الفصل الاول

تأنق كعادته وهو يقف امام مرآته في غرور، في تجاهل  الرنين المتواصل إلى هاتفه بعد أن نظر باستخفاف إلى هوية المتصل.

لم تمر ثوان على انتهاء الرنين حتى بدأ صوت صفير متناغم بالظهور شيئاً في شيئاً، والذى صدر من بين شفتيه المضمومة أثناء ارتدائه ساعته _الرولكس_ بعد أن مشط شعره الاسودا التى اختلطت بالشيب من جميع
النواحى، حتى باتت تتضح إلى الرأي من بعيد أنها رماديه اللون، أوقف صفيره اخيراً بعد انتهاءه من وضع عطره ونفرجت شفتاه عن ابتسامه واثقه تُظهر أسنانه البيضاء.

وهو يضع القلم الخاص به فى الجيب العلوى في بذلته الرماديه، استوقفته إحدى التجاعيد الصغيرة والتى بدأت بالظهور  بجانب عينيه، والتى لم يلاحظها من قبل بخلاف تلك التى تظهر عند ابتسامته فى جانبى فمه، ازدادت ابتسامته انفراجاً وهو يتأمل تجعيده  تلك فهذا هو ما يجذب الفتيات إليه.

إلى رجل بل إلى كاتب اربعيني خالط رأسه وذقنه الشيب، وظهرت تجاعيد الوقار فى ملامحه حتى تزيده وسامه وجاذبية بحسب تفكيرهم .

غادر غرفته عندما بدأ رنين هاتفه بالتصاعد مره أخرى، بعد أن تناول سلسلة المفاتيح خاصته، وهاتفه الآخر تاركاً ذلك الذى اوشكت بطاريته على النفاذ من كثره الرنين؛
استقل سيارته يقودها في هدوء بعد أن قام بتشغيل إحدى اغانيه المفضلة وهو فى طريقه إلى _مدينه نصر_ حيث معرض الكتاب ليحضر حفل توقيع روايته الجديده.

أصدر صفيره من جديد متماشياً مع نغمات الأغنيه التى يستمع إليها وهو يتذكر حفل التوقيع الأول لروايته الأولى منذ عشر سنوات.

لم ينم ليلتها من كثره حماسه وتفكيره بل وقلقه أيضاً، استعد لهذا التوقيع قبل شهر من موعده حيث اشترى بدلته الأولى وقلم مميز للتوقيع به على نسخ المعجبين.

بدأ استعدادته بعد آذان الفجر، وغادر باكراً ليجد نفسه يقف امام قاعة المؤتمرات قبل بدأ استقبال المعرض للجمهور بأكثر من ساعه،
ابتسم في سخرية وهو يتذكر الإقبال الضعيف بل المعدوم على روايته فى اليوم الأول، وجلوسه وحيداً بينما الكُتاب من حوله وسط لفيف من المعجبين.

لكن سرعان ما ذاع صيت روايته واصبح الإقبال عليها كبيراً حتى نفذت الطبعه الأولى وانهالت عليه عبارات الاطراء والمديح وتهافتت عليه دور النشر لامضاء عقود روايته القادمه.

أما اليوم فقد شارفت الشمس على المغيب، عندما قرر هو اخيراً الاستعداد للذهاب إلى المعرض.

مع كل حفل توقيع لرواية جديدة له سواء في _مصر_ أو بإحدى الدول العربية، اختفت لمعة الحماس فى عينيه، حتى أصبح الموضوع روتينياً لا يُضيف إليه أى إحساس بطعم النجاح.

أصبح كل ما يشغله هو كيفيه تحويل إحدى رواياته إلى عمل تلفزيونى، لكنه لم يتلقى أي عرض بخصوص ذلك، وهو لن يتوانى عن تحقيق حلمه ذلك الذى سوف يدخله عالم الشهرة من أوسع ابوابه.

                       

بداخل معرض الكتاب، بعد أن جاوزت الساعة السادسة مساءاً وازداد الانزحام بطريقة كبيرة.

شعرت "شمس" بالاختناق والتعب فهى تترجل فى المعرض منذ الصباح ولم تتناول شيئاً هى وصديقتها سوى بعض المقرمشات والمياه الغازيه.

"شمس" بوجه مرهق إلى صديقتها:

_"منار "أنا لا استطيع التحمل،هيا نذهب إلى المقهى حتى نتناول الطعام.

قالت"منار" صديقتها المقربة:

_لا يجب أن نذهب إلى المنزل،سوف يحل الظلام ولن نستطيع الذهاب إلى المنزل.

قالت"شمس":

_لا ما زال هناك ندوه وحفلة توقيع إلى "مراد"،لن أذهب إلى مكان حتى أخذ توقيعه.

قالت" منار":

_ لا استطيع إن زوجي يدق عليّ منذ أكثر من نصف ساعة والاطفال بتاكيد قد اصابه بتعب.

قالت"شمس" بتردد:

_وأنا أيضاً بتاكيد "يارا" قد صنعت الكثير من الاشياء التي تغضب والدي.

قالت"منار":

_حسناً هيا بنا.
قالت"شمس" في ارهاق:

_انا بالفعل لا استطيع السير حتى باب المعرض،أنا سوف أذهب حتى اتناول أي شيء،وإن لم إتي "مراد" حتى السابعة سوف أذهب.

قالت"منار":

_حسناً سوف أذهب أنا وداعاً.

توجهت "شمس" إلى إحدى سيارات الوجبات السريعة فى الساحه الواسعة الممتلئة بسيارات  الطعام واماكن الجلوس، حيث طلبت شطيرة من البرجر إلى جانب كوب من القهوة ونظرت من حولها تبحث عن منضده فارغة للجلوس عليها.

لكن للأسف امتلأت جميع الأماكن حتى المقاعد الثابتة من الحجر هى ايضاً ممتلئة،
ماعدا ذلك المقعد الفارغ بجانب ذلك الرجل الأنيق الذى يعبث بهاتفه، حسناً ستذهب إليه تطلب أذنه لاستعاره ذلك المقعد.

اقتربت منه ببطء وهى تعدل من وضع غطاء رأسها بصورة تلقائية، بينما تمسك بيدها الأخرى شطيرتها والقهوة، ظهر صوتها خجلاً بعض الشىء وهى تقول:

_إذا سمحت هل هذا المقعد فارغ.

نظر إليها الجالس نظره طويلة شاملة بوجه جامد، اتبعها بابتسامة منمقه قبل أن يقول:

_نعم تفضلي.

وضعت ما بيدها على المنضدة قبل أن ترفع المقعد بيديها وهى تبحث بعينيها عن مكان تضعه به.

لكن استوقفها صوته قائلاً:

_أين سوف تذهبي بالمقعد.

وضعت المقعد ارضاً في خجل وهى تُجيبه:

_ألم تقول لي أن اخذه؟

قال:

_نعم ولكن تفضلي بالجلوس هنا.

قالت"شمس" في خجل:

_لا أريد أن ازعجك.

قال  بأدب:

_لا تفضلي وإن كنت أنا الذي يزعجك، فأنا قد تناولت قهوتي وسوف أذهب.

"شمس" وهى تجلس جلسة جانبية واضعه حقيبتها أعلى المنضده:

_ لا  لن أقصد أجلس كما تريد.

بدأت "شمس" فى تناول طعامها باحراج شديد وهى تنظر إلى الأسفل بينما أراد هو اذابة ذلك الحاجز  عندما رأى بعض الكُتب تظهر من حقيبتها المفتوحة قائلاً:

_هل اشتريت الكتب التي كنت تريدها من المعرض؟

قالت "شمس" دون أن تنظر إليه:

_ اه أنا أشتريت بعض الروايات لكتاب معينين أتي المعرض لاجلهم كل عام. 

أجابها بابتسامة:

_انا  قد لحظت  انك أتيت  لرواية "مراد" تقريباً  هل هذا صحيح؟

قالت "شمس" في حماس:

_نعم هذا صحيح كاتبي المفضل أعشق نوعية الرايات التي يكتبها.

رفع إحدى حاجبيه قائلاً:

_معقول تحبين  الخيال العلمى.. أنا قد قولت أن الفتيات أكثر اهتمامهم في الرومانسي أكثر.

ابتسمت "شمس" وهى تُجيبه:

_هذا حقيقي لم أكن أحب الخيال العلمي، ولكن أول رواية قد قراتها له أحببت اسلوبه وافكاره، إن أفكاره ليست معقدة وفي ذات الوقت ليست مالوفه،وحببته أكثر حين أدخل في رواياتهم بعض الغموض.

ثم أكملت قائله:

_أسلوبه متجدد ولن تحس معاه بالملل في كل رواية يكتبها، وكأن شخص آخر هو الذي كتب تلك الرواية، أنه جيد في تغير من جلده تماماً في كل رواية لدرجة أني أشعر بالحيرة من كوني أريد معرفة شخصيته وكيف سوف تكون شخصيته.

قال هو:

_لما ألم ترينه من قبل؟

قالت "شمس" بخيبه:

_ للاسف لا، وتقريباً لن أراه هذا العالم أيضاً، منذ الصباح انتظر حفل التوقيع ولم يأتي بعد.

قال هو: معقول هذا أنا قد استمعت أنه سوف يبدأ بعد نصف ساعة في قاعة "ب".

نظرت"شمس"إلى ساعتها قبل أن تلملم أشيائها   بسرعة  وهى تقول:

_ نصف ساعة،يجب أن اذهب سريعاً أنها قاعة بعيدة عن هنا،اتمنى أن أصل قبل أن يبدأ.

قال هو: حسناً انتظري أنا أيضاً سوف آتي، هيا حتى أوصلك.

لم يكد يُكمل جملته حتى ابتعدت هى مسرعة إلى الخارج تاركه خلفها كوب قهوتها الذى لم تمسه وطعامها الذى لم تقضم منه سوى قضمة صغيرة.

ابتسم هو بشكل مريح ناظراً فى اثرها، فهو لم يقابل قط ذلك الوجه الملتهف على كتاباته والمُحب الصادق من معجبينه من قبل،
ادار معصمه إلى وجهه وهو يطالع ساعته _الرولكس_ ومعرفة الوقت قبل أن يلتقط مفاتيح سيارته متوجهاً بها إلى قاعة "ب" حيث يقوم بعمل ندوته وحفل توقيع باسمه"مراد"

...

وصلت "شمس" خيراً إلى قاعة "ب" وهى تلهث من أثر ركضها حتى تستطيع حضور ندوته منذ بدايتها.

كانت القاعة مكتظه بالشباب والفتيات فلم تجد مكاناً للجلوس سوى فى الصف الأخير،
لكن لا يهم هى أيضاً تستطيع الوقوف حتى تراه بوضوح دون أن يُزعجها أحد.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي