رفيقتي المتمردة

Asmaa Hemeda&Sabrina`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2024-07-14ضع على الرف
  • 46.4K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

1معاناة

استمعت إلى صيحات النصر وصوت جلبة في الأرجاء، فزفرت أنفاسي بيأس، ها هم يحتفلون بما ظفرت أيديهم من غنائم بعد هجوم شنه قطيع المارقين بقيادة ويلسون الذي ومع الأسى أدعوه أبي.
أي نوع من الآباء هذا ؟!

قادني الفضول للخروج إلى الغابة فتركت خيمتي وأنا أسير وسط كومة متكدسة من الأشجار بخطى حثيثة حتى لا يلمحني أحدهم، وقفت منزوية خلف جذع شجرة ضخمة أراقبهم من بعيد.

وكيف لي أن اقترب ؟!
فأنا صوفيا أكثر فرد منبوذ بالقطيع، فها قد بلغت السادسة عشر من عمري ولم أتحول ولم تظهر ذئبتي حتى الآن بعكس شقيقتي لوسيا المحبوبة من قبل الجميع والتي تحولت بسن الرابعة عشر وكانت ذئبتها من أقوى ذئاب قطيعنا، ولا أعلم ما ذنبي في هذا التأخير !!
ألهذا يعاملني الجميع بدونية ؟

طغى صوت دقات قلبي حتى ظننت أنه قد علا ليغطي على أصوات الدف الذي تضربه الكفوف، و لوسيا ترقص برشاقة حول ألسنة اللهب المشتعلة في بعض قطع الحطب التي جموعها من أجل احتفالهم المبتذل هذا.

ظلت جميع الأعين تتابعها بانبهار حتى مَن تقدم بخطوات واثقة اقترب يتابع حركاتها المثيرة، إنه البيتا نيكولاي.

زفرتُ أنفاسي بتمهل علِّي أُهدأ من ثورة مشاعري الجياشة نحوه؛ لقد أحببته سراً وأعلم أن قلبي لن يَلقى سوى العذاب في عشقي المحرم هذا، فنيكولاي لا يرى سوى لوسيا خطبيته التي من المؤكد أنها رفيقته، ومن المنتظر إعلان زواجهما بعد إتمامها الثامنة عشر والتأكد من أنها مَن اختارتها له آلهة القمر.

فجأة ضِبِطتُ بالتلصص عندما وقعت عينا لوسيا عليّ وأنا أرمقه بنظرات العشق.

ارتسمت على شفاه لوسيا ابتسامة ماكرة، واقتربت منه تمسك بيده تجذبه معها إلى ساحة الرقص، تميل إليه بدلال ونظراتها الشامتة تقول الكثير.

شقت آهة الألم صدري وشعرت وكأن خنجر مسموم ذو حدين أُدِير نصله بِحرفية مخترقًا ضلوعي وقد ترقرقت الدمعات بعيني وأنا أرى حب طفولتي مع غيري، فأنا أحق به منها، هو أبداً لم يكن حلمها ولكنني المخطأة عندما أطلعتها على ما في قلبي له.
أين كان عقلي حينها؟! فقد ظننت أنني أفضي بما يجيش به صدري إلى أختي وبئر أسراري، ولم أكن أعلم أن أعينها دائماً تنظر إلى ما أصبو إليه، ولم تقنع بما وهبته إليها الآلهة من جمال.

ألقت شباكها عليه وأخذت تتودد إليه حتى أقنعت الجميع بأنها الرفيقة المنتظرة للبيتا نيكولاي، ولكن قلبي الخائن لازال يهواه.

انقطعت شِبَاك أفكاري على صوت لوسيا الساخر وهي تقول :

- "لماذا تختبئين في الظلام؟! هل تخجلين من قبحك أم تخفين مدى وضاعتك وأنت تنظرين إلى ما لا يخصك؟"

وددت لو أطاعتني أحبالي الصوتية لأصرخ بوجهها وأعلنها أمام الجميع أنني عشقته قبلها، مَن تدعي أنه لا يخصني هي مَن سلبتني حقي به، ولكن هل مِن منصت؟!
ابتلعت كلماتي الحانقة وقررت أن ألملم أذيال خيبتي وأرحل عن جمعهم المتملق هذا، فلا أريد أن أبدو شمطاء غيورة خاصة بعد أن تحولت نظرات الجميع باتجاهي.
شعرت وكأنني عارية أمامهم فهذا يقهق بسخرية وأخرى ترمقني باستحقار وبعضهم تلوح بعينيه نظرات الشفقة.

ركضت إلى الغابة أهرب من أعينهم الفضولية، والدموع تعرف مجراها على وجنتيَّ، تعثرت مرات وكدت أن أقع، ولكن جلَّ ما يهمني هو الابتعاد قدر استطاعتي عن نظرات هؤلاء المتنمرين.

توقفتُ ألهث بأنفاس متقطعة وقد اقتربتُ من البحيرة، وفجأة اعتراني وميض شديد من الألم، أغمضت عيني وأخذت أتوجع بصمت.

علمت حينها أنني على وشك التحول ويجب علي أن أتحمل كل هذا بمفردي دون تشجيع أو مساندة من أفراد القطيع، دون احتفال كما يحدث في العادة.

وبالرغم أننا قطيع من الروجرز إلا أننا لدينا طقوس نتلوها في احتفالاتنا ولكنني لا أرغب في أن يعلم أحد بأمر تحولي، لا أريد أن أكون جزء من عالمهم الذي أمقته، عالم المطاردين ممن لا أرض لهم، يستبيحون دماء بني جنسهم يسلبون وينهبون ويقطعون الطرق، أجل فقطيعنا من المرتزقة الرحالة، وقد آل بنا الحال نختبئ في هذه الغابة البعيدة، فمَن يطالبون بإبادتنا كثيرون.

تحاملتُ على نفسي وأنا استمع إلى صوت سحق عظامي والألم بداخلي لا يحتمل وكل عضلة بجسدي تئن وكأنه على وشك الانفجار إحساس مخيف كقبض الروح بأشد أنواع العذاب.

وأخيراً بعد عدة دقائق بدت وكأنها عمر لن ينتهي.
انتهت معاناتي بتوقف ما شعرت به من عذاب وسمعت صوتاً يقول :
- "مرحباً صوفيا".

في البداية انتابني شعور بالدهشة وسألت بعجبٍ :
- "هاااي مَن أنتِ؟!".

جائني الرد :
- "انظري إلى انعكاسكِ على صفحة الماء كي تعلمي إجابة سؤالك السخيف هذا.. أنا ذئبتكِ ألورا أيتها البلهاء".

وبالرغم مما تكبدته من أوجاع ومشقة، ولكن الفرحة لم تسعني وأنا أنظر باتجاه الماء ورأيت ما لم تقع نظراتي عليه من قبل.

لم أكن على شاكلتي البشرية، كان جسد ألورا يحتل الصورة المتراقصة على وجه الماء، فتتمت :
- أوه ألورا! .. أنت رائعة.

استدارت أعيني وأنا أتأملنا بانبهار إذ كانت الهيئة لذئبة حجمها ضعف حجم ذئاب قطيعنا، فراء بيضاء لامع لم أرى مثله من قبل، قوائم يكسوها وبر أسود كث.
توجهت أنظاري إلى ذلك الذيل المموج باللون الفضي ولفت انتباهي صك بعلامة غريبة، وشم لتاج ملكي أعلاه هلال أحمر يحتل فخذنا الأيسر.

هزت ألورا ذيلها بخيلاء، تقول :
- "نحن محظوظتان لقد أنعمت علينا آلهة القمر بهبة كبيرة لن تعلمي قدرها الآن، ثابري".

لازلت أشعر الصدمة لذا التزمت الصمت ولا أعلم ما يجب علي قوله، ولكن إحساس رائع شملني وأنا أراقب انعكاسنا بالماء.

شهقت بفزع أقول :

- "يجب علينا العودة قبل أن يكتشف أبي غيابي".

ما كدت أكمل جملتي حتى شق عواء قطيع من الذئاب السكون الذي يحف المكان إلا من صوت خرير المياه المتساقط من أعلى شلال يسكب ماءه في البحيرة، وبفضل حاسة السمع القوية التي تتمتع بها كلنا الآن استمعت إلى أحدهم يقول : "يجب العثور على هؤلاء الروجرز وإنهاءهم قبل شروق الشمس، فما فعلوه ليلة أمس لن يمر مرور الكرام".

جذبتنا رائحة مميزة فتتبعتها أنا وألورا، وإذا بنا نقترب من ذاك القطيع الذي يقوده ذئب ضخم مخيف ذو فراء باللون الأسود القاتم وأعين حمراء دامية، وما إن لمحنا حتى تبادل إشارات مبهمة مع مَن ينضمون إليه، بعضهم التقطها والبعض الآخر انقض بالهجوم علينا، ولكنهم تجمدوا بأماكنهم عندما صاح بهم واستمعت إليه يقول : "حذاري أن يمسها أحدكم بسوء إنها رفيقتي، رفيقة الألفا ألكسندر".

تصنمت بأرضي لوهلة وأنا أقول لألورا :

- "اللعنة! رفيقنا ألفا قطيع القمر الأحمر ! يا لا سوء الحظ! فلو علم أنني ابنة ويلسون الذي يطالب برأسه سيتخلص منا على الفور.

أجابتني بإحباط :
- وأي لعنة !! فالقادم هلاك.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي