البارت الثالث 3

مهى: بخير وبدات ترفع نظارتها وتضعها على راسها مما اكسبها شكلا جذابا
وفاء: والله انى سمعت والدتى اليوم تدعو لجميلة اختك بظهر اليوم
مهى: اشكرى والدتك والله ان عطا كل من يتعامل معها يحبها ولكن سبحان الله حظها فى الدنيا قليل
وفاء: لماذا لا تقترحين عليها ان تذهب الى السجل المدنى وتطلب تغيير اسمها ؟
مهى بضيق: هل تريدين ان تغير اسمها؟
وفاء بتلعثم اذ ان نبرة صوت مهى كانت دليل على انزعاجها: اعتذر لكى لا اقصد ان اسىء اليها ولكنى اعلم انها تنزعج من اسم جميلة وتخجل ان تفصح عنه لان من يسمعه يقارن على الفور بين اسمها ووصفها
مهى بحزن: للاسف هذا حقيقى بالاضافى الى ان والدى اختار لها اسم عطيات كتدليل لها مراعيا فى اخنياره المعنى لا اللفظ وكانت النتيجة ان كمن حولها يسخرون ايضا من الاسم ومنهم منيقول لها هذا تحريف لاسم عطية المذكر ومنهم من يسخر على اختصاره لعطا وهكذا اى انها فى الحالتين معرضة للسخرية
وفاء صحيح سازوركما اليوم
مهى: مرحبا ولكن يؤسفنى انك لن تجدينى لانى على موعد مع ريهام لانها ستشترى لنفسها بعض الملابس وتريدنى ان اشاركها ذوقى وبعدها سنجلس فى كافيه كنوع من تغير مود يومنا فما رايك هل تاتى معنا ام تذهبى للبيت وتجلسين بصحبة عطا؟
وفاء: بالطبع ساتى معكما لانى عطا لن يكون لديها اى وقت لتجلس معى فهى دوما مشغولة على العكس اشعر انى حمل ثقيل عليها لانها تضطر ان تؤجل اى من اعمالها لتجلس معى وهذا وحده كفيل لاشعارى بالانزعاج
مهى: انا اليوم كنت ساخرج لاى سبب للهروب من جو البيت الكئيب
وفاء: لماذا اليوم كئيب وبترت عبارتها وقد تذكرت قائله ااااه اليوم هو عيد ميلاد عطا وانه يوم نكد بالنسبة لها تقضية فى نحيب
مهى: هل رايتى من قبل اح يستقبل يوم ميلاده بالكآبة والحزن وانا كما تعلمين لا اهوى الحزن والنكد واحب الفرفشة
ضحكت وفاء على طريقتها وقالت: لم افهم لما هى تكتئب حقا فى هذا اليوم
مهى: جميلة للاسف وهى صغيرة لم تجد لها صديقة او حتى صديق كانت دوما منعزلة ووالدتها كانت سيدة بسيطة لا تعى لاعياد الميلاد اى بال ولا تهتم بها ولم تحسب لها وكانت عطا ترى اصدقاءها فى المدرسة فى اعياد ميلادهم ان بقية اصدقاءهم يهنئونه ومنهم من يشترى له الهدية وجميعهم كانوا يدعونها لحفلة اعياد ميلادهم ولكنها ما كانت تلبى اى دعوة لانها كانت دوماما تتخيل انها ستكون بمعزل عن البقية لقلة جمالها وتعتقد انهم سيسخرون منها كبيرهم وصغيرهم كما كان يسخر منها اصدقاءها وبعدما كبرت لم تهواه ايضا لانه فى كل مرة كان من حولها يسالونها عن عمرها وعندما تجيب تجد اول رد منهم ولم تتزوجى بعد لقد كبر سنك وفرصتك هكذا تقل وكان الانثى لم تخلق الا لتتزوج ويصبح محرما هليها ان تعيش حساتها مادا ليس فيها رجل هل يعتقدون ان المراة عليها ان تشترى رجلا
وفاء بتاثر: عقول مريضة
مهى: اقسم ل كفى العام الماضى اذكر ان ولية امر احد التلاميذ اتصلت بها لتهنئها بناء على رغبة طفلها لانه كان يريد ام يهنئها هو الاخر وفى نهاية المكالمة سالتها عن عمرها زوعندما علمت انها تخطت الثلاثين قالت لها مدعية انها تقول لها النصيحة: اسمعى يا استاذة هناك حديث شريف

.............
صالح وهو فى عمله يرن هاتفه فتجحظ عيناه عندما قرا الاسم وتاكد من الرقم ورد فى عجالة وصوت ضحكاته يسمعه من حوله
صالح: لم اصدق وانا اقرا اسمك على شاشة هاتفى
راجح: وهل اعتقدت انى نسيتك ايها الخل الوفى؟
صالح: كنت اعتقدت انى صرت مجرد ذكرى فى حياة مغترب منذ سنوات
راجح: مغترب نعم ولكن هل كل مغترب يصير غير اصيل؟
صالح بنفس البشاشة: ظننت هذا ولكنك هكذا هدمت كل ظنونى. اخبرنى كيف حالك؟
راجح: مشتاق لك يا صديقى هل لى ان اراك فى المساء؟
صالح بفرحة: اذاً فقد عدت الى وطنك مصر. بالطبع اوافقك فحدد لنا الموعد والمكان
..........
فى البيت عطيات كانت لتوها عائدة من عملها منهكة ولكن لا سبيل للراحة فعندها من الاعمال المنزلية ما يحرم على جسدها الراحة
اخذت تعد الغذاء وترتب المنزل قبل قدوم اولاد اخيها
كانت تنظف وترتب وتطبخ الا ان عقلها كان فى مكان اخر فقد كانت فى قمة حزنها كانت تردد فى نفسها يوم ميلادى ما ابشعه يوما كنت احبه لانى احببت ناس ما كنت اظن انهم نظروا الى قلبى من خلال ملامح وجهى فكرهونى
اليوم يوم ميلادى ولم اجد فيه ميلاد اى شىء يستحق فما معنى الميلاد ما دام كل ما فيه يموت
هل هو يوم الميلاد ام الممات
اليوم يوم ميلادى يعلن تخطى عمرى العقد الثالث وانا لازلت عانس لا احد ينظر الى قلبى بل الكل من حولى ينظرون الى ملامحى فلما نسوا ان الله هو الخالق وله فى كل خلق سبب وفى كل ملامح حكمة
يوم ميلاد افقدنى كل اصدقائى فاصبحت صديقة الوحدة وفجاة تركت غسل الصحون وشعرت انها فى حاجة الى مذكراتها تبث فيها كل مآسيها
ركضت نحو غرفتها وكانت دموعها تسبقها ثم سرعان وفتحت دفترها واخذت تكتب بعجاله وكانها تتسابق مع العجالة لعلها تتخلص مما يحترق فى صدرها انه شعور مؤلم ان ياتيك يوم تعلم انه يكون بمثابة عيد على كل البشر الا انت يوم تكثر فيه التهانىء ويومك تكثر فيه الدموع
اخذت تكتب اين يا يوم ميلادى اصدقاء طفولتى؟ اين هو المعنى الذى كنت اظنه فالصدقات قلم يكتب لنا وقت الشدة ووقت الحب فلم اجدهم الا وقت الطفولة البريئة وعند النضج تركونى اكتب يا قلم عن احلا رسمتها يوما فى خيالى وعيشت معها حتى صارت منى
اكتب يا قلمى عن امنيات جميلة ومشاعر صادقة واقدار حولت فرحى الى حزن وحولت احلام طفولتى الى حطام وكوابيس
اكتب يا قلبى عن جرح ينزف وقلب يحتاج لوليف. اكتب يا قلم حتى يجف حبرك او تعيد الى بسماتى
اه يا ورقى لو يعلمون كم من قلوب حكموا عليها بالموت وهى بين الجنبات تنبض. وكم من قلوب كالاشجار شامخة وفيها من الاحزان ما يكفيها فقد كانت كالنخيل الذى يطرح الرطب ومن حوله بقسوته يقذفونه بالحجر دون رحمة
قاربت يا يوم ميلادى على الرحيل وقاربت شمس يومك الى الغروب وانا كما استقبلتك بالدموع ساودعك بها فلا نهارك اسعدنى ولا ليلك دثرنى
اه من الليل ووحدته انه يظهرنا على حقيقتنا بلا رتوش يظهر ما نخفيه وراء البسمات عند النهار
ام من ليلى عندما تنطفى انوار يوم ميلادى وتستيقظ الجراح ونلقى برؤسنا على وسائد الشوك لتسقط كل اقنعة النهار ونتامل الجدران ونحاول ان نربت على قلوبنا المتعبة التى تفضح مواجعنا هنا على اكتاف الليل تسكب العبرات الساخنة وتطول الآنات وتتباعد الانفاس وتتلاحق ونهدا من انفسنا ونحن نزرع الدموع على صدر الليل لنبوح باسرارنا تحت ستائر العتمة
كل من حولى يحسبون ليلى هادىء وهو فى داخل اعماقى ثورات
يعتقدون انى لا ابالى او ان قلبى من حديد بينما ادركت انا ان الذاكرة لا تحفظ ملامح المارين بينما تحفظ كلماتهم وافعالهم وادركت ان جروح كلماتهم وافعالهم قابعة فى ارواحنا
لا يدركون هم ان آلآمنا تتجدد فى كل مرة يصر القدر على تقاطع طرقاتنا بذكر اسمائهم او لمح اطيافهم وصورهم
فى تلك الفترة يبدو ان كل شىء لا يستحق الذكر مهما كان جميلا. فى تلك الفترة ينطفىء نور العينين حتى الشمس تبدو منطفئة ويخبو ضياء الروح ويبهت لون القلب ويقل نبضه لتموت النفس فى اللحظة الف مرة
الان هل هدات يا قلمى ام ان حبرك قد جف ام ان اناملى قد تبدلت اذا لا باس يا قلمى من البكاء قليلا فبعض الدروس لا نستوعبها الا وجعا وتجعلنا نصل الى اللامبالاة حتى نغرق فيها فنتامل مرور الحياة بصمت وكانها لا تعنينا
فجاة اضاءت على شاشة هاتفها كلمة كانت لشاعر او ربما لبائس مثلها فلا يهم ولا هى نفسها اهتمت بقدر ما اهتمت بقيمة الكلمة ( من رقتها كانت اقسى انفعالاتها دمعة تغرغرت على الاهداب ولم تنساب )
لم تحاول ان تبحث عن صفة صاحب الجملة فقد قالت فى نفسها ربما هو بائس مثلى ولكنها اعتبرتها جبر من الله لتهدا لعل القادم خير
فكفكفت دمعها وكتبت عكس ما كانت تكتب وكان جبر الخواطر غسل كل جروحها
من الجميل لاننى تعلمت العزلة وانطويت على نفسى فاصبحت اكثر هدوءاً واشعر بالراحة كثيرا تعلمت ان احب نفسى لاجل غيرى لا لاجلى لانى على يقين انى خلقت لاجل مساعدة غيرى قبل نفسى والاجمل انى تعلمت ان احب الله حباً غير الذى كنت فيه فاعجبتنى العزلة ونفسى الجديدة اذ اصبحت اكثر ثقة لانى كنت بمعية الله اصبحت ارفض ما يزعجنى ويهدد سلامة نفسى
اصبحت على يقين ان شقاء الانسان ينبع من مجالسته لمن لا يفهمه بل ويسىء فهمه باستمرار
الشقاء الحقيقى لا ينبع من عدم وجود صحبة فما اجمل الجلوس فى معية الله وكيف بالوحدة وملائكته تحرسنى
سمعت صوت ابيها ينايها قطع عنها فيض الدموع فكفكفت دموعها فى عجاله وخرج تلبيه وما ان رآها الا وابتسم ابتسامة مريرة لانه كان يعلم ماذا تفعل وما الذى جعلها ككل مرة تختنق فيها تعتكف على دفترها فقال لها بحنان: كل عام وانتى طيبة يا بنيتى وكل عام وانتى عطيتنا من الله
ابتسمت له ومسحت عن راسه ومالت تقبل جبهته امتناناً له دون ان تتفوه بحرف
قل لها: اعلم انك تهوين النجاح فى كل شىء واعلم ايضا انك حقا تنجين فى كل شىء ولم يعد النجح بالنسبة لك مجرد هواية او امنية بل هو فعل ولكن يؤسفنى ان اخبرك انه على الرغم من نجاحك الا انه نجاح بالفطرة وليس بالمجازفة والتجارب
قالت له: كيف هذا؟
قال لها: النجاح والمجد ليس لمن يبذلون جهدا فينجحون فقط بل لمن يعرفون معنى المجد والنجاح الحقيقى فليس كل نجاح ناتجا عن عمل وجهد بل هناك نجاحات تاتى بمجرد المعرفة ولمجرد تجنب اناس حولنا شعرنا ان وجودهم هو تثبيط لقوتنا. النجاح لمن يفطن ان النجاح لا يرتكن على احد او انه بيد احد ومثلما النجاح بيدك فالسادة والحياة بيدك وحدها
المجد يا عطية للمنتصرين الذين يتجاوزون ايامهم ومواقفهم او حتى سيئات انفسهم. المجد والنجاح للذين بمقدورهم ان يلملمون ارواحهم وينهضون بقوة واندفاع كانهم لم يسقطوا من قبل. المجد والنجاح حا يا بنيتى للذات التى تعرف قيمتها
ابتسمت له ابتسامة باردة فعاد يقول: وكانك تلومين الله على خلقك
جحظت عيناها وقالت: حاشا لله يا ابى والله ما كنت كافرة يوما
قاطعها مردفاً: ولكنك كل ليلة ناقمة وهل هناك معنى اخر للنقم سوى عدم استيعاب قدرة الله؟
قالت بفزع: لا لا يا ابى لا تقول عنى هذا ولا تصفنى هكذا فانت اول الناس علما بايمانى
قال لها قاصدا ان يخرج من نفسها هذا الحزن: الايمان ليس بالكلام يا بنيتى ثم ما لك بكل هذا الحزن هل كان بيدك النصيب
اغرورقت عيناها واومأت بلا فعاد يردف ويسالها: وهل بيدك الجمال؟
ازداد نحيبها واومات بنفس الشىء وعاد هو ايضا يردف ولكن مع ذلك فالسعادة انتى الوحيدة الت تملكينها ومعك قرارها فالسعادة قرار وليست امكانيات يا بنيتى
ساد الصمت بينهما حاول ابيها ان يتنفس ولكن ارهاق قلبه كان قد تملك منه فقالت مشفقة عليه لاتجهد نفسك يا ابى فقد استوعبت كلامك
قال لها وهو لازال يتسابق مع سعاله: لابد ان اكمل معك كلماتى فالله اعلم هل سيكون بمقدورى ان اعيدها عليك مرة اخرى فى يوم ميلادك القادم ام ساكون بين يديه
جثت على ركبتيها واخذت تقبل كفوفه وتقول ببكاء: لا تقل هذا يا بنى ستعيش دهور معنا ربى لا يفجعنى فيك
قال مكملا: يا بنيتى حياتنا باختصار تتلخص فى كونها دائرة ولكنها ليست دائرة كاملة نحن بدايتها ونحاول ان نكملها سواء بشخص نحبه او حتى بمجموعة او بعمل نفنى فيه ايامنا حتى لا نشعر بالوحدة
وهناك من يحاولون ان يكملوا تلك الدائرة بسفر وسط اغراب يراقبهم ويرقبونه ولكن لا يختلط بهم ولا ينخرط فيهم , ومنا من يتصنع المشاكل ليجذب الناس حوله ليملاوا ذاك الفراغ ويغلق دائرته عليه حتى وان كانت بالمشاكل , ومنا من يفضل ان يتزوج لتمتلىء حياته بالحكايات والمواقف حتى وان لم يحب يوما من تزوجها فهو لم يتزوج من اجل الحب او الزواج بل تزوج لمجرد ان يملا الفراغ وهو يعلم ان جراء ذلك الاختيار ستتجلى مشاكل لا حصر لها ولكنه لم يشغل باله بما هو آت المهم ان يغلق دائرته
كما ان هناك من هم اكثر حنكة فيغلقون دوائرهم بالتخطيط وكلما نجحوا فى خطة اغلقوا جزء حتى وان حققوا كل خططهم بالترتيب شعروا بسعادة اكتمال دوائرهم ومنم من ينير الله بصيرته فيختار ان يغلق دائرته بالانعكاف على التعبد والصلاه لانه يعلم ان طرف نهاية الدائرة على اى حال من الاحوال تكون عند انتهاء الحياة لترتبط بالاخرة
اذن فالفكرة الاساسية ليست فى غلق الدائرة بقدرما هو التفكير فى كيف نغلق دوائرنا يبالطريقة السليمة حتى لا نجد انفسنا وقد سجنا ارواحنا فيها دون اية امل فى الفرار
اذا فالصحيح ان تبحثى حتى تجدين الجزء الدقيق الصحيح الذى به تكتمل دائرتك وان وصلتى لهذا الجزء ستجدين نفسك بفطرتك وتلقائيتك تحافظين عليه ولكن ان وجدتيه قد ضاع منك فجاة فهو من البداية ليس من نصيبك فحافظى على ما استطعتى ان تنجزيه واسعى من جديد فى جزء اخر اصح لك حتى لا تكملين بقية عمرك تعاقبين نفسك وتجلدين ذاتك بفعل او بتانيب ضمير
ساد الصمت هذه المرة للحظات عدة ثم عاد ابيها يقول: لقد قررت افعل بما قالته لك ولية الامر يوما
قالت بعدم فهم: ن اى ولية امر تتحدث يا ابى؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي