مملكة أرلانيوس.

Kell_a_nn6`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-11-13ضع على الرف
  • 2K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الكارثة

مَرحبًا بكم لأول مرة في رواية مملكَة أرلانيوس .

آمِلة أن تنال اعجابَكُم .

تَغاضىٰ فضلًا عن أي اخطاء املَائية
فَهي حتمًا غير مقصودة .


البِـدَايَـة.

١



تأوُّه بسيط خرج من ثغره عندما تحرك اثر استيقاظه،ومضَةٌ سَرت بداخلِ عقلهِ استعَاد بهَا مَا حدث قَبل فُقدانهِ لوعْيهِ،قَام بجزئهِ العلوِيّ بسرعَة ونَظر حَولهُ،خُلِع قلبهُ من مَكانهُ،تَخلَّلَتِ الصدمةُ أرجاء جسده وشُلّ عن الحركة،لَم يَكن كابُـوسًا راوَدهُ..!

نَظر ليديْه، المَكان مظلمْ تمامًا، السّوادُ قَد أسدلَ ستائرهُ، لَقد رحَمهُ الظلَام من أن يَرى مَنظر الدمَاء التي كَانت تغطيـهِ بالكَامل.

نَظر أمامَهُ ليرَاهَا..جُثّتُها البَاردة مُلقاة أمامَ عينيهِ، رقبتهَا المقْطُوعة إلى نصفِها وجَسدهَا المَجرُوح، مُلقى صَوب نَظرهِ.

زَحف بجسدهِ إلى أن وصَل لجثتهَا، ونَظر بعَيْنَيْنِ لَا تُفهَم، مَشاعرهُ غَريبة، مٕضطربَة، مَسح عَلى وجهها الذي اختَفت منهُ جزء من ملامحهَا وشَعر بدوارٍ تبعهُ سقوطهُ على جثتهَا مغمًا عليهِ بَعد أن تحدث ببضع كلمَاتٍ
ناطقًا بِـ،: "هَل هَذا أنتِ حقًا يا أمي؟".

فَتحَ عينَيْهِ من جَديد، هَاجمهُ ضَوءُ الشمسِ ليعاودَ إغلاق عينيهِ لثوانٍ ثُم يفتحهُما، ولَيْتَهُ لم يَفعل، فَتحَ مُقلَتيهِ عَلى مَظهرِ والدتِه المَيتة.

بَكى مَا شَاء أن يَفعل، إلى أن تورمَت عينَاهُ، بَكى وهُو يصْرُخ، رأى أشخَاصًا نجَوْ مثلهُ من بعيدٍ يُناظرونهُ. يُشاركُونهُ المِحنة، أحنَوْ رؤسَهم كأنهُم يُعزّونهُ.

جَلس وضَمّ جسدهُ مرتعشًا، مناظرًا أمهُ، ماتَت وهي تَحميهِ! ولَيس العكس! كَان يجب أن يَكون هُو الذي يمُوت ولَيس هيَ..انهَا لَا تستحقّ ذلك أبدًا.

الشّارعُ قَد دُمّرت مَعالمهُ تمامًا، انهَدمت البِيوت ومَاتت مُعظم العَوائل، رُبما لم يتبَقى من كُل عائلة إلا شَخصًا أو لم يَتبقى أحدٌ من الأصل.

أمسَك يَديهَا وجسدُه يرتجفُ بِقوة، وأسنانهُ تصطكّ ببعضهَا، حِينما لَامس أصابعهَا ووصلَت لأطرافِه بُرودة جسدها سَرت بجسده قشعريرة أقوىٰ، وعَلت شهاقَاتهُ.

بَعد مُدة لَم يعلم كَم بالضبطِ، لَكنها طويلة، ظلّ فقط يُحدق بهَا، نَهض وعلمَ أنهُ يجب عليهِ على أقل تَقدير أن يدفنهَا بشكلٍ لائق.

جَال ببالهِ الاسطَبْل، حَيثُ الأحصنة الخَاصة بعائلتهِ، هَل ربمَا دمّرَ هو أيضًا؟..غَطّى وجه والدتهِ بمعطفهِ المهَشّم ور‌كض بسرعة حَتى تقطّعت أنفَاسهُ.

لَم يُفكّر حتى ماذا سَيفعل إن خرج عَليه ما يُهاجمهُ؟
وكَيف سيتفادى الخطَر؟.

فَقط كان يُفكّرُ بِالاسطَبل.

وَصل إليهِ وقَد كان غَير مُهشمٍ تمَامًا، وقَع البَاب وبَعضُ الخشَب..أمّا على العُموم فَحالتهُ جيدة..تَنفّس الصعدَاء وهو يَتجه نحوهُ بخطى هادئة محاولًا استرجاع أنفَاسه المسلُوبة.

لَقد وجد الأحصنة بأمَان بالفِعل لَكنهُ لم يَهتم، هُو فقَط ذَهب ناحية الأدوات المعدنيّة والخشبيّة لِيستخرج مِطرقَة وفَأسًا ومسمارًا وحَبلًا وبضع عِصيَان.

اتجه ناحية جُثة والدتهِ من جدِيد، حَملها وهُو يُحاول السيطرة عَلى قلبهِ المَفجُوع ومَشاعر الشَجن التي تَناثرت دَاخل خلَاياهُ.

وضَعها برفقٍ، اختَار مكانًا بعيدًا عن المَسير، على الجَانب الأيسر من الشّارع، حَفرَ بعمقٍ وشَعر أنهُ اكتفَى، أمسكَ القماشة التي أحضرهَا معهُ أيضًا وغَطى بها كاملِ جسد والدتهِ، وقَبل أن يُغطي رأسهَا، نَظر لهَا مُطوّلًا، لِيحفظ مَلامحها فِي ذاكرتهِ، لَا يريد أن تَتلاشى ملامحها بفعل الزمن أبدًا...

أمَضى يُغطي رأسها، وقَد تجمهَر الناجين مِن الحي حَولهُ، ناظرين لهُ بنظراتٍ مُشفقة، بَينما هُو قَد انهمَرت دموعهُ من جَديد وقَد تَم تغطيتُها بشكل كَامل..ثُم سَاعده شَخصٌ كان واقفًا فِي انزالهَا نَحو القَبرِ الذي صنعهُ لهَا ابنُها.

تَرك العَنان لِشهقاتهَا، وحِين وضَعها بِمكانها الصَحيح، أنزَل العَصى الخشبية الطَويلة، غرَسها بجانب رأسهَا تمامًا وصَعد من حُفرة قَبرهَا..ودُموعه اختلطت مَع التّراب مُلطّخة وجههُ بالكَامل.

نَحت على الخشبَة بِالمسمار.
"هُنا تَرقد تِيڤَاني برنارد".

وأعادَ ردمَ الحُفرة، وأحَاطها بِقطع الخَشب.

ثُم رمى جسدهُ بجانبهِ..بجانب قَبر والدته.

نَام من جَديد فَقد هَدّهُ التّعَب، وكَان نومًا هادئًا لم تَجتحْهُ الكوابِيس، نَام لليَوم التالِي، على الأرضِ بجانب القَبر.

استَيقظ عَلى نَكزة بِكتفهِ لِينظر لِصاحب اليَد فَوجدهُ طفلٌ صَغير، نَظر لهُ باستفهَام لِيقول الطفل،
" يَا سَيدي، أرسَلتني أمي كَي أدعوك للمَائدة التي صَنَعتها، فَأنت لَم تتناول شَيئًا منذ يَومين".

وقَف ورَافق الطفل بالفِعل فَقد كان الجُوع يُؤلم معدتهُ ، وحين وَصل كَانت سيدة كَبيرة بالعُمر تبتسمُ برفقٍ لأولئكَ الذين يتناولون منها أطباقَهم.

كَانت مائدة طويلةً نسبيًّا عليها حسَاءٌ من الخضراوات وبِجانبهِ أرز، لِكل شخص وجْبةٌ تجمع بين الاثنَين مع زجاجة من الماء.

"مَا اسمكَ يا بنِيّ؟"

"سَرمد".

"تَفضل وجبتكَ يا سَرمد".

أعطتهُ الوجبَة، وارتكَن سرمد وحيدًا مكفهر الوجهِ، وقد تكدّرت عليهِ معيشتهُ، شَرع في الأكلِ وهو يُفكر بِجثة أخيهِ ووالدهِ؟ لَم يجدهُم بأي مكَان، هَل تهشّمت جثثهم لِدرجة أنه لا أثر لهم!.

لَكن هم لا يهمّونهُ في الأساس، فَليذهبوا إلى الجحيم حتى، لَا يهتمّ أبدًا.

انقَضى يومٌ آخر، وجَسدهُ مرتخٍ يأبَىٰ التّحَرُّك، جَال ببالهِ صديقهُ، كَان ديڤاس صديقهُ ضعيفًا طوال عمرهِ هزيلَ الجَسد، هَل صمد في تلك الكَارثة التي حَلّت على شَرق المملكة؟.

تَحامل على نفسهِ، ونهَض متجهًا ناحية المرأة، التي جَاءت مجددًا وجَلست بنفس المكَان وفعَلت فعلتها السابقة ذاتها.

"يَا عمّة، هَل يمكنكِ شرح الكارثـة لي؟".

سألها لتتركَ ما بيدها وتلتفتُ إليه، كانت بَشوشة الوجهِ وسمينة بعض الشيء، وابتسَامتها وكأنها تشعّ نورًا.
التفَتت اليه،"طبعًا يا سَرمد".

"بِدايةً من الشرق، ناحية غَابة أرجوس..تلك الغابة التي تعجّ بالمتشردين. ظَهر مسخٌ له أنياب وهيئة بشرية لكن بشرتهُ عفِنة، عينيهِ سوداءُ بالكامل ويدهُ ملتَوية. هجَم على الناس وظهر أشباهُه واحدًا تلو الآخر ثُم لم يَكد الأناس الذين يَعيشون هناك يَفهمون من أين أتت المخلوقات. انهالَت عليهم القذائف والرصاصات. وهكَذا وصلُوا إلينا هُنا وفَتَكُوا بالشارع وبمَن فِيه، يا سَرمد ان لَهم قُوة بدنية عَجيبة. لدرجةٍ أن صفعةً منهم لِوجه بشريٍ كفيلة بكسر جمجمتهِ لقطعٍ صغيره.."

نَظر لهَا سرمد بتفَاجُؤ، وقَد كانت تحكي لَهُ ما حصَل وهِي تُعد الو‌جبات، سألها من جَديد، "هَل يُعقل يا عمة أنه تَمرّد من مملكة رامسُوديا ! ".

أومئت العمّة وذُهِل سَرمد، فَمملكة رامسُوديا تحت حُكمهم، انهَا صغيرة الحَجم جدًا، فكيف لهَا بكُل هذا!!.

" انّهم يَتصرفُون بِعقليّتهم لَا بجيشِهم.. "

أردفت العمة وشَكرها سرمد آخذًا وجبته وعاد ليجلس بنفس مكَانهِ، ثُم عزم الأمر وقرر أن يَذهب للبحث عن صَديقه.

نَهض واتجَه ناحية الاسطَبل مرةً أخرى، كَانت العيونُ جميعها تُلقى نحوهُ، فَقد عرف منذُ واقعة الدّفن التي تَركت أثرًا في الجَميع.

وصَل الاسطَبل، كَانت خُطُواتهِ أكثرَ رزَانة من تلك المَرة السابقة، لَم يعد مذعورًا أو متسرعًا، هُو فقط يُحاول أن يطمئن نفسهُ بأن صَديقهُ بخير.

كَان فِي الاسطَبل خَيْلَان وهُما بَارلي ووالدهَا نيڪولَاس، استعمل سَرمد نيڪولاس فِي وضع الماء الذي سيأخذهُ معهُ عليهِ.

لَم يكن ينوي أن يأخذ أي شيء آخر..فقط المَاء والطعام أمرهُ محلُول، صَعد على بَارلي وأمسَك بِلجام نيڪولاس، وبدأ رحلتهُ.

مرّ على تلك العمّة والتقت نظراتهُم لتقول ملوحةً لهُ، "هَل قررت الرحيل يا سرمد؟"، فأومئ لها ايجَابًا فابتسمت وهمّت تذهبُ اليهِ ومعهَا بَعض الفَواكه.

" خُذها يا بُنيّ، فلتصحبُك السلامة".

ابتَسم لها بِهدوء وقال، "أتمنى أن نلتقي قريبًا، يا عمة".





نِهـايةُ الفَصْلِ الأول.

يُتبَــع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي