23

تفاقمت حال سوسن وتأزم وصعها الصحي بعد أن سمعت بوفاة الجارة ام سعد، فتم نقلها إلى المشفى بحالة اسعافية.

كان باسم منهارا تماما وأغلب إخوته معه، وحتى ساهر أرسل رسالة أخبرهم فيها بقدومه خلال أيام لمساندة أخيه في ظرفه الصعب.

لقد أصبحت فترة صعيبة في عالم ماري، فكل الأمور تشابكت وقلبها لم يعد يحتمل أكثر، لدرجة أنها شعرت بأنها ستسقط طريحة الفراش وأنها لم تعد قادرة على التحمل.

ورغم كل هذا لم تستطع التخلي عن أخيها الغالي فقد كانت معه في ظرفه وأخذت على عاتقها أن تعتني بأولاده في غيابه، فتؤمن لهم ما يحتاجون.

عز: آه ياعمتي، ألن تنجو أمي؟
قال عز ابن باسم هذا وهو يشعر بالقهر ووضع رأسه على كتفها ونزلت دموعه.

فشعرت ماري بأن نارا في قلبها قد ولعت. فربتت على كتف عز وهدأت من روعه وقالت: فلتحمد الله يابني ولتدع لها.
قال عز بعد أن رفع رأسه عن كتف عمته ومسح دموعه: الحمدلله يا عمة، شفاها الله وعافاها.
ماري: انتبه لإخوتك فأنت الآن سندهم وقدوتهم.
عز: إن شاء الله تعالى.

ومضى أيام على هذا الحال قرابة الأسبوعين يوم اتصل باسم بالجميع وبماري وطلب حضورهم فقلقوا جميعهم لأن الوقت كان متأخرا والفجر يكاد أن يلج.

وماكان من ماري إلا أن لبست بسرعة واتجهت باتجاه المشفى فورا، وهناك دخلت لتجد باسم يجهش بالبكاء فهرعت إليه وقالت له: خيرا يا أخي، ما بها سوسن.
فطلب منها الدخول إليها لأنها تطلب رؤيتها.
فتركته ودخلت إليها.

قالت لها سوسن وهي متعبة جدا ولونها مصفر جدا: هل أتيت ياماري؟ أتيت لتطمئني على من آذتك في حياتك كثيرا.
وهنا تنفست بصعوبة وأخذت تلهث بسرعة فطلبت منها ماري أن ترتاح لكنها أبت إلا أن تتكلم وتابعت كلامها قائلة: هلا سامحتني، أرجوك ماري، قد يخفف هذا عني.

فوضعت ماري يدها على فمها وقالت: أسامحك حبيبتي، ارتاحي رجاء.
فقالت سوسن: ليس هناك وقت، أوصيك بباسم وأولادي، لا تتخلي عنهم.

في تلك.اللحظة كان الجميع قد وصل ووقف عند الباب ودموعهم تنهمر.
نظرت سوسن إليهم بعينين مليئتين بالدموع ورفعت يدها وكأنها تقول وداعا.
شعرت ماري بأن جسمه أصبح باردا جدا فطلبت من باسم أن يحضر الطبيب حالا.

جحظت عينا سوسن وهي تمسك بيد ماري وأخذت تلفظ أنفاسها الأخيرة.
وشهقت الشهقة الأخيرة، فصرخت ماري وهنا وصل الطبيب مع الممرضات وأبعدهم جميعا وعمل لها صدمات كهربائية ولكنها لم تنفع.

فقال لباسم: للاسف فقدناها، رحمها الله.
تهاوى باسم وصرخت ماري وبكى الجميع.
لقد ماتت سوسن وتركت أولادها وباسم الذي أحبها كثيرا رغم كل أخطائها وصفاتها.


تماسك الإخوة وحاولوا تهدئة أخيهم بعبارات تشجيعية.
محمد: البقاء لله يا اخي، أمر الله وقد وقع.
عامر: رحمها الله وغفر لها، تمنى لها الراحة والرحمة يا أخي.
فضمهم باسم وأجهش بالبكاء.
ثم قال محمد: هيا يا أخي علينا أن نقوم بالاجراءات المناسبة في المشفى ومن أجل الدفن.


اتصلت ماري وخبرت ميرا وعهد وصفاء وطلبت منهن أن يتواجدوا في بيت باسم ويرتبوا الأمور قبل وصول موكب الجنازة.

كان الخبر قاسيا على الجميع وخصوصا لحظة إخباى الأولاد فقد ملأت أصوات بكائهم المكان فاجتمع الناس فورا في بيتهم.


وبعد حوالي الثلاث ساعات وصلت الجنازة وفي تلك اللحظة وصل ساهر الذي كان يريد ان يأتي من قبل لكن إجراءات سفره قد تعثرت.

وصل ساهر مع وصول الجنازة وعندما رآه باسم هرع إليه كالطفل الصغير يبكي على كتفه.
ساهر الذي خفف عنه بأسلوب يشبه الأب و طلب منه أن يتماسك قائلا: لو بقيت تتعذب أمامك كنت ستتعذب أيضا، لقد ارتاحت الراحة الأبدية، ادع لها بالرحمة والغفران.

تجمع الجميع لوداعها الأخير ومانزحال باسم وأولاده يقطع قلب الكافر وتابع الجميع مع الجنازة إلى مثواها الأخير حيث دفنت هناك ولم تأخذ معها إلا أعمالها.

وعادوا إلى بيت باسم للقيام بمراسم العزاء، النساء في قسم والرجال في قسم أخر.
ليلتها لم ينم عز فشعرت به ماري واقتربت منه وحاولت ان تكلمه وتشتت حزنه، فجلسا على الاريكة حيث وضع عز رأسه على رجل عمته واخذت هي تمسد على شعره وتكلمه حتى نام وغفى.


تذكرت ماري اليوم الذي توفيت فيه أمها وكم.كان صعبا عليها وعلى عائلتها ثم تذكرت وفاة أبيها وتدفقت كل الأحزان إلى قلبها وأحست بعظيم مصاب عز وإخوته الذين كان منظرهم محزنا وهم ملتفون حول تابوت أمهم يبكون عليها.


فقالت في نفسها: آه أيها الموت ما أصعب قراراتك، تأخذ أحبتنا في أكثر الأوقات نحتاجهم فيها.


وبعد العزاء وانفضاض الناس من حول عائلة باسم أصبح الأمر أكثر قسوة، فاتفقت ماري مع إخوتها ان يتناوبوا في زيارة باسم وأولاده، حتى يتجاوزا أمر وفاة سوسن.

إلا أن ساهر كان لابد أن يسافر إلى زوجته وأولاده بعد يومين فقط، فأصرت عليه ماري أن يقضي عندها يوم واحد على الأقل.

ووافق ساهر على استضافتها له و رغم كل الحزن إلا أن ماري تحولت إلى الطفلة ماري عندما سمعت بقبوله أمر زيارتها فطارت كالفراشة وليلتها لم تنم بل أمضت السهرة وهي تحدث أولادها عنه وعن ذكرياتها معه وقصت لهم سبب غضبه منه.

فسألتها سيلا: على ذكر هذا، ترى ما الذي حدث لأبي، وإلى أين ذهب.
فقاطعتها آيلا: صحيح أمي، لم نعد نسمع عنه شيئا.
وقال غيث: أين هو وهل لازال في البلد ام أنه سافر.

شردت ماري وتعثرت الذكريات المؤلمة في دماغها ثم قالت: الله اعلم، لاتحزنوا يا أبنائي ولكنني لا أستطيع مسامحته؛ لأنه أكثر من أحببت وأكثر من ظلمني.
وعم الصمت للحظات وفجاة قالت ماري : هيا أحبتي إلى النوم غدا سيأتينا الغالي.

ونام الأولاد إلا ماري لم تستطع النوم، فكل أفكار العالم تجمعت في دماغها وأخذت تجهز ليوم غد.
وفي الساعة العاشرة من الصباح وصل ساهر فوقفت ماري وأولادها كالتلاميذ الذين وقفوا كرتل واحد منتظرين دخول المعلم.

فسلم عليهم وهو ينظر في وجوههم ويستغرب أشكالهم فقهقه ضاحكا ثم قال: استرح يا تلميذ.
فانفجر الجميع بالضحك ثم تماسكت ماري وقالت: تفضل ياتاج الرأس، تفضل نورت بيتنا المتواضع.
فقال لها: لازلت ماري اللطيفة، لن تتغيري.

وضع يده على كتفها وضمها إليه بحنان، فأحست بأنها فراشة تطير من الفرح.
لم تعرف كيف تظهر له سعادتها بوجوده فمرة تحضر الغداء ومرة تحضر الحلويات والعصير وووالخ.

كان يرى ساهر فيها ماري نفسها التي كان يتحدى فيها رفاقه لكن الزمن أخذ منها الكثير.
وكانت ماري لاتزال تراه القدوة والأخ العظيم الذي تحبه مهما ابعدته الحياة عنها.
فسألته خبرني اخي عن اولادك كيف هي أمورهم، وزوجتك ما اخبارها.

فقال باعتزاز بدا على وجهه مختلطا بمسحة الحنان والحب التي اعتادتها فيه: ابني درس الطب وهو الآن يتخصص بجراحة الأعصاب، وأخته تدرس الهندسة المعمارية والحمدلله، اما أمهم فقد تابعت عملها في اختصاصها وهو الهندسة المدنية في نفس المدينة التي نسكنها هناك.

فصلت ماري على سيدنا محمد عليه السلام وأتبعت : ما شاء الله، حماك الله وحماهم يا أخي.
ثم نظرت إلى آيلا وقالت: هل سترفعون رأسي هكذا يابنتي، هل يحق لي؟.

فردت أيلا: إن شاء الله يا أمي.
وقال غيث: أنا أطمح بدراسة المعلوماتية
أما سيلا فقالت: أحب أن أصبح معلمة يا خالي.
فتبسم ساهر وداعب شعرها المجعد بيديه وقال لها: أحسنتم يا خال، أرى فيكم ماري الصغيرة الطموحة.

كان يوما من العمر أمضته ماري وأولادها مع أخوها ساهر الذي ودعهم في الصباح وانطلق إلى بيت باسم ليودعه هو الأخر ويتجهز للسفر.
يومها ابتسامة ماري لم تنطفئ وانطلقت لعملها بعد أن أوصلت أولادها للمدرسة.

وقد لاحظ رفاقها عليها سعادتها، وتعرضت للنقد
والهمز واللمز من رفيقاتها.
نورا: هي هالة، انظري، إنها سعيدة ولم يمض على وفاة زوجة أخيها أيام.
تبسمت هالة ابتسامة مغمسة بالأذية وقالت بصوت مسموع: لا يتأثر إلا اولاد المتوفى اللهم أعنا وأعن الناس على مصابهم.

لكن كلامها وقع كالصاعقة في مسمع ماري فأحست بالاختناق وشعرت برغبة بالبكاء وتغيرت ملامحها من ابتسامة إلى عبوس.

فنزلت دمعتها على خدها وقالت: لا أريد الدفاع عن نفسي ولا يهمني رأي أحد ولكن أحزن على الصحبة.

وانطلقت تحمل مصنفا ودخلت غرفة المدير فأطلقت زميلاتها ضحكة أهلكت مسمعها وعادت إلى بيتها مكفهرة الوجه وهذا ما جعل أولادها يستغربون.


فقالت أيلا: ما الذي جعلك تنقلبين مئة وثمانون درجة يا ماري.
فحدثتها وإخوتها عن ماجرى وكيف أساء زملاؤها لمشاعرها.
فضحكت أيلا وقالت: وهل سكت لسانك عنهم؟ لم، لم توبخيهم؟.

فنظرت إليها ماري وشعرت أن ابنتها أقوى منها وقالت في نفسها:( أتمنى أن لا تشبهني أيا منكن، فأنا أكره الضعف في داخلي كثيرا).

ولكنها لم ترد وأوصتها بالانتباه إلى إخوتها ودراستهم وحملت جزدانها البني وارتدت لباسا مناسبا للعزاء وركبت سيارتها واتصلت بصفاء وعهد وميرا لموافاتها في بيت باسم.

وهناك اهتممن بباسم وأولاده وجهزن له الطعام ورتبن المنزل وخففن من حزنه قدر المستطاع.
وأمضين معظم الوقت معه ومع أولاده.

فأكثر ما أوجع قلب ماري وأخواتها هو وضع الطفلة الأصغر ذات السنوات الأربع من العمر، التي تذكر أمها بشكل دائم ولم تقتنع أنها توفيت وانتقلت إلى السماء وهذا بسبب صغر سنها.


بالاضافة إلى حالة التعب والارهاق النفسي التي يعيشها باسم بعد وفاة زوجته حيث حدثهم عن زيارة زوجته له في المنام وهي تعتذر وتوصيه بالاولاد.


لكن ميرا نصحته بضرورة زواجه الثاني بعد فترة كرمى للاولاد وله ثانيا.


لكن باسم رفض الفكرة تماما وطلب من أخته أن لاتعاود نفس الفكرة مرة أخرى.
وشاركته ماري الرأي وقالت: لايزال الوقت مبكرا ياميرا على هذا الكلام.

ميرا: انا أريد مصلحته ولكنني لا أجبره فهو من سيعاني اولا وأخرا.
صرخ باسم: هلا صمتت اختي ودققت بملامح أولادي رجاء.
نظرت إليه أخواته باندهاش واعتذرت ميرا واستأذنت بالرحيل ودمعتها على خدها.


فأحس باسم بالخجل من نفسه ولحقها وضمها وأخذ يبكي ويقول: أرجوك اختي سامحيني لا أعلم ما الذي يحدث لي أصبحت عصبيا أكثر من اللازم.

ثم قبلها على رأسها وكذلك هي ومنعها من الرحيل.

ومضت أيام على هذا الحال يتناوب الإخوة في الاهتمام بأخيهم وعائلته وسافر ساهر لكنه لم ينقطع بالسؤال عن أخيه باسم وباقي إخوته بل أصبح أكثر قلقا عليهم في غربته.

أما عامر فقد فاجئ الجميع بالزواج الثاني على زوجته من زميلة له في عمله فجن جنون ليال التي كسرت كل شيء وأصيبت بضغط نفسي وعولجت فترة من الزمن إثره وتأثر الأولاد بهذا القرار وتلك الحالة.

واخذت ليال تتهم ماري وباقي أخواتها بتحريضه على هذا الزواج وتظلمهن رغم كل محاولات ماري لاقناعها بالابتعاد عن هذا الهراء.






كان زواج عامر صدمة للجميع وعندما سألته ماري عن السبب أجابها: لقد سئمت أسلوبها المليء بالنكد وقلة الثقة وبعد الكثير من الفرص وقررت الزواج بسلمى زميلتي في العمل؛ لأنها شخص مختلف تماما.

ماري بتهجم: ولكن ماذا عن أولادك، أعلم أن زوجتك لها صفات سيئة لكن الأولاد لا ذنب لهم، لماذا تتحولون أيها الرجال إلى أيهم فجأة.

يغضب عامر ويمنعها من تشبيهه بأيهم ويدعي بأنه لن ينقص عن ليال وأولاده أي شيء ويقول: تحملت صفاتها قدر المستطاع وأعرف أنها تلجأ للسحر في حياتنا لغبائها ولكنني لم أعد أتحمل، أنا إنسان أيضا.

ويفترقان وكل مساوئ العالم في ذهن ماري، وهي تمشي بدون اتجاه معين فتفكر بكلام عامر ورأيه وتذكرت كل تصرفات ليال معها ومع الجميع ثم فكرت بأيهم ومشاكله، وتابعت المشي وهي تراقب المارة في الشارع، حتى تعبت وعادت إلى بيتها.

وهناك يدور حديث بينها وبين أولادها عن طبيعة خالهم عامر فتتمرد سيلا وتغضب ماري ولا تشعر بنفسها إلا وهي تصفع سيلا، التي تصعق من فعل أمها وتصرخ: أنا أكرهك.

وتترك الغرفة إلى أخرى ومع هذا تشعر ماري بأن قلبها قد انكسر وتفتت إلى أشلاء، فسيلا حصتها الأكبر في العائلة وأكثر أولادها حبا.

فتتفاجئ آيلا وغيث فأمهما تحب سيلا كثيرا وينظران إلى بعضهما.
وتدخل ماري إلى المطبخ وتجهش بالبكاء وتحاول أن تنسى من خلال أعمال المطبخ.

وفي تلك اللحظة أحست بشوق عارم لورود فاتصلت بها فورا.
ماري وهي تحاول ضبط صوتها: ورود الجاحدة كيف حالك؟.

فترد ورود بكل برود مايستدعي استغراب ماري: أهلا ماري، كيف حالك؟
ماري: مابك؟ هل أزعجك اتصالي؟.
ورود: أنا أسفة ماري لم يبعدني عنك إلا الظروف الصعبة.
وشرحت لها الحال التي وصلت إليه بعد ترك بيتها ومعاملة زوجة أخيها لها بالاضافة لشعورها بالندم.

أحست ماري بوجع أكبر فقد تعودت اللجوء إلى ورود للتخفيف عنها لكنها اليوم وجدتها بحاجة لمن يخفف عنها هي الأخرى.

وبعد انهاء مكالمتها مع ورود هدأت وأنهت أعمالها وأحست بخطئها مع سيلا فاتجهت إليها وأصلحت الأمر معها.

ونامت وهي تحتضن سيلا في حضنها في تلك الليلة.
ومرت فترة من حالة الهدوء النسبي في حياة ماري وحاولت جاهدة أن تبقى بعيدة عن أحداث البقية.

ولكن يبدو أن القدر لم يكن في صالحها، ففي أحد الأيام دخلت أيلا على صوت ماري وهي تصرخ وتهدد أحدا على الجوال، فسألتها من يكون لتتفاجئ بأمها تقول له: اسمعني يا أيهم، إن لم تبتعد عني وعن اولادي أقسم أني سأقتلك.

وأقفلت الخط وهي تتحدث يمينا وشمالا فقالت لها آيلا : هل هو أبي؟ ماذا يريد؟.
فأخبرتها ماري والشرر يتطاير منها بأنه يطلب السماح ويريد فرصة أخرى، ويدعي أنه تغير وأنه سجل المنزل باسم غيث.

فقالت متابعة بغضب: النذل يحاول أن يجذب أخوك بهذا التصرف ويبدو أن لعبة جديدة تدور في رأسه

فقالت أيلا ببراءة: هل يعقل أنه فعلا تغير؟.
فصرخت ماري: اغربي عن وجهي، ألا زلت تثقين به، إنه كاذب.
نظرت إليها آيلا باستخفاف وثرثرت بكلام غير مفهوم وخرجت لتخبر سيلا وغيث بما جرى.

اتصلت ماري برنا لتخفف عن نفسها لكن رنا كانت مع ابنها في المشفى ولم تنتبه على الجوال وعندما فعلت كان جوال ماري خارج التغطية.


وفي ذلك اليوم أصاب ماري ضغط على صدرها فشعرت بالقلق وقالت في نفسها: اللهم اجعله خيرا، أرجوك يا الله.

ونامت وحلمت في تلك الليلة بأنها مع امها وأبيها لكنها فجاة دخلت قفصا حديديا وأغلق عليها فجأة واخذت تنادي أهلها لكنهم اختفوا وبقيت وحيدة وشاهدت أيهم يحمل سكينا يريد قتلها فزاد صراخها؛ لتستيقظ على أصوات أولادها وهي تصرخ لا، لا، لاتقتلني.

ووقفت سيلا تهز بها وهي ممسكة لكأس الماء وآيلا تمسك كتاب القرآن الكريم وغيث مصدوم وعينيه شبه مغمضتين من النعاس.


هدأت بعد قليل وتماسكت لكن هذا المنام لم يترك تفكيرها.
كان يومها يوم جمعة والساعة العاشرة منه عندما كانت ماري تحمل اطباق الفطور إلى المطبخ بعد أن انتهوا من وجبة الافطار وانفض أولادها كل في اتجاه.
وفي تلك اللحظة طرق الباب وفتحت سيلا وفاجأها وجود عناصر من الشرطة تسأل عن أمها ماري، وما كان منها إلا أن نادتها بصوت عال: ماما الشرطة هنا وتطلبك.

فردت ماري : من في الباب لم أسمعك وتركت مافي يدها واتجهت إلى الباب لتفاجئ بالشرطة تقف مع سيلا فأخذت تمسح يديها من الصابون بمريلة المطبخ المخصصة للجلي ثم أخذت تفكها من على صدرها وأعطتها لسيلا وقالت: تفضلوا خيرا إن شاء الله.

فقال لها الشرطي المسؤول: سيدة ماري لدينا مذكرة بالقبض عليك تفضلي معنا.
فصعقت ماري وسيلا وأحست ماري أنها سمعت شيئا فيه مزاح.
ماري: عفوا ماذا قلت سيدي؟.
الشرطي: أنت متهمة بقتل زوجك السيد أيهم ومطلوب القبض عليك.

وصلتها الكلمات كزلزال ضرب سمعها وتهاوت واختل توازنها وأخذت سيلا تبكي وتنادي آيلا وغيث اللذين ركضا على صوت بكاء أختهم بسرعة.

قالت ماري: مات أيهم و مقتول أيضا! وتتهمونني أنا ويل قلبي يا أولادي.
صرخ الاولاد: لااااا ماما.
وضع الشرطي سلسلة الاعتقال بيدها وهي تصرخ: لم أفعل شيئا.
ثم نظرت إلى الأولاد وقالت : لاتصدقوا انا لم أقتل أحدا يا أحبتي هناك سوء فهم، فلتذهبوا إلى أخوالكم وتخبروهم فورا.

وفعلا ركبت ماري سيارة الشرطة وهي تبكي وتصرخ: والله لم أقتله، أقسم بذلك، صدقوني.
فصرخ عليها الشرطي وطلب منها أن تخرس وتهدأ.

وفي تلك الأثناء هرع أولادها مرعوبين إلى بيت خالهم محمد باكين خائفين.
فاستقبلهم وقال لهم: كفانا الله شركم ما بكم؟ أين أمكم؟، ياساتر ياساتر.

وتجمع أولاده وزوجته حوله ليفهموا القصة فتقدمت آيلا واحتضنت خالها وهي تبكي لتلحق بها سيلا ثم غيث واحتصنا خالهم باكين.
ثم قالت أيلا: لقد حضرت الشرطة واعتقلت أمي.
ضرب محمد على وجهه وقال: ماذا، كيف حدث هذا؟ ما الذي حصل؟.

فشرحت له أيلا ما جرى فطلب من زوجته أن تهتم بهم وترعاهم ريثما يعود.
فمر بإخويه عامر وباسم وشرح لهم الأمر ثم توجهوا بسرعة إلى المغفر للإستفسار عن وضعها وأخذوا معهم المحامي سعد عز.

وفي المغفر كانت قد وصلت ماري وأدخلت إلى غرفة المحقق( حسن عبد الاله) الذي طلب منها الجلوس أمامه وبدأ بالتحقيق معها.
-سيدة ماري ما أقوالك بمانسب إليك عن مقتل زوجك أيهم.
فقالت: لم أفعلها، ولم سأقتله؟.
قال لها: هناك أدلة تثبت انك الفاعلة.

ترتجف ماري وتقول: أدلة ماذا يا سيدي، اتصل بي البارحة بعد اختفائه منذ أشهر وتشاجرت معه ولم أره أبدا.

المحقق: تماما وهددته بالقتل أليس كذلك، وجدنا هذا مسجلا على هاتفه الذي وجد قربه في مسرح الجريمة ووجدنا بصمات على منديل كان قربه لو ثبتت أنها لك فأنت في ورطة.
اخذت تبكي وتقسم أنها ليست الفاعلة.
فطلب من الشرطي الموجود قرب الباب ان يأخذها إلى الزنزانة ليتم استكمال التحقيق معها.

كان يجرها الشرطي وكأنها مجرمة مكبلة بالقيود وأدخلت إلى زنزانة مليئة بالنساء المتهمات، ولما أدخلت اليها أقفل الباب الشرطي وذهب وأخذت النساء الموجودات في الداخل يزغردن ويهنئنها وكأنها عروس جديدة فخافت والتفت إلى الوراء، وأخذت تضرب القضبان وتصرخ: أخرجوني من هنا، لم أفعل شيئا، أريد أولادي، أريد باسم وعامر ومحمد، آه يا إخوتي.

وهنا سحبتها إحدى السجينات وصفعتها على وجهها لتصدم ماري وتسقط على الأرض مغمي عليها.
وبعد قليل رشقت عليها الماء فقامت كالمجنونة تصرخ: ابتعدي عني، من أنت وماذا تريدين مني؟.

فصرخت السجينة في وجهها: اخرسي وجدي لك سريرا تجلسين عليه كالبقية.


خافت ماري والتزمت أخر سرير شاغر في الزنزانة وأخذت تبكي وتصرخ وتنادي أولادها وإخوتها.

أخذت ننظر إليها السجينات بطريقة غريبة وكانت التي صفعتها أكثرهن قسوة ويبدو كأنها قائدة بينهم.

وصل إخوتها برفقة المحامي إلى المغفر وجن جنونهم، عندما أخبرهم المحقق أن الأدلة كلها ضدهم ومنها التسجيل والبصمات الموجودة على المنديل.

وفي اليوم التالي استدعيت لاستكمال التحقيق وطار عقلها من مكانه عندما واجهها المحقق بالأدلة وأنها ستتعرض للمحاكمة ويحكم عليها بالعقوبة فانهارت قواها واستيقظت داخل الزنزانةوأصابتها حالة نفسية سيئة جدا.

أما آيلا وسيلا وغيث لم يصدقوا أن أمهم يمكن أن تقتل صرصارا لتقتل إنسانا وكانت حالتهم النفسية سيئة جدا جد.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي