الفصل الأول

الكثير هنا يفكر أن المرأة خلقت لتسير خلف ظل الرجل ، تتبعه دون أن تفكر ، خُلقت كي تبقي أسيرة .
أولاً في بيت والدها وثانياً في بيت شخصاً آخر يُدعي شريك الحياة ، أية حياة هذه إنه سجنٌ لا أكثر مكان لا تخرجين منه سوي جثةٌ هامدة.
وها أنا أنتظر أن يأتي موعد سجني بل أقصد زواجي ، خلف جدران غرفتي سجينة منعزله، أخشي العالم الخارجي، الذي طالما يحكم علي الشخص بهيئته الخارجية لا بقلبه وأخلاقه .
وصوت عمي وإبنه يخترق جدران تلك الغرفة، لطالما كان شعوري تجاه عمي أنه والدي الذي فقدته ، ولكن إبن عمي لم يكن سوي عدوٍ لدود يتجسس عليّ ينتظر مني فقط أن أخطأ حتي يتزوجني وينشلني من الضياع .
قطع تفكيري إقتحام والدتي الغرفة.
- خديجة ، لما لا تخرجي عمك وإبن عمك ينتظروكي بالخارج منذ فترة طويلة
تحدثت خديجة بضجر جلى على ملامحها البريئة
- لا أريد الخروج يا أمي، سأبقى بغرفتي إلي أن يرحلوا
-هذا لا يصح ، لأجل عمك علي الأقل
حاولت خديجة التملص من الحديث الذى تعلم نهايته مهما طال.
- هيا يا أمي ، لنخرج إليهم
كانت أمنية تشعر بغضبٍ كبير من إبنتها التي لا تبالي بحديث الآخرين عنها
- وهل ستخرجين إليهم بهذا الشكل  ؟ أرتدي حجابك أولاً
نظرت خديجة باستنكار إلى والدتها
- وهل سأرتديه من أجلهم ؟ أمي أرجوكِ لا تُلحي عليَّ بشأن الحجاب إتركيني بحريتي ، لا تقنعوني بشئ لا أريد فعله
- لقد سئمت من الحديث معك بشأن الحجاب خديجة ، لو كان أبيكِ علي قيد الحياة لمَ فعلتي هذا، تفضلي أمامي
في غرفة الصالون الذى طغى على أثاثها البساطة ، كان يجلس مصطفي وإبنه نادر منتظرين خديجة حتى تخرج إليهم.
- لمَ تأخرتي يا إبنتي ، لا تريدي رؤيتنا،  أنا افتقدك بشدة
-  وأنا أفتقدك أيضاً يا عمي ، لمَ لا تأتي لزيارتنا باستمرار
- حال الدنيا يا إبنتي ، ماذا أفعل حيال ذلك؟
- الله المستعان عمي
- لما لا تُلقي السلام علي إبن عمك
نظرت إليه خديجة بتأفف
- كيف حالك نادر بخير؟
كان نادر ينظر لخديجة من أعلي رأسها حتي أخمص قدميها  نظرات وقحة بعض الشئ
- أهلا بإبنة عمي المصون  ، أين حجابك ؟ هل نسيتِ إرتدائه؟ أم ماذا؟
تحدثت خديجة إليه بنفاذ صبر من تدخله فى كل شئ لا يعنيه.
- كل الأشخاص من حولي يعلمون أنني لا أرتديه ، لا تظن أنني أبالي بحديثك هذا .
تدخل مصطفي كي يخفف من حدة الحديث وحتي لا يفسد ما يخطط له
- لا تحزني إبنتي،  نادر لم يقصد إزعاجك أبداً
- لست حزينة عمي ، ولكن لما يتحدث بشأن هذا الموضوع لا يكل ولا يمل
- نادر يخاف عليكم كثيرا ، والعالم ليس آمن إبنتي ، ولم يتركك وشأنك
كانت خديجة منفعلة للغاية من حديث عمها بهذا الشكل عنها
- أنا لا أرتكب أي خطأ أو فاحشة حتي يتحدثون عنى  بسوءٍ 
- سأقطع ألسنتهم جميعاً إن تحدثوا عنكِ إبنتي ، وهل سأصمت لحديثهم خديجة
- لا أقل ذلك ، ولكن لا يحق لهم الحكم علي أخلاقي بسبب عدم إرتدائي للحجاب
- أنا أنصحك يا إبنتي ، لم تستطيعي الوقوف أمامهم بمفردك ، لن أعيش معك طوال العمر
- بارك الله في  عمرك يا عمي
- تقدمت في العمر كثيرا ، وأريد الاطمئنان عليكِ قبل مماتي ، تنفيذاً لوصية أبيكِ
كانت خديجة تعلم أن حديثه هذا يخفي وراءه سرٌ كبير ، فأجابته بمرحٍ قائلة:
- أطال الله في عمرك يا عمي وتطمئن عليَّ كما تتحدث ؛ولكن هل سئمت مني إلي هذا الحد؟
- أنتي إبنتي يا خديجة وأنا أحبك كثيرا تعلمين ذلك صحيح
إبتسمت خديجة بلطفٍ له 
- تحبني إذاً
-  بالطبع ، ولهذا السبب فإني أتيت إليكي بزوجٍ صالح
-  كل هذا المقدمة من أجل الزواج ، هل أعرف ذلك الشخص الصالح
- بالطبع أنتي تعرفيه كثيراً
ربت مصطفى على كتف ولده الجالس بجانبه
- نادر يا إبنتي ، سوف أطمئن عليكِ بجانبه
كانت خديجة تنظر إليه بصدمة وخوف فهذه حتماً نهايتها التى تخشاها
- نادر؟!
  - نعم إبنتي ، هل هناك خطب ما ؟
- هل تريد الاطمئنان عليَّ؟ أم التخلص مني
كان مصطفي في حالة صدمة وذهول من حديث خديجة
- التخلص منكِ ؟ بما تتفوهين يا خديجة ، هل جننتي؟ وما الخطأ الذي يوجد في نادر
تحدثت خديجة بغضب شديد
- كله أخطاء عمي ، هو مجرم غير آدمي يتعامل بوحشية مع الخلق أجمعين ، نادر بالنسبة لي كالحائط الذي يوجد خلفك عمي
قام مصطفى بصفعها حتى سقطت على الأرض من شدتها
- تحدثي بإحترام يا إبنة أخي
- أصبحت الآن إبنة أخيك ، منذ قليل كنت إبنتك ماذا حدث الآن ؟
لو كنت إبنتك مثلما تقول كنت تركت لي القرار عمي ، ولكن حديثك اللطيف تجاهي كان بشأن الموافقة علي الزواج فقط أليس كذلك
كان مصطفى ينظر إلى الجهة الآخرى حتى لا تخبره عينيها بمدى الظلم الذى يفعله إتجاهها
- لم تحسني تربيتها يا أمينة
- لا مصطفي الزواج قسمة ونصيب ، أنا أقدر مجيئك إلينا ولكن رأي إبنتي صائب نادر لا يناسب خديجة
-  هيا يا بني دعنا نرحل ، هي لا تستحقك ولا تستحق مجيئي للإستفسار عن أحوالهم ، فتاة قليلة حياء ، لا تستحقي الزواج بإبني ، أراد الستر لكِ بدلاً من حديث الناس عن سوء أخلاقك  وتقومي برفضه
- لا تبكي يا إبنتي ، إذهبي إلي غرفتك ، وأنت يا مصطفي لا تتحدث عن إبنة أحمد منصور بهذا الشكل المهين ، أنا أحسنت تربية إبنتي وأفتخر بها أمام الجميع ، وجميع الخلق يعلمون ذلك ، وعدم قبولنا بالزواج من إبنك في صالحنا نحن إبنك لا يناسب أحد فاسد الأخلاق هذا .
- ستعلمين غداً عقوبة الرفض تلك ، ستندمين علي تأييد قرار إبنتك
- سعدنا بمجيئك إلينا
- هيا نرحل أبي
- هيا بني لقد أخطأنا بالمجئ إليهم .
في غرفة خديجة ، كانت خديجة تبكي بكسرة وقهرة،  أهذا هو العم الذي من المفترض أنه محل والداها
- لمَ تبكي الآن
- كنت أظن أن عمي غير الباقيين أمي
- وهل يوجد من يحب أحد أكثر من أبناءه ؟
- صدقتي يا أمي
-  كنت تريدين الخروج مع مريم منذ يومين ، بدلي ثيابك وإذهبي إليها
كانت خديجة لا تصدق حديث والدتها هل حقاً ستخرج من هذا السجن
- حقاً أمي
- نعم ، ولكن لا تتأخري خديجة
- لن أتأخر يا أمي أعدك بذلك
بعد خروج أمينة من غرفة إبنتها ،كانت خديجة تهاتف مريم صديقتها المقربة، الذي طالما كانت السند لها في هذه الحياة.
- ألو مريم أنا في طريقي إليكي أين أنتِ؟
- في الكنيسة تعالي إليَّ ، وإن لم تجديني إنتظريني حتي أخرج إليكي
- مثل كل مرة ، لكن لا تتأخري
- حسناً ، لم أتأخر
أثناء هبوط خديجة من المنزل ،إستوقفها نادر عاقداً ذراعيه يستجوبها
- إلي أين أنتِ ذاهبة ؟
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
- هل رأيتي عفريت أم ماذا ؟
-أريد أن أسألك نادر ، هل أنت مجنون ؟ بأي صفة تسألني إلي أين ذاهبة ؟
- أولاً أنتِ إبنة عمي ، ثانياً خطيبتي ، ولي الحق في سؤالك عن أي شئ أريده
- أبي توفي منذ فترة وصلة قرابتنا إنتهت ، وبالنسبة للزواج هذا في أحلامك
- سنري غدا ، سوف تطلبين إنتي مني أن أشفق عليكِ وأتزوجك
خديجة .. سأتركك لأحلامك

كانت خديجة تسير وتفكر في حديث نادر ، هل سيفعل ذلك حقا؟ سيجعلها تتزوجه رغماً عنها ، أم سيأتي ذالك الشخص الذي سينقذها من كل هذا الضياع  
إلى اللقاء أحبتي فى البارت القادم
بقلمى/شيرين محمد الطيب ❤️
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي