البارت2

*في مزرعة الحج حسين.
"غالب" بإحباط : -ماذا عني يا "سالي"؟!
قالها وانصرف من حيث أتى، فتبعته "سالي" إلى الخارج، شاعرة بالذنب، تناديه:
-"غالب"... انتظر.
توقفت خطاه ولكنه لم يلتفت إليها، لذا أضافت وهي تتجاوزه قاطعة عليه الطريق : - يمكنك المجيء لاصطحابنا، ونذهب جميعاً إلى الحفل.

أشاح "غالب" بوجهه عنها يقول بامتعاض:
-لن آتي ولكنني أشكرك على رأفتك، مبارك عليك صحبته.

تلميحاته أثارت غضبها مجدداً لذا أجابته بجفاء:
-ماذا تعني؟! أنا لن أسمح لك أن تتحدث معي بهذه الطريقة يا سيد "غالب"... كما أنك لا تمتلكني، ولا يحق لك أن تكلمني بأسلوبك التهكمي ذاك؛ فقط لأنني لن أذهب برفقتك.

"غالب" بلين؛ خوفاً من أن يفقدها:
-أفهميني يا "سالي"، لو كان رفضك لذهابك معي من أجل رفقة عائلتك، فلا مشكلة بالنسبة لي على الإطلاق، لكن "عبيدة" هو السبب.

-كنت متحمس لوجوده منذ البداية بالرغم من تحذيرات "عمران" لي، ولكنني لم أشغل بالا لشكوكه، أخبرني بأنك ربما تنبهرين بشخصيته التي تختلف عنا.. إلا أنني لم أتوقع أن...

-حسنا، لا طائل من حديثي الآن.

ردت "سالي" بنبرة خافتة : - لا "غالب".. "عبيدة" ليس هو السبب الرئيسي.

"غالب" بإقرار : - كابري كيفما تشائين، ولكنني أستطيع أن أرى الحقيقة جلية على وجهك.

تقدم منها "غالب" وهو يشير بيده في وجهها ومن ثم أسدلهما إلى جانبيه يجز على أنيابه بضيق، يقول بتعبيرات وجه تموج باليأس:
-لقد كنت مراعيا وصبورا معك!! إنك لا تعنين له شيئا يا "سالي"،" عبيدة" جابها من شرقها إلى غربها رأي إناث من جميع أنحاء العالم.
-بعقلك؟ ما الذي قد يلفت انتباهه إلى فتاة ريفية مثلك؟!

جرحها بكلماته القاسية حتى أنها أرادت أن ترفع يديها لتصم أذانها ولكنها ستبدو خرقاء، أجزمت أن ما قاله "غالب" صحيح، وهذا ما كان يجول بخاطرها من قبل.

وما هو أسوأ أنها كشفت ل"عبيدة" عن مدى تأثرها بسحره وجاذبيته إذ باتت ردود أفعاله توحي بعلمه بحقيقة مشاعرها تجاهه واستعدادها التام للاستجابة إلى مجاله، وما جعل الخوف ينهش أحشائها أنها بدأت بالفعل أن تقع في حبه الذي لن تجني من ورائه سوى الألم والحسرة.
مضى اليوم رتيبا على جميع أبطالنا، إذ تحاشى "عمران" لقاء صغيرته فهو أبدا لن يصمد.
بينما لملم "غالب" أذيال خيبته ليعاود أدراجه إلى قصر "السوالمي" موقنا بأن أمله بريفيته أصبح وهما لابد من الخلاص منه.

و"عبيدة" الذي أصابه التشتت ما بين إنكار "سالي" لوجود أية علاقة تجمعها بابن عمه، ومع ذلك لا تنفك عن تجبير جراح "غالب" كلما اتسعت الفجوة بينهما، وكذلك شعوره بالذنب حيال "غالب"، وإحساس بالكدر تسرب إليه كون "سالي" تتلاعب بكلاهما.
*في قصر السوالمي.
أسدلت السماء ستائر الغيمة لينجلي ضوء النهار وأشعة الشمس تداعب أجفان غطت صاحبتها في نوم عميق، وطوال ليلتها و"عمران السوالمي" هو بطل أحلامها الوردية.

تمطأت "نوران" تفرج عن أهدابها بتكاسل وابتسامة عذبة ترتسم على ثغرها، رفعت كفيها تخبأ وجهها وقد اتسعت ابتسامتها عندما استحضرت بعض من لقطات عما راودها ليلة أمس من أحلام به وعنه.

تلفتت حولها تبحث عن "نادين" وهي تحمد الله أنها لم ترى ردة فعلها البلهاء هذه إذ من المؤكد أنها لن تكف عن التساؤل حتى تعلم سر سعادة "نوران" التي ستلجأ للكذب ولن تخبرها قط بما بها من غبطة لا تعلم مصدرها، فقط لرؤياها له في منامها بكامل حلته وهي تزف إليه بثوب أبيض كعروس.
حطت بقدميها أرضا تنهض عن مهجعها قاصدة المرحاض، أخذت تنظر إلى انعكاس صورتها في المرآة بوجه مشرق، ومن ثم زفرت بتأفف إذ تناست أن تجلب معها فرشاة أسنانها والمعجون الخاص بها اللذان وضعتهما بحقيبة سفرهما هي و"نادين" التي لم تفضا محتوياتها بعد.

خرجت على الفور ترفع الحقيبة على التخت تعبث بسحابها، تقلب فيما بداخلها، قائلة بتململ : - اللعنة!! أين هما يا ترى؟!

قلبت ما بالحقيبة دفعة واحدة على السرير تنقب عن مرادها، ومن ثم استقامت بجذعها متخصرة وبصرها مرتكز على الفوضى التي أشاعتها من دون فائدة وها قد لمعت عينيها
؛ إذ تذكرت أن ما تبحث عنه قد وضعته بحقيبة ظهرها.

وقبل أن تعيد كل شيء إلى موضعه، التقطتت نظراتها جيب سري في قاع الحقيبة، فدست يدها بداخله باستكشاف، ولم تتوقع أن تجد شيئا كونها لا تعلم بوجوده ومن المؤكد أن لا علم ل"نادين" أيضا.

ولكن على عكس ظنونها عثرت يدها على ورقة مطوية كانت بداخله، نفضتها لتستعلم عما بها، وإذا ببؤبؤيها يستديرا على وسعيهما وهي تقرأ المكتوب وأول شيء طرأ بعقلها عندما وقعت نظراتها على ما استهل ذلك المخطوط المعنون بكلمتين صادمتين ألا وهما عقد زواج موثق، أن ذاك العقد يخص "نادين" و"حسن" وهي تتنبأ بأن والدتها قد أتمت زواجها من "حسن" دون علمها.

ولكن ما جعلها تفغر فاهها على الأخير أن الاسم المدون بخانة الزوج كان "عمران" لا حسن، أما عن الزوجة فهي...........

تمتمت بأعين جاحظة : - اللعنة!! هل لازلت أحلم؟! أم هذه توابع الحلم السابق؟!

حولت نظراتها إلى باقي بنود العقد وإذا بتاريخ يدل عن حداثته مما يعني أن العقد وقع ليلة أمس، عقد مستوفي لكافة الشروط، وإمضاء "نادين" يحتل خانة الوكيل بموجب حكم الوصاية الذي دون رقم إصداره أسفل توقيع والدتها، أما عن الشهود فهما "غالب" واسم الشاهد الآخر لم تتبين ماهيته.

شعوران متناقضان تسللا إلى قلبها جعلاه يقرع دون توقف، أحدهما وگأنها لمست نجمها البعيد بأناملها، وآخر يهاب ما سقطت به دون تمهيد؛ فهي ليست على استعداد لشيء كهذا بالوقت الحالي.

طوت الورقة وخرجت تبحث عمن يمكنه أن يقص لها كيف حدث هذا!! ولم؟! وما السبب لتكتم الجميع عن الأمر؟! ومن أعطاهم الحق بمعاملتها كدمية الماريونيت المعقود خيوطها بأصابع همجي گ"عمران"!!

أول شخص تلقى توابع صدمتها هو "غالب" الذي وجدته يهبط الدرج الخاص بالدور العلوي بوجه متجهم وعلى ما يبدو أنه لم يذق طعما للنوم، فاستوقفته تقول بتصلب:
-"غالب" أريدك بغرفتي والآن.

"غالب" بصدمة : - ماذا؟!

"نوران" بإصرار : - كما سمعت.

قالتها وهي تقبض على معصمه، تشده خلفها ولم تترك له مجالا للاعتراض، ولكنه ناشدها بتوسل : - تعقلي "نوران"، اخبريني ماذا تريدين؟!

لم تعر "نوران" لتوسلاته أي اعتبار بل استكملت طريقها، تقول : - أنت من سيخبرني بما يدور، فلنجس سويا على انفراد.

هز "غالب" رأسه بيأس من تعنتها، يضيف برجاء : - دعينا نتحدث بالأسفل لا يصح أن يراني أحد بغرفتك وخاصة "عمران".

التفتت إليه "نوران" ترمقه بنظرات ملامة، معقبة : - ولم "عمران" على وجه الخصوص؟

"غالب" بتلبك : - لأن... لأنه... لا أعلم.. ولكن هذا شيء غير مستحب ولا يجوز اختلائنا معا وفي غرفة نومك.

أدارت "نوران" مقبض باب الغرفة تدفعه إلى الداخل، تحكم غلق الباب عليهما، بينما أخذ "غالب" يتضرع إلى الله ألا يقع ما يخشاه لذا ناشدها : - على الأقل دعي الباب مفتوحا "نوران" حتى لا تكون نهايتنا معا.

"نوران" بتسائل : - لم كل هذا الخوف؟! أيوجد شيء لا أعرفه؟!

تهرب "غالب" بنظراته عنها، يجيب عن سؤالها بآخر : - لا أفهم عما تتحدثين؟

دست "نوران" يدها بجيب منطالها، تخرج عقد الزواج الذي بحوزتها تشهره بوجهه، قائلة بتهكم:
-وماذا عن توقيعك على هذا العقد؟!

خفض بصره إلى ما بيدها وها قد تبين له سبب حالة النزق التي هي عليها الآن.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي