الفصل الثامن

لم يُبارح ذلك الاربعينى مكانه لعدة دقائق.. مُحاولاً السيطرة على انفعلاته وهو يراها امامه مره أخرى، صدق حدسه فهاهى فتاة المعرض تجلس فى انتظاره، اسمها "شمس"! بالفعل هى"شمس" تُنير الكون بأكمله بعسليتيها وابتسامتها المشرقة..

افاق "مراد" من تأمله لها بعد عدة ثوان ليشعر بشفتيه تنفرج رغماً عنه مُعلِنه عن ابتسامه تود الهروب من سجنها لترى النور بعد كبتها لمدة طويلة.

حتى ملامح وجهه المُقتضبه اعلنت عُصيانها هى الأخرى وبدأت باللين ليظهر عليها البشاشة نوعاً ما، اما عينيه ذات النظره الحاده الثاقبه، بدون أي مقدمات بدت وكأنها تنفرج وتبتسم، فتغدو اعين ضاحكه كأعين المُحبين،
أكُل ذلك لمجرد رؤيتها!!

حاول "مراد" كبح ذلك الشعور بالسعادة المسيطر عليه وتنحنح اخيراً قبل أن يتحرك مُتجهاً إليها.

لكن توقف قبل أن يصل إليها لعدة خطوات، وانزوى فى إحدى الأركان مُفضلاً محادثتها بحجه البحث عنها.

افاقت "شمس" من شرودها هى الأخرى عندما ارتفع رنين هاتفها باسمه.. اخبرته بمكانها ومن ثَم عدلت من هندامها ومظهر حجابها وظلت جالسة بانتظاره تعبث بهاتفها،
أثناء ذلك ترامى إلى سمعها صوت"مراد"الهادىء:

_هل تاخرت عليكي؟

نظرت إلى الأعلى حيثُ يطل عليها ذلك الوسيم مُرتدياً قميص ناصع البياض يعلوه جاكت جلدى بلون الجلد البرتقالى الهادىء الجذاب ينعكس ضيه على وجهه فيزيده اشراقاً.

تأملت نظرته لها من الأعلى حيثُ تتأملها عيناه الداكنتين بنظره اشعرتها بالخجل.

تحركت من مجلسها واقفه تُرحب به قائله:

_لا مطلقاً ليس هناك تأخير.

جلس "مراد" قبالتها بعد أن صافحته هى مُعبره عن امتنانها لاهتمامه.

حاول "مراد" ارتداء قناع الجدية وهو يفتعل عدم معرفته بها قائلاً:

_وجهك ليس غريب عليّ، اعتقد قد تقابلنا قبل ذلك.

ازالت "شمس" نظارتها الشمسيه من أعلى عينيها قائله وهى تضعها بحقيبتها:

_نعم هذا حدث في المعرض،لا أعلم أن كنت سوف تتذكرني أم لا.

"مراد" مُتصنعاً عدم التذكر:

_لا في الحقيقة لا اتذكر.

شعرت "شمس" بالاحراج من قوله ذلك فاضافت على استحياء:

_قابلت حضرتك فى المقهى حين قع...

"مراد" مقاطعاً بعدما احس بحرجها:

_ننعممم أنتِ التي كان معك القهوة وجلستي على طاولتي.

انفرجت اسارير "شمس" قليلاً وهى تقول:

_نعم أنا.

تصنع "مراد" دهشته مرة آخرى وهو يقول:

_يااا ما هذه الصدفة،لم أكن اتوقع أن تكوني أنتِ.

"شمس" بحماس:

_في الحقيقة أن معاملة حضرتك وشخصيتك المتواضعة هي التي دفعتني أن ابعث لك حتى أخذ رأيك في روايتي.

مال "مراد" بظهره إلى الخلف  متكأً على المقعد قبل أن يضع ساقاً فوق الأخرى ليجلس بارتياح قائلاً وهو يراقب انفعلاتها:

_قبل أي شيء قولي لي...كيف لم تكوني تعلمي شكل الكاتب المفضل لك.

تذكرت "شمس" حماقتها أجابته بخجل:

_كنت أريد أن ارسم صورة في خيالي،إلى أن اقابل حضرتك في الحقيقة.

"مراد" بغرور:

_وهل كنت شبه الصورة التي في خيالك؟

نظرت "شمس" إلى الأسفل لاتعلم بما تُجيبه الى أن اجابها هو:

_ياااا إلى هذه الدرجة قد صدمتي من صورتي في الحقيقة.

"شمس" مُسرعه: على عكس.

ظهرت ابتسامه الرضا على وجهه واستعاد غروره قائلاً:

_على العكس كيف.

تلجلجت الكلمات بين شفتى "شمس" وهى تحاول الهرب من نظراته المُسلطه عليها لتقول:

_أنا كنت قد رسمت صورة لحضرتك في خيالي أن...

"مراد" مقاطعاً:

_هل يمكنك عدم قول حضرتك هذه نحن نجلس في مقهى وليس في فصل، تحدثي براحة أنا انسان عادي.

رفعت "شمس" يدها إلى حجابها تقوم بتنميقه بحركة تلقائيه تفعلها كلما احست بالخجل الزائد قبل أن تقول بابتسامه خجله:

_ بصراحه أنا لا اعلم ماذا اقول، أنا اشعر بالحرج للغاية من الذي حدث.

"مراد" بابتسامه اعجاب:

_حسناً قولي لي أولاً ماذا تريدي أن تشربي.

"شمس" بارتياح لتغيير مجرى الحديث:

ممكن  أن أخذ قهوة بالحليب.

اخيراً جاء دورها لتتأمله أثناء محادثته للنادل .. هامت فى عينيه الناظره الأعلى والتى وضح جمال لونهما بعد خلعها لنظارتها الشمسيه والتى حجبت عنها تفاصيل جاذبيته.. خاصة مع ضوء الشمس الساطع والذى ساعد على تفتيح لون عينيه درجه على الأقل..
همهت "شمس" بداخلها:

_اللعنة ما هذه العيون، ما هذا الصوت، نبرة صوته تجنن في الحديث، كيف لم اخذ هذا في عقلي من قبل، لا يهم من حق الفتيات يحبونه، بكفي لون عينه وبعض الشعر الابيض التي في شعره وذقنه.

لاحظ "مراد" تجول عينيها بوجهه فاستمر بنظره إلى النادل حتى تنتهى هى من تأملها به.. لكن قبل ذلك أضاف ابتسامته السحرية والتى تُظهر تلك الاقواس التى تُحدد فمه وتُبرز مواطن ضعف الإناث به..
ما أن فعل ذلك حتى تسمرت عيناها على شفتاه وماحولها لتبتسم بتلقائيه هى الأخرى.. فكأن الشمس سطعت وسط تلك اللوحه الفنيه..

فأسنانه البيضاء المُحاطه بشفتاه الوردتيتان واللتان يزينهما تلك الخطوط الجانبيه وكأنهما علامتا ترقيم وُضعِتا لتُشيران إلى اهميه مايكمُن بينهما...

تلك المنطقه من وجهه تحتاج إلى شهور من التأمل والتفحص لكل سنتيمتر على ارضها..
اغمضت عينيها بقوة مُحاولة استعادة رباطه جأشها بعد أن غادر النادل ونظر إليها "مراد" من جديد وهو لايزال محتفظاً بابتسامته.. فتفوهت اخيراً:

_لم تقول لي رأي حضرتك في الرواية.

لم تنكمش ابتسامة "مراد" أثناء حديثه بل ظل على وضعه وهو ينظُر إليها مُعلقاً:

_ألم نقول ليس هناك داعي إلى حضرتك.

"شمس" بتردد:

_ماذا أقول؟

قال"مراد":

_تحدثي بشكل طبيعي دون القاب،كما أنا سوف أقول لك "شمس"دون القاب. 

تعمد"مراد" الهمس باسمها عند النطق به مما جعلها تزدرد ريقها مُحاولة إخفاء ضعفها الذى يتزايد كل دقيقه عما سبقها خاصة مع تلك القشعريرة التى سرت فى جسدها عند همسه بحروف اسمها بتلك الطريقة.

لحسن حظها انقذها وصول النادل فى اللحظه المناسبة وبتلك السرعة لتقديم المشروبات..

بعد عدة لحظات من الصمت، استعادت "شمس" السيطرة على حواسها وقلبها الذى بدأ بالخفقان من لطف معاملة ذلك الكاتب الاربعينى..

فى تلك الاثناء ارتسمت الجدية على وجه "مراد" وهو يرتشف الرشفات الأولى من قهوته قائلاً:

_جيد أن بدأتي  الكتابة وأنتِ في العشرينات.. هذا سن جيد لتنمية المواهب وتطويرها.

شمس مُوضحه:

_ولكن أنا لدي اثنان وثلاثون عام.

تفاجىء "مراد" من كلماتها تلك:

_ معقول.. يظهر عليك أصغر من هذا فعلاً.

"شمس" بخجل:

_شكراً.

أضاف "مراد" بنظره ذات مغزى:

_تعلمي أن هذا من حسن حظي... سنك هذا يعتبر مناسب جداً.

"شمس" بعدم فهم:

_ مناسب لماذا؟

"مراد" مُبتسماً بخبث:

_ للكتابه بطبع.

ابتسمت "شمس" هى الأخرى قبل أن ترتشف عدة رشفات من مشروبها الدافىء..

ومن ثَم بدأت بتوضيح فكرة روايتها ليستمع هو إليها بإهتمام شديد وبعقل حاضر يستوعب إلمامها بجميع تفاصيل ماكتبته...

...

انتهى ذلك اللقاء الحالم والذى استمر لأكثر من ساعة.. شعرت هى به وكأنه عدة دقائق لا أكثر..

استقلت سيارة أجرة بعدما رفضت عرضه لايصاله لها.. جلست براحة وارجعت رأسها للوراء ببنما ظلت كلماته الأخيره ترن بأذنيها:

_أنتِ بالفعل موهوبة،وفكرة روايتك جميلة مثلك،يجب أن نتقابل من جديد،نحتاج أن نتناقش في تفاصيل أكثر.

لم تشعر بابتسامتها التى تتسع لتملىء وجهها طوال الطريق إلى أن وصلت إلى منزلها اخيراً..

صعدت الدرج بسرعة وحماس إلى أن وصلت إلى شقة والديها.. بحثت عن المفاتيح الخاصة بها لكنها لم تجدها.. فضغطت على الجرس برفق..

ماهى إلا ثوان حتى فتحت لها والدتها وعلى وجهها ابتسامة بشوشه..

قبلت "شمس" والدتها من إحدى وجنتيها قائله:

_كيف حالك أمي، أرى أنك سعيدة خير؟

نظرت لها "مجيده" بسعادة قائله:

_ادلفي القي التحية لضيوفنا ينتظروكي منذ ساعة.

"شمس" باستغراب:

_ضيوف من؟

"مجيده" بحماس:

_ادلفي وسوف تعلمي.

وضعت "شمس" حقيبتها على أقرب مقعد وتوجهت إلى الداخل بابتسامة مُرحبه تُزَين وجهها..لكن انكمشت تلك الابتسامة تدريجياً وهى ترى ذلك الشخص يجلس امامها وفوق ساقه تجلس ابنتها "يارا"

مرة اُخرى وبعد كل تلك السنوات تراه من جديد.. حُبها الأول.. "اسامه".
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي