6

وردت الأم: أنتم تعرفون أنكم جميعا زهرة حياتنا وليوفق الله ساهر في حياته الجديدة التي اختارها
الأب: اللهم أمين
كانت الدمعة عالقة في عينيه الطاهرتين ما أزعج ماري لأن نقطة ضعفها هي والديها.

أخذت تنصت لهما وهما يتذكران شقاوة ساهر وهو صغير.
الام : أتتذكر يا أبا ساهر عندما ضاع ساهر ابن الثلاث سنوات، كم بحثنا عنه وبحثنا

الأب: آه وكيف أنسى يا بركة هذا البيت لقد وجدناه مختبأ في العلية يخاف أن نكشف أنه هو الذي ضرب ابن الجيران فصعد السلم بشقاوة واختبأ


تابعت الأم: يومها وجدناه نائما فيها بعد أن تلفت أعصابنا.

ماري: إذن يا أمي يومها لم تتوقعي أن يكبر ويصبح شخصا فاعلا في مجتمعه والان يبحث عن فرصة يحسن بها وضعه.

عامر: احمدوا الله ياجماعة وأكثروا الدعاء له.

رفع الأب والأم يديهما وتضرعا للاله أن يحمي عائلتهما وأن يوفق ساهر في غربته.
ثم مسحا دموعهما وعادا إلى طبيعتهما مجددا


وفي تلك الأثناء طرق الباب فقام أبو ساهر لفتح الباب ووجد طالبا لمال الله يقف خارجا ويطلب المساعدة.

المتسول: من مال الله يا أخي

الأب: تفضل بالدخول
لكن الرجل رفض وأخبره بحاجته للنقود.

فدس الأب يديه في جيبه ولم يجد شيئا ونده لزوجته وأخبرها بأن ترى ما تستطيع تأمينه للرجل
فغابت الأم قليلا ثم عادت وهمست للأب: النقود التي كانت معنا نفذت ويوم قبض الراتب بعيد فلتعتذر من الرجل.

لكنه لم يرضى برد الرجل فقال له أنظرني خمس دقائق وخرج من المنزل ثم عاد وأعطاه بعض النقود وانصرف الرجل وهو يدعو له ولأهل بيته.

فاستغربت الام من زوجها وسألته كيف أمنت المبلغ فقال لها: لقد استدنت المبلغ من جارنا صاحب الدكان وأخبرته بأني سأسدده الدين غدا.

الأم: يا ويلي يازوجي أتستدين من أجل متسول
الأب: نعم أفعل لأن رد طالب ينادي من مال الله هو أمر لا يجوز ،غدا سيصلني بعض المال وسأوفيه حقه.

تدخلت ماري وهي تشعر بالفخر بهذا العظيم وقالت: بارك الله فيك وأطال عمرك يا أبي ولكن لم لم تطلب مني أنا.

الاب وابتسامته ملأ وجهه: أعلم أنك عازمة على السفر وستحتاجين ما تملكين حبيبتي

شعرت ماري بعظمة هذا الرجل الذي رزقته كوالد وتعلمت منه الكثير.
قبلت يده وكذلك عامر وانصرفا إلى الداخل.
وبقي هو وزوجته فقالت له: بوركت يا بركة هذا البيت

فرد لها: لا أرى بركة في هذا البيت سوى تلك اليدين خاصتك نعم أنت بركتنا يا أم الساهر.


ثم دخلا مبتسمين وقررا إكمال ما تبقى لهما من عمل.

في هذه الأثناء كانت توضب ماري أغراضها وتجهز نفسها للسفر في اليوم التالي واتصلت بهلا واتقفتا على طريقة التواصل أثناء سفرهن.

هلا:صحيح أنت لم تردي لي خبر حول أيهم.

فاحمرت ماري وخجلت وتلعثمت وسط نظرات أختيها اللتان بدأتا بالثرثرة والضحك، فصمتت مطولا.




هلا: حبييتي ماري، ماري، ماري.

ماري: اخرسي لست صماء أيتها الحمقاء

هلا: إذن

ماري: عيني خيرا، أراك غدا ونتحدث

ضحكت هلا وقالت: سأبارك لأخي ولك يا عروسنا الحلوة.



فأغلقت السماعة وهرعت إلى الحمام وأغلقت الباب خلفها وكانت في قمة السعادة .

ماري الخجولة لاتستطيع إظهار فرحتها أمام الأهل لأنها لم تعتد على هذا

تسارع اليوم بين الأهل والأقارب إلى أن وصل باسم وسوسن في المساء إلى بيت أهله، وكم أظهرت سوسن حبا لماري وأهلها ورغم معرفة الجميع بطبعهاإلا أنهم كانوا يتجاهلونه لأجل باسم العطوف المحب.

الذي تغير طبعه من الطائش العصبي إلى الملاك الطيب الذي يشعر بالحب تجاه أهله وأخواته وخاصة ماري.

لم يخلو المساء من بعض الهمز والغمز واللمز من قبل سوسن لكنه مر بسلام.

نام الجميع إلا سوسن التي عرفت بأن هناك احتمال لخطبة ماري، الأمر الذي جعلها تتصرف وتجلب معها مايسمى حجابا لايذاء ماري والتعطبل عليها.

فخرجت دون أن يراها أحد ووضعته أمام باب أهل زوجها بشكل مخفي و نفخت عدة نفخات كما علمها الدجال الذي تتعامل معه.

لكن لسوء حظها شاهدها عامر وانتظر حتى دخلت وامنت الأمر فتسلل وفتحه فلم يجد إلا كلمات غير مفهومة لكن الاسم الوحيد الذي استطاع قراءته هو اسم ماري ففهم القصة فأخذه وأحرقه.


وقرر أن يقول لأمه في الصباح أو ربما الآن لقد أصابه القلق تجاه أخته.
وفي أثناء حيرته خرجت الأم ونادت عليه: ماذا بك ياولدي خيرا.

فشرح لها ما رآى واتفقا على إخفاء الأمر وعدم إخبار أحد بالأمر وخاصة باسم وماري.

لم تستطع يومها النوم بسهولة وهي تفكر بالخطر المحدق بابنتها ماري الألطف والأحن بين أخواتها.

وفي الصباح ودعت ماري أهلها وتمنت دعاءهم لها وانصرفت ورافقها أخوها باسم إلى موقف الباص وكعادتهما أسرفا في المزاح والضحك.

ماري : وداعا يا أغلى الناس سأشتاق لك ياتوأم الروح.

باسم: وأنا أيضا انتبهي لنفسك
ثم ركبت الحافلة واتجهت إلى المدينة وباسم عاد إلى عمله وبقيت سوسن وعز في ذلك اليوم عند بيت حميها.

وتقصدت أن تظهر اللطف والظرف لباقي العائلة لكنها همست لصفاء بان ماري تغار منها فقد أخبرتها ماري بأن ملابس صفاء و شكلها جميل اما هي فتمضي وقتها في جلب وشراء الأغراض لبيت أهلها.

صدقت صفاء لطيبها أن أختها ماري قد أعطت عليها أمام زوجة أخيها فحزنت كثيرا.

ثم أرسلت رسالة إلى ماري: (لمن كنت أعتبرها أعز الناس شكرا لما وصلني عنك)، ووضعت سمايلا يعبر عن الحزن.

فتفاجأت ماري عن سبب هذه الرسالة وما تعني بها فأرسلت ردا: (أختي وأقرب الناس إلى روحي ما الذي يزعجك لاتقلقيني عليك).

وصلها الرد: اسألي نفسك.

حارت ماري في أمرها فاتصلت بها وأصرت ان تفهم منها فشرحت لها القصة فصدمت وقالت لها: وهل تصدقين سوسن وا
أنت تعرفين كم تكيد لنا.

فاعتذرت صفاء من أختها وذهبت إلى أمها وأخبرتها بما حصل.

فغضبت الأم واتجهت إلى غرفة سوسن وقالت لها: أحذرك بناتي وعائلتي إياك اللعب في مشاعرهم أو مجرد التفكير في إزعاجهم لن يحصل لك طيب.

وهنا رفعت سوسن حاجبيها و غمزت بعينيها لتحاول تنزيل الدمع وتظاهرت بالبكاء ثم قالت: سامحك الله لظلمك لم أفهم قصدك لكنني سأغادر هذا البيت ولن أعود ثانية.

الأم: أن جئت بأدبك فأنت ابنة هذا البيت كرمى لعيني باسم وإن لم تفعل فمع ألف سلامة.

وحملت اينها عز وخرجت تتظاهر بالبكاء والاحساس بالاهانة.

وفي المدينة كانت ماري تعمل برفقة هلا في مكان عملهما فسألتها هلا عن رأيها في أيهم فأجابتها : ان شاء الله خير

فأمسكت هلا الهاتف واتصلت فورا بأخيها وقالت: جهز الحلاوة

أيهم: ما المناسبة يا ترى؟

هلا: ماري موافقة

صاح أيهم بفرح: تكذبين هل أتي إليكم فورا.

فنهرته هلا واخبرته أن الوقت غير مناسب.

طارت ماري من الفرحة فالأمور تقترب من التحقيق.
ومع الوقت أصبح يلتقي أيهم أحيانا ليتعرفا على بعضهما فلاحظ أنها خجولة جدا ومهذبة ومطيعة جدا.

ولاحظت ماري الطيبة أنه وسيم جدا وجريء و مختلف عن شخصيتها لكنها أحبته.
واتفقا على الخطوبة في أقرب وقت.

أما هلا فتزوجت من أحد الموظفين الذين يعملون معها وانتقلا إلى مدينة أخرى فشعرت ماري بالفراغ .

وسكنت معها مستأجرة أخرى من قرية بعيدة فقبلت ماري لتخفيف الأجرة إلى النصف كما على أيام هلا.
لكنها لم ترتح معها وكانتا رسميتين جدا في العلاقة ولم تتفاهما لاختلاف طبائعهما.

وتغير الوضع على ماري فلم تعد ترى أيهم بسهولة بسبب وجود هذه الفتاة معها فهلا كانت أخته أما هذه فغريبة ولن تقبل تواجده في بيتهما تحت أي ظرف.

لذلك طلبت منه الإسراع بالتقدم لخطبتها فوافق أيهم وأخبرها بأنه سيزور أهلها باجازتها القادمة يوم الخميس القادم.

وفعلا أتت اجازة ماري وسافرت إلى أهلها وقامت بابلاغهم عن قدوم أيهم وأمه لزيارتهم يوم الخميس.

ففرح الأهل من أجل ابنتهم وتلك الليلة ثرثرت الأخوات الخمسة حتى وقت متأخر من الليل.

وقد صدفت اجتماع الأخوات كلهم وكل الاخوة إلا ساهر لأنه كان مسافرا خارج البلاد ورغم هذا اتصل يومها بأهله وبلغوه الخبر السعيد.

كانت ماري فرحة لوجود أخوتها معها في هذا الموقف وتمنت لو أن ساهر معها.

وفي اليوم التالي جهزت الأخوات أختهن ماري فبدت جميلة جدا.

وعند الساعة السادسة مساء حضر أيهم وقد
ارتدى أجمل الثياب فبدى شابا وسيما جدا، وأمه كانت شخصية متحضرة في لباسها تلبس لباس اهل المدن وتبدو في الستين من عمرها.

وعندما دخلت ماري ومعها فناجين القهوة للضيافة نظر إليها أيهم وكأنه يراها للمرة الأولى فبوضعها للمزينات كانت مميزة جدا.
وراقبتها أم أيهم بكل التفاصيل فأعجبت بهدوئها وأدبها وجمالها.

وبعد العشاء طلب أيهم وأمه يد ماري للزواج واتفقوا على التفاصيل الأساسية كالشروط والمهر مقدمه ومؤخره وعلى موعدالخطوبة الرسمية وموعد الزواج حيث طلبت الأم أن لا تطول فترة الخطوبة.

وبعدها انصرفا سعداء وبارك الأهل لماري ودمعت عيني أمها وأبوها فرحا لها.

وهكذا أصبحت العلاقة على الملأ ولم تعد تشعر ماري بالحرج عند خروجها مع أيهم وعاشا أجمل أيام حياتهما.

ورغم محاولات أيهم أن يخرج حالة الخجل التي تنتاب ماري عندما تراه ولكن عبثا.

فرحت هلا لأخوها وصديقتها عندما أخبروها بموعد الخطوبة وبلغوها الحضور لمشاركتهم الفرحة.


وفي أحد الأيام اتصلت سوسن زوجة أخيها باسم بها وحذرتها من أن أيهم يخدعها فقد قابلت خطيبته السايقة وأخبرتها كل التفاصيل عنه وعن سبب تركها له فجن جنون ماري وبدأت تبكي قهرا وتقول في نفسها: لماذا لماذا يا أيهم أتخدع من أحبتك بجنون أهذا هو جزاءي.

فاتصلت به وطلبت مقابلته فورا ثم طلبت إذنا من عملها وذهبت للقائه.

وفي نفس المكان الذي يلتقيان به التقيا هناك ولاحظ أيهم أنها غاضبة ولما سألها عن السبب أخذت تبكي وطلبت منه أن يحدثها عن خطيبته السابقة

فتفاجئ بسؤالها وأنكر أية حالة خطوبة سابقة قبلها وبأسلوبه تلاعب بعواطفها وأقنعها بكذب الخبر ولأنها تعرف طبيعة سوسن صدقته ونسيت الأمر.








مرت الأيام وتمت الخطوبة الرسمية وحضر جميع الأهل والأقارب من الطرفين وفرح الجميع، وكانت أم ساهر تنظر إليها بفرح ودمعتها تقاتل الرمش في الوصول إلى الخد لكنها منعتها كي لا تفسد فرحة ابنتها.


أما أبو ساهر فدخل إلى غرفته ليستطيع التعبير عن مشاعره فبكى وبكى، فحشيشة قلبه أصبحت عروسا وستترك هذا البيت بكل الذكريات التي عاشتها فيه.

ثم مسح دموعه واستجمع قواه وخرج للضيوف وأخذ يراقب بحب ماري وهي تجلس قرب خطيبها سعيدة والفرح يغني في وجننيها وعلى شفاهها.


ألبسها أيهم الخاتم في يدها اليمين وباقي مصاغها وتناول الجميع العشاء والحلويات على شرف الخطيبين، ثم بارك لهما الجميع وتمنوا لهم أياما سعيدة.

وبعد فترة عادت ماري إلى عملها ووزعت الحلويات على رفاقها في العمل وهي عادة متبعة بسبب مناسبة للفرح كالخطوبة أو العرس.


بدأت لقاءاتها مع خطيبها مكشوفة ولم تعد تخجل من هذا وكانت أجمل أيام عمرها.

كانت ماري بريئة براءة الكون ولم تكن تعرف مايخبئه لها القدر في حياتها الجديدة القادمة.

كانت في قمة السعادة، مماجعل الجميع يراقبها ويقول في نفسه: كم تغيرت يا ماري.

فلم تعد ماري تلك البنت الخجولة

نعم لقد تغيرت في موقع ما من شخصيتها وبشكل ملحوظ.


وفي أحد الأيام اتصل بها باسم وحدثها مطولا، باسم الأخ والصديق التي تنطوي أمامه ماري صاحبة الشخصية الهشة لتستطيع إخباره بكل شيء.

باسم: أنا قادم لزيارة أهلي غدا ومعي سوسن والأولاد -(لقد رزق باسم بمولود جديد وأسماه معد على اسم المرحوم معد)-. وأتمنى أن تكوني هناك واليوم بالعجل.

ماري: هل من خطب يا أخي

باسم بصوت مبحوح: لا لا فقط تعالي فورا.

قلقت ماري كثيرا فلهجة باسم لا تطمئن أبدا وقلبها بدأ يخفق بسرعة فاتصلت بأيهم وأخبرته بأنها عائدة إلى القرية لضرورة قصوى ولكنه أصر على أن يوصلها.


وعندما وصلت البيت وجدت الناس مجتمعين في بيت جدها القريب من بيتها والكل يرتدي الأسود
كانت تمسك يد أيهم فأفلتتها وركضت تسأل عماذا حدث.

أول شخص خرج يستقبلها كان باسم فضمها إلى صدره وقال لها: إنها الجدة اطلبي لها الرحمة.

فصرخت ماري بذعر: لا لا جدتي.

ثم ركضت إلى أبيها الذي كان حزينا فأمه كانت صرحا بالنسبة له.

الأب: لقد ماتت أمي يا ماري تلك المرأة المكافحة التي ربتنا وتعبت لأجلنا لقد كانت بمئة رجل.


قبلت ماري رأس أبيها والدموع تملأ عينيها واحتضننه ولم تقم من حضنه حتى جاء عامر ومحمد وسحباها وقاما بتهدئتها.

ثم قال محمد: هيا يا أختي هيا مكانك في الداخل مع النساء كوني قوية ولا تزيدي على أبي.


فدخلت ماري لتجد أمها وأقاربها في حالة حزن فاقتربت من أمها التي كانت تجلس ملتصقة بعمتها أم صالح فضمتهما وبكت بحرقة.

أم صالح: الحمد لله يا بنتي لقد توفيت وهي صلبة
أم ساهر: رحمها الله وعوضنا بك وبإخوتك يا ماري.


وبعد قليل أدخل أبو ساهر في حال تشنج إلى غرفته فلامته أم ساهر: يا حيف يا أبو ساهر ياحيف أنت تعلم أن الله سبحانه حق وما قهر عباده إلا بالموت، فلتطلب لها الرحمة ولتكن قويا أمام أولادك فهم بحاجتك أكثر من أي وقت.


فيسرع محمد ويحضر الطبيب الذي يعطيه فورا حقنة مهدئة ليرتاح ويطلب من الجميع التعاون لأن أبو ساهر يعاني مسبقا من ارتفاع ضغط ولا يناسبه التوتر.

خافت ماري على أبيها وأحست أن الحياة قاسية لكنها حمدت الله وشكرته.


ثم ترفع ماري يديها وتتضرع لله: يارب يارب كن مع أبي واحفظه لي يارب واحفظ لي أمي واخوتي اللهم أمين.

تدخل في هذه الأثناء أم أيهم وابوه ليقدما التعازي للعائلة.
فترحب بهما أم ساهر والعائلة ويقدران قدومهما.


استمر العزاء لثلاثة أيام و كان لابد أن تعود ماري للالتحاق بعملها فعادت بعد اتمامها الأسبوع.


وفي العمل وجه إليها تنبيه للغياب الغير مبرر فهي لم ترسل تبريرا ولم تتصل بأي طرف مما أثار غضب المدير لكنها اعتذرت له وشرحت الأمر.

المدير: رحم الله جدتك لكن إهمالك غير مقبول فهذه مصلحة العمل على العموم اذهبي إلى مكتبك الآن.

ماري: شكرا أستاذ واعتذر مجددا.

لكن ماري شردت وتساءلت: لم لم يهتم بما طلبته منه، لقد تجاهل أيهم طلبي بأن يمر على مديرها ويشرح له الأمر.

ولكنها أعطته العذر فقالت: لابد أنه نسي ورغم ذلك فقد أحست بضغط على صدرها ولم تفهم معناه وظنت أنه نتيجة الحزن على جدتها.

ماتت جدتي، ذلك الإناء الذي وسع الجميع، الطيبة واللطيفة والمحبة وحكواتي العائلة فكم كانت تقص عليها وعلى إخوتها القصص الطويلة والمشوقة، قالت هذا ماري وأعقبت: سأشتاقك ياجدتي ولن أنساك.

بقيت ماري على تواصل هاتفي مع أبيها تخفف عنه وتسأل عن صحته.

لقد كان حزنه وتعبه أمرا لا يحتمله قلب ماري فقررت أخذ اجازة بلاراتب والبقاء معه قدر الامكان.


تأثر الأب كثيرا لوفاة أمه وتغير حاله فالشخص الذي كان يملأ البيت ضحكا ومزاحا مريض حزين، فأخذت ماري على عاتقها الاهتمام به ومساعدة أمها.


كانت ماري تستيقظ كل يوم لتجد أمها وقد قامت بكل أعمال المنزل حتى التي كان تقع على عاتق أبوهافتقوم بمساعدتها والاهتمام باحتياجات أبيها.


كادت ماري أن تختنق لأن الفرح بدون أبيها
عقيم وكم حاولت مع أمها وأخوتها حتى نجحوا وأخرجوا أبوها من هذه الحالة وتجاوزها بصعوبة.

اطمأنت ماري على أبيها وعادت الفرحة إلى البيت فالأب قد تعافى وتعافت معه قلوب العائلة جميعها، ولكن ما كان يقض مضجع ماري أن أيهم لم يساندها مع العلم أن مرض أبيها استمر مايقارب ثلاثة أسابيع وقاربت اجازتها على الانتهاء.


أسئلة كثيرة كانت تأكل رأسها وتضغط على قلبها الرقيق.

لماذا لم يتصل أيهم؟ لماذا لم يأت إلا مرة واحدة أمام ناظري أهلي ليثبت اهتمامه؟.

حتى الرد على الرسائل كان غير مقنع مما سبب القلق لها.


وهكذا مرت الأيام و كانت خلالها تدعي ماري ماليس فيها من التحمل والقوة.

وعادت إلى شقتها في المدينة والتحقت بعملها وهناك اتصلت بهلا
هلا: أهلا حبيبتي ماري كيف حالك

ماري: أنا عاتبة عليك وجدا

هلا: لماذا ماذافعلت خيرا يا ماري؟!

ماري: يمرض أبي قرابة الشهر بعد وفاة جدتي ولا تهتمين لا اتصال ولا زيارة أهذه هي الصحبة والأخوة.


تفاجأت هلا بما قالت وأجابت بالرد: أقسم أني لم أسمع بكل هذا وقد انشغلت في الفترة الماضية بأعمال كثيرة منعتني من التواصل معك وللامانة عتبت عليك فأنت لم تتصل للإطمئنان علي طيلة تلك الفترة.

فصعقت ماري ولم تعد ترد عليها وقالت لنفسها: حتى أنه لم يخبر أخته بوفاة جدتي ومرض أبي لماذا يفعل هذا؟.

حزنت ماري جدا واعتذرت من هلا وأقفلت دون أن تشكو لها فعل أيهم.


فتتصل هلا بأخيها فورا لتلومه على تقصيره

هلا: كيف تضعني يهذا الموقف مع خطيبتك ماري و التي تعتبر أعز صديقاتي.

أيهم: وهل كان يجب ان أتصل لقد نسيت وانشغلت بعملي.

هلا: كم أنت أحمق يا أخي يبدو أنك لم تتعلم من تجربتك السابقة وأخطاؤك فيها.

أيهم: أنت تثرثرثن كثيرا ارحلي


ثم أمسك الجوال واتصل بها واستخدم الدهاء فهو يعلم أنها تحبه وستصدقه.

أيهم: حبيبتي كيف أنت
صمتت ماري ولم ترد فهي حزينة وغاضبة ذلك الشعور الذي لم تتعود اخراجه.

فقال لها: أنا غاضب منك أتعلمين لماذا، لقد كدت أن أطرد من العمل منذ أسبوعين لأنني تشاحنت مع مديري في العمل وغضب مني وكبر الأمر وشغلت عنك سامحيني فقد قصرت معك لكن ليس بيدي حبيبتي.

هنا شعرت بالرضا قليلا وقالت: لابأس علينا أريد أن أراك.

فحدد لها وقت اللقاء في الساعة الخامسة عصرا وهكذا عادت الأمور إلى مجاريها وعادت ماري الطيبة البسيطة إلى سابق عهدها ،لأنها صدقت أيهم.

وهذا بسبب قلبها الذي لا يحمل ضغينة على أحد ولم يفهم أن ماشبت عليه مختلف جدا في الواقع.


التقت بأيهم وكان قمة في اللطف واظهار المشاعر الجميلة لها والمسكينة صدقت

أيهم: أتعلمين حبيبتي أفكر مليا بتسريع زواجنا

فخجلت ماري وطأطأت رأسها ثم قالت: لم؟

قال أيهم ذو العينين العسليتين و الوجه الأبيض وعينيه تمتلأان بالدموع واللطف: أفكر أن أدخل الفرحة مجددا إلى عائلتينا ففي الفترة الماضية كان عمي متعبا وأمي قلقة علي في مشكلتي تلك فما رأيك؟

ماري: أجل فلتكلم أبي وأخوتي إذن.

فاتفقا أن يرافقها إلى البيت في إجازة نهاية الأسبوع ليتحدث مع أهلها بالتفاصيل.

ثم افترقا كل في اتجاه وكانت اللطيفة ماري كأي بنت تشعر بفرح عارم لأنها أحست أن سوء التفاهم قد قضى ورحل والفرح الأكبر آت.

وعزز مكالماته معها وخروجاته وأكثر اللطف معها فأنساها مع الوقت ما كانت تنتقده فيه.

ومر الوقت سريعا وزار أهلها واتفق معهم على تعجيل العرس وحدد الموعد بعد أسبوعين.

فطلب منه الأب أن يشتري لها اسورتين مع ماتحتاجه من ملابس لكنه لم يظهر امتعاضه إلا بعد انتهاء الاجازة وعودتهما يوم الأحد إلى المدينة


أيهم: حبيبتي أريد ان أطلب منك أمرا

ماري: تفضل

أيهم وهو ينظر بعينيها الخجلتين: أرجو أن تقنعي أبوك بالعدول عن فكرة الاسورتين

فنظرت إليه ماري متفاجأة ثم قالت: ولم لم تفعل أنت؟.

فقال لها: أنا لم أكن مستعجلا على الزواج لولا رغبتي في إدخال الفرح إلى العائلتين لكنك تعرفين أنني لست جاهزا ماديا بعد.

فنظرت بقلق وقالت: سأحاول لكن وماذا عن الملابس حبيبي.

فقال لها: سنبدأ منذ الغد
لكن أيهم بعد هذا اللقاء

اختفى لمدة ثلاثة أيام دون اتصال بها فقلقت عليه ثم اتفق مع هلا بالتغطية عليه.


وعندما اتصلت بها لتسأل عنه أشعرتها هلا بأن أخوها يمر بظرف سيء في عمله وأنه لايخبر ماري فقط ليمنع قلقها وهكذا بين مد وجذر للوقت مضى الأسبوع الأول

فجاء ليرافقها في يوم السبت من بيت أبيها فلم تستطع أمها مرافقتها لأنها تعاني من مرض المفاصل وقد كان صعبا عليها أن ترافقهما وأختها ميرا لم تستطع المجيء بسبب ظروفها مع زوجها السيء.


فذهبت برفقة زوجة أخيها محمد وتدعى ياسمين
فاستغل الأمر لصالحه فكلما دخلا محل ألبسة يطلب منها تأجيل شراء شيء ما.

فثار غضب زوجة أخيها وقالت لها: لماذا تراعينه في حق جهازك يا حمقاء

قالت ماري: ماذا أفعل لقد أخبرني أنه لايملك المال الكافي

ضحكت ياسمين: كم أنت طيبة أظن ان أهلك لن يعجبهم ضعفك.

وعندما توجهوا إلى الصاغة بدأ بمسرحية القلة فقررت أن تشتري اسورة واحدة فقط ووعدته وهي تهمس له بأن تشتري الثانية من حسابها الخاص فعانقها وقبلها على رأسها وشكر تقديرها.


يومها لم تكن تعد على الأصابع تلك الأشياء التي عدت جهازا لها وعندما عادوا قامت بإظهار جهاز عرسها لأم ساهر التي حزنت وشعرت بغباء ابنتها التي تظهر ضعفا مسبقا لزوج المستقبل.

فقالت لها بقسوة: لا أنصحك باظهاره أمام الناس سيسخرون من قلته، يبدو أنك لن تتغيري وأخشى عليك من القادم، قالت هذا ثم أجهشت بالبكاء على ابنتها وخشيت عليها.

لكن دمعها كان غاليا على ماري فحزنت ودخلت غرفتها تبكي وتبكي وبسبب لطفها لم تشعر أن أمها على حق بل أقنعت نفسها أن المال غير مهم أبدا.

وحاولت جاهدة أن تبعد حزن أمها ثم بكت وبكت وشكت حالها لأبوها الذي وعدها باصلاح الأمر.

أبو ساهر عندما دخل على أمها: هل تعدني حبيبة عمري بأن تعد إلى عشرة قبل ان تجعل حشيشة قلبها الغالية تتركنا وهي حزينة بدل فرحها بيوم عرسها.


وفي يوم العرس دخلت المصففة للشعر لتجهزها لعرسها الذي سيكون في الرابعة مساء.

ودون أن تعرف ماري جرى نقاش حاد بين أيهم وأمها حول تقصيره فغضب ورفع صوته عليها أمام أخته هلا فبكت الأم وحزنت على مصير ابنتها ولم تستطع إخبار أبنائها لأنها خشيت غضبهم وتعطيل العرس وخشيت أن تلومها ماري.


فتلومها ماري طول العمر فاكتفت بالمشاعر الضعيفة والتحسر على ما قد يحدث لماري في حياتها القادمة.


لكن رنا دخلت وأخبرتها فقلقت ماري وحاولت رنا أن تهدأ من روعها وقالت لها إن الأمور قد هدأت وأصبح كل شيء على ما يرام.



في تلك اللحظة شعرت بأن شيئا ما خفيا قادم إليها وتذكرت كلام أبوها بعد نقاش دار بينها وبينه في حالة عصبية.

أبوساهر: لو تسمعين مني يابنتي اتركيه وما دفعه من أموال حتى الآن موجود بقدره في حوزتي تخالصوا بالمعروف فأنا لست مرتاحا لما يجري.

صعقت ماري وقالت: الآن جئت تخبرني يهذا يا أبي بعد أن تم كتب الكتاب بيننا في المحكمة وأصبحت زوجته شرعا.


فضحك الأب عندما رأى ضعف ابنته وقال لها : إنني أمزح وأختبر مشاعرك فقط
لكن وجهه تجهم يومها ونظر إلى أمها التي لزمت الصمت فقط.

يومها لطيب قلب ماري لم تقف عند الأمر وصدقت أن أبوها يمزح وظنت أن أمها متعبة.

لكن ماهذا الشعور بالانقباض هل هو الخوف من الزواج والانفصال عن الأهل أم أنه.... وصمتت وهي تضع يدها على صدرها.

أنهت المصففة عملها وطلبت من أخوات ماري تجهيز مكان جلوس العروس لأنها أصبحت جاهزة.


خرجت ماري وهي ترتدي ثوبها الأبيض فكانت جميلة جدا والكل ينظر لها بحب
ثم اقتربت منها أخواتها وضممنها وباركن لها وهمست لها صفاء: هناك مفاجأة لك في عرسك تهيأي.

ماري: ماذا؟

رنا: لاتخربي المفاجاة يا صفاء.

وتهامسن وبقية أخواتهن وضحكن.

وهنا اقتربت منها ميرا وعهد وتمنت كل منهما لها السعادة وحظا لا يشبه حظ أي منهما في الزواج
تبسمت ماري وقالت: سأشتاقكم كثيرا.

فدخل هنا باسم وقال: انظروا الفتاة وكأنها مسافرة إلى الهند هههه ستكونين هنا في أي وقت تحبين.

فأعقبه محمد: ولو عارض أيهم لأمسكناه من أذنه وجلبناك رغما عنه.

لتنظر ماري والدموع في عينيها وتكثر النظر آلى تفاصيل بيت أبيها وإلى كل فرد من عائلتها وخاصة باسم ثم تقول: أحبكم جميعا.

فتحلق الجميع من حولها وقالوا: ونحن أيضا نحبك ماري الغالية.

في تلك الأثناء وصلت بنات حارتها ومنهم أعز صديقاتها عزة وباركن لها وتمنين لها الهناء في حياتها الجديدة.

ومضت اللحظات سريعة بين الأهل وجاء أهل العريس ومعهم أيهم لاصطحابها وسط الأهازيج والأغاني المناسبة للفرح ودعها الجميع ودخل بشكل مفاجئ أخوها ساهر.

قالت في نفسها: هذه هي المفاجأة التي تحدثت عنها صفاء، حبيبي يا ساهر لقد أتيت.

فقبلها ساهر على رأسها وباركها ثم أمسكها بيدها وأخرجها ليسلمها إلى عريسها كما هي عادات العرس في قريتها.

كانت سعيدة جدا بمجيء أخيها ساهر من السفر ليشاركها هذا اليوم.
ولكنها كانت تبحث بنظرها عن أبيها الذي ظهر في أخر لحظة ولاحظت علامات الشوق في عينيه اللتين تبتعدان عن عينيها كي لايبكي أمام الناس


قال أبو ساهر لنفسه وهو يراقبها: تمنيت لو أنني أبتعد إلى ذلك الجبل البعيد عن قريتنا ولا أحضر لحظة وداع زهرة بيتي سأشتاقك يا ضي العين،لكنني لن أمنع سعادتك وسأدعو لك دائما.


قبلت ماري يد أبيها وأخوها الكبير وودعها الجميع وركبت مع عريسها برفقة أمه وأمها وودعتهم برفع يدها ودموعها تتساقط.


أخذ موكب العرس يبتعد فأجهش أبو ساهر بالبكاء والتم الجميع حوله وقالوا له: تمنى لها السعادة يا أبي.

ثم أدخلوه إلى الداخل ليحاول خلق الأحاديث التي تلهيه عن فكرة أن ماري اللطيفة الأقرب إلى قلبه تركت هذا البيت لتعيش في مكان أخر.


وبعد حوال نصف ساعة من الوقت اتصل أيهم وأخبر ساهر أنهم وصلوا بخير إلى بيت أهله حيث سيقام عرسها.

وبدأت عادات الأهل هناك في التهليل والفرح لعرس ابنهم.

ومالفت انتباهها أن أمها كانت تبكي كثيرا فتسألها: هل من خطب يا أمي
لتجيب الأم: إنها دموع الفرح يا ماري
ثم تمسك بيدها وتمسد عليها وتبارك لها.

وانتهى العرس ودخلت ماري الطيبة عش الزوجية وهي سعيدة جدا ونسيت أمر أمها لحظتها لأنها كانت مرتبكة جدا لكن أيهم لم يهتم لأمرحماته فرافقت أهله إلى بيتهم ونامت هناك.

بساطة ماري لم تجعلها تدرك أكثر عيب في أيهم وهو عدم اللباقة في التعامل مع أمها.

ولم تجعلها تدرك انعدام الأسلوب في التقرب منها في تلك الليلة حيث انعدم الحديث بينه وبينها تماما فوافقته على مايريد دون أي كلام.


وفي الصباح وفي الساعة الحادية عشر صباحا اسنيقظت ولم تجده فشعرت بالاستغراب.

وقامت لتفتح الباب الذي طرق بقوة وإذ بأمه وأمها يحملان الفطور والحلويات ففرحت بهما ودخلا.

أم ساهر: ألف مبروك حبيبتي

أم أيهم: بالتمام على خير مبارك

ترد ماري بخجل شديد: بارك الله بكما سأجهز المتةوالضيافة.

قالت أمها: أين أيهم لنبارك له ونخرج لسنا ثقيلتين لهذا الحد ههههه.

فالت ماري: لا أدري استيقظت ولم أجده
استغربت الأم ونظرت إلى أم أيهم وكأنها تسألها أين ابنك وكيف يترك عروسه في أول يوم.


فهمت ماري على نظرات أمها وشعرت بالحرج من أمها تلك المرأة الفولاذية التي تتميز بكل جميل وتهتم لكل تفصيل.

وأخذت أمه تبرر له: الغايب عذره معه ربما ذهب لاحضار شيء ما.

وبعد نصف ساعة حضر أيهم و ألقى السلام عليهم ودخل الحمام فلحقت به ماري وسألته أين كنت؟

فتلكأ بالاجابة ثم قال: كنت في العمل لأن مديري قد اتصل بي واعتذر مني لكنه كان بحاجتي لأمر عاجل فتركتك نائمة وظننت أنني لن أتأخر.

كان رده مقنعا لها ولبراءتها لم تشك للحظة بأنه يراوغ.
فنظر في عينيها وشاهد تصديقها له، فحضنها وضيع الحديث بتغزله بها.
فركضت وقالت سأسبقك إلى أمي وأمك لكنها لم تجدهما فخجلت من نفسها.
أيهم: أين هما
ماري: ياخجلتي ماذا سيفكران.

فضمها إلى صدره وقال لها وهو ينظر في عينيها اللتين امتلأتا خجلا : ليفكرا ماتشاءان نحن عروسين ولا يحق لأحد أن يزعجنا.

وهكذا رحلت الأم بعد توديعها لابنتها وزوجها وأهله وغادرت برفقة أيهم الذي أوصلها إلى موقف السيارات وودعها وعاد.


ومرت الأيام وماري لم تكن تعطي فرحتها لأحد لكن فقدها لأهلها كان هو المنغص الوحيد لها إضافة إلى اختلاف طبائع البشر هنا فأهل أيهم يختلفون عن أهلها بالتعامل .


فلم تجد بلطف أبيها وتفهمه، لقد كان عمها اب زوجها قاسيا جدا، ولم تجد بوداد.أمها وحبها للعائلة وتضحيتها فقد لاحظت أن زوجة عمها(حماتها) شخصية لطيفة لكنها لاتشبه أمها في التفكير.


ولم تجد برزانة ساهر ووعيه ولا بحنان باسم ولابشقاوة عامر ولابذكاء صفاء ورنا فالكل هنا عملي يحب المال ولايعطي وقتا لأفراد أسرته.

تغير الوضع على ماري وبدأت تحن إلى أهلها وأجوائهم.


فكانت تزورهم بداية كل أسبوعين فتشعر أنها في الجنة ولكنها لم تكن تشتكي بل كانت تدعي أنها سعيدة جدا كي لا تسبب القلق لأهلها، ثم بدأ يتخاذل أيهم فامتدت المسافة الزمنية إلى شهر وتباعا بدأت تزيد ما كان يشعر ماري بالقهر والشوق وخاصة أن أيهم بدأ يتغير ولم يعد كأول مرة تقابلا وتعارفا وبدأ يتغير ويتأخر عليها ويهمل الحديث معها لتبقى وحدها أغلب أوقاتها.


والأسوأ أنها كانت تعامل الجميع بلطف كما علمتها أمها وأبوها لكنها كانت تحظى بسخرية حماتها واستهجان بنات حماها مهما حاولت أن تكون متفهمة.

بدأت تكتشف محيطها الجديد الذي لا يتفهم طبيعة خجلها بل و كان يهينها في هذه الطبيعة.

ورغم ذلك كانت تذهب إليهم يوميا لترى ما يحتاجون وتعمل معهم وتطبخ لهم وتشاركهم في كل المناسبات.

وفي أحد الأيام كانت معهم وتجلس معهم تستمع لأحاديثهم بهدوء وتشاركهم إن تثنى لها ذلك ويومها كانت اجازتها ولكن أيهم في عمله ومن كلمة إلى أخرى ومن حديث إلى أخر

اكتشفت أن أيهم كان على علاقة خطوبة بأخرى فصعقت وحاولت الصمود وقررت كشف الأمر بذكاء فشاركتهم حديثهم ليظنوا أنها تعرف بالقصة.


ماري: لكن ماهي الأسباب الرئيسية لانفصالهما

ام أيهم: اكتشف أنها تكذب عليه مرة تلو أخرى وسامحها كثيرا.

أخته سارة: لقد كانت مهملة ومبذرة

ماري: ماذا تقصدين؟

سارة: كانت تشتري بمرتبها ملابسا واحذية كثيرة وتصرف على نفسها كل مايطيب لها.

فهمت ماري ما طبيعة هؤلاء البشر الذين ورطها معهم القدر والنصيب، وتذكرت فترة التجهيز للعرس وماذا جرى يومها في السوق.


ثم نظرت إلى الخلف وأحست أن لها ذيلا طويلا فهي أكبر حمارة صنعها الخجل.

حزنت ماري وتظاهرت بالتعب واستأذنت ثم غادرت إلى بيتها ودمعتها تقف على باب الجفن تريد السقوط .

وفي البيت أغلقت كل النوافذ والأبواب وأشعلت المروحة وبدأت بالصراخ، أخذت تصرخ وتبكي ثم تصرخ وتبكي إلى أن هلكت ونامت.

كانت تشعر بحمق كبير وغصة فهي متساهلة ولطيفة وعاملها الجميع على أنهاحمقاء وغبية.

وعندما استيقظت كانت لاتزال الدمعة على خدها فمسحتها وفكرت مطولا ثم حدثت نفسها بصوت مسموع: سأقبل بنصيبي وأتحمل طالما أنه لايهينني ولا يقسو علي وبالنسبة لأهله سأصبر فنصيبي قد وقع على ابنهم.


ثم اتصلت بعامر واستجمعت قواها كي لاتبكي
فقال عامر: أختي حبيبتي كيف حالك

ماري والغصة في قلبها: أشتاقك كثيرا وباقي أهلي طمئني عنك يا أخي

عامر: أنا بخير وقريبا سأخطب هل أنت جاهزة.

ماري: أقسم

عامر: والله

ماري: جاهزة طبعا فرحت لك يا أخي

وبدأت تحقق مع عامر... من هي؟ ومن أين؟ وماذا تدرس ومتى الخطوبة ووو إلخ.


يومها فرحها بخبر خطوبة عامر خفف عنها الحزن وفي ليلة ذلك اليوم وصل أيهم ولم تظهر له أية انزعاجات وهو بطبيعته سكوت لايسألها ماذا بها إن لم تتكلم.

ولكنه لاحظ عليها أنها ليست بخير فطلب منها ان تضع له الطعام لأنه جائع ومتعب جدا.

فعلت ما طلب منها وأكثر ما كان يهينها أنه يستخدم أسلوب (سي السيد) كما يقول أهل مصر فله كل حقوقه ويتخاذل في واجباته.


ومع الزمن عرفت طبيعة أيهم جيدا شخص لايتعامل مع الأخرين لايكره الخير لكن نادرا مايفعله شحيح العطاء وخاصة في المشاعر وخاصة مع زوجته فظنت أنه أمر موروث من المحيط، فالمرأة لايجب احترامها من قبل زوجها حتى لا يسخر منه الأخرين ويلقبونه بزوج الست.

تحملت كل شيء ولم تكن تخبر أهلها وتأخر حملها مازاد ضغط أهله عليها.
وفي إحدى المرات دخلت لتجد أمه وأخته يحدثانه في هذا الأمر

الأم: الشجرة التي لاتثمر قطعها أولى

سارة: نريد أن نفرح بخلفك يا أخي

أيهم: لم يمض سنة على زواجنا أليس من المبكر هذا الكلام.

الأم: خذها إلى طبيبة واطمئن على نفسك معها.

تراجعت ماري وشعرت بالقهر وركضت بسرعة وجلست تنتظر أيهم لتفهم رأيه.

كانت تشعر أنها بحاجة إلى أبوها وأمها الأن وفورا فاتصلت يهم وطلبت منهم زيارتها بالعجل
ماري: أمي أرجوك أشتاقكم وأحتاجكم.

الأم: ما بك ياحبيبتي.

ماري : لا لا شيء يا أمي فقط أحتاجكم وأشتاقكم.


أغلقت السماعة بعد أن قالت لها الأم أن أبوها لم يصل بعد من عمله.

وعند الظهيرة جاء الأب وحدثته الأم عن ماري وطلبها.

الأب: أخشى أن تكون ماري ليست على مايرام لأنني رأيتها اليوم في منامي فاستيقظت وأنا غير مرتاح.

الام :اللهم اجعله خيرا قصه لي

الأب: رأيت سوسن وماري يمشيان في طريق وعرة ثم وقفتا في أعلى الجرف وجاء أيهم وأمسك بيد سوسن ودفعا ماري إلى أسفل الجرف

الام: ياويل قلبي
الأب: لم تمت ماري ولكنها كانت متأذية.
الأم:خيرا اللهم اجعله خيرا.


وقررا أن يسافرا لها يوم الخميس القادم
وعندما تشجعت ماري وفاتحت زوجها بأمر خطبته السابقة قال لها: ألم أخبرك بأن سوسن كاذبة.

ماري :لا ليست كذلك أمك وأختك تكلما أمامي بالأمر ظنا منهما بأنني أعرف فتظاهرت بالبله.
لم كذبت علي؟


استخدم دهاءه مجددا وقال لها والدمعة الزائفة بعينه: خشيت أن ترفضيني وكذلك أهلك وأنا من هام بحبك.

ماري: والأن ماذا ستفغل بأمر الانجاب لقد سمعت كل شيء.

فتشاجرا وارتفعت أصواتهما ومن كلمة لكلمة ضربها الكف الاول فصرخت: كيف تجرؤ يا كاذب يا مخادع.

فانهال عليها ضربا وزرق جسدها ثم تركها بحال مزرية تبكي وتبكي وتبكي وأخذت تسأل نفسها، ماذا تفعل هل تتصل بأخوتها أم أهلها أم تصبر.

المسكينة ماري لقد جرحها جرحا عميقا لم يكن في جسدها بل وفي أعماق نفسها.

أخذت تتذكر كل الوعود الكاذبة وتقول بصوت متهب:( أنا أكرهك وأكره الكاذبين).

تذكرت أبوها وأمها وقصص ميرا وعهد ومعاناتهما مع أزواجهم فقررت الصمت حتى ترى ماسيكون من حالهما.

بقيت على هذه الحال المتعبة والازرقاق يزداد وتكبر رقعته إلى أن وصل أيهم مساء فتودد لها ودون أن يعتذر وكعادتها أبدت طيبة قلبها وحلت الأمر.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي