الفصل الثالث لحظة وفاق

جلست على مائدة الطعام شاردة وحزينة تنظر للطعام وهي تطعم صغيرتها فنزلت عبراتها على وجهها رغما عنها فتسائلت الصغيرة "لوسيانا" ذات الأربع سنوات بصوت طفولي:
-ما بك امي؟

ردت تمسح عبراتها المنسابة على وجهها:
-لا شيئ "لوسي" أكملي تناول إفطارك.

رمقها بنظرة عابرة وعاد ينظر لأبنائه هاتفاً:
-اليوم عطلة من المدارس أليس كذلك؟

أومأ له الفتيان وأجاب عنهم كبيرهم "دونتي":
-نعم أبي.

ابتسم مستحسنا وهو يقول:
-جيد حتى تجدوا وقت للتجهز لحفل اليوم.

تعجبوا فتسائل أصغرهم:
-حفل ماذا أبي؟

رد وهو ينظر لها بطرف عينه:
-حفل عائلي لعائلة "ستالون" بمناسبة تولية الـ "كابو ستيفانو" والكل مدعووين لذا أريد منكم أن تتأنقوا جميعاً حتى أظهر أمام جمع العائلة بعائلتي الصغيرة التي أفتخر بها.

ابتسم ابناءه وعقب كبيرهم:
-لا تقلق، لك ما تريد أبي وسيذهل الحضور بنا.

ربت على ظهره وعاد يسألها:
-هل لديك ما ترتديه؟

ردت بتجهم:
-وما شأني بحفلكم؟

رفع حاجبه موضحاً بحدة:
-أنتِ زوجتى إن نسيتي.

ردت عليه:
-لا اريد الذهاب وأيضا لا يوجد من يرعى "لوسي".

قوس فمه وهو يرد:
-لقد اخبرتك أنه حفل عائلي وسيكون هناك مكان مخصص للأطفال لتلهو قليلاً، ألم تتذمري مراراً أنها لا تخرج وتحتاج للمرح واللهو؟ ها قد جاءت الفرصة.

صمتت فأخرج صيحة تنبيه:
-هاي، أنا أنتظرك.

تنهدت وردت بسخرية:
-وكأنك تنتظر موافقتي أو رفضي؟ هل هو أمر أم طلب؟

ابتلع ما بفمه من طعام ونفض يده من بواقي الخبز ورد بحسم:
-بل هو أمر.

صرت على أسنانها ووقفت تاركه الطعام فعاتبها بغضب:
-هذا ما تنجحين به، أن تحولي هدوئي لغضب لا تتحملينه، كل مرة أحاول أن أتحدث معك كزوجين بهدوء ومناقشة، تاخذين الحوار لنفس الركن المظلم الذي تودين البقاء به للأبد.

تركت مقعدها وبدأت بالابتعاد فأوقفها ابنها يسألها بضيق:
-ما سبب تذمرك الدائم أمي؟ لقد سئمت من شجاركما الدائم.

نظرت له بضيق وعقبت عليه:
-ابن ابيك.

ضحك بجانب فمه عندما استمع لرد "دونتي":
-وافتخر.

تحركت من أمامهم بغضب وتبعتها صغيرتها التي ترتعش كلما ارتفعت أصواتهم، ولكنه لم يتركها تذهب؛ فقطع عليها الطريق واقفا أمامها ينظر لها بغضب وصر على اسنانه هاتفا:

-اياكي والتقليل من شأني أمام أبنائي مرة اخرى، أظن أنني لم أعد أخيفك منذ أن توقفت عن حبسك بالقبو.

أطرقت رأسها لأسفل وظلت صامتة تنظر للأرض؛ فضرب الحائط خلفها براحته بقوة، ذعرت الصغيرة فتبولت على نفسها على الفور فصاح هادراً:
-متى ستكف عن هذا الهراء؟

ردت وهي تسحبها خلفها لتخفيها عنه:
-عندما تتوقف عن إخافتها بهذا الشكل، ابنتك ترتعد منك.

انحنى ناظراً للصغيرة وحاول سحبها من وراء أمها، ولكنها ابتعدت تبكي فسحبها عنوة وتكلم بصوت هادئ:
-لا تخافي، أنا وأمك نتحدث فحسب.

فور أن تركها عادت للاختباء خلفها فوقف ناظراً لها بغضب وحذرها:
-توقفي عن زرع الكره بداخلها نحوي وإلا لن تريها مجدداً.

لمعت عينها على الفور وهو يكمل:
-لقد قمت بتنشئة أبنائي كلهم على طاعتي واحترامي، والوحيدة التي تركتها بين يديك لتربيها أصبحت هكذا.

أشار صوب الصغيرة باذدراء وصر على اسنانه وهو يؤكد:
-اصعدي الآن وتجهزي للحفل أنتِ وهي، وإن حدث وفعلتي أي شيئ لا يعجبني أمام العائلة؛ فسيكون حسابك عسير وبما أنك تتوقين للقبو فسأفتحه من جديد فقط لأجلك انتِ.

هدرت بحدة:
-أنا أكرهك، لقد تلاعبت بي وحنثت وعدك معي وتريد مني الصمت حتى لا اخبر الـ "الكابو" بفعلتك.

أمسكها من ذراعها بقوة وتكلم بصوت أجش:
-من أخبرك أني قد حنثت وعدي يا عقل النملة؟ أنا عند وعدي لكِ إن أردت الذهاب فالباب مفتوح أمامك.

سألته باكية:
-وأبنائي؟

رد موضحاً بسخرية:
-تذكري طلبك جيداً، لم تطلبي الطلاق أو الذهاب رفقة ابناءك بل طلبتي حريتك من هذا السجن

أشار بيده للقصر وعاد ينظر لها:
-وها أنا أنفذ وعدي معك بأن أخرجك من السجن.

سألته باكية:
-ماذا علي فعله حتى تنفذ لي باقي رغباتي؟

ضحك عالياً وهو يقترب منها يداعب خصلة من شعرها يلفها حول سبابته:
-رغباتك هي الطلاق وتركي برفقة ابنائي أليس كذلك؟

أومأت له فقال:
-لا طلاق ولا ابناء حتى أموت ووقتها يمكنك فعل ما تودينه.

عقبت عليه وهي تصر على أسنانها:
-كم اتمنى حلول هذا اليوم بفارغ الصبر

آلمه حديثها ولكنه ارتدى قناع الصرامة وعدم الاكتراث وعقب عليها بجمود:
-وقتها ستندمين أشد ندم على فقدانك لي، لأنك وقتها لن تجدي قوت يومك وربما تأكلين طعامك من أكياس القمامة.

صرخ بنهاية حديثه هادراً:

-هيا لا تتلكئي واصعدي حتى تتجهزي للحفل اللعين.

~~~

وقف وسط الحفل ينظر بزهو لجمع العائلة التي اجتمعت اليوم بهذا الشكل المتأنق فقط لدعوته لهم، وما جعله يشعر بالسعادة هو انحناء الجميع أمامه وتقبيلهم لكفه كما يفعلون مع والده.

دلف أحد رجالهم الأوفياء والمنتمي للعائلة منذ أمد الدهر، ولكنه كان غائبا لفترة كبيرة بأمريكا لعلاج زوجته الراحله دون جدوي، اقترب منهم وبجواره ابنه وبنته؛ فانحنى يقبل يد "تازيا" وأعتدل رامقاً "ستيفانو" بنظرات فرحة مباركة:

-مبارك لك "كابو".

مد "ستيفانو" راحته له؛ فانحنى يقبلها على مضض وفعل ابنه بالمثل وابنته تنظر لهم بتعجب مما تراه يحدث أمامها لاول مرة، التفت ينظر لها وانحنى هو تلك المرة يقبل راحتها بلباقة لم تراها منه منذ لحظات ووالدها يعرفه عليها:

-ابنتي "ميلانا".

ارتفع بجسده ناظرا لها ببسمة متسعة وهو يرحب بها:
-مرحباً بكِ "ميلي".

تعجبت فكيف علم اسم دلالها فسألته:
-كيف علمت ا...

قاطعها وهو يضحك موضحاً:
-هو الاسم الأنسب لكِ، أليس كذلك؟

بادلته الضحك، فسأل والدها بفضول:
-منذ متى تخبأها عنا "يوجو"؟

رد بتلبك:
-ابدا لم يكن هذا بيت القصيد، ولكنها مكثت مع والدتها منذ صغرها، وتعلم أنني لحقت بهما عندما اشتد المرض على زوجتي الراحلة حتى صعدت روحها للجنة.

انحنى "يوجو" يهمس بأذن "ستيف" يترجاه:
-ابنتي لا تعلم عنا شيئا، وأرجو بقاء الوضع هكذا إذا وافقت "كابو"!

أومأ له وهي تتابعهما بنظرها وسألت أخيها بحيرة:
-من هذا الرجل الذي يقبل يده الجميع وحتى أبي وأنت؟

رد محاولا اختلاق أي أمر:
-انه كبير تلك العائلة، وهو المتصرف بكل شيئ يخصها ويخص تجارتها.

سألته من جديد بحيرة أكبر:
-وما شأننا نحن به؟

أجابها "ستيف" من الخلف:
-لأنني المنوط برعاية وحماية كل من ينتمي للعائلة، وأنتِ وأباكي وأخاكي تنتمون لنا.

ردت على حديثه بابتسامة باهتة؛ فصدحت صوت الموسيقى لتعلن عن بدأ فقرات الحفل وبدأ المدعوون بالرقص الهادئ على تلك الموسيقى الشاعرية فاقترب منها ماداً يده لها:
-هل تسمحين لي بالرقص؟

وافقت بايماءة طفيفة وتحركت معه لمنتصف حلبة الرقص وبدأت بالتراقص معه على أنغام الموسيقى وطوال الرقصة يتحدثان ويبتسمان ويضحكان حتى انتهت الرقصة وامتنت له:
-حقاً لم أضحك هكذا منذ فترة كبيرة.

رد مبتسماً:
-أنا موجود بأي وقت تحتاجين لبسمة حقيقية.

قبل راحتها بلباقة وانحنى باحترام يستأذنها:
-لابد أن أرحب بباقي ضيوفي الآن؛ لذا سأتركك مضطرا.

ابتسمت وهى تومئ له، فتحرك من أمامها وظلت هي تنظر بإثره تتذكر النكات والمواقف التي قصها عليها؛ فعادت للضحك مجددا، تقدم والدها يقف بجوارها متسائلا بحيرة:
-ما بك ابنتي تضحكين بمفردك؟

التفتت له مبتسمة وأجابته بتسائل:
-ما طبيعة عمله؟

قوس حاجبيه متسائلاً:
-من تقصدين؟

ردت بفضول:
-"ستيفانو".

ارتبك على الفور وهو يحاول اختلاق أي كذبة فقال:
- يدعى الـ "كابو"، إياكي والخطأ أمامه، وهو يعمل بالتجارة أو بالأحرى كل تجارة هؤلاء الحضور تصب في مصلحته؛ فعائلته تملك نصف روما تقريباً.

نظرت حولها للقصر الضخم ذو الطراز القديم والساحر وقالت بإعجاب:
-تبدو لي كعائلة عريقة لمجرد امتلاكها شيئاً فائق الجمال كهذا.

مسح على ظهرها وهو يوجهها ناحية الطاولة الطويلة والمرصوص عليها أصناف متعددة من أشهى المأكولات وهو يخبرها:
-نعم هم أقدم عائلة بالمنطقة ويملكون معظم المحال التجارية والشركات أيضاً، هيا ابنتي لتناول شيئا.

~~~

ترجل من سيارته بعد أن قام عامل الجراچ بفتح الباب له وتبعه ابناءه والتف هو ليساعدها على النزول رافعاً طرف ثوبها الطويل والمزين بالأحجار الكريمة؛ فتأبطت ذراعه وتحركت معه للداخل لتلتف جميع الأنظار لهم وهم بأبهى منظر.

ابتسم "ستيف" فور أن رآهم؛ فتحرك نحوهم يرحب بهم:
-مرحباً "داني"، كم تبدو عائلتك رائعة يا صاح!

انحنى له يقبل راحته واعتدل ممتناً:
-شكراً لك "كابو".

أشار له للدخول وهو يقول بمرح:
-استمتع بالحفل و"سليم" قد أوشك على الوصول.

حرك رأسه بحركات متتاليه وسحبها من راحتها ونظر لأبناءه هاتفا بصوت عالٍ نسبيا حتى يستمعوا له من صخب الحفل:
-استمتعوا ولا تنسوا أنكم ابناء "الموت الصامت".

نظر للصغيرة المتمسكة براحة والدتها وسحبها منها؛ فذعرت وتنفست بتوتر فانحنى يحدثها بهدوء:
-حبيبتي، هل ترين ألعاب الأطفال التي هناك؟ هل تودين اللعب بها؟

أومأت بتخوف فوقف وأمر زوجته:
-انتظريني هنا حتى أعود.

تركها وتحرك برفقة صغيرته؛ فمشت هي متجهة للمائدة لتقتاط شيئا، فقد تركت الإفطار بعد ما حدث صباحاً ولم يتسن لها الوقت لتناول أي طعام، بدأت بوضع قطع الطعام بالطبق فوجدت من تحدثها برقة:
-ثوبك رائع.

التفت تبتسم لها ونظرت لما ترتديه وأطرت عليها هي الأخرى:
-وأنتِ أيضاً. 

مدت الأولى راحتها تعرف عن نفسها:
-"ميلانا فيديتي" ابنة "يوجو فيديتي" 

صافحتها وكأنها تعلم من هو وعرفتها بنفسها:
-"ڤيرونا شاجي"

لتتلبك وتصحح:
-أقصد "ڤيرونا ڤينيسيو"

رفعت "ميلي حاجبها بحيرة؛ فوضحت لها الأخرى:
-عذرا فـ "شاجي" لقب عائلتي أما "ڤينيسيو" هو لقب زوجي.

أشارت له وهو يقف بجوار صغيرته يضعها على الأرجوحة:
-"داني ڤينيسيو".

ابتسمت لها "ميلي" وهي تمزح معها:
-يبدو أنك حديثة الزواج حتى تخطئين بلقبك وطفلتك ما زالت صغيرة، كم عمرها؟

ردت وهي تنظر مندهشة لـ "داني" وهو يلاعبها:
-أربعة أعوام.

لم يسع الوقت لتصحح لها عندما اقترب ابنها الأكبر "دونتي" وناداها:
-أمي، هل رأيت "ديڤو"؟

نفت بحركة من رأسها وردت:
-ربما يقف مع "ستيفانو" أبحث عن أخويك فأنا أرى "فيرو" يقف هناك.

لم تفهم تلك الواقفة ما يحدث بالظبط وما علاقة "ستيفانو" أو الزعيم بهم؛ فتسائلت:
-"ستيفانو" هو الزعيم أليس كذلك؟

ضحكت "ڤيرونا" ووضحت لها:
-آه تلك قصة طويلة.

وجدت فضولها فابتسمت وقصت عليها:
-حسنا، أنا لست حديثة بالزواج كما تظنين، فهؤلاء أبنائي، الأكبر هو "دونتي" يبلغ من العمر خمسة عشر عاماً ويليه "ستيفانو" ويبلغ أربعة عشر عاماً ولكِ أن تتخيلي أنه سمي تيمنا بالزعيم.

ضحكت "ميلي" واستمعت لها تكمل:
-"ديڤو" و "فيرو" توأم غير متماثل، سمي أحدهما على أسم أخي الراحل"ديڤو" أما "فيرو" فسمي تيمناً باختصار أسمي كانت تلك رغبة والدهم، وهناك الصغيرة "لوسيانا" هي أصغرهم والفتاة الوحيدة.

لمعت عينها وهي تعقب:
-خمسة ابناء وتبدين صغيرة بالسن جداً، أنا لا يمكن أن أعطيك أكثر من خمسة وعشرون عاما.

ضحكت وهي تصحح:
-بل خمسة وثلاثون.

شردت لحظة وهي تتذكر ضياع عمرها بسجنه طوال تلك السنوات، فقد دخلت قصره وكانت بالثامنة عشر لا أكثر والآن هي امرأة ناضجة وأم لخمسة أبناء وقد مضى ثلثي عمرها بالفعل وأوشكت على الدخول بسن الأربعين، ولم يسعها سوى تذكر نفس الذكرى التي تؤلمها دائما.

عادت تقود دراجتها بعد أن أخبرت رفاقها بموافقة والدها أخيراً على سفرها لاستكمال دراستها بالخارج، ولكنها وجدت العديد من السيارات السوداء رباعية الدفع تصطف أمام باب منزلها؛ فتركت الدراجة بمنتصف الطريق واقتربت لتستشف الأمر، ولكن الرجال المحاوطين للمنزل أمسكوها عنوة ودلفوا بها لتتفاجئ بهذا المشهد الذي زعزع كيانها وأدخلها بحالة من الصراخ عندما وجدت أخيها الصغير غارقاً بدماءة ووجه مقابل للأرض، ووالديها مكبلان وجاثيان على الأرض والرجال تحاوطهم من كل جهة.

التفتت على صوته الذي ميزته فوراً وهو يقول:
- أخيراً عادت فتاتك "كونتي".

توسله الآخر بانهيار:
-أتوسل لك "داني" أتركها وشأنها فقد قتلت طفلي أيها اللعين ألا يكفيك هذا؟

أجبرها الرجال على الركوع والإستناد على ركبتيها بعد أن كبلوها وكمموا فمها كما فعلوا بوالدتها، واستمعت لـ "داني" يتحدث بغضب:
-قمت بخيانتي وتعاونت مع اعدائي وتسببت بموت حبيبتي وابني، فهل تظن مجرد قتلي لطفلك سيكون كافيا؟

توسله بانهيار:
-اتوسل لك، أقسم أنني لم أكن أعلم أنهم سيقتلوها وقد هددوني بعائلتي، أنت تعلم أننا أكثر من مجرد زملاء عمل وها قد أخذت ثأرك مني وقتلت صغيري فكفى "داني" وتراجع عن ما يدور برأسك.

أخرج "داني" سلاحه وصوبه ناحية رأس "فيرونا" التي دمعت عينيها صامتة لا تصارع للبقاء، وتكلم بغلظة:

-لقد فقدت حبيبتي وابني وفقدت معهما نفسي، فهل تظن أن أرواحنا نحن الثلاثة تساوي فرداً واحداً من عائلتك؟

انتظر سماع رده فعقب عليه:
-اقتلني أنا إذاً، أترك ابنتي وزوجتي أرجوك.

جحظت عينيه بشرر واقترب منه جاثيا على ركبتيه ونظر له بعيون لامعة وتكلم وهو مطبقاً على أسنانه:
-بل ثلاثة مقابل ثلاثة، وسأدعك تختار من سيظل على قيد الحياة منهما.

انتحب "كونتي" بانهيار ناظراً لزوجته وابنته؛ فحررت زوجته فمها من التكميم وتكلمت بصعوبة:
-اختارها هي "كونتي" اختار ابنتنا أتوسل لك.

بكت وهي تنظر لها بحزن؛ فأومأ "كونتي" مؤكداً:
-حسنا، أترك "ڤيرونا"

وقف على الفور وهو يوجه سلاحه لوالدتها:
-لك هذا.؟

أطلق النار عليها فخرت صريعة وخرج صوت صراخ "ڤيرونا" المكتوم تناديها بقهر، عاد ينظر له بعد أن جعل رجاله يوقفوه على قدميه وردد كلمته له:
-سيمر، سيمر فقط تماسك.

طعنه بخنجره بقوة؛ فمال جسده يستند عليه ولا زال "داني" ينظر له بثبات مرددا:
-سيمر، كن قوياً وسيمر ولا تقلق على ابنتك لأنها ستكون بأيدٍ أمينة.

عادت من شرودها مع اقترابه منها وتقبيله لعنقها وهو يبتسم للأخرى التي تقف معها:
-مرحباً.

رحبت به وهي تطري عليه:
-مرحباً، تبدو كأب رائع.

ابتسم لها وهو يخلل أصابعه بخاصة زوجته الصامتة:
-أنتِ ابنة "يوجو" أليس كذلك؟

أومات له فسألها:
-أين هو؟ فأنا لم أره منذ أعوام.

أشارت باتجاهه وأستأذنت لتتركه معها فأدراها لمواجهته وهمس لها:
-الابنة لا تعلم بشأن العائلة؛ لذا أتمنى أنك لم تخبريها شيئا.

أومأت له بطاعة فسحبها ناحية حلبة الرقص ليتراقصا سويا وهو يقبل عنقها وفمها مستغلاً صمتها وتجاوبها معه مضطرة أمام العائلة.

~~~

انتهى الحفل وودع "ستيف" كل المدعويين ما عدا "يوجو" الذي ظل برفقة ابنه وبنته بعد أن أخذ أوامرة من الـ "كابو"
-لا ترحل وظل هنا؛ فمنزلك مغلق منذ أعوام ولا أظنه صالح للمكوث به.

حاول الرفض بشكل مقنن:
-بالفعل، ولكن حقائبنا بالفندق و...

قاطعه "ستيف" بصرامة:
-لن أكرر حديثي، والحقائب بالطريق إلى هنا.

تركه بعدم اكتراث وخرج للحديقة؛ فوجدها تنظر أمامها بشرود للمنظر البديع الذي أمامها وإطلالة الحديقة عليه؛ فتنهدت دون أن تشعر به يقترب منها فتكلم متعجباً:
-يا لها من تنهيدة عميقة!

انتبهت له فابتسمت وهي تعقب:
-المنظر رائع.

وقف بجوارها يدخن سيجاره الفخم:
-لغتك الإيطالية جيدة جداً بالرغم من مكوثك بامريكا معظم عمرك.

ردت توضح:
-كانت والدتي تصر على تحدثي بها حتى لا انساها.
-جيد جدا، إذاً هل تنوين البقاء هنا أم ستعودين؟

بحيرة أجابت:
-لا أعلم حقا ولكن إن أصر والدي على البقاء فقد أظل فالبلاد حقا رائعة، ولكن لابد أن أبحث عن وظيفة جديدة.

سألها بفضول:
-ما تخصصك؟
-إدارة أعمال.

ضحك وهو يعقب:
-مجال مطلوب جداً ومن السهل إيجاد وظيفة هنا إن أردت.

ابتسمت وقالت وهي تشاكسه:
-حسناً إن كان الراتب مغرٍ قد أفكر. 

غمز لها وهو يهمس بمداعبة:
-سيكون أكثر من مغرٍ، فقط لا تذهبي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي