هذا أجبرتني

نظر في عيناها بهدوء:لم أجبركي

ملاك: بلى لقد فعلت ...كما كان بإمكانك الأكل في غرفة الطعام ولكنك فعلتها عمدا لكي تهينني

بلاك بإبتسامة : وكيف أهنتكِ ياصغيرة؟

- نعم أهنتني لأنك تعرف أنني لن أستطيع الصمود أمام البيتزا

بلاك بضحك :أوه لقد إكتشفنا نقطة ضعف الصغيرة إذا

إستقام ليأتي بعلبة البيتزا ليضعها أمامها قائلا:
خذي هذه البيتزا تناوليها وتوقفي عن التذمر

وقفت على الفراش بفرحة لتحتظنه بطفولية قائلة :شكرا

تصنم في مكانه عندما فعلت هذا لتبتعد هي بخجل ناظرة للأسفل قائلة : أسفة ولكن إعتدت فعل هذا مع والدي..

أومئ لها بلامبالاة ليدخل للحمام مغلقا الباب بقوة
لم تلقي بالا له لتجلس على الفراش متربعة لتشرع في أكل البيتزا وهي تصدر أصوات تلذذ ...

&&&&

في الحمام

وقف بلاك أمام المرآة نظر لنفسه بغضب ثم فتح الحنفية لينساب الماء بكل سلاسة

غسل وجهه وأرجع شعره للوراء ثم إتكئ بيديه على الحوض وزفر بغضب لينظر للمرآة قائلا :لما هذه المعاملة هااا! لما .. لالا.. يجب أن أنتقم لما فعله والدها بي وبعائلتي ذلك ال****....

خرج من الحمام بعد أن إغتسل ليجدها قد أنهت أكلها.. نظرت له لتجده قد خرج يلف نفسه بمنشفة .. أطرقت رأسها بخجل ثم نهضت من مكانها ناوية الخروج ليوقفها صوته قائلا ببرود:إلى أين ؟

تفوهت بخجل وهي تتحاشى النظر له : سأذهب للغرفة المجاورة التي وضعت بها ملابسي فنحن لن ننام في غرفة واحدة مع بعضنا بالطبع

أومئ لها بلامبالاة ليدخل غرفة الملابس ويقوم بإرتداء ملابس النوم.. إستلقى على السرير بعد ما أنهى إرتداء ملابسه بقى ينظر لسقف الغرفة يتسائل في نفسه لما لا يستطيع أذيتها؟ لما هل بسبب كلام أمه ؟ أم بسبب آخر يخشى الإعتراف به لنفسه.. تذكر مافعلته هذا الصباح ليضحك من قلبه على خططها الشيطانية ..

إبتسم بهدوء ليغمض عيناه ويغفوا أما هي فمنذ وصولها للغرفة إرتمت على السرير مستسلمة لسلطان النوم ...

############

في صباح يوم جديد نهضت ملاك من فراشها بعد أن إحتل شعاع الشمس غرفتها لتجد الوقت لايزال باكرا...

قامت بالإغتسال وإرتدت سروال جينز مع قميص رمادي وشكلت شعرها على شكل ذيل حصان وخرجت لتنزل للأسفل فتجد السيدة ماري تقوم بتنظيف المطبخ لتأتي من ورائها وتصرخ لدرجة أن ماري من شدة الفزع أوقعت الطبق الذي كانت تغسله مما جعله يتحول لأشلاء حتى أن ملاك في حد ذاتها إرتعبت..

نظرت لها ماري نظرة تأنيب وهي تضع يدها على قلبها قائلة: هل هذه صباح الخير ياإبنتي لقد كاد قلبي أن يتوقف للحظة

لم تقصد  ما فعلت لقد كانت تمزح فقط لتقول وصوتها حزين : أسفة خالتي لم أقصد ولم أرد إخافتك لهذه الدرجة ولكن... ولكنني إشتقت لأمي لقد كنت كل صباح أمزح معها هكذا ....

أصبحت تبكي  لتقوم السيدة ماري بإحتضانها قائلة بحنان مواسية : ششش صغيرتي لا تبكي

ملاك ببكاء : لا تقولي لي صغيرتي لأن ذلك اللعين دائما مايقولها ..

نظرت ماري لباب المطبخ لتتفاجئ بوقوف بلاك عاقدا ساعديه وكادت أن تقول لملاك ليحذرها برفعه يده مشيرا بالتوقف..

ملاك ولاتزال في حضن ماري الذي أحست أنه يشبه حضن والدتها لتقول:أتعلمي حضنك يذكرني بها.. أعدكِ عندما يتركني ذلك العاهر أنا وعائلتي سأقوم بتعريفكِ عليها ستحبيها..

- من العاهر؟

للحظة أحست بتوقف قلبها من الخوف شَدَّة من إحتضانها لماري وهي تقول بضحك خائف: أرجوكِ أخبريني بأنني أتخيل وأن هذا ليس صوته

ماري بأسف: أسفة عزيزتي ولكن الحقيقة أنه ورائكِ ..

أحست بخطواته تقترب لتترك حضن السيدة ماري وتمسك بأحد السكاكين قائلة:توقف إن إقتربت خطوة أخرى سس.. سأقتل نفسي

تفاجئ بلاك بما فعلته ولكن لم تتغير تعابير وجهه من البرود ليتقدم منها قائلا ببرود: أظنكِ تشاهدين الكثير من أفلام الدراما هاا؟ هل ستقتلي نفسك !متأكدة ؟

نظرت له بتوتر ثم قائلة: لا..بالطبع لا

بلاك بهدوء :.إذا أتركي تلك اللعنة من يدك

ملاك بعناد: لن أتركها .....

بلاك ببرود:ماذا قلتي عني قبل قليل؟

و ببرود مشابه تفوهت : قلت انك ****...

نظر لها بغضب لتبتلع ريقها بتوتر من جرأتها و من تلك النظرات التي يرميها بها ...

تقدم منها لتتراجع هي للوراء حتى إصطدمت بالطاولة ورائها ليصبح هو أمامها ... أغمضت عيناها  لتشعر بأنفاسه على وجهها ولكن تفاجئت به يأخذ السكين من يدها بعد أن أخذ تفاحة من فوق الطاولة التي ورائها..

قص جزء كبير من التفاحة ليدسها في فمها بكل همجية .. أحست بقطعة التفاح تخترق جدران حنجرتها لتخرجها و هي تنظر له بغضب  .. بادلها  نفس النظرة قائلا : أخرسي هذا الفاه الذي سيلقي بك في الهاوية .. و خاصة معي .. أنا لست أحد عائلتك الكريمة حتى تتصرفين معي بأريحية أنا أحرقكِ و لا أهتم هل فهمتي ؟..

قبل خروجه من المطبخ قال موجها كلامه لماري: ماري أعدي لي القهوة و أجلبيها لمكتبي

أومئت ماري له ثم تقدمت من ملاك لتحتضنها قائلة: حبيبتي لا تبكي ..مضى

ملاك ببكاء: ذلك الهمجي س.....

ماري بهدوء: ششش إهدئي...

ملاك ببكاء:  صدقينني تعبت..  حرماني من رؤية أبي وزجه بالسجن ظلمااا ورؤية أمي ممددة على ذلك السرير تحيطها المحاليل أسوء عقاب قد تتخيلينه أريد أن أستيقظ في غرفتي الأن لأكتشف أن كل ما عشته كان مجرد كابوس ولكن ...ولكنه فعلا كابوس لايمكنني الإستيقاظ منه أشعر أنني في متاهة أريد أبي وأمي ماذا يريد منا بحق الخالق ماذا يريد !!!!!

إرتمت في حضن ماري التي نزلت دموعها تأثرا بما تحياه تلك الصغيرة لتواسيها قائلة: صغيرتي لا تبكي ششش صدقينني كل هذا سيمضي ..فقط كوني قوية تحملي كل ما تمرين به فقط من أجل والداكِ إتفقنا !!

أومئت ملاك وهي تهز رأسها لتبتسم تلك السيدة الحنون على منظرها الطفولي وتقوم بمسح دموع ملاك قائلة: فتاة جيدة

وقفت السيدة قائلة:أ رأيتي مافعلته لم أعد القهوة سيغضب الأن وسنعاقب الإثنان ما رأيك

قالتها بمزاح لتبتسم ملاك منها وهي تقول :هل بإمكاني مناداتك بأمي..!

ماري بحنان: بالطبع عزيزتي لكِ هذا
هيا إجلسي هناك على الطاولة ريثما أعد القهوة وأذهب بها لسيد بلاك وأنتِ إنتظرينني سأعود لأضع لك فطورك ..

أومئت ملاك وبعد برهة شهقت السيدة ماري عندما إنكب على يدها القهوة الساخنة لتتقدم منها ملاك قائلة بخوف: هل أنتِ بخير ؟

ماري :عزيزتي لا تخافي سأغسل يدي و أضع بعض المرهم إنها مجرد قهوة  ..

ملاك: ولكنها ساخنة جدا ..

ماري:لا عليك سأقوم بإيصال قهوة السيد أولا لقد تأخرت عليه لابد وأنه غاضب..

ملاك بصرامة: أتركي القهوة أنا من سيصعد بها لذلك ال............

ماري : ملاك

حذرتها ماري لتقول ملاك بإنزعاج : حسنا لن أشتم هيا هاتي القهوة..

أحذت القهوة لتقول لها ماري: لا تستفزيه صغيرتي لابد وأنه غاضب

"حسنا أمي "

خرجت من المطبخ صاعدة الدرج لتصل بعد برهة أمام مكتبه وهي تلعن قائلة:واللعنة لو كنت أستطيع لوضعت له سم في القهوة

فتحت الباب بدون أن تطرقه حتى لتستمع إلى صوته الغاضب يقول وكأنه لم يتفاجئ بمجيئها : ألم يربيكِ والدك العاهر على شئ يدعى طرق الباب!

إبتلعت كلماته المهينة لوالدها لتتقدم منه قائلة بغضب مكتوم: أنا...لقد جلبت لك قهوتك

نظر لها نظرة إحتقار ليقول :ضعيها وغادري

أرجع بصره للأوراق التي أمامه غير أبه بتلك التي تتمنى قتله ..

تقدمت منه وقد أتتها فكرة شيطانية لتقترب من المكتب وهي تبتسم بشر وكانت ستضعه على الطاولة أمامه وبدون سابق إنذار قامت بسكب القهوة على تلك الأوراق....
يتبع ...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي