البارت الرابع 4

قال لها: عن تلك التى اشارت عليكى بحديث الرسول ص ان المراة تنكح لمالها ولحسبها و لجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك
جحظت عيناها وقالت بقهر: اتشترى لى عريسا يا والدى؟
قال بهدوء: بل اعمل بحديث رسول الله يا بنيتى وقد فعلت بالفعل وقد كتبت لك هذا البيت باسمك وسجلته لك
قالت بفزع: لا يا ابى ارجوك فينشق عنى اخوتى ويكرهوننى وكفى ما يحملانه نحو من بغض وغيرة مغلفة بسبب حبك لوالدتى عن والدتهما وكانى انا التى املك مفتاح قلبك وجعلتك تحب امى عن امهما
والدها: هما اخذوا حقهما وزيادة يا بنيتى الم اشترى لاخيكى شقته التى تزوج فيها واقمت له حفل زفاف كبير ؟ الم انفق على اختك فى التعليم الخاص حتى انتهت من الجامعة ولازلت اصرف عليها رغم انها تعمل فهى تنفق كامل راتبها على زينتها وتاخذ منى ومنك وكانك يخفى عليك كل هذا بينما انتى من صغرك وانتى تكافحين وتنفقين على نفسك كما عودتك امك ولم تكلفينى بمصاريف تعليمك ولا جهازك ولا اى شىء ومع ذلك لم اتركهما فقد وضعت باسم كل منهما مبلغ من المال فى البنك لعلهما يرتكنان عليه فى الازمات مع انى متيقن ان شقيقتك ستنفقهم على زينتها وملابسها ككل شىء
عاد الصمت يسود بينهما ثم عاد الاب مرة اخرى يردف وكانه كان يصمت ليستعيد شيئا من انفاسه او قوته التى تعينه على مواصلة الحديث : اسمعى يا بنيتى اعلم ان اخوتك بقدر ما يكنون لك بقدر كبير من الحب الا انهما يكنان لكى شىء من الغيرة بسبب حب لامك فغيرة امهما قد اكسبتها لهم اذ انها كانت تسقيهم غلها من امك فنشأ كلاهما يحمل فى صدره شىء ويعلم الله انى كنت اعامل امهما بالمساواه مع امك ولكن هى ايضا كانت تعلم ان معاملة امك كانت تستحق ان تهدى باقيم الحب والعطايا فكانت طيبة القلب ولولا اصرارها على الزواج لاجل الذرية ما كنت فعلت فكنت راضى بها وبك ومكتفى ولكنى ما تزوجت الا لرضاها ومع هذا لم اخالف الله بل حاولت بكل ما فى وسعى ان اعدل
ونظر لها باشفاق وقال : صدقينى يا بنيتى لولا ان اخوتك قد لامسوا فيك طيبة وحنان ما كانوا حبوكى فانا لم اطعمهم حبك اطعاماً فهذا مهما فعلت ما كنت وصلت اليه فالحب ليس بالمنايا ولكنهم وجدوك عكس ما كانت امهما تصفك
عطيات: الحمد لله
والدها وهو يسعل ويلتقط الحروف متقطعة: اسمعى يا جميلة انا اعلم انك كنتى مثل امك على قدر كبير من الذكاء والحرفية وانك ماهرة فى تحويل اى مال صغير الى ثروة بفضل ذكاءك ف التجارة الصغيرة فانتى لم تخجلى من اى عملاً كان مادام شريفا ولهذا فانا قد وضعتى مالى فى محله وانا على ثقة انك لن تخذلى اخوتك ان احتاجو لمساعدتك
كاد ان يكمل كلامه الا ان قطع صوت رنين الجرس فابتسمت وقالت ها هما المجنونان قد وصلا وكانت تقصد اولاد اخيها وبالفعل فما هى الا لحظات وانقلب البيت من الهدوء للصخب ومن البكاء للضحكات التى لا تنقطع
ولج اخيها صالح من الباب وهو منزعج من شقاوة اولاده وعندما وجدهما يتعلقان برقبة عطيات ويقبلانها وينادونها بماما فابتسم وقال خذيهما وابعدى بهما عنى فانا فى حاجة الى القيلولة قبل ان اخرج فى المساء
عطيات بقلة حيلة بعدما تنهدت: اكل يوم هكذا تاتى باولادك وتتركهم لى وتنام وانا اتحمل همهما وهم مذاكرتهما وانت تعلم انى لدى عمل اخر
صالح وهو يستصغر عملها الاضافى: يا عطا انتى ماهرة ثم ان عملك الاضافى هذا ثلاث ساعات فقط وانا اعلم انك قوية وتتحملين ثم انى لا اعرف كيف اتابع دروس الاطفال وليس لى سعة صدر لشقاوتهما
عطيات: اذا تزوج
ابتسم لها بلامبالاه وقال لها ابحثى لى عن عروس وانا مستعد ولكن من تلك التى تتزوج لتحمل هم طفلان كهذان
عطيات بقلة حيله ذهبت لتجهز الغذاء وهى تقول له بصوت عالى: انتظر لتاكل معنا اولا
عاد الى المطبخ وناغشها وهو ينعكش فى الاطباق ويتذوق ويقول لها ماذا اعددتى لنا اليوم؟
ضربته بخفة على كفه وقالت انتظر لثوانى وستعرف وهنا رن هاتفه فضحكت لانها كانت تعلم هوية المتصل
صالح وهو يتأفف: ماذا جرى يا مهى؟ هل ككل يوم لم تجدين تاكسى؟
ما هى الا لحظات وانهى المكالمة والتقط لقيمة صغيرة اخرى وقال لها: انتظرى على تحضير السفرة حتى اعود فانا ذاهب ككل يوم لاجلب المحروسة السيدة مهى التى لا تتعامل مثلط او مثل اى فتاه ولا توافق على ركوب المواصلات العامة فاما تاكسى او انا السائق المخصوص لديها
ضحكت عطيات وقالت: قولت لك انفاً اجبلبها معك كل يوم بدلا من ان تعود باولادك ثم تعود لتاتى بها مرة اخرى
صالح: وهل اترك الطفلين فى مدرستهما كل تلك الفترة حتى ياتى ميعاد الهانم ؟ فموعد نهاية عملها بعد موعد مدرسة الاولاد وموعد عملى بساعة
عطيات: ولكنها كل يوم تتصل بك وتتافف هكذا وفى كل مرة تعود لتاتى بها
صالح وهو يزفر نفس ضيق وقلة حيلة: ما باليد حيلة
.................
على الجانب الاخر
هناك فى مكان كبير لتجهيز العرائس ( كوافير ) فى قاعة كبيرة منقسمة لغرف لكل غرفة منهم مهمة خاصة بها
وكانت عطا تعمل فى الغرفة المخصصة للبس الروس فقد كانت عطيات مختصة بتلبيس العروس فستان زفافها
كانت كل يوم عطيات تساعد عشرات العرائس بارتداء فساتينهن وهى فى كل مرة تتمنى الف مرة ان تبقى مثلهن وتظل تحلم بنفس الفستان عليها وكيف سيكون شكلها
فى تلك اللحظة وفى نفس اليوم الذى كانت تبكى وتنعى فيه ميلادها كانت تساعد عروس فى فستانها وتتاملها وهى فرحة وتسترسل فى الكلام وكيف انها ستبهر عريسها وكيف سيخطف جمالها كل المدعويين الى اخر تلك الكلمات التى تتفوه بها اغلب الفتايات وعطيات فى نفس الوقت تتخيل نفسها انها ارتدت نفس الفستان ولكن كانت على العكس من كلام تلك الفتاه وانها ستكون محض سخرية كل من يراها وربما يهرب منها عريسها ويعلن ندمه قطع صمتها وتفكيرها وهى تعدل وتفرد ذيل فستان العروس التى اخذت تدور حول نفسها فرحة صوت العريس ووقع خطواته وصوت الزغاريد التى ملات المكان
اخذت تتامل العريس بوجع وهو يقبل عروسه ويقدم لها الورود وقال لها وهو يقبل وجنتها ما اجملك واجمل عطرك ما كنت اعتقد انك ستصيرين هكذا والله انى لأود ان اخفيك عن العيون فقالت له الفتاه فى الحقيقة الفستان كان من ذوق جميلة ومثله العطر
نظر لها العريس وابتسم ابسامة باهته فور سماعه للاسم والنظر الى وجهها ومع ذلك قال لها بامتنان اشكرك يا مدام
انقبض قلبها واعتصر من تلك الكلمة وقالت بفتور: آنسة
تنحنح العريس ثم لم يبالى واخذ عروسه وسط الزغاريد وخرج من القاعة
غادرت العروس ولكن طيفها وطيف فرحتها كان لازال يملا المكان فبكت وفى تلك اللحظة دلفت السيدة نسرين صاحبة المكان وقالت لها هكذا هذه اخر عروس لدينا اليوم سلم يداك يا جميلة
حاولت جميلة ان تدارى عنها وجهها ورددت: حسنا يا سيدتى ساغادر لانى قد تاخرت
اقتربت منها السيدة نسرين وامسكت وجهها فما طالعتها جميلة الا وبكت بانهيار فاحتضنتها السيدة نسرين وقالت: تعالى يا جميلة فانا اود ان احكى معك فى شىء
جلست جميلة وبدات تكفكف دمعها وانصتت باهتمام
السيدة نسرين: ان كنتى تبكى لتنعى حظك فى الزواج فاعلمى انه ليس كل المتزوجات فى سعادة ورخاء وانا اول المعترفين بهذا فقد كنت احيا حياة كلها مشاكل وكم كنت امنى ان موت عن ان احيا تلك الحياة وفى الحقيقة لم ابدا حياتى العملية هذه ولم ابدا اعيش بسعادة الا بعدما انفصلت عن زوجى فقد كان لى بمثابة عشماوى الذى ولد فقط ليعدم كل المجرمين حتى انه سار متبلد الشعور ولم يحن قلبه لمعدوم فى الاصل برىء او لمعدوم يستحق الاعدام عشرات المرات فالكل اصبح عنده سواسية وتحجر قلبه فلم يعد مشهد الموت يهزة ولم يعد يخشى من النظر الى كفوف يديه التى نفذت الاحكام
هكذا كان زوجى يتلذذ بموتى كل يوم وانا على قيد الحياة وكنت كل مرة اهم ان انطق بالطلاق الا اعود لادراجى خوفا على مستقبل اولادى ولكن فى النهاية لم استطع وشعرت ان وجودنا مع بعض هو التدميربعينه لاولادى ولهذا فكرت مليا قبل ان اخذ القرار واخذته وانا كلى تعقل لما سيترتب ولهذا كنت قد حسبت كل حساباتى لكل صغيرة وكبيرة ولهذا لم افشل بل صارت حياتى افضل ولم احرم اولادى من ابيهما حفاظا على شعورهما وتكوينهما وها هما ولله الحمد يبرانى بعد زواجهما وانا لازلت اعمل فى مشرعى الذى انشاته من القدم لاجل الانفاق على اولاد والان هو ملاذى من الوحدة
قالت لها عطيات: ولكن نظرة المجتمع للمطلقة اهون من نظرتهم للعانس فهم وان نظروا لها على انها فاشلة فى حياتها الا ان نظرتهم قاسية لمن فاتها قطار الزواج فيقولون انها لم يرغب فيها الرجال وانها عانس وما اصعب الالقاب يا سيدتى فالنصيب لديهم ليس له اعتبار او مقام وكلما تقدم بى العمر كلما تذكرت كلمات زوجة ابى فما ان ماتت امى الا وكانت كل ليلة تقذفنى بكلمات موجعه ظل صداها حتى الان فى اذناى لم يعد فى لدى طاقة ان اتحمل عداد عمر وخوف كانت تقول لى متى ستتزوجى ومتى ستلحقين الانجاب ؟ ما اكثر جملها الشهيرة الساخرة انتى كالسحلية الناشفة من سينظر لكى حت الملابس لا تليق بك وجسدك كالرجال ليس به انوثة واسنانك وكانك من الشياطين ولونك اسود و...و...
بكت السيدة نسرين من وقع تاثير كلماتها وقالت: اين انتى من لا حول ولا قوة الا بالله فكرم الله يفوق الامانى ثم ان الزواج ليس هو كل شىء فى الدنيا فالحيوانات تتزوج اذن فالزواج ليس بمفازة ثم اين انتى من السيدة خديجة او السيدة ميمونة بنت لحارث فكلاهما بعد عمر طويل زوجهما الله من افضل خلق الله لديه بمحمد ص ومع ذلك لن انهرك على شعورك لان شعور الزواج غريزة بيننا وفينا ولا احد يستطيع نكرانها ولكن عليكى ان تعلمى ان الزواج مرحلة فى حياتنا وليس هدف
وكذلك فالزواج ابتلاء وعدمه ايضا ابتلاء فعليكى بالصبر فى عدمه حتى تعتادى الصبر ان تزوجتى
صمتت السيدة نسرين لبرهة وكانها تفكر فى شىء خطر فى بالها على حين غرة ثم اردفت تتحدث لحين ان تجلس بمفردها وتفكر جيدا فى تلك الفكرة: المهم يا جميلة هذا حسابك اليوم عن تلبيس العرائس وهذا المبلغ هو حسابك عما صممتيه من ورود لبوكيهات العرائس فحقاً ذوقك كان رائع خطف الانظار اما هذا المبلغ فهو مكافأتك عن التغير الذى اضفتيه للمكان مما جعلك تضيفين مساحة اضافية جعلتنا نقدم خدمة اضافية للعرائس
ابتسمت جميلة وقالت: الحمد لله فقد كنت حقا فى حاجة الى المال لعلاج ابى فاخر نقود استلفتها مهى منى
نسرين: لا تعطى لها كل ما تطلبه يا جميلة فهى تعمل وبمقدورها ان تنفق على نفسها ومع ذلك كل يوم اجدها هنا تلون شعرها وتنظف بشرتها ومانيكير الى اخره وانتى من تدفعين حسابها من مرتبك فلما كل هذا؟
جميلة بابتسامة: انها لازالت صغيرة وجميلة فلما لا اساعدها لكىتتمتع بجمالها؟
نسرين: هى عادية وليست فائقة الجمال ولكن من المستطاع ان تفعلى انتى ما تفعله هى وستصيرين اجمل منها
ابتسمت جميلة ابتسامة ساخرة وكان السيدة نسرين تجاملها
فى طريق عودتها اخذت تشترى لكل فرد فى البيت كل ما يريده الا نفسها لم تنفق عليها جنيهاً
عادت وهى محملة بالطلبات وما ان فتحت الباب حتى ركض عليها الطفلان يعانقنها كالعادة
دلفت الى اخيها صالح فوجدته يتحدث فى الهاتف الخلوى مع صديق له ولكن ما ان سمعت اسم راجح حتى اهتزت اوتار قلبها فهى تعلم صديق اخيها وهو يقارب لها فى العمر وكانت شديدة الاعجاب به الا انه لم ينجذب لها ولا مرة على الاطلاق
صمتت تسمع مزاحات خيها معه وما ان انهى المكالمة حتى سالته فى شغف: مع من كنت تتحدث؟
قال لها اخيها: هذا راح لقد عاد من الخارج اتتذكرينه؟
اومات بنعم دون ان تتفوه بحرف الا ان بالها كان مشغول وهذا ما دعاها لان تعاود سؤاله: هل تزوج؟
صالح: انى سالته بالفعل ولكنى وجدته لازال اعزبا واتى الى القاهرة ليتزوج ويستقر
تهللت اساريرها وتركته وهى تفكر وانتبهت على صوت ابيها يناديها فلبته فسالها عن دواءه فقالت: لقد اشتريته ها هو واعطته الدواء فى موعده
سمعت صوت صالح يناديها ويسالها ايعقل ان تتاخر مهى حتى الان؟
عطيات: دعها تسعد مع صديقاتها وان اردت شىء اطلبه منى
صالح بانزعاج: وهل اتى لخيالك انى اسال عنها لشىء اطلبه وهل علمتى من قبلل ان مهى تساعد رد منا لاطلب منها ؟ ولكنى اتسال بسبب تاخيرها
...........
مهى مع وفاء وريهام فى احد الكافيهات يتسامرن وكانت العيون معلقة بمهى وكلمات الغزل ممن حولها تحاوطها ولكنها لا تبالى بكل ثقة وتكبر
ريهام يعجبنى ما اختارتيه يا مهى اكثر مما اخترته انا لنفسى
هنا ضحكت وفاء وقالت: بالطبع يا سيدتى فالانسة مه ليس لها مثيل فى الاناقة والشياكة
ريهام: ولهذا صممت عل ان تاتى معى لتشاركنى بذوقها وخاصة فى اختيار المابس
وفاء بمناغشة: ولكن لا تهضمى حقى فى اختيارى لك فى نوع العطور فذوقى يفوق مهى فاعلنى هذا بكل فخر
هنا ردت مهى بثقة: لم تخلق تلك التى تتفوق علي فى ذوقها
ضحك الثلاثة فنظرت مهى فى ساعتها ثم قالت: لقد تاخرنا هيا بنا ولا تنسي يا وفاء انك ستوصلينى بسيارتك فانا لا اركب المواصلات العامة
وفاء بضحك بالطبع يا بنيتى وهل يعقل ان تركب الملكة مهى سيارات الشعب؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي